رغم تصنعي الصلابة لفترة ليست بالقليلة إلا إني سُرعان ما صارحتها بحُبي أنا الآخر فلم استطع الصمود كثيرًا أمام إلحاح قلبي وحُزنها الواضح وتشككها الدائم لعدم تفوهي بتلك الكلمة الصغيرة التى لم أحُسها تكفِ للتعبير عن مثقال ذرة مما أشعر به داخلي نحوها ..
لكني وقبل أن أُقدم على ذلك كُنتُ قد عاهدتها وعاهدت نفسي ألا أُحادثها سرًا أو أُقابلها في الخفاء، لقد أردت أن أُحافظ عليها نقية بريئة وألا أُلوثها ببث كلمات الحُب والعشق على مسامعها المُتلهفة مثلي لخوض تفاصيل تجربة غرامية تُشبع أهواء أفئدتنا، فأقنعتها بالاستمرار كما كُنا في السابق دون زيادة أو نُقصان، ولنكتفِ بذلك الاعتراف الصغير والذى أصبح كالعهد بيننا لاينقضه سوى تخلى أحدنا عن الآخر ..
مر مايُقارب السنة ونحنُ على ذلك الحال، حتى أنهيت دراستي وجاء ذلك الوقت المُفزع حينما جاء وقت التحاقي بالجيش، ورغمًا عن تزايد الخوف بداخلي من الابتعاد عنها طوال تلك المدة، إلا إني لم أُظهر لها سوى الصلابة كالمُعتاد، وقبل مُغادرتي أهديتها صورة صغيرة لي بُناءًا على إلحاحها المُستمر، تاركًا لقلبي العنان في اختيار ماشاء من كلمات تُعبر عن صبابته، لكني في النهاية لم استطع سوى أن أَخُط ..
( اكتفِ بصورتي حتى يجمعنا القدر سويًا )
وزيلت حروف إسمي بالنهاية .. خالدمرت الأيام في تلك المُعسكرات الصارمة بعيدًا عنها كالسنوات العِجاف، فبالكاد كانت اليالي تمُر، ورغم اعتيادي على البُعد منذُ البداية، إلا أن تلك التجمعات العائلية كانت هي مصدر السلوان الوحيد لقلبي الذي حُرم منها غصبًا واقتدارًا، فأصبحت أقضي الليالي المُلتاعة وأنا أُمني نفسي بفرحة اللقاء وجمال الوصال حينما تتلاق الأعيُن دون حديث ونتبادل الابتسامات التي تحمل بين طياتها الكثير من الأشواق ..
وبالفعل كانت لقائاتنا في أيام الإجازة القليلة أكثر لهفة وشغفًا وكانت هي أكثر جمالًا ونورًا وإشراقًا، لكن ذلك النور والإشراق كان يخفت مع مرور الوقت بشكل ملحوظ أثار ريبتي، وكأنها لم تعد تشتاق .. لم تعد تهتم ..
سعادتها الغامرة برؤيتي أصبحت مُجرد فرحة عابرة تستمر لدقائق ثم يغلُب عليها الفتور وكأنها تراني كُل يوم وكُل ساعة، فلم أفهم السبب وراء ذلك في البداية وأردت تصديقها عندما قالت :
_ الأمتحانات قربت وأنا متوترة ..
لكن وحتى في فترات إجازتها كانت تزداد إبتعادًا وكأنها سأمت من وجودي وملت من رؤيتي، فلقد حدث ماكُنت أرتعد منه رغم أني حاولت جاهدًا أن أقطع كُلُ السُبل إليه، كُنتُ أعتقد أني بابتعادي وقلة تواجدي أمام عينيها فأنا بذلك سأزيد لهفتها ومودتي وسأمنع السأم والضجر من تخلل ثنايا حُبنا الصغير وإفساده ..لكني ودون أن أعي تغافلت عن ذلك الفراغ الذي ملأ حياتها بعدم تواجدي، لم أحسب حساب تلصص آخر مُحاولًا إشباعه، كُنتُ أعتقد أني ملأت كل ثغرة بداخلها مثلما فعلت هي، حَسِبت بأن روحها تعلقت بي دون إرادة منها، لذا فهي لن تسمح لأي دخيل بالاقتراب ..
لكن ماحدث هو العكس .. كان هُناك أحدهم ..
بدأت العلاقة بمُجرد زمالة ثُم تطورت إلى صداقة وطيدة حتى أنها حدثته عني وحدثها عمن يُحب، كان نِعم المُستمع لها وقت ضجرها في فترات غيابي، وكانت هي صادقة في الحديث معه حتى وقع بحُبها، فازداد إهتمامًا وازدادت هي تعلُقًا، زحف كُلًا منهما نحو الآخر ببطء شديد لم يعيه أيهما، ولم يفيقا منه سوى عندما تمكن الحُب من أفئدتهما ..
هذا ماقالته وهي تَردُ إليّ صورتي الصغيرة، كانت تلك المُقابلة الأولى والأخيرة التى رأيتها بها خارج التجمعات العائلية، وكأن القدر يُهديني جزاء حرصي على الحفاظ عليها حتى من نفسي، فكانت النهاية بنقضها العهد وتخليها عني ..
![](https://img.wattpad.com/cover/301703736-288-k844776.jpg)