قرائي الأعزاء متنسوش الفوت فضلًا 🙏🙏
لم تكن لحياتي معنى أو لصباحي أي أهمية تُذكر إلى أن صادفته ذات يوم، جذبني إليه خيط خفيّ عَلِق دون قصد بتلابيب قلبي الخالي فأصبح يُقربني إليه يومًا بعد يوم، صباحًا تلو صباح، فغدوت على موعد مُتكرر شبه يومي مع السعادة في تمام الثامنة صباحًا وحتى الثامنة وخمس دقائق، خمس دقائق فقط كانت كفيلة بإحيائي من جديد وبث الدفء بكل خلية داخلي حتى نهاية اليوم، فلم أشعر بقسوة هذا الشتاء كباقي البشر ولم أفقد الاحساس بأطرافي من فرط البرودة كما المُعتاد، فهذا الوهج الذي اشتعل بداخلي حماسًا لرؤياه كان كألف مدفأة تشتعل نيرانها حولي لتدفئة كل سنتيمتر في جسدي الضئيل ...
منذُ سنوات لم ينتابني ذلك الشعور الخَدِر اللذيذ وكأني قد تحولت إلى جماد بلا قلب يخفق أو روحًا تشتاق، لكن .. هاأنا استعيد آدميتي من جديد، وهاأنا استيقظ لرؤياه ...فقد كان ما يدفعني للاستيقاظ صباح كل يوم ويحثُني على مقاومة خِدر ذلك الدفء اللذيذ الذي يشملني داخله ويضمني إليه أسفل ذلك الغطاء الناعم؛ هو وقوع عيني عليه، ففور تذكري لخفقات قلبي المُتتالية حين أراه يدُب الحماس داخل أوصالي ويسرى الدفء في أطرافي وتنتفض مفاصلي بقوة دافعة إياي للتزحزح عن نومتي ومغادرة الفراش بكُل نشاط، وكأن حرارة قلبي أصبحت كفيلة بأن تُضرم نار تبتلع عشرات من أمثالي ..
ودون أن أشعر تزحف الابتسامة لترتسم على وجهي وتنفرج ملامحي وتلتمع عيناي ببريق الحياة وكأنني على شفا موعد غرامي رتبت تفاصيله بعناية داخل عقلي، فأُطالع عقارب الساعة بأهتمام وأتوجه إلى حمامي بسرعة لأغتسل وأتأنق ثُم تعدو قدماي نحو باب منزلي على عجل لم أعتده خوفًا من أن يفوتني موعده، فأبدو كمن يُسابق بلهفة واشتياق إلى باب الجنة خوفًا من أن تُغلق بوجهه ويُحرم من نعيمها ...
في كُل يوم أشعُر بحالي كعروس ستُزف إلى محبوبها بعد عدة دقائق، فأتفقد كل تفصيلة بمظهري خوفًا من أن تقع عيناه على شائبة بي لاتلقى إعجابه، لكني في النهاية أنفث بغضب وأزفُر بعدم رضا على تفكيري الطفولي ذلك فأتصنع عدم الإهتمام وأغدو هاربة من أمام مرآتي وكأني لاأُبالي بل وكأني لا أكترث للقاؤه من الأساس ...
لكن ماإن تطأ قدماي أعتاب الطريق حتى يبدأ قلبي في الخفقان من جديد وتزداد دقاته كُلما اقتربت من تلك البقعة التي سيمُر منها، فتتلفت عيناي بجرأة ونهم بحثًا عنه في جميع الوجوه المارة، وكأن حياتي تتوقف على تلك النظرة اليومية بل وكأني أدمنته !
إلا أن عدستاي سُرعان ما تتقهقر بخُذلان في الحال عندما يخيب مسعاهم ويُكلل بالفشل، وقبل أن أطرق برأسي حسرة ويبدأ عالمي بالانهيار، أجد عُنقي تُحارب رافضة هزيمتي فتشرأب رغمًا عني وتمتد إلى الأمام بثقة لتجتاز وجوه المارة إلى ما ورائهم وكأنها قد نمت في ثوان وازدادت طولًا دون أن أعي ..وكأن الشمس سطعت فجأة من وسط الغيمات، بل وكأن برودة الشتاء قد تحولت إلى نهار صيفي شديد الحرارة، فمالي أشعر باللهيب يلفح وجنتاي وأتصبب عرقًا بداخلي في تلك اللحظة التي يطل فيها أمام عيناي بهيئته الشبابية المرحة ليرُد إليّ روحي من جديد ويُعيد لرئتيّ أنفاسها، ودون أن أعي تخرج مني في الحال زفرة طويلة حارة حُملت بتلك الأحاسيس المُتضاربة داخلي من خوف وفزع وقلق خشيةً من ألا أراه، لكن سُرعان ماتنتظم دقات قلبي من جديد قبل أن يتملكني الخفر وأنا ألمحه يُقبل نحوي وتتناقص الخطوات الفاصلة بيننا، بينما بداخلي أشعر بقلبي يُزغرد وكأن ذلك القادم في طريقه إليّ كي يجثو على إحدي رُكبتيه ويُمسك بأناملي ليلثمها بلطف مُعلنًا عن حُبه وسط ذلك الحشد من البشر ...