{ نسِيـم}
مرت أيامها بترقُب ، بخوف من الإنهيار مرة ثانية
مرت لياليها مليانه أرق وتفكير .. وهالشيء لاحظه جسّار فيها ، من نقص وزنها لشحوب وجهها
لسرحانها الكثير واللي يتعدى مواقفهم سوى
سألها مرة ومرتين وثلاث .. وكان الصمت هو الجواب
بعد ما أنتهى من الإحاطة على محله ، حتى رجع للبيت ، ومن دخل لحديقتهم .. حتى تجمد مكانه بخوف ذرِيع خطف كل أنفاسه ، وهو يشوفها جالسة بمكانها الإعتيادي ، وتتنفس بسرعة وكل شهقة تعلى أكثر من الثانِية ، خُطفت أنفاسه وكان بينهار بمكانه من لمح دموعها تنزل بسلاسة على خدّها وعيونها وأنفها من شِدة البكاء مالت للإحمرار
خاف كثير .. وبقى يردد : يارب لا يمسها ضر يارب
تقدم بخطوات سريعة وهو يجلس قدامها على ركبه ، ويمسك كفينها وهو يسمي عليها : أستودعتك الخالق ياضييّ ، وش صاير ؟ فهميني من بكى هالبهاء
ومن شافته حتى زادت حدِة بكاها !
وصارت ترجف وهنا خارت قوى جسّار .. هالجبل القوي وش اللي قدر على إنهياره بالشكل المُريع هذا .. الحصن المنيع من اللي بكاه وأنهاه بالطريقة هذي ؟
أقترب وهو يلف يدينه حوالين كتفها وقربها وهو يضمها لصدره بحنية ، بدأ يمسح على شعرها ويقرأ عليها الأذكار وهي من هدأت وأنتظمت أنفاسها وهدأت دقات قلبها حتى أبتعد وهو يحاوط وجهها بين كفينه ، قال بخوف وضح على كل معالمه : عسى الشر ماصاب ياعيوني ؟ وش صاير وش سبب هالدموع اللي تكسر ظهور ؟
أخذت نفس وبدأت تزفره بهدوء وهي تبتسم وهو عقد حواجبه بإستغراب وما إن تلألأت الدموع بعيونها مرة ثانية حتى كان جسّار بيتكلم ولكنها قالت بإبتسامة : أُمنياتي ما خابت يا جسّار .. وأخيراً بحمل بين كفيني جسار الصغير
حتى ناظر لها بحِيرة ببداية الأمر .. ولكن من أستوعب كلامها حتى ترك كفينه من على وجهها .. ورفعها لوجهه وهو يمسحه بهدوء
عدل جلسته وبلع رِيقه بصعوبة ، وهو يحس بشعور غريب مر على أنحاء صدره ، بقى يناظرها بنظرات هادية وهو يرمش بصعوبة
أنهال عليه الخبر كالصاعقة.. ولكنها ماهيب صاعقة موت ، صاعقة مُحملة بالغِيث .. بالخير والمطر
خمس سنين وهم على عتبات إنتظار الظنأ ، ماذبلت أمانيهم .. ولا قنطو !
ورغم تلميحات الناس .. كلامهم ونظراتهم عن تأخر هالولد إلا إنها ما أهتمت أبداً .. كانت تقول كل تأخيرة فيها خِيرة وكل اللي من ربي نحبه
ولكن لا يخفى لهفتها على حمل ولدها بين يدينها ، ولا يغيب عنها رغبة جسار بالظنأ .. ولكن ماكان بيدهم شيء .. سوى الإنتظار
ومن بعد خمس سنين قضوها مع بعض لوحدهم .. حتى أعلن الطفل الصغير حضوره وتشريفه لحياتهم
ومن تأكدت من خبر حملها ، وأيقنت إنها فعلاً تحمل بأحشائها طفل جسّار .. حتى بقت تبكي لدقائق طويلة وبحضور جسّار زاد بكاها
ناظرت له وهو منصدم ويناظرها بدهشة ، يوضح الهدوء بتصرفاته ، ولكنها موقنة إنه مصعوق حالياً
ومن ضحكت وهي تقول : جسّار
حتى ميّل شفايفه بخفوت وهو يصد عنها وهنا عرفت إنه أستوعب الموضوع ، وبدأ يتأثر
أبتسمت وهي تمسك كفه وتقربها وهي تحطها على أطراف بطنها وتقول : ماعاد للحزن محل ، لازم تصير حياتنا مثل حديقة هالورد .. لازم ما يمس السوء حياتنا عشانه .. وعشاننا
رفع عيونه وناظرها وهو يكتم دموعه ، كان ولازال حساس من ناحِيتها .. وهالمرة الموضوع أكبر منه ومن شعوره ، ويعجز يعبر عن فرحته قال بخفوت وهو يحرك يدينه على بطنها : هو صدق .. والا أنا بحلم؟
أبتسمت وهي تهز رأسها بإيوة وتمسح دموعها : والله إني صادقة .. واليوم تأكدت !
عض على شفايفه وهو يناظر ليده اللي على بطنها ثم أبتسم بهدوء .. ثم أتسعت إبتسامته وبعدها ضحك على وسع ثغره وهو يعدل جلسته ويقرب لها وهو يضمها بكل قوته وسط فرحتها وإبتسامتها اللي زيّنت ثغرها ، ومن أبتعدت حتى قالت : ماراح أعطي أحد خبر حالياً ، بعلم أهلي بوقت مناسب أكثر
أبتسم وهو يهز رأسه بطيب : وأنا ماعندي سواك .. أنتي أهلي وقبيلتي ويكفيني إن العلم معك
حتى ميّلت شفايفها ونزلت عيونها بسوء على حاله ، كونه فقد حتى أخوه الوحيد بسبب المرض ، ومن عرف إنها فعلا تأثرت من كلامه حتى أقترب وهو يضمها ويضحك : ما قلت هالحكي لأجل تبكين ، أنا والله سعيد بهاللحظة لدرجة ماعادني راضي أشوف دموعك .. عندي خبر لا بكيتي أنتي من اللي عاد بيسكتك ؟
نزلت دموعها وهي تبتسم وتشد على أطراف ثوبه .. وفعلاً بعد هالثبات وهالقوة اللي عاشتها طول حياتها .. يجي طفل مثل طرف الأصبع وينهي هالقوة ويبددها ويخلي مكانها قلب رهِيف ودموع على طرف عيونها
٠
٠
{ الجادِل }
من توسطت الشمس بالسماء ، حتى أبتسمت أشعتها باردة ، وهالشيء ما تعودت عليه إلا بالخسوف
لمت أطراف جكيتها الجِلد ، إللي من حست برعشات البرد حتى ألتجأت لدفاه ، وقفت وهي تنفض فستانها من التراب .....
وتناظر للباب تتحرى وصول بشرى
مر الصباح كامل وهي مع المزن ، تكلمو عن كل الأشياء اللي مرت بحياة الجادِل .. تكلمو عن عزيز عن عز وعن الخسوف والأماني والطموح
أبتسمت وهي ترجع تمرر يدها على أطراف شعرها وتتذكر كلمة المزن " يعز عليّ تناديني عمة وأنا أحسك ضلع من ضلوعي وبمنزلة عزيز ، أنا أمك مثل ما أنا أمه " تنهدت براحة وهي تحمد ربها على تواجد شخص مثل هالحِنية بحياتها .. أسبوعين بس قضتها في ظِلها وهي تحس إنها سنين طويلة وقرون
كونها آلفت روحها ، وبقت تحس إنها فعلاً مثل الأم وأكثر .. تنهدت بضيق وهي تتذكر إنها مرت ثلاثة أسابيع كاملة .. لا سؤال ولا حضور من أمل
تاركتها هنا بدون تعرف أخبارها ، وبدون تعرف وش عملت يدينها !
مشت من جنب إسطبل جدِيلة ورجعت شعرها لورى وهي تناظرها بضحكة : جدِيلة
أقتربت منها وهي تترنح ووقفت على أطراف السور والجادِل أبتسمت وهي تمرر يدها على أطراف وجهها ، وتنفض جدايلها وهي تبتسم .. عزيز ما يشارك بالسِباقات إلا وشعرها مجدل ، وهالمعلومة أنعرفت عند كل جمهوره
تنهدت براحة وهي تبتعد عنها ، وتمشي لغرفتها مُروراً بالصالة اللي تتوسط البيت ، وقفت مكانها وهي تعقد حواجبها لما سمعت كلام رحمة اللي تقول فيه : والله العظيم ياعمة سمعتها بأذنيّ الثنتين ، تقول قريب بترجع للمدرسة
نعمة ضربت كفينها ببعض وقالت : لا صدق ذلحين طالت وشمخت ، عز الله بقينا مسخرة للحي والميت ما يكفي إننا أنفضحنا عشانها مغشوشة ، وبقو يتكلمون عليها أيام طويلة .. والحين لما نسو السالفة تبغى تفضحنا وترجع تدّرس بالمدرسة
حكمة شدت على قبضة عصاتها وهي تناظر لرحمة : صادقة يارحمة ، البضاعة المغشوشة قالت هالحكي ؟
هزت رأسها بإية : ينقص لساني إن كنت مخطـ...
قاطعها حضور الجادل ونظراتها الساخِرة منهم ، ومن كانت بتتعداهم وتمشي .. كونها دائما تتخذ معهم مبدأ " التجاهل " لأنها كلما تجاهلتهم ريّحت رأسها من كلام كثير .. هي غنِية تماماً عنه !
إلا إنها هالمرة وقفت وهي تسمع كلام حكمة اللي تقول فيه : تعالي يالمغشوشة ، تبين تفضحينا قدام الخسوف .. زوجة الشيخ تقضب شنطتها وتشتغل ؟ تبيهم يقولون ماعندها اللي يأكلها ويسد جوعها
والله إنش تبطين عظم ، وإن تبقين بالبيت غصب عنش .. ونشوف من اللي كلمته بتمشي
تنهدت وهي تلتفت وتناظرها بهدوء : سامح الله من سماك حكمة ، ماكان عنده بعد نظر على تصرفاتك
وقفت وهي تضرب الأرض بعصاتها بعصبية وهي تقول : تسمع إذنش وش يقوله لسانش ؟ ولكن ماعليش شرهة ، وحدة مثلش نلقى بقلة حياها الكثير
عقدت حواجبها وقالت وهي تكتف يدينها : وش لقيتي مني !
نعمة : لقينا كل سوء ، وأولها رميّ أهلش هالوجه علينا ! من دخلتي هالبيت وحنا بسوء وفي سوء
رحمة قالت : لا تذكرين أهلها ، عديها مقطوعة من شجرة ، وين هالأهل اللي بيمر الشهر وهم ما سألو عنها !
نعمة : الله الله .. عيب علينا نسميهم أهلش ، الواضح إنش بمثل هالسوء عليهم .. عشان يرمونش شر هالرمية
حكمة طقت بعصاتها الأرض وقالت : لا تحسبين الشيخ بيرضى بفعلتش هذي ، هو أول المعارضين وأنا وأبوه معه ، خبتي وخاب ظنش يوم فكرتي إننا بنرضى تشتغلين وأنتي على ذمته
شدت على قبضة يدها ووهي تمنع دموعها تنزل ، من النزول من حقدهم ، وكلامهم اللي هالمرة كان بمحله .. فعلاً هي مقطوعة من شجرة ! ولا لها من يساندها ، لا أهل .. ولا حتى أم !
ألتفت بسرعة وهي تناظر للي تـ..
٠
٠
{ المِزن}
كانِت متجهة لجناحها ، بعد جلسة لطيفة مع أم سحابة ، وبدرب رجُوعها .. لفت إنتباهها وقوف الجادل وتكتيفها ليدينها وحكمة والبقية يكلمونها
والواضح يحاولون يكسرون قلبها .. هالمرة تعدى الموضوع حده
وهالمرة ما قدرت تكتم غضبها أكثر ، إلا حبيبة عزيز ، وإلا الشخص اللي يفضله على الكُل.. وإلا بنتها
تقدمت بخطوات غاضِبة وهي توقف جنب الجادل وتناظرهم بحدة وهي تقول : خلاص ، تعبتونا من هالحياة وقرفتونا عيشتنا ، ملينا وملو كل العرب من كلامكم ومن غثاكم، بنكمل ثلاثين سنة وأنتو مثل ما أنتم .. كلما قلنا راح يعقلون السنة الجديدة ينقص عقلكم أكثر ! تعبنا من تجرع السم بسبب أفعالكم وكلامكم .. وتعبنا من السكوت
نعمة عصبت وحكمة كانت بتتكلم بس المزن رفعت يدها وقالت : نص عمري راح وأنا ساكتة عليكم ، وصابرة على أفعالكم ولا عمري فكرت أرد عليكم وأنقص من مقداري ... كان التجاهل الحل الوحيد مع عقولكم ، أنا أقدر أهون وأمشي على قلبي وأسكت .. ولكن لا بنتي الجادل لا ، تخسون وما تدعسون لها على طرف هذي قبل ما تتكلمون معها بطرف ثغر ، تتذكرون إنها زوجة الشيخ .. وتفكرون مية مرة قبل تحكون معها
الجادل أفلتت قبضة يدها وهي تسمع كلامها ودفاعها عنها وناظرت لها بإمتنان ،
بينما حكمة اللي كانت منصدمة من المزن اللي أنقبلت مية وثمانين درجة ، لشخص غير تماماً عن المعهود
قالت : تبنيتي مقطوعة الأهل ؟ رموها أهلها عليش وأنتي رضيتي بها
ضحكت نعمة وقالت : طنجرة ولقت غطاها ياعمة ، هالولد مقرود يلقاها من أمه والا من زوجته
أخذت نفس وزفرته بهدوء وهي تبتسم وتقول : المشكلة لو تحطين معنا بنفس الكف لتميل الكف وتطيح فيك من كثر شرك وأذاك ، من متى والقبيلة اللي تخلينا نحكم على الشخص ونقدره على حسبها
أنتي لولا إنك زوجة راجح بن جبار الكريم الشهم كان كنتي أسفل الأسفلين بسبب شخصيتك المهزوزة .. أنتي إنسانة حقودة تتغذى على الكره وعلى أذية الناس .. كتمت هالكلام بنفسي ولا بحت به لأحد بسبب إني شخص أترفع عن التكلم بأحد ولكن طفح الكيل ، ولازم تعرفين وش أنتي
نعمة ناظرتها بذهول من كلامها وأرتجفت خلاياها وهي تلتفت لرحمة الساكتة : رحمة تسمعين هالنكرة وش تقول عني ؟
رحمة ما تكلمت ولا ردت عليها بخوف من إن المزن تقلب عليها وحكمة كانت بتتكلم ولكن المزن مسكت يد الجادل وسحبتها وهي تمشي معها ، ومن وقفت قدام الإسطبل حتى أبتسمت وهي تلتفت للجادل وتناظرها بهدوء وحنيّة : إسمعي ياعيوني .. لو بتلتفين للعذاريب ماراح تتهنين بحياتك ، إتركي آذاهم عنك ولا تردين عليهم ولو بحرف واحد
الجادل : بس يايمه منعوني من الـ..
أبتسمت بهدوء وهي تقول : من هم لأجل يمنعونك ! لا تنسين ، أنتي حمامة عزيز يابنتي منتي بهينة لأجل يمشون كلامهم عليك .. أنتي بالذات
ناظرتها للحظات ثم هزت رأسها بطيب وهي تبتسم
والمزن أردفت وقالت : خذي نفس هنا ، وريحي بالك ولا تفكرين بكلامهم
ناظرتها بإمتنان والمزن أبتسمت وهي تمشي عنها ، مرت من الصالة وهي تناظرهم بحدة وكملت طريقها لجناحها .. وسط ذهولهم !
.
.
{ عبد العزيز }
من إنتهى من طلبات الضيوف ، وقرر قرارته بالتوسيِع في السوق ، وإنهاء بناء معرض سعد
وبناء مضمار سباق الخيل .. اللي لمعت هالفكرة برأسه بعد كلام الجادل " دامك سبّاق وخيّال وتحب هالفروسية ، إترك مجال لفرسان ديرتك وحفزهم لأجل يمشون على حذوك " ومن قالت هالحكي حتى تحرك بنفس اليوم لأجل يخطط ويبني هالمضمار ، دخل البيت وألتفت وهو يناظر لبشرى اللي دخلت وراه وأبتسم وهو يسحب شيلتها ويلاعب بشعرها : راجعة بدري اليوم
أبتسمت للحظات ثم قالت : هالفترة ودي يا عز أحط بأوراق وردة وأقفل عليك ، والله صاير شخص غير تماما
أستغرب وقال : وش صاير
رفعت كتوفها بعدم معرفة وقالت : تأثير أبلة العربي أكيد اللي حرمتنا منها
ضحك بخفوت وهو يقول : تأثيرها صحيح ، ولكني ما حرمتكم منها .. بترجع متى ماودها
ماردت عليه وهي تناظر للجادل اللي واقفة قدام الإسطبل وأبتسمت وهي تأشر عليها : فعلاً الطيب عند ذكره
ألتفت وناظر للي تأشر عليه ، ثم أبتسمت حتى تهلل وجهه وهو يتخطى بشرى ويتجه لها ، ضحكت بشرى وقالت : الود ودي .. أعرف وشلون سيطرت على قلب مثل قلبه
وقف وراها كعادته وهو يلف يدينه حول كتفها ويضمها من الخلف ، ومن ما رفعت يدها حتى عقد حواجبه وفلت يدينه بإستغراب وهو يوقف قدامها
من لمح دموعها حذت حذوها على خدها الزاهِي ، حتى آرتخى حاجبه ، وشد على قبضة يده والنار بدأت تِحرق صدره ، حلف ما تنزل دموعها وهي بضلوعه ، حلف ما تذوق المُر ، ويبقى هو وباقي هله مثل الودق اللي بالفجر العذب .. ولكن اللي يشوفه غير تماماً عن اللي وعد فيه
الجادل من راحت المِزن ، حتى وقفت وهي تناظر بهدوء لجدِيلة وتحركاتها .. ولكن من بدأ سيناريو كلامهم ينعاد عليها حتى بدأ قلبها يبكي قبل عيونها .. كانت ولازالت حساسة من ناحيه أهلها
كانت ولازالت السخرية على حياتها عشانهم تكسر مجاديفها وتبكي قلبّها .. هي فعلاً يتيمة ومقطوعة من شجرة ، هي فعلاً بقت وحيدة بعد عايض ولا بقى لها ظهر من بعده ، ولكن ليه الناس يحبون يستلذون من وجع غيرهم !
عض على أطراف شفايفه وهو يرفع كفه ويمسح دموعها وهي ناظرته بخفوت وبعدها شتت نظراتها ، قال بهدوء وهو يحاول ما يوضح براكِين غضبه اللي أجتاحت صدره : قلت إنش بوجهي وشنبي .. من اللي عنده الجراءة لأجل ينزل دمعش وأنتي بوجهي ؟
أخذت نفس وزفرته بهدوء وهي تهز رأسها بلامبالاة وهو قال : ماراح يعديّ بالساهل يا بنت عناد .. إن ماحكيتي والله إن أنفض هالبيت نفض
عضت على شفايفها وهي تمنع دموعها تنزل وهو صرّ على أسنانه وهو ينتظر جوابها
ميّلت شفايفها وهي ترفع كفها وتمسح دمعتها وقالت وهي تناظره : عزيز لك قلب يقوى يردني عن حلمي ؟
عقد حواجبه من سمع كلامها وهي أردفت : أنا ودي أرجع أبني الأجيال ، وأعلم وأتعلم .. ولكن جدتك تقول لأني زوجتك ينتهي هالحلم .. عزيز طلبتك ما ودي تحدني الدنيا على هالخيارين مرة ثانية !
تنهد وهو يمسح على وجهه وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله .. هالعائلة يحدون الواحد يطلع عن طوره
تقدم لها وقال وهو يمسك كفوفها : قلتيها يالحمامة ، يشهد الله مالي قلب يقوى يقولش لا ! وطبعاً ماني بمانعش من التعليم ، أنتي معلمة مثلش مستحيل نرضى تخسرها مدرسة الخسوف وكونش زوجة الشيخ ومعلمة ، والله ما يزيدني إلا شرف ورِفعة ، ومن عنده غير هالكلام يجي يواجهني أنا.. أنا لهم بالمرصاد !
أبتسمت من بين دموعها لكلامه وقالت : هالكلام اللي كان بخاطري أسمعه
هز رأسه وقال : وإحنا بالخدمة نلبيّ كل اللي بخاطرش .. ولكن علميني هذا بس اللي نزل دموعش ؟
سكتت للحظات ثم رفعت كتوفها بلامبالاة : إيوه بس هـ...
قاطعها حضور المزن من وراها ، واللي من بدلت حتى رجعت لها على طول ومن سمعت آخر كلام عبد العزيز حتى وقفت جنبهم وقالت : لا وأنا أمك ، هالحكي نقطة من بحر من اللي زعلها
الجادل قالت : يمه لا ..
ألتفت عبدالعزيز بسرعة من قالت هالكلمة وأبتسم قلبه ورجعت يلتفت للمزن اللي قاطعتها : خليه يدري يا بنتي .. محد بيوقفهم عند حدهم غيره إسمعني ياعز .. يشهد الله إن هالمرة وصل الموضوع لخشمي ، وغلطهم على بنتي ماراح يعديّ بالساهل ، يظنون إن ماوراها ظهر
يظنونها مقطوعة من شجرة ومحد بيوقفهم ، ساهيّن وناسين إنك ظهرها وسندها وإني أمها .. ترى إن أنعادت الكرة والله إني لأخذ نفسي وأطلع من هالبيت بكبره
عقد حواجبه وقال : ياكبرها عند الله يالمزن ، تتركين بيتش لأجلهم !
هزت رأسها بإية : كسرو قلبها يايمه ، عايروها بأهلها ويبون يهدمون حلمها .. يكفي ضيم يكفي وجع لهالمسكينة
ناظر للجادل اللي صدت بضيق وزادت المزن الطين بله بكلامها اللي بكت بسببه ، أحتدت نظراته ولمع الشرار بها وهو يحس بالضيق يحتل قلبه شلون لا ؟ وهو يشوف الدموع بعيون الحمامة ، والضيم بوجه المزن ! مسك معصم يدها وهو يسحبها ويقول : تعالي .. يشهد الله لا أدفعهم ثمن كل دمعة غالي
حاولت تسحب نفسها وهي تقول : عزيز يكفي ماله داعي
مارد عليها وهو يتجه للصالة ، بغضب عارِم ما شهدته المزن عليه من فترة طويلة !
تنهدت وهي تكتف يدينها وتناظرهم : يستاهلون .. طفح الكيل يالجبار ، والله طفح !!
من وقف على أعتاب الصالة وهي وراه حتى وقفت رحمة ونعمة وراها ، وحكمة ألتفتت لحضوره وقالت : ما يتركون كلمة ما يقولونها له ، هالنمامات
وقف قدامها وهو يحس من قوة عصبيته ، ماهو قادر يتحكم لا بكلامه ولا بتصرفاته قال بحدة : ساكت ومتناسي ، وأسّفه الكلام والتلميحات لأني رجال شغلي لرأسي ولاني بسفيه لأجل ألتفت لحكيكم ،ولكن ماني بجاهل ولاني بغشيم لأجل أمرره مرور الكرام .. سكوتي ياأم راجح كان حشمة لعصاتك اللي تتكين عليها والتجاعيد اللي كست وجهك وشيب رأسك .. وحشمتي وسكوتي عنك يا أم سعود هو لأجل سواد عين أخوي وأنتي يا أم فهيد هو لأجل بسمة أختي .. مير أنتو ما تتركون الواحد يحشمكم ولا يحترمكم ولا يكبر قدركم .. أنتو تحبون الإهانة
نعمة اللي عقدت حواجبها وقالت : تحشم بنت ،وتترك الرجال والبكر .. وفهيد ماله حشمه .. ما يكفي الضيم اللي عاشه !
ناظرها بطرف عينه وهو يقول : مانبي نفتح مواويل أنتهينا منها .. أنا وأنتي نعرف من هو فهيد أنا وإنتي ندري وش طينته وليه ما ينحشم ولا ينرفع له قدر ! لا تخليني أفتح هالباب عليك والله محد يتضرر غيرك
سكتت بقهر من كلامه وحكمة وقفت وهي تقول : إهدأ وأنا أمك .. ماقلنا إلا الصدق ! هالبنت تبي تدرس وتفضحنا
أخذ نفس وزفره بضيق ثم قال وهو يناظر جدته : يا أم راجح ، هالبنت بنيت عشانها الخسوف من رمادها ، أحييت دِيرة وخليت القاصي والداني يقصدها لأجلها ، بنيت مدرسة كلفتني نومي وسنيني عشانها ، عشان تبني أجيالنا حنا ، عشان تكون موجودة قدامي ، وعشان تكون حولي وحوالينيّ .. إن كانت معلمة والا لاودها تصِير وزِيرة ، ماعندي مشكلة
بتدرس وغصب عن خشم كل شخص يرفض هالشيء
سكت للحظات يحاول يوزارن عصبيته ولكن ما قِدر ، كلما يهدأ تطري ع باله دموعها ويِزيد ضِيمه : أنتو من لأجل تحكون بأمورها ! بلاكم ما تستوعبون إنها زوجة عز ،زوجة شيخ تطنخ وشورها من رأسها .. لاأنتو ولا غيركم له كلمة عليها
كانو منصدمين من كلامه ، كونه وضح لهم معرفته فيها قبل تكون زوجته ، ولكن اللي خلاه ينجن كلام حكمة اللي قالت فيه : القاصي والداني بيحكي فيها يا ولد المزن ، قبل حريم الخسوف راح يحكون رجالها ، بيقولون هالنكرة هانت الشيخ وتوظفت وكأن ماعندها اللي يكسيها فيه ! كلام الناس بيطولك أنت ياشيخ
ولع نار من كلامها ، وأحتد نظراته وهو يشد على كلامه :أبيع الناس واشريها شجاع لاجلها ما أهاب .
قال بحدة وهو يناظرهم بنفس النظرات الحادة ، من شِدتها أرتبكو بخُوف : أهين اللي يكدرها أهين الناس أهين أشنابّ ! بقولها هالمرة وماني بولد راجح إن كررت هالحكي ، هالبنت وأمها في ذراي .. في وجهي وفي شنبي والله واللي خلق سبع إن تعدى شخص منكم عليها لا أسوي كرامته بالقاع ، والله لا أهينه وأكسر مجاديفه وأبيعه وأشرب على بيعته فنجال ! مليّت من هالحكي اللي ينعاد بكل مرة ! لا تنحشمون ولا تكبرون عقُولكم وهذا الكلام خلوه حلق بأذنكم .. والله إن عدى هالمرة بالتهديد ، المرة الثانية ماراح يعدي الا بالدم أنا رجال ماني أرعى رأسي ، ولاني مسؤول عن عز وبس ، أنا شيخ مسؤول عن قبيلة عن بكرة أبيها ، أنا رجال مسؤول عن قلبين وحارس على بابها ، وإن ذاقو هالقلبين ضيم بسببكم مرة ثانية .. والله إن تنتهي الحشيمة ويبقى بدالها كل وجع لكم ! لا تحدوني على الضيم
نقل نظراته السرِيعة عليهم ، وهو يقرأ ملامحهم المذهُولة والمصدومة .. مع ذلك رفع سبابته وهو يوجهها لهُم : والله إن شفتها متضايقة مرة ثانية .. لأقصدكم أنتو بدون أسألها ووقتها بيكون لي تصرف ثاني معكم
حكمة تضايقت كثير من كلامه ، ومشت من جنبه بدون ما ترد عليه ، كانت مقهورة إنه قدر يقول هالكلام لجدته .. أم راجح كانت تظن إنها تقدر تكسر وتهين أي شخص قدامه لأن عندها حصانة راجح ولكنها خُفي عليها إنه تخطت حدود الشخص الخطأ
أما هو ناظر لرحمة ونعمة وقال بصوت جهوري : فهمتو والا لا
أرتجفت رحمة وقالت بخوف : فهمنا يا شيخ فهمنا
عبد العزيز قال : هاه يا أم فهيد ، ما سمعنا صوتك
ميّلت شفايفها بقهر وحقد ، وأيقنت تماماً لو نطقت بحرف واحد لها مرة ثانية .. راح تنتهي حياتها بهالبيت ، أيقنت إنه من لما صار الشيخ إن الأحقية له بكل شيء ، حتى هالبيت صار ملكه هو
قالت بخفوت : مهب صاير إلا اللي أمرت به يا شيخ
هز رأسه وهو يقول : لا يتكرر هالموقف ، ما ودي أرفع الصوت مرة ثانية
قال هالحكي وألتفت لها ، ولقى الهدوء يكسو ملامحها ، ونظراتها الهادية موجهه نحوه ، أبتسم وآرتخى حاجبه المعقود وميّل شفايفه بخفوت وهو يلمح ملامح الزعل بدأت تختِفي تدريجياً من وجهها .. حبّ يخفِيها أكثر .. ويبقى مكانها بس الرِضا .. قرر يراضِيها ببيت القصيد ، واللي مهب كلمة " لا تزعلين " المقصودة ولكنه أبتكر طريقة مبهرة غيرها : لا يزعل اللولو يموت أزرق الموج .. والحلم يغرق والمجاديف تظمأ
كانِت تراقِب إنفعالاته ، بُروز عروق عُنقه بسبب العصبِية ، حِدة صوته وعُلوه العالِي ، كلامه المُهيب ، سطوة نظراته وشراستها .. هالإنفعال كله لأجل دمُوعها بس ! ولكنه أربكها وبسببه دبّت القشعرِيرة بأنحاء جسدها تناظره بهُدوء ومن أنتهى من كلامه وألتفت بعُنقه لها وناظرته باغتتها .. حتى أنهدت العصبية وتِبددت وهدأت أنفاسه وأعتلت البسمة على الوجه العبوس ! ناظرته بإرباك وزعزعة .. والذُهول أجتاحها ، بين لحظة عصبيته وسطوته ، وإبتسامته وضحكته .. جُزء من الثانية يتخللها بس ، إلتفاته لها ونظرة من عيونها ! خلت كل جبال السخط والسطوة تِنهد !
ناظرته للحظات ومن قال كلامه الأخير لها ، حتى رفعت كفها وهي تمسك يده وهي تشد عليها
ثم مشت وهو أستغرب سُكوتها وحركته .. مع ذلك مشى معها بدون ما يتكلم
وسط صدمة نعمة وذهول رحمة !
ألتفتت رحمة وقالت وهي تِندب حظها : شفتي اللي شفته يانعمة ! هاللي خلانا نطيح بمكاننا من عصبيته ، هو نفسه اللي ألتفت وأبتسم ! نعنبوها هالبنت قدرت على شخص محد قدر عليه
نعمة ميّلت شفايفها وهي تناظره يمشي معها بدون ما يتكلم وقالت : ما ورى هالحب إلا البلاوي يارحمة ، خلينا بس نعرف متى بدأ و وين
رحمة رفعت يدينها وقالت : لا يرحم لي أمش ، لا تدخليني بطريق يتقاطع مع هالرجل ، خافي ربش لاشفته تتصافق عظامي من الخوف ، وتبغيني أنبش وراه ! عساه حبها من طلع من بطن المزن ، وش علي منهم
قالت كلامها ومشت ونعمة كتفت يدينها وناظرتهم بعصبية وقهر ، من حياتها اللي مليانة ضيق حال .. وضيق قلب
-
-
{ الـودق والفجـر العذب }
كانت تِمشي بدون وجهة ، بس اللي كانت تبغاه تِبتعد عن المكان اللي كانو متواجدين فيه معهم ، وتِبقى معه على إنفراد وتبُوح له بمكنون قلبها ! ولكِنها نست نفسها وبقت شادة على يده وتِمشي ناحيه الإسطبل دون وعي ، صحاها من سرحانها
لما سحبها من يدها ناحيته حتى ثبتها بذراعه اليمين بعد ما أختل توازُنها ، أبتسم وقال : اللي مأخذ بالش يتهنى به ! بنوصل للمشتري يا الحمامة
وأنتي سرحانة ، وتسحبيني معش دون وجهة !
بلعت رِيقها بصُعوبة وهي تبتعد عن ذِراعه وتوقف على حِيلها ناظرته بهُدوء وأخذت نفس وزفرته ببطء وهي على نفس نظراتها ،
عقد حواجبه وقال : وش سر التنهِيدة ، والنظَرات والسرحان اللي غرِيب علي ! ما عهدته منش
عضت على شفايفها وشتت نظراتها للمكان ولا وعت إلا بيده تثبت وجهها بإتجاه وجه ، قال بهدوء : الجادِل.. وش صاير !
من نطق إسمها حتى تبعثرت حُروفها وحاولت قد ما تقدر ما تناظِر له ، ولكن لا مفر منه إلا إليه
من لمحت نظرات الإنتظار بعُيونه حتى قالت بخفوت : أول مرة أشهد على عصبِيتك
عقد حواجبه وقال : وإن حصل وشهدتي عليها .. ليه هالوضع مانيب فاهم !
رفعت كُتوفها بعدم معرِفة لسبب تجلهه وخُفي عليها حتى هي ! رغم إن هالكم الهائل من الغضب كان لها وعشانها ، ولكن تغير مزاجه كان غريب عليها
تنهد وترك وجهها من بين كفِينه ورجّع يدينه خلف ظهره : يُخيل لي إنش خايفة مني الحين والا لا ؟
هزت رأسها بالنفي بسرعة وهي تناظره بخوف من إنه فهمها خطأ : لا يمين بالله ، أنت الجهة الآمنة في حياتي ومصدر الطمأنينة ، وشلون أخاف من الأمان ياعزيز !
ميّل شفايفه وقال بضيق : أجل وش تقصدين بحكيش ، وبتصرفاتش اللي توضح لي هالكلام
تنهدت وهي تمسح على وجهها وقالت : ما أدري والله ما أدري ، لحظة مرني شعور غريب ولا أدري هو كان من سعادة ، أو من غيرها
هز رأسه وقال : يعز عليّ إنش نسيتي كلامي يابنت عِناد ! أنا ببداية مشواري في دربش علمتش إني جلمود للكل قاسي ومتغطرِس ! ولكني خصِيتش عن الكل .. متى على الله تفهمين إنش بكفة والعالم حتى ما يتوازن بالكفة الثانية معش !
قرب منها وهو يلف ذراعه حواليِن كتوفها وقال : أنا مع الناس .. الشيخ عبد العزيز ، وعز الصخر ولكن خلِي في بالش ، يستحيل أكون معش غِير عزيز .. يستحيل يتبدل أو ينكسر هالعزيز من جِهتش .. لو تغطرستي لو تهيمنتي على هالقلب يستحيل أناظر لش نفس نظرتي لهم .. أنتي الغير
وشعورش اللي تحسين فيه ، عارف مصدره .. ولكني طمنتش قبل هالمدة .. علمتش إني القوي اللي قتل فيش ضعفه !
ميّلت شفايفها وحست بصُغرها .. حست إنها ضئِيلة وصغِيرة قدام عظمة وهيبة مشاعره ! تجمعت الدُموع بعيونها بضِيق من تصرفها معه .. وحست إنها أوجعته لِـسبب
ومن لمح الدموع حتى قال بسخط : عليم الله يالحمامة تعبتي هالعزيز .. ماني من محبين الدمع لا تحديني على حُبه !
صدت وهي تمسحها على عجل وقالِت بخفوت : ماني بقد حُبك ياعزيز .. ماراح أجارِيك ولا أطولك
أنت كثير علي ومشاعرِك علي كبيرة .. أعذر تقصيري أعذر صغري .. أعذر إني ضئِيلة قدام هالحب
ومن أنتهت من هالحِكي حتى قرب أكثر وهالمرة قربها لصدره وهو يبتسم ويشد على خصرها بهدوء : منتي بضئِيلة .. أنتي منتي بقد عزِيز وبس ، أنتي قد الدنيا والكون بأكمله .. أنتي عظيمة وأنا جبار قلبي ، ما عشق غير جبار !
رفعت يدينها وهي تشد على كتفه وتغمض عُيونها بهدوء .. اللحظة اللي تذوب فيها أحزانه ، تبدد تعاستها وينتهي الحُلم وتعيش واقع حلو هي لَما تكُون بظِل هالرجل !
تنهدت براحة عمِيقة وهي تِرخي رأسها على كتفه .. وهو أبتسم بخفوت .. وهو يدعِي ، ما تعيش الخوف لا منه ولا بجنبه .. ولا يكون لها ملجأ منه إلا إليه ..
-
-
{ حيـاة }
أخذت نفس وزفرته بضيق وهي توقف من على الكُرسي الهزاز ، طول المغرب تهِز نفسها وتسلي ذاتها بالنظر المُطول للسقف .. صديق اللحظة لها
ماكانت الحياة اللي تلِيق فيها ، ولا الحياة اللي كانت تتمناها .. هي تحِب الشغف تحب تعيش بشتى الطُرق اللطيفة .. ماهي بشخص يحب النظر للسقف ومحاورة الجدار عن حياتها .. صحيح إنها كتومة .. كتومة كثير لو تنزف الدم ماقالت آه ولكنها تحب الحياة .. تحب تبرز إسمها !
ألتفتت على طول وهي تناظر لدُخول سند للغرفة .. ولا أهتمت كونه شخص يدخل يأخذ الغرض اللي يبيه ويطلع .. أو ينام على طرف السرير بدون كلام أو سلام .. كان يجسد المعنى الحقِيقي لكفلتها لأجل سلامتها بس .. ولا تهمني كشخصها !
أخذت نفس وزفرته بضيق وبصوت عالي وهي تِرجع ترمي نفسها على الكرسي بلامبالاة ، بينما ألتفت سند لصوت تنهيدتها العالية .. وقف بمكانه وناظرها للحظات .. حك أطراف لِحيته وهو يناظرها ويبادر بالكلام : لو نقدر نخفف ثقل هالتنهيدة عن صدرك .. قولي لنا !
رفعت رأسها وناظرته بهدوء وهي تميل شفايفها بإستغراب وإستنكار لكلامه .. أول مرة يطلع كلامهم عن إطار كيفك والسلام ! قالت بخفوت : لو عندك القدرة ، حاول
أبتسم وهز رأسه بطيب ، وأتجه لدرجه وهو يفتحه ، ويطلع علبة العود .. ومن فتحها حتى أخذه بين يدينه وناظر لها وهو يتأمل نظراتها .. وقف وهو يجلس قُرب الشباك .. جلس على الكنبة وأشر لها تجي تجلس بالكُرسي اللي جنبه .. وهي ما أعترضت وقفت على طول
ومشت وهي تجلس على مقربة منه ، ومن جلست حتى رفع أطراف أصابعه وبدأ يعزف على العُود بكل إنسجام وهو يدندن بصُوته المعهود
ولأنه شخص كان محتاج ينفس عن الفراغ اللي قاعِد يعيشه .. والحياة اللامعهوده اللي يعيشها .. والأهم المصير المجهول اللي ينتظره معها أختار صوته لأجل يبوح به .. ومن إنتهى حتى رفع عيونه
وناظر لها وهي حاطه يدينها تحت ذقنها وتناظر له بإعجاب .. تنحنح بضحكة وهي أنتبهت لنفسها وعدلت جلستها وهي تدّعي اللامبالاة
هزت رأسها بخفوت وهي تهمس : صوت يبري العِلة ويبدل الضيق بالسِعة .. ماكان لقبه الموسيقي عبث !
عقد حواجبه وهو يحاول يفهمها أو يسمع وش تقول ولكن ماقدر
بعدها قالت وهي تناظر من الشباك : جيرانكم .. ما يشتكون !
ضحك بهدوء : أحد يحصل له سند بن فياض ويشتكي !
ناظرته بخفوت وهي تميّل شفايفها وتناظره بطرف عينها بسبب غروره : ولكن ماهو بكل الأوقات لسند بن فياض ! أقترب الوقت لقرب نصف الليل يستحيل إنهم راضين طول الوقت !
هز رأسه بضحكة وقال : أعترف .. فعلاً كانت تقوم قيامات بسبب هالعود ، ولكن لأني شخص أنفس عن غضبي وفرحي سعادتي فراغي وضيقي وجميع حالاتي المزاجية بصوتي وعودي .. يستحيل أبقى ساكت طول الوقت .. لو كان الوقت آخر الليل مصيري أخذ هالعود وأدندن ، مير بعد ماصارت علوم .. تكفلت أنا وعز وسوينا عازل للصوت لكل هالبيوت اللي على مقربة من بيتنا ، ولاهو بس كذا .. حتى بيتنا عزلناه .. يعني تقولين هالجيران كلهم محرومين من صوت سند بن فياض .. وأنت وحدك المحظوظة كونك هنا معه !
تأففت من غروره وقالت : لا تشد ولا ترخي ! إما تتباهى حتى الغرور أو تتواضع حد العزة !
أبتسم وقال وهو يحط العود جنبه : بيني وبينك يا حياة مع إن الغرور يحق لي كل ما انغرّيت !
ولكن معك كان التواضع على اشدّه
ناظرته بذهول .. هالكم الهائل من النرجسية والغرور اللي تشوفه وللحين يشوف نفسه متواضع ، أجل لامنه نوى على الغرور .. كيف بيكون الموضوع !
تذكرت معرفته بإسمها بليلة لقاهم مع أهلها.. دون ما يكون بينهم موقف يساعد على التعارف ..كل اللي كان بينهم .. هوشة على حبات برتقال وشد إذن بمحطة إخبارية : علمني يالموسيقي .. وشلون دريت بإسمي وأنا ما بحت به !
أبتسم وشتت نظراته للمكان وهي أستغربت قال وهو يحرك شعره بعشوائية : للأمانة فوت النشرة الأولى .. ولكني حضرت النشرة الثانية مباشرة !
نسيتي إنك ذكرتي بنهايتها إسمك !
ناظرته بهدوء وهزت رأسها بإيجاب .. وهو عدل جلسته ومن كثر رحابة الجلسة معها قال : أنا شخص ألجأ لصوتي إن أحتجت للسعة !
علميني عنك أنتي .. شاركِيني ملجأك
ناظرته وهي ترمش بضيق وقالت بخفوت : الدرب اللي مشيناه نهايته فراق يا الموسيقي .. ليه ودك تعرف تفاصيِل شخصية بتفارقها !
ناظرها للحظات بإستنكار شدِيد .. ولكن ماهو بشخص ما يفهم نظرات الضيق ، أستغرب وجود الضيق بوجهها وملامحها وهي تذكر الإنفصال ، نزل يده من على شعره وهو يعدل جلسته ويقول : بعيداً عن هالهرج اللي ما يودي ولا يجيب خلينا نعيش اللحظة ، لا أنتي خاسرة شيء إن حكيتي ومر هالوقت دون ضيق .. ولا أنا فايز بشيء إن دريت
سكت للحظات ثم قال : مع ذلك .. بخاطري أعرف هالشيء رغم عدم فوزي بشيء
ناظرته بتساؤل شديد ، ليه وده يتعمق فيها هالكثر ؟
لهالدرجة هِي شخص غامض ، ميّلت شفايفها بلامبالاة وقالت بخفوت : ماني شخص ينهار بسهولة .. أنا ما ألجأ لشيء وقت ضيقي ياسند .. أنا ألجأ لله ، وأشاطر حزني معه بس .. أنا قوية به .. أنا كتومة محد يقدر يعرف عني حرف دون رغبة مني
أبتسم وقال : الله عليك .. هذا اللي كنت بوضحه لك ياما حاولت أعرف أتفه تفصيلة عنك ولكن هيهات .. مع ذلك لاحظت إنك سعيدة طول وقتك
ولا تتركين للحزن مجال يعبر
ناظرت لإبتسامته للحظات ثم رمشت بهدوء وهي تقول : ومن اللي قال لك إني سعيدة ؟
عقد حواجبه وهي أردفت بذبول غريب عليها : تفهم كيف يكون هالشعور .. أنا مو حزينة بس أحس بالعتمة في صدري
تنهدت وهي ترفع رأسها وتناظره بضيق : تفهم معنى إن تكون الحياة منطفئة !
آرخى حاجبه بتعجب من ذُبولها المفاجئ والمباغت لجلستهم وقال بإستفهام : بعد هالإنطفاء بنفسك .. كيف قدرتي تظهرين بهالسلام
ضحكت بسخرية وهي تقول : أنت ما تدري ولا حتى عندك فكرة عن حجم المعارك والحروب اللي خضتها عشان أظهر لك بكل هالسلام ! ماكان الموضوع عادي مثل ما تظن .. صار عادي بعد ألاف المعارك في وعقلي ومئات الكسور بقلبي وألف دمعة من عيوني .. كذا أستنزفت طاقتي وكل مشاعري دفعة وحدة حتى أصير بهالصورة اللي تقول عنها مليانه سلام
صدت بضيق وهو ناظرها بذهُول .. كان يظن نفسه أكثر شخص عانى بهالحياة .. ليه بهاللحظة حس بضئالة حجم معاركه قدام معاركها ؟
تأمل ملامحها اللي تدل على الضيق وتنهد " من اللي بيصدق أن الحروب تدور داخلك من وقت طويل .. وإن في صدرك مدن إنهارت بأكملها وأنتي للآن ما تظهري سوى .. الحياة ! "
أما هي كانت متضايقة .. لأنها بأول جلسة له ، تكلمت عن القدر المحسوب لها .. كانت تقول ببدايتها ليه نتعرف على بعض ومصيرنا للفراق ! ليه الحين كبت كل عفشها .. وقالت كل الكلام اللي يدور بعقلها واللي يتسائل عليه الكل ! ليه حست إنها تقدر تفضِي كل مشاعرها بدون ما تخاف أو تهاب .. بدون ما تقلق إنها بتتعرض للسخرية أو لنظرات الشفقة والرحمة !
ولكنها فعلاً طفح كيلها .. تظن محد جرب شعورها
محد جرب يحس بحرارة الدمع في قلبه بدل ما يكون أثره على خده .. محد جرب يكون صلب من الخارج بينما تتهاوى به الحياة من الداخل
لما حس إنها فعلاً أنحرجت من فضفضتها اللإرادية .. قال ملطفاً للجو ومغيراً للموضوع .. : لابأس ياحياة .. ترى عن كل هالحمل اللي حملتيه وحدك طول هالفترة .. عن كل هالتعب اللي قاومتيه بدون ما تتكلمي .. بيعوضك ربي
كلنا ندري وعندنا يقين لاجاء العوض خلانا ننسى كل اللي مضى
ناظرته بهدوء وهي تتنهد
وهو ابتسم : ولكن من باب " جاوري اللي يزرعون الورد ويتركون قلبك مزهر بكل مرة " جاوريني
رمشت بإستغراب وهو ضحك : خذي المعنى المجازي يا حياة
ميّلت شفايفها بخفوت وهو شتت نظراته للمكان .. وهو يغرق بمليون موجة من التفكير!
-
{ سعُود }
أنتهت التغطية للسباق ، وبعد يومين كاملة من السهر الطويل ، والوقفة اللي ما تخللها جلسة أبداً
والركض اللي ما أنقطع .. وصل للخسوف وهو يتهاوى من التعب !
وقف قدام البيت وهو يمسح على وجهه ثم تنهد وقال : يهون يا عز .. يهون بعد رضاك .. متعبة الصحافة .. ونحب الإذاعة أكثر ولكن عشانك نفضل المتعب ونحبه ماهيب مشكلة
فتح الباب ونزل من السيارة وهو يترنح بتعب
سحب الشماغ من على رأسه وهو يرميه على كتفه بعشوائية ، ومن كان بيدخل البيت ، حتى لاحظ محاولة شخص بإخفاء نفسه عنه .. ميّل شفايفه بإستغراب وأقترب بفضول ثم وقف بمكانه وهو يناظر للي واقفه بفستانها الهادي والشال الأبيض اللي بالكاد يستر شعرها .. كانت واقفة وتحاول تخفي نفسها وما تخليه ينتبه لها ولكنها فشلت رفع حاجبه لما فتحت عينها وناظرت له واقف قدامها عضت على شفايفها بقهر وإحراج ولكنه أستوقفها سعود اللي قال بعد ما ميّزها .. من نظرة عيونها : صباح الإنتظار يا بنت هادي .. ولكن اللي تنتظرينه ماعاده بعلى عهدك عشان يوعى ويبادلك
عقدت حواجبها من كلامه وألتفتت بإستغراب لمعرفته بها وبإستنكار لمغزى كلامه : لا تضرب من تحت الحزام يا ولد الشيخ ، وش مغزى هالحكي
سعود رفع كتوفه بعدم معرفة : مامن شيء ماهوب واضح ،كل المغزى مثل الشمس بايّن .. الإنتظار خلف الباب ماراح يولد إلا الوجع لك ، والشفقة والسخريّة مننا ، لا تتمنين شيء ما تطولينه !
عصبت من كلامه وأستفزها حد الهلاك خصوصاً إنها تجهل مقصده ، والسر ورى هالحكي ! والأهم إن ما بينهم لا حرف سوى ولا كلمة لأجل يخوضون مع بعض هالنقاش الطويل :إنتبه وين تخطِي بخطواتك يا ولد الشيخ .. كود إنك تمشي على قلب أحد دون علم منك
أقترب منها وهو يقول : ماني بمخطي يا سحابة أنا رجال سمعت بإذني ولكن عشانك إنتي أقول أركدي ولا تفكرين بشيء أكبر منك .. هالحب ماهو بقدك !عبدالعزيز حلم كبير عليك ..ما تطولينه لو بقيتي تنتظرين ورى هالباب سنين
عقدت حواجبها بصدمة من كلامه وقالت : ومن اللي وسوس برأسك بهالحكي،الشيخ عبد العزيز رجال أعتبره أخوي،وتفكيرك ما يهيأ إنك عاقل يا ولد الشيخ ! أنا ما أنتظره أنا أنتظر ..
ناظرها بطرف عيونه وقال بسخرية : يعني إن ماكنتي تنتظرينه فأنتي تنتظرين غيره الموضوع كذا مامنه مخرج !
تنرفزت من طريقة كلامه وكأنها مسويه شيء خطأ .. كل اللي أخطأت به إنها خرجت دون عبايتها .. وإنتظارها كان لرغبة ببالها ! ولكنها ما تستحق أسلوبه السيء معها ، قالت وهي ناويه تنرفزه : وإن كنت أنتظر غيره،لا لك لا ناقة ولا جمل! ليه محترق مانيب فاهمة ..
أقترب للخطوة الفاصِلة بينهم حتى أنصدمت ورجعت خطوة لورى وهي ترتطم بالجدر غمضت عيونها بخوف وهو رفع يده وأستند بها على الجدار اللي جنبها وهو يقول بعد ما أستفزه كلامها بشكل مو قليل أبداً : من هو المُنتظر .. عطيني إسمه لأجل أهدم قدرته !
بلعت ريقها بصعوبة وهو ناظر للمحة الخوف بعيونها مع ذلك ما تحرك .. وكأن هالموقف عِقاب للنار اللي بقلبه بسبب كلامها للآن محترق بعد آخر موقف لهم سوى .. لا يجهل إنه عاف جنس حواء بعد آخر خيباته .. ولا كان بباله إنه بيخوض معركة مستفزة هالقد و بيكون طرفها الثاني أنثى ..
كان متطمن من ناحية عبد العزيز .. بأنه يستحيل يلتفت لسحابة لأنها بمنزلة بشرى ونسيم عنده ! ولكنه محترق من تقليلها لقدره وكلامها عن خضوعه وعدم هيبته ! ياما دار حوارها برأسه لأيام وشهور .. لدرجة إنه بكل مرة يرد عليه برأسه بدون ما يتطرق لها .. ومن كُثر حواراته بعقله معها صار يمون ، ويشب نار بسبب كلمة منها كان بمقصدها برميّها عليه إستفزازه .. وفعلاً قدرت !
من أرتخت يدها وأنساب الشال من بين أصابعها وهي تحاول تثبته من خوفها وإرتِباكها حتى أبتعد عنها وهو يرجع بخطوات سريعة لورى
رفعت رأسها وناظرته بعصبية وحدة وهو تجاهل نظراتها وقال بعدم مبالاة وبعيونه نظرات هادِية : صدقيني بعرفه .. وبعدها بيكون بخاطري بس أنهييّه " !
دخل يده بجيبه ومشى عنها وهو يشد على قبضة يده .. يصارع شعور ماهو من حقه يعيشه ! ولكن من اللي بيقدر يفهم سعود هالحكي
وهي تناظره بعصبية وغضب تمكن من قلبها .. وحنق وفوران واجم ! هو من لأجل يملك الحق بالدق على هالباب الخاص فِيها ! هو من لأجل يسأل عن شخصها الخاص ؟
ألتفت بسرعة على صوت نداء أمها لها .. صرفت نظرها عنه وهي تحاول تهدي نفسها وإضطرابات دقات قلبها بعد قُربه الشديد اللي أستفزها وأربكها بنفس الوقت !
-
-
بالعِشاء ..
{ الجادِل }
تقلبت على السرير بطفش .. اليوم خميس وليلة جمعة
وموعد رجوعها للمدرسة يوم السبت .. ماكانت تدري ليه تحس إن الأيام طويلة بهالشكل المرعب إلا لما صارت تنتظر شيء تحبه !
رفعت رأسها لما سمعت الباب أنفتح ودخلت بشرى بكل جلافة كعادتها : يوه ياربي .. ما أعرف ليه للحين راقدة ! بنصير عشاء رجعت من المدرسة تغدينا لعبنا ضحكنا صلينا وأنتي باقي ما ظهرتي ! عاد وش قالت عمتي المزن " روحو نادو القمر عشان يتزين الليل " وأنا ركضت أناديك
ضحكت بخفة وهي تعدل جلستها ووقفت وهي تقول : عزيـ...
قاطعتها بشرى وقالت : والله والله أول مرة أشوفه شاد حيله بشيء
أستغربت وقالت : وش صاير !
بشرى ضحكت وقالت : رجع من المغرب ، وبصراحة كان متجه لك ولكني قلت له إنك طفشانة ، عشان كذا غير وجهته .. وقرر إنه يطلعك من هالجو بطريقته !
أبتسمت وقالت : وش هالطريقة !
رفعت كتوفها بعدم معرفة وقالت : بتشوفينه قليل .. ولكنه عندنا كثير كثير ، أول مرة يتعنى هالكثر عشان أحد
الجادل من قوة فضولها لبست شالها ومشت وهي تقول : يالله بشرى
ضحكت ومشت وراها ، وأتجهو للحوش الكبير اللي تحفه حديقة نسيم وحديقة جدِيلة !
أبتسمت وهي تشوف جلسة كبيرة تتوسطه وعلى يمين الجلسة مجمر كبير " وِعَاء مِنْ حديد أَوْ فخّار يتخد أشكالا مختلفة، يحوي الخشب أَو أي نوع من الفحم ليوقد فيه ثم يَتَحَوَّلَ إِلَى جمر "
وواقفة رحمة عليها تشويَ اللحم .. كونها الشخص اللي يحب هالفقرة وهالشويّ
ألتفت وناظرت للكل جالسين بالجلسة الشعبية الحمراء .. وبوسط الجلسة دلات القهوة وصينيات الحلى البسيطة .. وسواليف عالية وصل صوتهم لعندها
أبتسمت وضحكت وهي تشوف عبدالعزيز ينفض سواد الفحم من ثوبه ، وبعدها كان بيجلس ، بس من سمع صوتها حتى فز وألتفت وهو يبتسم لها
ومن فزته رفع رأسه راجح وأبتسم بطرف ثغره : تعالي .. تعالي حيا الله بنت عناد وحفيدة عايض الكريم الشهم .. تعالي سود الله وجه الليالي اللي ما خلتنا نعرف من أنتي من صُلبه ! أرحبي ألف والله
ومن سِمع ترحيب أبوه له حتى تزيّن ثُغره بإبتسامة متغطرسة من غطرسّة الترحِيب .. نقل نظراته بينهُم ولما لقى إبتسامتها تِهلل وجهه ومن طهارة الإِبتسامة والرِقة اللي أستحلت قلبه الصعب تمتم بِهمس فضيع "ياصوت ترحيب أبوي ولمّة أخواني يا الباقي من الوضوء على يدين أمي"
أبتسمت بخفوت أول شيء لِفزة عزيزها اللي أربكتها ثم بإستغراب لترحِيب راجح الحار لها ! وعبد العزيز جلس وهو يناظرها بإبتسامة ، والبقيّة يناظرون بإستغراب
راجح أشر على المكان الفارغ جنبه وجنب عبدالعزيز وقال : تعالي يا بنت الأكابر .. حرام بالله مقامش ماهو بهيّن .. إلا مقام كرام !
تقدمت على عجل وبإستجابة لرغبته وجلست جنبه وجنب عبدالعزيز وبصدر الجلسة ، وسط دهشتهم من تغير راجح الملحوظ واللي من ناظر لنظراتهم أبتسم وقال وهو يلف يدينه حول كتفها : هالبنيّة بنت عايض .. الرجال الشهم اللي حوى الشيخ عبدالعزيز وداواه وعالجه ! وقام عليه شهرين بأيامها بلياليها .. وهي كانت معه تعالجه وتجهز لهم مأكلهم ومشربهم !
حكمة اللي كانت زعلانة من عبدالعزيز .. ولكنه قدر يراضيها كالعادة بطريقته المعهودة .. من باقة الريحان لين فنجال قهوة وبس !
ثقيلة طبع مع الكل ولا ترضى بسهولة .. ولكن هالحفيد لو يسوي بلاوي وتقوم القيامة بسببه .. لو يجي بعدها ويراضيها بغصن ريحان رضت ! حبه جاء من الله وبرغبة منها ..
وزِيادة عن هالحكِي .. بادرت وقالت لراجِح عن غضبها بإكمال الجادِل للتعليِم .. وكلامها ومحاولات إقناعها لِراجح عن إيقافها .. ولكنه رد بِـ " وش شور الشيخ عز ؟" وهي أضطرت تقُول له وش سوى وكيف عصب .. والطِريقة اللي فهمهم فيها كلامه .. أكتساه الصمت للحظات ثُم رد وقال " تعلمنا من سلُومنا إن لا كلمة تِعلى على كلمة الشيخ يا يمه .. وإن قال وعطى كلمته بهالموضوع ، فلا لي ولا لش رد عليه .. زودٍ عن هالحكي هي مرته وهو حر ، يطنخ بشُوره ، ماعطيته الشِيخة لأجل أتهيمن عليه ! " رضت بالأمر الواقع .. وعرفت إن زعلها ماراح يودي ولا يجِيب .. خُصوصا إن راجح بصف عبدالعزيز من هالناحِية .. قالت بإستغراب : اللي عالج الشيخ قبل الخمس سنين ، واللي ظنينا في هالشهرين إنه توفى فيها كان جدها !
هز رأسه راجح بإيجاب وهو يلتفت لعبدالعزيز : اي والله هو يايمع ! لولا الله ثم هو ماكان صدر هالمجلس يفخر بجلوس هالشيخ عليه !
حكمة سكتت للحظات وهي تستوعب الموضوع .. ومن أستوعبت حتى قالت وهي تناظر للجادل وعبدالعزيز : وليه ما عطيتنا خبر يا الشيخ ! كان أكرمنا الكرام ولا رضينا بالمذلة من أولها !
أبتسم عبدالعزيز بفرحة من كلام جدته وعدل جلسته وهو يناظرها وقال : غاب عن بالي يا أم راجح يشهد الله لو أدري بتغير النظرة كان بقيت أعصر مخي لين يتذكر
ضحكت بخفوت وهي تهز رأسها وقالت بهدوء : مهيب مشكلة بتعذرنا بنت عناد على اللي صار العفو عند المقدرة من شيم الكرام ! والله لو دريت إنها اللي سهرت وعالجت وإنك رجعت بالسلامة بفضل الله ثم بفضل أهلها أهل القلوب الطيبة .. كانت النظرة غير النظرة من بدايتها
ناظرتها الجادل بخفوت وقالت بإبتسامة : مقامك عزيز يا جدة ! ماحصل خلاف
نعمة اللي وقفت بعصبية ومشت بخطوات غاضبة وهي توقف جنب رحمة اللي متكفلة بالشويّ : سمعتي ؟ سمعتي عمتي وش قالت للمغشوشة
تقول العفو عند المقدرة من شيم الكبار ! الله يلقطها هالعجوز كانها بتصف بصف بنت الراعي !
رحمة اللي كانت مشغولة باللحم قالت : واللي يسلمش يا نعمة فارقي من على رأسي ، تراني من تكفلت باللحم وأنا ذالة " خايفة " ما يعجب الشيخ خليني أخلصه على خير
نعمة ناظرتها بصدمة وقالت : ومن متى رضى ولد المزن يهمش !
رحمة ميّلت شفايفها ومسكت الكرتون وهي تهف على اللحم بدون ما تكلمها وسط عصبية نعمة اللي رجعت تجلس جنب نسيم وهي تهز رجلها بتوتر
-
نسيم كانت مبسوطة .. بالجلسة باللّمة وبالحنيّة اللي تحف أنحاء الجلسة .. من ريحة القهوة إلى ريحة الشويّ العالية إلى ضحكات بشرى مع حكمة اللي بدؤو يحارشون بعض .. لإبتسامة أبوها الراضِية وسواليفه مع الجادل .. ونظرات عبد العزيز لهم اللي مليانه حنيّة ، الى المزن اللي تصب القهوة بنفس راضية ! ولكنها من ألتفت وناظرت لأمها اللي معصبة ومقهورة وتهز نفسها بتوتر وواضح متنرفزة من سعادة الجميع حتى قالت بضيق : وش صاير يايمه !
نعمة بعصبية قالت : مقهورة يانسيموه مقهورة محد مهتم ولا محترق عشان أخوك إلا أنا ، وش هالجمعة اللي تجمع الجبار كلهم دونه ! تبغي الضحكة تملا وجهي ف غيابه !
تنهدت وقالت : خمس سنين يايمة وهو مبتعد طبيعي نتعود على غيابه .. مير إنه قراره الخاص وهو اللي يبي يبتعد ويعيش لحاله بديرة الخوال ! وش ذنبهم يعيشون الهم عشانه
ناظرتها بحدة وهي توقف وتبتعد عنها ، وعن الجلسة بكبرها ! تضايقت كثير كون محد يدري إن عبدالعزيز بنفسه البي نفى فهيد ! ولكن ما بيدها الا تسكت وتنطم لأن لو حد درى بفعلة فهيد ماراح يكون النفي الحل الوحيد .. ولو بعد مرور عشرات السنين عقاب الغدار نفسه !
ومن بين ضحكهم العالي وإبتساماتهم المتبادلة
قالت حكمة وهي تناظر للجلسة : مير يا بوي ، عيب إن الشيخ اللي يجهز بنفسه ! كان عطيت خبر لهادي وتكفل بالموضوع
قبل ما يرد عبدالعزيز قالت بشرى : يا جدة لما يكون الموضوع عن الأبلة تتغير الأولويات عند عز .. والله إنه مستعد يطيح بين الجمر عشان تضحك
الجادل أستحت من كلامها من نظراتهم الضاحكة لها وشتت نظراتها بحياء
ناظرها عبد العزيز بطرف عينه وقال : متى بتتعلمين ما تردين على أحد إلا لا سألك ! ليه قطيتي وجهك وهي تكلمني
ضحكت بشرى وقالت: يعني كلامي خطأ ياعز
سكت ثم أبتسم وهو يرفع يده ويحك نهاية رأسه بعشوائِية ومن سوى هالحركة حتى ضحكو كلهم ! كونهم يدرون .. ما يرفع يده ويلعب بنهاية رأسه إلا لأنحرج أو ماكان يبي يرد ويعطي إجابة
حكمة قالت لبشرى : أتركي عنك إحراج الشيخ يابشرى
هزت رأسها بضحكة وراجح قال وهو يبتسم : إلا يا عز .. ينقص جلستك هذي شيء .. والله ما تكتمل بدونه !
عبد العزيز قال بإستغراب : سم يا أبوي ! لو تبي لبن العصفور جبته !
أنت تقرأ
من قريت الشعر و انتي اعذبه
Romanceمن قريت الشعر وأنتي أعذبه من كتبت الشعر وأنتي مستحيلة 🍃🌺🍃 .. للكاتبة : فاطمة صالح تجميع : storykaligi