بلع رِيقه بصعوبة وهو يصد عنهم .. لما حس إن خوفه وضح على ملامحه .. ميّة شعور يصارعه .. ولاكان قادر يتحرك من مكانه .. من لمح سعود يدخل رفع كفه وهو يأشر له : سعود يا ولد أبوي
أقبل سعود بخوف وهو يناظره : أبشر وسم وعلى خشمي .. وش صاير يا شيخ
عبدالعزيز اللي الخوف متلبّسه من إختفاءها المفاجىء واللي ما طرأ بباله إلا بيت أم سعد تكون فيه قال : بيت أم سعد .. تكفى بخفة الطير تتجه له وتسأل عن تواجد بنت عناد عندهم ..
ماناقش ولا سأل تخلى عن الوقوف قدامهم وركض بأقصى سرعته يلبي رغبة عبد العزيز
ألتفت على صُوت سحابة اللي تِهمس للمزن بخفوت
وقال بصوت حاد : قولي على مسامعي يا بنت هادي .. وش صاير
إرتبكت سحابة وأنلجمت بخوف بسبب حدة صوت عبد العزيز ولولا تكراره لكلامه بحدة ماكانت قدرت تتكلم من الخوف وشدت على شِيلتها اللي رمتها على وجهها بعشوائية: قرب العصر .. كنا ببيت أم حسن نجهز للفطور دخلت المجلس اللي يتوسط نسوان الديرة .. وخرجت منه ووجهها مخطوف لونه ..ولكِن ماعاد لمحتها بعد ذيك اللحظة
عقد حواجبه وفلت يدينه من بعض وهو ينقل أنظاره لرحمة ونعمة وقال : وش صار بربوع مجلس أم حسن يا زوجات أبوي .. وش هالمجلس اللي بتضيع حمامة بسببه
رحمة رفعت يدينها بتوتر وقالت : والله م طبيته هالمجلس .. إسأل نعمة
أنخفض صدر نعمة دليل توترها وخوفها من سمعت إسمها .. وإرتبكت وهي تتحاشى تناظر لعبدالعزيز اللي أيقنت إن ليلة رمضان هذي ماراح تعدي على خير .. إلتزمت الصمت رغم سؤال عبدالعزيز لها .. وتمنت لو عندها قدرة على الإختفاء بهاللحظة .. كيف كانت مستأمنة إنها تنفذ مخططات أخوها دون علم أحد عنها .. وصل لمسامعها صوت بشرى الخايفة من غضب عبد العزيز وقالت : إسمعني ياعز .. والله العظيم ما سمعت وش يقولون بالضبط .. مير على الفطور سمعت ثنتين يتهامسون عن كلامهم بوقت حضور الجادل .. وعن كيف كسرو خاطرها واوجعوها بالحكي .. ولامو عمتي نعمة كيف قدرت تفتح موضوع الحفيد وهي اكثر وحدة عانت مع بنتها .. يشهد الله كنت بشوف وضع الأبلة ولكن قلت تختلي بنفسها أحسن
تصاعد البخار من مخه .. وتراقص الجنون وسط عقله .. فعلاً وصلو لحمامته مثلما توقع
وقبل ما يتكلم أردفت حكمة وقالت له عن سالفة بنت أخو نعمة والموقف اللي صار معهم بأول ليالي رمضان وهذا ماكان إلا زيادة للطين بلّة !
قال عبدالعزيز وهو يسحب شماغه بعصبية ويرميه على كتفه وهو يتنفس بسرعة بسبب عصبيته اللي تمكنت من كل جزء فيه : حرام حرم الدم .. لو صابها ضر بمقدار ذرة .. لأقطع رؤوس ما حسبتو إنها بتنقطع .. والله لألبسكم الضيم للبس وأوجعكم زود عن وجعها بأضعاف
إقترب من نعمة وهو يناظرها بشرار لدرجة إنها غرقت بوسط خوفها على الكرسي وقال : أحد شكى لك الحال يالقشرى ؟ أحد قالك ميتين على الولد ونبغاه لأجل تكسرين قلب ما ينسكر ؟ أنتي ما تبغين تفهمين ؟ ماودك تكبرين عقلك وتفهمين إنك وقبيلتك كلها ما أشيلكم من أرضكم لأجل أناظر ببناتكم أصلاً !
قالت من بين سطوة خوفها وقلقها وكأنها تحاول تهيجه أكثر : ولد الشيخ راجح جاء بعد عشرة أشهر وأنت ....
قاطعها بضحكة يحاول يحافظ على أعصابه فيها : بكره جاء بعد عشره أشهر .. مير الشيخ والخليفة جاء بعد ثمان سنين .. أنتي مستوعبة عظم الخطأ اللي تسوينه ؟ والله إني تغاضيت كثير لأجل عيون أختي ولكن صدقيني يانعمة صدقيني ...
قاطعه صوت راجح الهادِي .. اللي قال وهو يحاول يوازن نبرة صوته وما يظهر غضبه كعادته : لو صدق حدِسي .. وكان لش طرف إصبع في زعزعة أمن عز .. وباسط السماء سبع ما تبقين ليلة وحدة ببيتي .. ولتكونين محرمة عليّ باقي حياتي .. والله إنش طالق بالثلاث لو صدق هالحدس
ناظرته نعمة وهي تتوسل له وإقتربت وهي تسحب يده وتبوسها وهي تقول : تكفى يابن جبار لا تهيني بعد هالعمر .. تكفى دخيلك لا تغربلني عند اللي يسوى واللي ما يسوى
نفض يدينها من يدينه وهو يناظرها بحدة وقال : صبرت كثير .. تعلمت الصبر بزواجي منش .. جاهدت لأجل تبقين على ذمتي بسبب وصاة أبوش قبل موته .. ولكن تقربين بوجع لعز ؟ لاوالله إنش تهبين ومكانش ماهو بجنبي
إنهارت نعمة جنب نسيم اللي كانت ماسكة ورد بيدينها بخوف .. وبدأت تبكي بعدم وعي وهي تقول كلام مو مفهوم ( لا تطلقني ) ( هانت العشرة يا ناكر الجميل ) ( يا فضيحتي عند القبايل )
بدخول سعود للمكان .. وهو يناظر لصوت النحيب اللي منتشر بالمكان خاف وطاح قلبه .. وأقترب وهو يشوف نعمة تنتحب ومحد يهديّها سوى نسيم اللي تركت ورد مع سحابة وإلتفت لأمها
أول ما شافه فز عبدالعزيز وناظره وبعيونه عشم : تكفى يا سعود .. قل إنها في ظل أم سعد ..
هز رأسه بالنفي وهو متضايق وقال : ما جاءتهم .. ودبّ الرعب بقلوبهم من سمعو سؤالي
تزلزل كيانه .. ضاعت أبجديته ومفرداته تبّخرت .. وهذا كله من فكرة إنه"صابها مكروه" والأدهى والأمر شلون تختفي من وسط بيته ! معقولة تعرضت للوجع لدرجة الهروب !
سحبه سعود وهو يناظره بخوف وقال وهو يترقب ردة فعله : رجالّك اللي محاوطِين البيت .. سألت واحد منهم عن الداخل والخارج .. وهو متنبه لكل طير يعبر من هالباب
صّر على أسنانه بتعب وقال : إعجل علي بالحكي ياسعود .. ماعاد بي طاقة ياخوي
سعود ناظره بتوتر وقال : تعرف ..الوقت اللي قالو فيه إنها خرجت لبيت أم حسن ماحضرت للبيت ، ولا أحد طبّه
أبتعد خطوة لورى .. وهو يرفع يدينه ويغرزه بداخل الليل الأسود وهو يحركها بعشوائية .. يحاول ينفض التعب اللي تسلل لرأسه وصدع به .. يحاول يستوعب اللي قاعد يصير .. رجع يناظر لسعود وقال : بنت عناد تخبّر بالخسوف بيت أم سعد ومجمع الخسوف يا سعود .. غير هالأماكن فهي تايهه
ناظره سعود بحيرة وهو يمسح على وجهه .. لين تقدم راجح بعد ما دبّ الرعب في قلبه : طمنيّ يا أبوك .. وينها حفيدة عايض !
هز رأسه وهو يغمض عيونه بصعوبة .. وناظر لأبوه بنظره كسّرت ظهره .. مشبعة بالتعب .. محمّله بالهم ! مايقدر يخرج وينفض الديرة عن بكرة أبيها لأجل إختفائها .. خوفاً من إن اللي يترصد به يتعقبها ويوصلها قبله ! ولا يقدر يمشط المنطقة كاملة لأجل يلقاها بأسرع وقت .. هو موقن إن الضيم وصل لمواصيل فقدها نفسها وتركها بلا وعي .. لذلك سحب شماغه من على كتفه وتعصب به وهو يناظر بنظرة عكس نظرته لأبوه ووجه كلامه لسعود .. متجاهل كلامهم وخوفهم وقلقهم وكل اللي بين عيونه وجهها .. وهذا كان قادر على هز أركان هذا الشُجاع : إرسل خبر لبن فيّاض وسعد وجسّار .. ولا يتعدى غيرهم الخبر .. خذو سياراتكم والأهم أسلحتكم ولا تتركون حجر بالخسوف ما تقلبون تحته وتدورونه .. أبيها تكون بخير وقبل ينتصف الليل قدامي ياسعود
صرخ وهو يمشي : سلاحك يا بن راجح لا تنساه
دب الخوف في قلوب الكل .. بدايةً من حالة عبدالعزيز .. وصولاً لإختفاء الجادل .. الى طلاق نعمة .. والآن السلاح وظهوره !
أرتبك سعود لما سمع صراخ عبدالعزيز ومشى على طول وهو يدخل غرفته ويأخذ سلاحه وبخروجه من الجناح راقب عبد العزيز وهو يسحب رسن جديلة ويفتح باب الإسطبل بكل قوته صرخ على سعود يفتح البوابة وركب على ظهر جدِيلة وأنطلق خارج من البيت .. وقبل يخرج أشر على الفرسان اللي يترقبون قدام بيته وهم ثلاثة واللي مخليّهم رهن إشارة منه .. وأتبعوه على خيولهم
كان مكتسي بالخوف .. ولأول مرة يحس إن قلبه بيتبرأ منه من بشاعة الشعور اللي صابه .. الأهم إن هالوجع بسبب إختفاءها هي بالذات .. والنقطة الأساسية كون فيه شخص مترصد لنقاط ضعفه !
كان شاد على رسن جديلة بكل ما أوتي بقوة .. ونظرات الصقر تأخذ نظرة سريعة لكل مكان تعتب عليه حوافر جديلة .. ماكان عنده وجهة .. ولا طريق لأجل يسلكه عشان يلقاها .. كل اللي يسويه إنه يمشي ويدور بنظراته وكل رجاءه ماتكون أبتعدت وضيعت الطريق .. لأنه موقن إنها هربت من الوجع
ولكن اللي كان يهابه ماتكون حصلت على وجع أكبر .. صرخ وهو يحس بالضيق يستحل قلبه لما حس بقطرات المطر تنزل على شوارع الخسوف .. من متى والمطر سبب ضيقة أحد ؟ ولكن فعلاً كان كسر جديد لعبدالعزيز .. حمامته مجهولة أراضيها وعدوه المبهم مترصد له .. والمطر زاد الطين بله بليالي الجنوب اللي يكسوها السواد والبرد بعـز الصيف !
-
-
لما إنتبهت لخطاويها وقفت وهي تنحني بتعب .. مسكت رجلها بوجع وهي ترمش بعدم إستيعاب وهي تناظر نظرة سريعة للمكان .. عقدت حواجبها بصدمة وبخوف وهي تبلع ريقها بصعوبة .. ماكانت تدري كم ساعات مشت .. ولا تعرف الطريق اللي سلكته .. وكأنها كانت بلا وعي وهي تمشي .. والحين لما غابت الشمس وبدأ القمر يظهر بدالها بدأت تستوعب موقفها .. إلتفت وهي تحضن نفسها بخوف .. وبدأت تسب وتشتم بكل شخص وصلها لحالة اللاوعي هذي .. حست بدموعها تخترق خدها بخوف وهي تناظر للمكان المهجُور .. واللي بسبب مشيّها خرجت من ديرة الخسوف .. وإحتدت بالصحراء القاحلة اللي مابين هالديرة والديرة اللي جنبها .. تخلى عنها الهواء وسكن الرعب قلبها لما سِمعت أصوات الذِياب تتعالى بالمكان اللي تِتواجد فيه و .. بلعت ريقها بصعُوبة وبدأت تبكي برعب وهي تلف يدينها بقوة على بطنها لما حسّت بالوجع ينهش عظامها .. غمضت عيونها لما حسّت بدموعها تنهمر بشكل كارثي .. تجمعت عليها الأمور بشكل ماهي قادرة تِتحمله
ما أستوعبت إنها صايمة من الفجر بدون أكل .. وقطعت مسافة كبِيرة صعب تقطعها بدُون ما يتشرب جسّدها الماء ! ولا هو بس كِذا
إختفت بمكان تجهله .. دُون ماتعرف وين وجهته فيه .. وهذا ماكان يكِفي ولا حتى وجع قلبها كفّى .. من بدأ المطر ينهمر ويهطل على وجعها .. حتى حسّت إن هالمطر هالمرة ماكان سلوى ولاكان بيغسل روحها من التعب .. لاكان زِيادة للوجع
لفت الفروة حول كتوفها وهي تحتمي تحت السِدرة ومن حضنت نفسها حتى بدأت تبكي بشكل مُفجع .. بعدما حست إن الخوف تشّربها والرعب دبّ في كل ضلع من ضلوعها .. وكأنها توها تصحى على نفسها
آخر شيء تذكره تردد كلماتهم برأسها وبعدها ما تذكر شيء .. وكأنها كانت بلا وعي .. والآن وعيّها رجع ! ولكن بالوقت والزمان الخطأ .. كانت مستعدة تحاربهم كُلهم بيدينها ورِجلينها وتنهّش ضلُوعهم بدون رحمة .. ولكن هالمرة ماقدرت .. هالمرة أنسحبت كل قوتها .. لأنها تعبت .. حيل تعبت من الهواش بنفس الموضوع ومن عدم إستجابتهم لكلامها .. والمرة اللي أنهارت وطاحت من فوق أعلى سماء .. مالقت من يسندها ويحميّها .. لِذلك الوقوف كان صعب عليها بعد هالإنهيار !
رفعت عُيونها للسحاب وهي تتأمل الهتّان الخفيف .. ولكن يعتبر عندها وابِل وكثيف .. قالت بصوت مبحوح وهي تترقب مُوتها بأي لحظة : ياربّ العبـاد أُناجيك في ليلة من أعظم الليالي عندك .. لا تتركني دون عونك تكفـى !
-
-
{ عبد العزيز }
وقف على أعتاب ديرته وشفايفه من قوة البرد ترتجف .. بعدما تِبللت كل ملابسه .. ولاهو بس جسده اللي يرتجف .. جميع خلاياه .. مرت ساعتين كاملة ولا بقى بمكان بالخسوف ما بحثو فيه .. ومن وقفو أخويّاه قدامه خالين الوفاض والفُرسان خلفه ولا بيدهم لا علم ولا خبر .. حتى تهاوت سقف دِنياه على رأسه .. ومية فكرة بشعة قادرة على إنها تخيله يموت بأرضه .. رفع عيونه بإتجاههم بتعب .. ولاحظو ملامح وجهه الشاحبة .. والمطر اللي ينزل من شعره بشكل كثيف قال جسّار وهو يوقف قدامه : عيّن من الله خير يا عز .. بحول الله إنها بخير
سند كان يناظر لعبدالعزيز بذُهول بصدمة .. صاحبه من عرف نفسه ولكنه لأول مرة يشهد على ضعفه لهالدرجة ! قال وهو يحاول يخفف التعب عن عبد العزيز : خلنا نخرج خارج إطار الخسوف .. الواضح إنها ضيّعت للدرجة ذي
تنهد بخفوت وقال بصوت أقرب للهمس من شِدة الوجع : وتهقى إنها بخير !
عصّب سند وقال وهو يفك غترته ويعصرها بقوة عشان ينزل الماء منها ورجع يعصب رأسه وهو يناظر بحدة لعبد العزيز : نخبّرك المقدام اللي ما تهّاب شيء .. والحين فكرة ضيعت كل قوتك .. أنت منت بعز يا بن راجح .. إرفع علومك
شدّ رسن جديلة ورفع وجهه وهو يتأمل السحب ويحس إن المطر بدأ يخف غمض عيونه بتعب وهو يهمس : عِز تبخر يا بن فياض .. ولا بقى إلا عزيز موجوع ويصارع !
سمعو صوت رصاص بالجو .. وهنا تكرهبو كلهم لدرجة إنه ما بقى بهم عرق صاحي .. تنافضو من الخوف .. وتخلو عن الوقوف على أعتاب هذه الديرة اللي حمّلته كل هم .. وبدأو يخرجون خارجها .. ومن يقترب من مكان يظنها فيه .. يصرخ بأعلى صوته وهو يناديها .. كان محرص الشباب أشد تحريص إنه ما يطلع الخبر من بينهم .. وصوت الرصاص للآن يدوي برؤوسهم !!
وسط خوفهم ما ترقبو الموضوع لذلك كانو معه .. وحوالين الديرة يدورون لها .. يقترب من مكانه ويصرخ وهو يتحرى الأماكن الوعرة بسبب المطر .. مع ذلك كان يقاوم بكل ما أؤتي من قوة متبقية بجسده ..
-
سعد كان يمشي بسيارته .. يستغفر يسبّح ومأخذ المسؤولية على عاتقه بكل قوة .. كان يتنفس بصعوبة وبسرعة وبخوف .. وكأن هذه الضائعة ماهي إلا أخته ومن دمه .. وقف بخوف وهو يشغل أنوار السيارة وهو يوجهها على الشبّح اللي قدامه وقال برهبة : يارب لطفك .. هذي جنيّة ؟
هز رأسه وهو يمسح على وجهه برهبة وقال وهو يغمض عيونه : لا ياسعد الشياطين يتربطون ف رمضان
بس رفعه بسرعة بعدما توسعت حدقات عيونه برعب : بس الجن ما يتربطون .. بسم الله الرحمن الرحيم .. أشهد يارب إنهم عبادك فلا يمسني ضر منهم عادني أبغا أتزوج
سكت للحظات من سمع صوت البكاء وعقد حواجبه بصدمة وهو يدقق النظّر بلع رِيقه بصعوبة لما أيقن من صوت النحِيب العالي إن هذي بشر .. ولاهي بأي بشر
الشخص اللي إعتكفو على البحث عنه طول هالليلة .. من حسّت بالأنوار تشّع بعيونها حتى رفعت عيونها لما حسّت إن الفرج جاء وبعد الرعب اللي عاشته من سمعت صوت الرصاص .. ركضت بكل طاقتها تطلب الأمن .. لفت لورى السيارة ومشت من جنبها بدون توقف .. ظلت تصرخ بخوف وهي تبكي وتأشر ولكن هيّهات السيارة ما وقفت ..
سعد أول ما أيقن إنها هي تحرك على طول وهو يدور بعيونه على عبدالعزيز .. واللي من لمحه وقف على طول وهو ينزل من السيارة ويركض بإتجاهه .. وبسبب المطر ورطوبة الأرض تزحلق وطاح على وجهه .. كح بصعوبة وهو يحس بالطين يطلع من خشمه وضرب بيدينه الأرض بقوة وهو يحِس بالوجع ف رجله .. رفع رأسه وهو يشوف عبد العزيز ينحني له بخوف .. وناظره وهو يأشر ويتكلم بسرعة وبدون نفس : لقيتها .. تحت السدرة .. هناك روح لها .. روح لها ياشيخ
عقد حواجبه وماكان فاهم وش يقول بسبب طريقة كلامه السريعة .. كان يحاول يوقفه ولكن سعد سحب يده بصعوبة وهو يأشر بيدينه حول السدرة : زوجتك ياشيخ .. تنتحب تحت السدرة .. لقيتها روح لها
ناظره بخوف وقال وهو يمسك ثوب سعد ويشده له بقوة : صادق باللي تقوله ! إحلف ياسعد
هز رأسه وقال وهو يوقف بوجع : روح يا شيخ .. بسرعة
تركه خلفه وسحب رسن جديلة وهو يمشي معها وماكان مِتحري الأرض من تحت .. كان كل شوي يتعثر ويحاول ما يطيح .. والكشَاف بيده ويدور بعيونه على السدرة اللي قصدها سعد .. ومن لمح الظل اللي يدور عليه حتى هبّطت الراحة على قلبه .. ترك رسن جدِيلة وبدأ يركض بإتجاهها وهو يتعثر ولكن ماهمّه كان يدعي ويصرخ من داخله بأن اللي قدامه ماهو طيف .. ولا وهم
وإنها هي اللي واقفة قدامه .. وماصابها ضر ولا مكروه
كانت منحنيه على ركبها وهي تتنفس بصعوبة بعدما حسّت إنها هالمرة فعلاً بتطيح وبتنهار .. ومن حسّت بصوت خطوات تقترب منها رفعت رأسها بخوف وهي ترتجف .. إستقرت عيونها على جدِيلة والشخص اللي يركض لها وهو مُلطخ بالطين ومحيُوس .. وحالته مقلوبة فوق تحت .. مع ذلك كان يركض لها بكل ما أوتي من قوة .. غمضت عيونها وهي تحس بالدموع تحرق محاجِرها وقلبها من شدة نبّضه بيوقف .. ولا زارها هالشعور من قبل سوى بليلة زواجها منه .. وكأن المشهد قاعد يتكرر
ومن وقف قدامها وهو يتنفس بصعوبة ومن إستقرت عُيونه اللي تلهث من الوجع .. بعيُونها اللي تهطل مطر حتى أخذ نفس من جميع جوراحه وزفره بصعوبة وهو يحس إنه الأرض كانت عاجزة عن الدوران لساعات طويلة .. والآن فقط رجعت لوضعها الطبيعي .. ومن إستوعبت وقوف هالشخص قدامها .. والأهم إنها كانت تصارع الموت قبل لحظات .. والآن بدأت تستعيد الحياة وتغلب الموت .. بدأ صوت بكاءها يعلى وهي مغمضه عيونها وواقفة بمكانها دون حركة .. بعدما حسّت بالأمان أرتخت كل خلاياها وماكانت قادرة تتحرك شبر واحد .. ومن حست بدفء حضنه رغم كل البرد المحيط فيهم .. حتى شدت عليه بقوة وهي تحس بالسعة بعد ما ضاقت عليها الأرض بما رحبت .. حسّت بيدينه تلتف حول أكتافها الباردة .. وصوت أنفاسه مازال يعلى .. ولأول مرة توصلها نبضات قلبه بشكل الكارِثي هذا لدرجة قدرت تسمعها وهي قُربه .. لأول مرة تحس بإرتجاف جسده وتغير نبرة صُوته للخوف .. الإرتباك .. الرُعب : توحشتك و أحس الأرض بعدك ما عليها ناس.. و أحس الأرض ما دارت بعد عينك ولا دورة.. وش ناويّه عليه ياحمامة .. على موتي ؟
كشرت بخوف من الطاري وشدت على يدينه وهي تحس بأنها من قوة الرعب اللي ما هدأ للآن ماهي قادرة تتكلم أو ترد عليه .. للآن صوت الذيّاب ترن بعقلها ولاهي قادرة تِستوعب وين أختفت .. وليه ما هجمت عليها ! ومن حسّته يسحبها .. ويمسك يدينها وهو يشد عليها .. وكأنها خايفة تِفلت منه أو تضيع .. مثّل الطفل لما يشد أبوه على يده لأجل ما يضيع .. ثبّت رسن جدِيلة وشدها من كتوفها وهو يرفعها ليّن أستقرت على ظهر جدِيلة .. ورفع نفسه وهو يجلس وراها ..
كان ملتزم الصمت وهو يمشي مِتجه لوقوف الشبّاب .. لأجل يعطُونه السيارة
قطع الصمت المُرعب اللي كان بينهم .. واللي كان بسبب الخوف اللي متّلبس كل شخص منهم .. صوتها الهادي واللي قالت فيه بضحكة لأجل تطمنه عليها : لأول مرة نركب ظهر جدِيلة سوى ..
قال بضيق وهو يشد على الرسن وعيُونه تلتفت يمين ويسار بترقب : ماكان محتاج الوضع هالفجيعة والرعب لأجل تركبينها معي .. كان الموضوع يحتاج إشارة منش بس
تنهدت وهي تسكت .. وعارفة ومتيقنة وش المشاعر اللي يصارعها هالجبل .. وكيف ماتعرف وكل شيء واضح على وجهه !
بعدما لاحظ السيارات اللي واقفة جنب بعض .. وقف وهو يناظرهم بهدوء .. ومن لمحوه شتتو أنظارهم وهم يوقفون بعيد عنهم .. نزل من على ظهر جدِيلة .. ونزلها وهو يشد على يدينها ومن وقف قدام سيارة سعود .. حتى رمى له المفتاح وركب وهو ينطلق دون كلام ..
ولما أستقرت الراحة بكل جزء فهالرجال .. حتى تعالت ضحكة سند وهو يناظر لسعد اللي ملطخ بالطين من كل جهة : كنك غرير "طفل" يخلب "يلعب بالطين" .. وش هالشكل يالشايب .. متى بتعقل ؟
هز رأسه وهو يناظره بطرف عيّنه : إسمعني زين يا موسيقي الفلّس .. ترى اللي بيني وبينك ما يتعدى السبع سنين .. لذلك إمسح لسانك عن المقدام سعد
ضحك سعود وضرب على كتفه وقال : لقى زوجة الشيخ وبيسوي نفسه قوي وعنده عضلات .. أقول توكل بس
نفخ صدره بغرور وضحك بسخرية وهو يتذكر لما ظنها جنيّة ومشى وهو يركب سيارته متجاهلهم .. بينما سعود إضطر يمشي مع جدِيلة للبيت .. على رجله وهو ماسك رسنها .. لأنه لو فكر يركبها يعني إنه تمنى الموت
-
-
وصل لأعتاب بيته .. الصمت كان سحابة كثيفة واقفة بينها وبينه .. وقبل ما ينزل حس بكفوفها على يدينه .. قال بعدها بهدوء : ليّ طلب ياعزيز
ناظرها بهدوء وهز رأسه وهو يأشر على خشمه بمعنى " تم "
قالت بعدها بهدوء وهي تشّد على كفوفها .. وكأنها تصارع لأجل تنطقه : أبي الخلى لبيت عايض .. مالي قوة على وجودي بهالبيت لحظة وحدة
عقد حواجبه وكان بيرفض بشكل قطعِي .. فكرة إنها تتواجد ببيت جدها اللي تعزّه كثير .. وهو ميت !
فكرة يدري إنها بتكسرها .. ولكن هو شخص ما يرفض لها طلب .. وخصوصاً إنها تناظره برجاء
تأملها للحظات .. وهو يتذكر كم مرة خذاها بوجهه .. وحلف ما يخلي هله يتعرضون لها .. كم مرة علا صوته عليهم لأجل ما يقربون منها .. تأملها بضيق وهو يحس إنه مهملها .. حيل ومقصر معها .. شلون كانت تعاصر هالموضوع لوحدها دون علمه ؟ وشلون ماعرف ولا حس بالموضوع .. ولأنه أخذ مسؤولية إرضاءها على عاتقه .. وافق بعد تردد : أبشري يا بنت عناد .. ميّر لو ننزل نغير ثيابنا .. ونأخذ شيء يكسينا بقرية المرحوم
هزت رأسها بطيب .. وهي تنزل ولما وقفت على أعتاب البيت غمضت عيونها بضيق وهي تتذكر كل كلامهم .. واللي مازال يتردد بعقلها .. مع ذلك جمعت شجاعتها ودخلت وهي تحس بعبد العزيز يمشي جنبّها .. وقفت بنص الحوش وهي تشوفهم جالسين بالحوش ومتوترين .. واللي يمشي رايح جايّ .. واللي جالسة تستغفر وتقرأ قرآن .. واللي متوترة وتبكي .. تنهدت وعبد العزيز أعلن حضوره لما تنحنح .. إلتفتو كلهم بإتجاههم .. وأول المزن اللي فزت من مكانها وهي تمسح دموعها وتركض لها .. وقفت وهي تضمها بقوة والجادل حسّت بغصة تخترق حلقها وهي كاتمة دموعها قد ما تقدر .. أبتعدت عنها وهي تمسح دموعها وعلى طول سحبت نقابها اللي غارِق موية وناظرت وجهها وهي تبكي بضيق : يرضيك يا يمة ؟ وش سويتي بنفسك
زفرت بضيق وميّلت شفايفها بتعب .. ماكان فيها حيل للنقاش .. ولا للجدال لذلك إكتفت بالصمت
تحمدو لها بالسلامة كلهم وتطمنو عليها .. وماغاب عنهم شكل عبدالعزيز المتبهذل .. واللي الطين أستقر بكل جزء منه .. وحتى وجهه وملامحه وشعره كل شيء محتاس فيه
مع ذلك قال راجح .. واللي حلّف ما يرتاح لين تكون بخير .. وتكون حياة عبد العزيز مطمئنة .. هو كان يدور سبب .. يبي شيء يثبّت أحاسيسه .. دائماً نعمة كانت فطينة وكل خبثها ما يظهر عليها لذلك قدرت تعيش هالسنين كلها بظل آل جبار .. ولكنها تعدّت كلام راجح .. واللي حلف فيه لو يصيب عياله ضيم بسببها هي أو رحمة أو أي شخص يفكر يأذيهم .. لينهيه من العائلة ولو على قطع رقبته
وقف قدام الجادل وهو يقول بحنيّة : إسمعي يا حفـيدة عايض .. وصلني خبر عن سُوايا نعمة معش .. وكلامها والأهم فعلتها الدنيئة .. علميني وأنا أبوش .. اللي وصلني صحيح ؟
رفعت عيونها وهي تناظر لنعمة اللي تناظرهم بترجي وبخوف وهي تأشر لها تعفو عنها ضحكت بسخرية وهي ماكانت تدري وش السالفة مع ذلك هزت رأسها بإيجاب وقالت بإختصار : صحيح
زفر بعصبية وهو يحس إن يدينه ترتجف من ضيقته .. ماكان وده يوصل الموضوع للدرجة ذي .. مع ذلك هي اللي جنّت على حالها .. قال وهو صاد عنها ويناظر ناحِية الباب : لفي "جمعي" أغراضش يا أم فهيد .. صابت الحلوفة .. وأنتي طالق
إخترقت صرختها مسامعهم وهي تتحسب عليهم .. وترمي عليها من الشتائم الشيء الكبير .. مع ذلك ماكان أحد مهتم لها كثر نسيم اللي كانت تبكي بضيق وبهدوء وهي تحاول تهدي أمها .. صد عبدالعزيز بضيق وهو ماكان متحمل نعمة إلا بسبب أخته .. ولكن طفح الكيل
دخل غرفته وهي وراه .. وبدل ملابسه على عجل .. وجلس وهو يكتف يدينها ويهز رجوله بتوتر .. كان ضايع ضايع .. لأول مرة يعيش هالشعور
يراقبها وهي تجهز شنطته وشنطتها .. ويدينه على قلبه .. وش تفكر فيه !!
وصل سعد لبيت أمه .. وكان مأخذ وضعه عذر لأجل يبقى بالبيت .. أو يقدر يلمح على الأقل شيء من منى .. دق الباب وعلى غير العادة لحظات معدودة وأنفتح
ومن سمعت أم سعد صوته فزت بخوف وقالت وهي تتنفس بصعوبة : بشّر يا سعدي .. لقيتو الغزال !
ضحك من كلمتها وهز رأسه وهو يقول : لقيناها أبشرش .. وطلعت مضيّعة الطريق وخرجت برى الديرة .. لولا لطف ربي كان قطعوها الذيّاب .. أنا مدري شهالحالة .. لها قرب السنة عندنا ولا تعرفت على شوارعنا .. أقول يمة نادي بس حرمتي لأجل أعرفها على الشوارع .. والله لو ضاعت لأضيع .. إذا الشيخ صابه كل هالهم أنا وش بسوي ؟ يمكن أموت
ناظرته بطرف عينها من كلامه الكثير وبعدما تطمنت على الجادل قالت وهي تناظر ثيابه : وش هالشكل يا سعد .. تبى تفضحني
ناظرها بضيق وقال : يايمة .. ليه تقبين على طول عليّ ؟ ترى أنتي والحياة ضدي
ضحكت وهي تناظر ملامحه اللي تستعطفها وقالت وهي تقرب وترفع نفسها وهو أنحنى لما حسها تحاوط عنقه .. ضحك وهو يشوفها تلعب بشعره كعادتها لما يسوي نفسه زعلان وقال وهو يحبَ رأسها : جعلني قبلش يا أم سعد .. ودي أدخل غرفتي .. مسموح والا العصا جاهزة !
أبتسمت وقالت : أدخل ياسعد .. الواضح إن حتى فطورك ما هنأ لك .. بجهز لك الزاد لين ما تخلص
قال وهو يدخل ويناظرها : ليه تجهزينه أنتي وتتعبين عمرش ؟ خلى هالمرة زوجتي تجهزه .. نـ..
سكت وهو يشوف نظرات أمه الحادة وأبتسم ببراءة : زوجتي إذا عقد الشيخ النكاح .. الحين أعقب أشوفها .. فهمت الموال يمة
ناظرته ومشت وهي تدخل المطبخ وهو كان متفشل أصلاً من شكله ولاوده تشوفه بهالشكل .. لذلك كان مستعجل عشان يدخل ويبّدل بباقي الملابس اللي بغرفته .. ولكن قبل يدخل ألتفت على صوت خطوات جايّه للحوش هز رأسه بالنفي لما عرف إنها هي .. وكان بيمشي بسرعة لأجل ما تلمحه ولكن الأرض كانت مبلولة بعد المطر .. وماحس بنفسه إلا وهو يهويّ على وجهه .. دارت به الدنيا بإحراج شديد وهو يسمع ضحكتها وركضها وهي تختفي من المكان .. وحس إن وده يموت أو ينتحر .. أو باللحظة ذي تنشق الأرض وتبلعه .. ووقف وهو يجمع كبرياءه من على الأرض .. والإحراج كاسيّه
ذلك كانت ضحكتها كفيلة بأنه ما ينتحر باللحظة هذي
دخل الغرفة وبدّل ملابسه .. وناظر لشكله بالمراية ووجهه شلون منقلب للون الأحمر بسبب الإنحراج .. ضرب وجهه بكفوفه وهو يقول : سعد .. كلاً يطيح وش فيها لامنك طحت قدام زوجتـ...
صرخ بضيق وهو يقول كلام مناقض لتعزيزه : ياافشلتي يا فضيحتي .. الحين بتصير بصف سند وأمي وبتقول غرير بجسد شايب .. أوف يالحظ
سمع دق أمه على الباب وطلع .. ولكن قبل يطلع ناظر لغرفته نظرة سريعة .. كانت ثاني مرة يدخلها بعد رجوعه من السفر .. ماكان قادر يدقق بكل شيء فيها .. يحس بتغيير بأرجاءها بس وش هو بالضبط !! ما يدري .. ماكان وقت فضوله لأن أمه أستعجلته .. ومن زود إنحراجه أكل على السريع وطلع من البيت وهو يركض قبل يسمع حسّها .. بينما هي كانت تراقب تصرفاته من دريشة المطبخ .. وضحكتها ماغابت عن وجهها .. بعد ما تطمنت على الجادل وإنها بخير وبعد الرعب اللي عاشته وهي خايفة عليها .. كان وجود سعد وموقفه كفيل بأنه يمحي ضيقها ويبدله بضحكة .. وهي متعجبة حيل ..معقولة هي حبّته بسنة من سنينها الماضية ؟ ولا كيف هالآلفة من شهور بس !
-
-
بعد ساعة من المشي الطويل مع جدِيلة .. وقف قدام بوابة البيت وهو يتنفس بصعوبة .. شد على بطنه وهو يناظر جدِيلة : منك لله يالفرس الأصيلة .. مسويّه نفسها آخر حبة .. أوجعته رجوله من المشي .. كان بيفتح البوابة بس أستوقفه وجود هادي .. واللي كان واقف ينتظره .. وقف بإستغراب وقال : إسلم ياعم
هادي كان متضايق حيّل .. ويدري مو وقته ولكن مع ذلك جاهد نفسه وقال بدون مقدمات : مضايق سحابة ياولد الشيخ !
ميَل شفايفه بإستغراب وبلع ريقه بصعوبة لما حس إن سحابة خرت السبحة عند أبوها .. لوهلة أجتاح قلبه البارد شعور غريب .. إنه ممكن هادي يأخذها من يدينه ويحرمه منها ! كان مستعد يبقى على هالحال سننين طويلة بس ما تغيب عن عيونه .. ولكن وجه هادي هاللحظة ما يبشر بالخير : عيّن خير يا أبو سحابة .. وش هالحكي ؟ ومن قال لك
تنهد هادي ومسح على وجهه : مدري مدري يا سعود .. سحابة حالها مهب عاجبني .. هي تحسب إنها تقدر تخفي وجعها بس أنا أبوها أفهمها من لمحة .. تخبّر كلامي إنها من السحاب مأخوذة .. وشفافة كل اللي تعانيه يظهر على وجههاا .. ووجهها هاللحين منتزعة الطمأنينة منه .. خبرني ياسعود وش بلاها !
أبتسم بوهقة .. وناظر بتوتر لهادي .. شلون يخبره عن سواياه ؟ وشلون يخفي عليه وهو يلمح مصاب بنته بثواني ! مع ذلك كان من المستحِيل يعطي ثغره عن حياته معها
ربت على كتفه بإبتسامة وقال : حياتي معها فيها كل الخير يا أبو سحابة .. لا تخااف تكفى .. تخبّر إن الزواج تصير به أمور زينة وشينة .. والأهم إننا نتعداها
ناظره بشك ولكن سعود أبتسم وهو يطمنه وبعدها استأذن وهو يدخل البيت .. دخّل جدِيلة للإسطبل ونقل أنظاره للمكان .. ومن جاءت بشرى وخبرته إن عبدالعزيز قبل دقائق خرج مع الجادل بدون ما يعطي خبر وين بيروحون .. وأبوها ترك البيت لين يطلع الصبح وتسريّ نعمة لبيت أهلها بعد طلاقها حتى شاب رأسه من الأخبار .. بعدها عنه وهو يقول : أعيد وأكرر أنتي اللي سماك بشرى غلط غلطة حياته .. أنتي نشرة للأخبار المفجعة والله
كشّته بيدينها وهي تقول : مالت عليك وعلى اللي يعطيك الأخبار
ناظرها بضحكة وبطرف عينه وأتجه لجناحه وهو يحس بإن كل خلية بجسده تضرب من الوجع .. كان متجاهل خبر رُوحة عبدالعزيز والجادل ومتجاهل خبر طلاق نعمة ولا بيّن عيونه سوى سريره .. يبي يرتاح بعد هدة الحيل .. دخل الغرفة .. ولكن هالمرة قبل ينسدح ناظرها وهي جالسة على جنب وبيدينها مصحفها تقرأ بهدوء وبصوت تكسوه الطمأنينة .. وكأنها بتلاوتها هالآيات سحبت كل التعب من جسده .. كانت تردد وتكرر بخشوع وهي متجاهلة وجوده .. رغم إنها حسّت عليه
واقف بمكانه ويتأمل كل شبر فيها .. من صوتها الدافي لباقي تفاصيلها وهي ما تزحزحت بمقدار ذرة ..
وكأنها هي اللي صقّلت شخصيته .. وهي اللي كونتها لدرجة إنها تعرف كل تفاصيله ! كانت شخص يعرف أحق المعرفة إن شخص مثل سعود يتعامل بالتجاهل .. والبرود هو الشيء اللي يكسر عينه
إبتعادها عنه ومكوثها ببيت أبوها كانت غلطة لأنه شخص مثله مستحيل يتعدل أو يندم بسبب إختفاءها عنه .. بالعكس بقاءها قدام عيونه وتجاهلها وجوده .. ونظراتها الحادة له كانت كفِيلة بجعله يعض أصابع الندم ويعيش مع أقبّح وأكثر شعور يكرهه .. ولكنها مثلما تعرف هالشيء عنه .. فهي تعرف إنه شخص ما يعتذر .. ويصعب عليه رغم إنه وده .. لذلك يعتذر بأسالِيبه الخاصة !
ولا خفت عليها قفلت المصحف وهي تتذكر بعضها ( الورد اللي تجيّبه لها بشرى بعد التراويح دائماً .. وكانت موقنة إنه منه .. الحلى اللي يحطه بمكان جلستها بالحديقة .. أكواب الشايّ اللي تتجهز بعد العشاء والكلمات المتقاطعة اللي كانت تنكتب ورى كراتِينها " أعتذر ، لك ، يا ، سحابة " وبيت الشعر اللي قسّمه بأكواب الشايّ .. واللي سايرها بها ( كم شرينا بسوق الوصف غيرك وبعنا وانت مهما وصفنا كله يطيح دونك)
كُتبت هذه الكلمات على مدار هالشهر كامل .. مع ذلك كانت متجاهلتها .. للآن محترقة بسبب كلماته .. للآن خايبة منه
جلس على السرير .. وهو يفرك يدينه بتوتر .. وده يتكلم معها .. وده يناقش يبرر يعتذر بس مهب قادر .. هو شخص ما يبادر ولو الموت قدامه .. مايعرف هالشعور ولا كيف يتخلص منه .. كملت قراءة وقفلت المصحف وفسخت جلال الصلاة وهي ترتبه على جنب .. أخذت شالها ورتبته على رأسها وطلعت من الغرفة بدون ما تكلمه .. وهو تأفف ومسح على وجهه بضيق .. وش أيام رمضان اللي مافيها راحة ؟ أول مرة يعدي بالصعوبة ذي
طلعت من الغرفة وهي متضايقة مع ذلك حاربت شعورها .. لأنه يستاهل يعيش هالوجع
جلست جنب المزن اللي متضايقة من حالة نسيم ومقاومتها للبكاء .. واللي متضايقة على الجادل وحالتها الغريبة .. وبقت تهدي فيهم
-
-
بعد ساعات طويلة .. قضاها بالطريق اللي يدلّه من ست سنين .. تخللها وقوفهم لصلاة الفجر والسحور .. وصُلو لأعتاب هذه القرية القديمة .. واللي سكُانها ينعدون على الأصابع مع ذلك مستمرين بحياتهم وعاجبتهم .. وصلو قِرابة الظهر ولما صدع آذان الظهر بهذه القرية الصغيرة .. كان عبدالعزيز على أعتابها .. ينُقل أنظاره بلهفة يمين ويسار .. يتذكر سنينه اللي قضاها يتردد على هالقرية .. مع ذلك ماغاب عنه الجادل اللي عيونه كانت عليها .. ويراقبها وهي تشد يدينها بتوتر وتضغط عليها بكل قوتها .. كان موقن إنها تصارع شعورها .. وتِنتحب بداخلها .. لأنها ولأول مرة تعتب هالقرية بدون عايـض .. رفع كفه وهو يشد على يدينها .. ألتفت له على عجل وناظرته .. وسحبت يدينها من يدينه بحركة غريبة عليها
عقد حواجبه مع ذلك ما علقّ وعذرها لشعورها .. وقف قدام بيت عايض .. وهنا فعلاً إنهمرت دموعها بدون سابق إنذار .. كانت تتأمله من برى .. وتعود نظراتها على المكان اللي أحتواها لشهور طويلة .. حسّت بأن أحد ينتزع قلبها من جوفها وهي تتذكر جدها
وهو واقف وبيده صحن اللبن ويناديها .. وهو واقف ويضحك عليها لما قررت تركب الناقة .. تذكرت صوته وضحكته وكلامه .. وأنعصر قلبها مثلما الغترة تنعصر .. كانت خطوة جريئة منها ما حسبت حسابها .. شلون بعد غِياب ست سنين عن هالمكان اللي أحتوى ذكرياتها مع جدها واللي توفى وودعها .. ترجع له وهي تظن إن الرجوع بيكون بهالسهولة ! كانت تدري إنها بتنهار ولكن ماكان هالقد .. غمضت عيونها بوجع وهي تحس بحرارة الدموع تحرق جفُونها .. ولكن من لها غير جدها ؟ حتى وهو ميت مالها غيره .. وماكان لها .. سند من أهلها إلا هو .. وين تروح وبمن تحتمي مساعد ! أمل ؟ مالها أحد غيره
والحين بعدما تكاتفو كلهم عشان يشيّبون رأسها وين تلجأ ؟ وبأي مُستراح تستريح !
أخذت نفس وزفرته بصعوبة وهي تنحني وتتحسس المفتاح وهي تدعي يكون مكانه .. ومن لمسته حتى ضحكت بفرحة خالطها بكاء .. رفعت نفسها وفتحت الباب .. وهي تتأمل كل شبر فيه .. ولا تركت زاوية ما تأملتها وركزت فيها .. كانت تبكي بوجع .. وعبد العزيز خلفها وملاحظ كل تصرفاتها .. وكلما كان بيتقدم يشوفها تتسرب من قدامه وتختفي لمكان ثاني .. مع ذلك بقى خلفها .. مثل الجبل وبس يراقب تصرفاتها والود وده ينتزع كل الطمأنينة من العالم ويحصرها بس بقلبها .. بس بتصرفاتها الغريبة معه .. جالسة تربّط يدينه ورجلينه .. ولاهو فاهم سببها
ومن بين تنقلها بالغرف عقدت حواجبها وهي تشوف الحياة مشتعلة بالبيت .. وواضح إن له سكان .. صارت تتلفت بخوف وتناظر بإرتباك للمكان وعبد العزيز أنتبه عليها وتقدم وهو يناظرها بقلق : وش صاير ؟!
كانت بتتكلم بس أنلجمت وهي تسمع صوت جهُوري وراهم وخنجره على رقبة عبد العزيز : وش تسوي ببيتي يالبواق.. أروج(إسرع) وعلمني من أنت
عبد العزيز عقد حواجبه وهو يحس بحِدة السكين على رقبته ومع ذلك ما تحرك .. كانت عيونه على الجادل المفجوعة .. ميّل شفايفه وهو يأشر لها تهدأ وهي كانت تبكي بخوف : إستهدي بالله يارجل .. وش اللي قاعد تقوله .. ومن أنت !
شدد على كلامه وكرره بعصبية : اغديه ( يمكن تكون) بواق والا سارق أروج (إسرع) وعلمني من أنت واللي معك قبل أذبحك
كان صابر ومحتسب ولكنه غمض عيونه بعصبية وهو يلتفت عليه بسرعة ويمسك الخنجر وهو يسحبه من يدينه بخفة وعلى طول تعلق برقبته وهو يشد عليه بقوة : شكلك أنهبلت يا رجل .. داخل لبيت أهلنا وترفع سلاحك علينا
قطّب حواجبه بصدمة وهو يقول : أنت تحسي ( تتكلم) صدز ( صدق )
هالبيت لااهلكم ؟
ناظره بإستنكار ونزل يدينه من على ياقة هالرجل وقال بإنزعاج وهو مو عاجبه وضعه : من اللي دلك على هالبيت
عدل نفسه ورتب ثوبه وأشر على نفسه وهو يقول : هالبيت لجدي .. يعني لي !
ناظره بصدمة وبذهول ونقل نظراته للجادل اللي متجمدة بمكانها بإستنكار
قال عبد العزيز بعدم تصديق : شكلك أنهبلت .. هالرجل ميت من زمان .. ولا له حفيد إلا شخص واحد ..
ناظره بحدة لدرجة إن هالشخص أرتبك وقال بعصبية : أنت من !
بلع ريقه بصعوبة وقال وهو يناظره بإستغراب من حضور عبد العزيز .. واللي صار يهوجس (يفكر بصمت) عن هويته وبعد لحظات من الصمت قال بإستنكار : أنا الليّث بن عناد
تراجع بخُطوات مصدومة للخلف .. وهو يدِقق بملامح هذا الرجُل .. والأهم نزل الخنجّر وهو يرميه على الأرض .. وبصوت صداه على الأرض وعت الجادِل من صدمتها وصارت ترمش بعدم إستيعاب وهي تناظر للشخص اللي أتبع إسمه بإسم أبوها !
الليّث تنحنح وقال وهو يناظُرهم بهدوء : علمنن من أنتو ، وش تعلمون بوسط بيتي
عبد العزيز كان ضايع .. وكلمة هالرجل ألجمته ولاهو قادر يصدق اللي أنقال لذلك قال وهو يناظره بهدوء : وش اللي يضمن لي إن الحكي اللي تقوله صدق ؟ عناد ميّت له عشرين سنة إذا مهيب أكثر ..
كل اللي سواه الليّث إنه دخل يده بجيبه على مُضض وهو يطلّع محفظته ويظهر بطاقة أحواله بوجه عبد العزيز اللي قطّب حواجبه بإستنكار وألتفت للجادل اللي على حالها .. ما تحركت منها خليّة وهي مرتخية أعصابها بصدمة " أخوي ؟ لا لاني بمصدقة .. ولا هذا لي أخ .. أنا مالي أحد وهالشيء فرضته عليّ الحياة .. واللي قاعد يصير كذب في كذب"
ولكن الليثّ اللي شدد على كلامه وقال : إما تحتسي (تتكلم ) وتقول لي من أنت ولا إنفهق (أخرج) من بيتي
عبد العزيز ماكان فاهم بعض كلماته مع ذلك .. كان ماسّك أعصابه لأن اللي قدامه ما يعرف من هو .. إعتدل بوقفته وقال بهدوء وهو يناظره : أنا عز بن راجح .. وهالبيت بيت جد زوجتي ..
ضحك من سُخرية الوضع وهو يحك حاجبه ، ماكان بيصدق وبيكذب كل الوضع .. بس الإسم اللي مكتوب جنب صورته بالأحوال يثبت له إن اللي يصير حقيقه : يعني أخـتك
ناظره بضيق وهو له حول السنة هنا ولا لقى أثر لا لجده ولا لأحد يقرب له .. لذلك طاحت كل معنوياته وما صدق عبد العزيز : هالحكي مايمشي علي ..
وقبل ما يكمل كلامه ناظره عبدالعزيز بجديّة وقال : وأنا فاضي أنكت عليك !!
ومن لمح الجدية بعيون عبد العزيز وُسعت أحداقه بصدمة وألتفت بلا سابق إنذار وهو يتقدم بخطوات سريعة ويوقف قدام الجادل اللي أنصدمت ورجعت خطوة لورى .. ناظرها بذهول وقال وهو يمسح على وجهه بضحكة : ماني مصدق هاللي يصير .. أنتي أختي اللي تكهربت الدنيا عشانتس ؟
ناظرته برهبة وعبد العزيز كان ملاحظ الرعب بعيون الجادل لذلك مشى بسرعة وهو يبعده عنها ويوقف بينه وبينها وقال : خل البنت تستوعب الصدمة .. ونفهم وش السالفة .. من وين ظهر لعناد ولد ؟ من العدم يعني
ضحك وهو يهز رأسه بفرحة ماذاقها من سنين : والله إن قلبي يوجس (يحس) من أيام إني بلقى أحد من هليّ .. وكنت أحسب إني ريض(مطول) لين أشوفتس ، بس الحمد لله
بلعت ريقها بصعوبة وأنسحبت للمطبخ وهي تستند على الجدار ، بعدت النقاب عن وجهها ومسحت عليه وهي تحس بأنها باقي ما أستوعبت شيء من اللي قاعد يصير .. كل الصدمات بالحياة تجمعت عليها
ضحكت بصدمة وبذهول وهي تتذكر الرواية اللي قرأتها بأيام الجامعة وكانت مشابهة وجداً لقصتها لأمها والحين أخوها ! بس وين القوة اللي بتخليها تستوعب إن اللي يقوله هالرجل صحيح !
عبد العزيز تقدم وجلس بالصالة وهو يأشر لليّث يجلس وهو الدنيا مو سايعته من الفرحة ، وهذا كان باين من تصرفاته الغريبة واللي تدل على توتره
قال عبد العزيز بهدوء .. وهو يحاول يتماسك من صدمته باللي قاعد يصير : إختصر عليّ اللي قاعد يصير .. أنت الليثّ بن عناد آمنا بالله .. كيف جيت هنا ؟ من وين خرجت ، سنين وبنيّن غايب وين كنت ؟ ، ولهجة اهلّ الشمال تفّيض من لسانك .. علمني وش اللي قاعد يصير
شبك يدينه ببعض بربكة : أنا رجل الجادل تكبرني بسنة
ناظره بصدمة لما نطق إسمها ولكن الليث كمل بدون ما يسمح له يعلق وقال : أبوي تزوج أمي بعد ما جاء من الجنوب .. وبقى عندنا خمس شهور بليالها .. ماودي أقولك إنه تزوج لأجل جاه جدي ولا سمعته ، لابالله تزوج بعد إصرار جدي عليه إنه يمسك أملاكه ومحله وهالشيء هو اللي خلى خوالي يقلبون شياطين وهم يرددون ( شلون يصير متحكم بأملاك أبونا واحنا بهاه (هنا) .. وأبوي تفادياً للوضع ومشاكل عيال هالشايب كشف عن حياته وقال له إنه متزوج وعنده بنت تنتظره لأجل يتنازل ، ولكن جدي ما أهتم ، كل اللي كان يبغاه يتزوج أبوي أميمتي بأي طريقة كونه يعرف بطمع عياله .. وإنهم بيأكلون أختهم بدون بسملة ، وهذا اللي صار بعد إصرار جدي تزوج أبوي بأمي وعاش معها خمس شهور من أحسن ما يكون ورغم ضغط أخوالي عليه كان يتجاهل الوضع لأنه كان مرتاح مع أمي ، ولكنه بعدها قرر ينكس(يرجع) لأجل ما يقلق قلب أهلوه ومنها أشتاق لبنتوه ، أميمتي زعلت وقلبت الدنيا عليه ، وقالت أنت مو مهتم لي ومن هالحكي .. وهو زعل وحاول يفهمها إنها تدري عن وضعه قبل تتزوجه ، ولكن كلمة تجي وكلمة تروح ودخل الشيطان بينهم والأهم دخلو إخوانها اللي أستغلو الفرصة وكبّرو الفجوة وكان هذا الدخول سبب للطلاق ، طلقها وهو منكسر ولكن ما بيده شيء ، وراح لجدي وفهموه اللي صار ولكن جدي قابل الموضوع بهدوء وهذا اللي صدم أبوي ، أعطاه حصتوه من التعب اللي تعبه ، وأبوي أخذ أملاكوه وفلوسوه وخرج من الديرة ومن بعدها أنقطع حسوه ولا جاء طاريه أبد بحياتنا وهالشيء كان من صالح أخوالي
ناظره بتساؤل وكان أغلب كلامه ما يفهمه ولكنه أنحرج وماقدر يقول له إنه ما فهم ، مع ذلك كان يشبك بعض الكلمات ويفهم الوضع : وش هالسهولة بحياة جدك ؟ ليه رضى بالطلاق بالساهل ؟
ناظره بضيق وقال وهو يمسح على أطراف لحيته وقال : أمي بهالشهور حمّلت بي ، وقبل ما تخبر أبوي خبرت أبوها .. وباليوم اللي قررت تعلمه سبقها وقال لها عن نكوسه( رجوعه) عشان تسذا ماعرف بوجودي على هاالدنيا
وجدي كل اللي كان يبغاه ، ولد لأمي لأجل يحميها ويعزها ويحافظ عليها ، ومن عرف شهامة أبوي قال يستاهل يكون زوجها .. ولكن بعد اللي حصل ماكان بيده شيء إلا يرضخ للطلاق لأن ماعاد لعناد داعي دام الليثّ موجود !
رمش بعدم إستيعاب للكلام اللي يقوله هالرجل .. ولاكان له حيل يستوعب أصلاً .. وكأن مافي عنده هم ولا شغل عشان يطلع للجادل أخ من تحت الأرض ! وبين ليلة وضحاها .. ومو بس كذا ! أخ شنبه محدود وقامته عالية وظهره عريض ! يعني سنين سنين بينهم !
زفر وهو ينزل غترته من على رأسه وناظر لليث بمعنى كمل !
وهو ما عارض .. كان يحس إنه لازم يفهمه كل السالفة .. مادام هم الأشخاص اللي فنّى سنين من عمره يدور عليهم ! وقال بهدوء وهو يحاول يسيطر على حركته الزايدة : هذا كله دريت به قبل وفاة أميمَتي بأسبوع
رمش عبد العزيز بعدم إستيعاب وصدمة من كلمته
ناظره بتردد .. وهو يحاول يتكلم ويقول قصته .. بس الغصة بحلقه .. شلون يحكي شلون يقول إنه طول سنين حياته متعذب وذايق المُر ؟ شلون يحكي ويقول لو أدري إن عندي عزوة وسند لجيتهم من سنين طويلة ؟ شلون يقول إنه كان عايش بوهم وإن أبوه متوفي وماله عزوة يعتزي فيهم ؟ شلون يفتح عيون عبدالعزيز على ضعفه ؟ وإن إسمه كان مجرد تعبئة فراغ مع ذلك جمع جسّارته وباقي قوته المتخبيّة واللي بذل طاقته لأجل تبقي فيه وقال وهو متجاهل يناظر لعيون عبد العزيز لأجل ما يلمح شفقة أو رحمة .. وقال بعدما عدّل جلسته : مالك بالطويلة .. أنا شخص ثلاثة وعشرين سنة ذايقن المر .. من وعيت على هالدنيا وأنا مكسورة مجاديفي.. أنا وعيت على لقب " يتيم " ماله أهل ولا أعمام وهالشيء خذوه خوالي بصالحهم .. وبدؤو يشيّدون مبانيهم عليّ .. ما ودي أضايقك وأقول إنهم علموني الضغف والإهانة ولكن هذا اللي صار .. قضيت عمري كلوه تحت ظل التعذيب .. السبب ؟ مجهول
حتى جدي اللي تعشمت بوه.. كان منقاد لهم ويسمع حكيهم.. وكل اللي يقولونه يصير برضاي والا غصبن عني .. مو بس كذا
ضحك وهو يمسح على وجهه بتعب : خياراتي حياتي مستقبلي كلهن تحت يدينهم .. كنت مثل العامل عندهم
بس من دون راتب .. خذوني مهزلة لأني كسير مالي أهل .. وأميمتي رغم سواياهم كانت تلتزم السكوت عشانهم أخوانها وعشان مالها حيل عليهم .. وكلما حاولت تنقذني من قبضاتهم يردونها بالقوة
سنين مرت بدون ما يتغير شيء .. أشتغل وأكد مع جدي وراتبي يصير بين يدين خالي .. وبعض الاوقات يعطيني والبعض الثاني يأخذه كله.. وأجيب طلباتهم وأداري عيشتهم وأسمع شتمهم وإهانتهم وأبلّع جمرة دون ما أجادل ..تصير لهم مشاكل بشغلهم وتضيق عليهم .. ويجون يفرغون ضيقهم بي .. يتفننون بتعذيبي .. وأنا ساكت وصابر لأن مالي غيرهم : سنين مرت على هالحال صبّاي كان بين يدينهم وماضييّ وطفولتي تشوهت بسبب ظلمهم .. تظن إني لاخطيت قالو وغد ماعليه شرهه ؟ لابالله كنت انضرب بالسوط يابن راجح
بلع ريقه بصعوبة وهو يحاول يكمل ولكن الغصة أستقرت بحلقه لدرجة ماقدر يكمل حكيه
وعبد العزيز كان يناظره .. بصدمة .. بضيق .. بتعب ولاهو قادر يصدق كلمة وحدة من اللي أنقال .. معقولة اللي قاعد يقوله ؟
بعد دقائق من الصمت واللي أحترمها عبد العزيز أردف الليّث بهدوء وهو يتدارك بحته وقال بلامبالاة :
وعدت السنين ومات جدي به وبقت سطوة خوالي والمهم إنها عدت .. ولكن من وصلت لسن ال١٥ وتعبت أميمتي من مرضها اللي تمكّن من رئتها ..راحوا كل إخوانها ومابقى لها غيري .. رحموها وخلو راتبي بين يديني وتحت تصرفي عشان دواءها وعشان تكون عندي طاقة أركض بها بالمستفشيات وأرعي لها سنين وإحنا نحارب مرضها مع بعضنا .. سنين نحاول ننتصر عليه .. بس هو اللي أنتصر بالنهاية وخذاها مني .. غير قبل هذا كله صارحتني بشين وخذا مني الحياة .. أبهت كل السنين بعويناتي .. صارحتني إن لي عزوة وسند .. تصدق اللي أقوله
كان يتجاهل نظرات عبد العزيز خايف من شفقته .. ويكمل حكيه وهو يشتت نظراته للمكان :
قالت بالحرف الواحد وهي تبكي بين يديني .. قبل وفاتها بإسبوع " لا تبكيني ياللّيث .. أنا كسرت ظهرك .. أنا كذبت عليك وقبلي هلي .. أنت لك سند ولك أهل بس غيبتهم عنك عشان ما تروح لهم وتخليني لحالي.. ذليت من وحدتي من بعدك .. وبكاي يوم كنت تنضرب كان لأن لك أهل بس خوفي من فقدتك كان أقوى .. شلون أقول لك ان لك أبو وأنت منت يتيم ؟ وشلون اعلمك وأقول إنه طلقني وولى لديرته وأنت بعمر الشهرين ب بطني ؟ حيلي منهد يا اللّيث .. خذيت منه واحد وعشرين سنة .. أنانيتي فيك وخوفي عليك ياولدي كلفتك عمر "
أنت تقرأ
من قريت الشعر و انتي اعذبه
Romanceمن قريت الشعر وأنتي أعذبه من كتبت الشعر وأنتي مستحيلة 🍃🌺🍃 .. للكاتبة : فاطمة صالح تجميع : storykaligi