صدى صوت المُعلق يرن بعقله لدرجه إنه فاض من عصبيته .. تخلى عن الوُقوف من جنب جديلة وعكس وجهته وكان بيمشي بدونها .. بس ما قدر لأنها حتى هي ضمن المُستهدفين !
رجع لها على طول ورفع رجله وهو يركب على ظهرها .. ومن شد الرسّن وصهلت بأعلى صوتها ألتفت بها بقوة وركض بسرعة الريّح خارج المضمار وبرى الملعب ، يبي يدور عليها ، يبي يحرص إنهم بخير .. كان مرتبك لدرجة رجاحة عقله تخلى عنها ولا بقى إلا الجنون .. يناظر بنظرة الصقر ويدور عليها بعيونه بكل دقة ، ويصرخ بأعلى صوته .. كان يسابق العدو اللي يجهله .. ويسابق الزمن .. متجاهل تماماً الكارثة اللي حصلت بخروجه من الملعب !
-
-
ومن تحرك عبد العزيز ، وخرج من أرض الملعب حتى ثار الجمهور بصدمة ، وبدأت أصواتهم تعلى بإستنكار وضيق وهم يصارخون بأعلى صوتهم .. ولا يخفى على أحد صوت المعلق اللي أنفجر بصدمة : المتسابق الودق يغادر أرضية الملعب قبل إعلان الحكم بدء السباق بدقائق قليلة .. هل نعتبر هذا إنسحاب ؟ الجمهور غاضب هذه اللحظة ، ولا يستطيع أحد كبّح غضبه ، ماذا يحصل مع الودق ؟ ماذا يجري في أرضية هذا الملعب !
سعود اللي كان بأقصى مكان بالمدرج ، وكان يتجهز يبّث الحدث ، واللي قطع عليه الإعلان .. ومن بدأت الكاميرا تسجل وبدأ البث حتى قطع عليه صراخ الجمهور .. ألتفت بخوف من سمع لقب الودق وصار يناظر برجفة لعبد العزيز اللي سحب رسن جدِيلة وغادر المضمار وهو يسابق الريح من سُرعته .. إرتجفت جميع خلاياه .. وسكّنت جميع أطرافه بخوف أستحل كل عضو من أعضاءه .. وش اللي أجبر الشيخ عز يتخلى عن الوقوف بالمضمار ؟ وخصوصاً إنه آخر سبّاق له ؟ وكونه كان متحمس له ! جميع خوفه اللي خبّاه بالأيام السابقة .. ظهر على شكل إرتجافة فك ويدين .. واللي زاد الطين بلّه .. سعود اللي رمى المكريفون على الأرض .. وركض بأقصى سرعته ورى عبدالعزيز
واللي بسبب هالمشهد .. مابقى عقل صاحي بأرض الخسوف !
في أراضِي الخسُوف .. واللي اليوم يوم مو هادي عندهم أبداً .. كعادة أي يوم يكون عبد العزيز خيّال فيه ! ولكن هالمرة الحماس كان ضعف الضعف .. كونه آخر سباق .. وكونه يتسابق كـ شيخ لهم
إجتمعو قدام مجلس الديرة .. جميع رجال القريّة .. شيّدو لهم جلسة .. وركبُو التلفزيون وهم يضبطون أماكنهم .. ومن بدأت التحميّة .. وظهر عبدالعزيز على الشاشة حتى أنهالت الصرخات والحماس .. وبدؤو تشجيعهم الكبير .. وسط ضحكة راجح اللي كعادته ما يحلى السباق إلا لاكان حاضر معهم .. ومن وقف عبد العزيز ووضّح الخوف على ملامحه وهو يقرأ ورقة بين كفينه!
خُفتت أصواتهم وهم يترقبون ردة فعله .. ماهي إلا لحظات معدودة .. وبدأت دقات قلوبهم تتعالى .. واللي يشّد على كتف خويّه بخوف .. واللي يمسك رأسه بدهشّة .. واللي بدأ يصرخ بربكة من تصرف عبدالعزيز اللي كلهم أستنكروه .. والأهم راجح اللي بدأ يضغط على عصاته .. وهو يحاول ما يرتبك ولكن هيهات .. كان خوفهم ضعف كل الموجودين .. لأنه أكثر شخص يعرف .. ما يخاف عبدالعزيز إلا من الكايّد ! ولا يخلف الموعد إلا من الهيَن ! والواضح الموضوع مهب سهل أبداً ماكان بيدهم شيء إلا يعبرون عن خوفهم بالصراخ ورميّ العصب والإرتجاف .. لأن المسافة بين الخسوف ومكان السبّاق تعادل يومين كاملة !
ومن رمى سعود المكريفون وصُور تخليَه عن مكانه وركضه برى المضمار حتى
بدأت أصواتهم تعلى .. بدأت نفوسهم تضِيق .. بدأت العتابات تكبر والشرهات تزِيد " وين أخويّاه ؟ " " ليه تخلى عن السباق .. الشيخ صابه شيء " " إستر يارب .. الواضح إن فيه مصيبة ماهيب هينة جايه على رأس الخسوف " " من اللي قدر يكسر شموخ الشيخ ويخليه يتنازل عن الفوز ؟ " " سعود لحقه .. الشر لاح لنا " " أيامنا السوداء بدأت "
كان التشاؤم سيّد الموقف والخوف والقلق ساكنه بيسار كل شخص جالس بالمكان هذا .. وهذا ولا شيءّ عند بيت آل جبار .. اللي تخلت عنهم الطمأنينة .. ودبّ الرعب بأجسادهم الطريّة .. ضيق تنفس .. خوف .. قلق .. جنون .. وربكة وزعزعة أمن
شعور رهيِب ويوجع القلب .. ولأنهم رقيقات ماكانو قادرين يعبرون عن خوفهم إلا بالبكاء .. شدّت الجادل على ثوب المزن وهي تغمض عيونها لما شافته يترك المضمار .. ومثلما المزن وراجح فهمو إن الموضوع كايَد من ملامح عبدالعزيز .. هي ماخفى عليها هالشيء .. بدأت دقات قلبها تتراقص بفاجعة .. وبذعر تمكن من كل أطرافها لدرجة إنها صارت ترتجف وبطنها بدأ يتشنج من قوة خوفها .. نزلت دموعها بهلع وهي تحط يدينها على بطنها وتغمض عيونها برهبة من اللي قاعد يصير معهم .. أيقنت إن الأيام اللي عاشوها بفرح وبسكينة .. هذي ضريبتها .. دقائق معدودة كانت قادرة على نزع كل هالسكينة .. وملأ فراغها برعب وخوف ! بشرى بلعت ريقها وهي تحس بدموعها تخترق عيونها .. شدت على أطرافها يدينها وهي تحس إنها من شدة شدها لها إنها بتكسّرها .. أخوانها الإثنين .. المُهيبين صارو مثل الورق بسبب خوفهم .. وش الي بيخلي السكينة تسكن صدورهم بعد الي صار !
أما بقيّة الجالسين فلا يقلو عن خوفهم .. كونهم بدؤو يذرفون الدموع .. وكأنهم يجهزون نفسهم للمصيبة اللي بتحصل !
-
-
قبل دقائق .. إنسحب سند من المدرج وهو يحسّ إن الضيقة ملت صدره .. ماكان قادر حتى يسيطر على ملامح وجهه ..!
سعد لاحظه لذلك مشى وراه وهو يشوفه يخرج برى الملعب .. إتكأ على الجدار وهو يمسح على وجهه بضيق .. ورفع رأسه وهو يشوف سعد يوقف قدامه ويقول : الضيق بلغ فيك ما بلغ .. والا مستحيل تتخلى عن تشجيع الشيّخ بأهم وقت له
تنهد وهو يعدل وقفته وقال : مانيب متخليّ .. مير ضايق صدري ياسعد .. قلت أريح قلبي شوي ومن يبدأ السبّاق أرجع
سعد تأمل ملامحه وقال : منت بقادر تسيّطر على حياتك معها ؟ مانيّب فاهم هي إنسانة صعبة للدرجة ذي !
تضايق من معرفة سعد بسبب ضيقه بدون حتى يفصّح عنه وقال : مدري يا سعد .. هي صعبة والا أنا الي سهلّ .. الضيّق كله كان بسبب مهنتي
عقد حواجبه وهو يناظره بإستنكار : مهنتك ! تزوجتك وهي تدري إنك قبّطان .. والقبَطان ماله وطن إلا بين الموج .. ليه تسوي مشكلة الحين !
ناظره بضيق ثم صد وهو يتذكر كلامها " أنت خذيت بغيبتك عني أربعة شهور من حياتي .. يتخلّلها ضيق ووجع وقهر .. والحين ماصار لي معك إلا شهرين مودعه الهم والبكاء .. ناوي تهجرني من جديد ؟ بهالسرعة تبي تهرب من وجودي ؟ لهالدرجة أنا أضيّق القلب ياسند ! وش هالقبّطان اللي ماقدر يتخلو عنه شهور معدودة .. مانيب فاهمة !"
ماكان قادر يفهمها إنهم فعلاً إستدعوه بالإسم .. ولا كان قادر يشرح لها إنه ما يقدر يرفض هالطلب .. خصوصاً إنه من رئيس شغله .. يعني من سابع المستحيلات يقدر يرفض .. ويعطيه الحق .. كله الحق لزعلها وضيقها .. بالنهاية هو شخص ما بقى معها إلا شهرين بس .. والحين إن سافر من اللي بيقدر يحدد كم عدد الشهور اللي بيغيبها .. حتى هو ما يدري !
سند هز رأسه بضيق وقال : الأيام اللي مرت بسُكون .. ضريبتها عالية يا سعد .. أنا خايف من اللي جاي
ربت على كتفه وهو يطمنه : لا تخاف يا بن فيّاض .. على قولة الشيخ عز بن راجح " سند تهـابه الأيام مهب هو اللي يهابّها " وأشهد إنه صدق .. من ترجع كلمها وفهمها بالحسنى .. إنه شيء مهب بيدك ... وإن كان ظني ماخاب وهي فعلاً تقدرك بتفهمك .. وأنت شخص ينشرى بالذهب .. مستحيل تفرط فيك
سكن للحظات معدودة .. ثم أبتسم بخفوت وهو يشد على يدين سعد اللي على كتفه وقال : تصدق يا سعد .. يومني رجعت قبل خمس سنين .. كنت ما أطيقك .. والصدق اني كنت أغار منك ومن تحزم عز فيك .. وكل شوي كان ودي أكوفنك .. بس والله طلعت حليّل .. وكفو وينشد بك الظهر .. أسحب كل توقعاتي عنك من قبل
ضحك وهو ينفض يده من يدين سعد وناظره بسخرية وقال : أنا اللي لاحطيتني بيمينك .. تودع الهم والضيق
ناظره بطرف عينه وقال : لا والله أنت الشوكة اللي توقف بوسط البلعوم .. فارق فارق بس .. نعنبو من يمدحك بس على طول تنفخ ريشك .. يالشايب المهلوس
ضحك سعد وقال : ياليتني ما سليتك .. من خف همك بدأ لسانك يطول .. خل حياة تكفخ وجهك أبرك لنا والله
رفع أصبعه بتهديد وقال : ياويلك تجيب إسم زوجتي على لسانك مرة ثانية
ضحك سعد أكثر وقال بعدم مبالاة : الحياة كذا تعلمنا الدروس .. الحياة دائماً حلوة
وسند قال بإستفزاز : والمنى كل المنى تنطم وتسكت
طارت عيون سعد وقرب وهو يضرب كتفه بينما سند ضحك وهج من المكان وهو يدخل دورة المياة
أبتسم بخفوت من ضحكته وأستند على الباب وهو يتنهد براحة .. كان ينتظر سند يخرج عشان يرجعون للمضمار .. وقبل يفوتهم السبّاق
-
-
{ عبد العزيز }
هلع ، إرتِياع ، توجُس ، جزع ، السكينة ودعت صدره .. وهو يلهث من سرعة تنفسه .. واللي رئتيه صارت تستنجد من ضيقها .. وقلبه ماعاد قادر يسيطر على دقاته .. الكل غالي عليه .. والكل أخ له وسند قبل يكون صاحب .. فكرة إن نهاية القصة نهاية حزينة .. فكرة ممكن تخلى عبد العزيز يتلاشى من شدة ضيقته ووجعه .. كانت ثانِي مرة يصارع فيها هالوجع .. ومُنازعة هالكم الهائل من الخوف لمرتين متتاليتن كانت قادرة على إنهاء جبل وجعله فُتات هامِد .. عيونه بدأت تحترق من شدة الوجع .. ويدينه بدأت تعّرق من قوة ضغطه على رسن جديلة .. كان يمشي بدون وجهة .. يصرخ بأسماءهم ويحاول يتدارك الوقت قبل يأخذوهم منه .. حتى عدوه ماكان قادر يتعرف عليه من شدة خوفه ..
سمع صوت صرخات سعود .. وأستكن ووقف بمكانه وهو يشوف سعود شاد العزم ويركض له بكل قوته .. وقف وهو يتنفس بصعوبة .. وعبدالعزيز تخلى عن الجلوس على ظهر جديلة وهو ينزل ويوقف وهو يحضن سعود بكل قوته .. كونه صار بأمان !
خاف سعود أكثر وأبتعد عنه ويدينه على قلبه .. قلبه صار يرتجف مثل ورقة هزتها ريح عاصفة .. ورجوله ماكانت قادرة على حمله .. كان منتظر يسمع خبر المصيبة .. كان متأكد إن هاليوم بيكون يوم عاصف بكل سوء : وش صاير !!
عبد العزيز اللي باقي ثلاثة تحت دائرة الخطر ماكان قادر يقول شيء ولكنه جمع طاقته وقال بصوت مهزوز ويدينه ترتجف: سعود يا سعود .. نخيّتك يا أخو عز .. سعد وسند والليّث تحت تهديد الموت من شخص أجهله .. تكفى يا بن راجح إنكس "إقلب" الأرض عليهم .. تأكد إنهم بخير
سعود ما هزه شيء سوى صوت عبدالعزيز واللي بسببه عرف إن الموضوع جدي .. والموت قادم لا محالة ! كل اللي سواه إنه رجع للملعب يدور عليهم وهو يدعي .. يعدي هاليوم على خير .. وعبد العزيز اللي ماباقي به عظم صاحي رجع يسحب برسن جديلة .. وهو يمشي ويدور بعيونهم وقلبه بين يدينه ! كانو عارفين كيف يوجعونه .. كانو موقنين إن فقده لشخص عزيز عليه ممكن يخلي حياته تبهّت .. وممكن يتخلى عن أعز ما يملك بسبب هالشيء ! لذلك إستغلو هالنقطة لصالحهم !
بدأ صدره يعلى ويهبط بشكل كارثي نتيجة تسارع دقات قلبه برعب .. وتخليّ الهواء عن رئتيه .. عظامه بدأت ترتجف وصُمود الجبال تلاشى .. ترك رسن جدِيلة وبدأ يركض وهو يحاول يصرخ .. أو يطلع صوت من حنجرته بس ماكان قادر .. الخوف تمكن من كل شبر بجسده .. والمنظر اللي قدامه أكد له إنه ضعيف جداً من ناحية فقد أحبابه .. كيف لا والشخص اللي ما خطر بباله إنه اللي بيوّدع بين يدين ظالم ما يعرف الله ! لاوداع ولا كلام ولا ملام ؟ كذا بتكون نهايته ؟ ضحيّة بين يدين ظالم !
حس بالدموع تحرق عيونه وهو يحاول يوصل له بس ماكان قادر .. ولأن السكين كانت أقرب منه .. صرخ بكل قوته وهو يركض بكل طاقته بعدما أحرقت الدموع محاجر عيونه .. ولاكانت قادرة حتى على النُزول لأنها ماتعودت تنزل !!
ولأن منظره من برى مثل الصخور الصلبة .. في لحظة ينهار فيه الماء ..
ويبقى التساؤل الوحِيد اللي بنبقى نتسائله لساعات طويلة .. هل الحكاية بتنتهي بفقد أحد أعمدتها ؟ هل الحكاية بيكون ضوءها مُتلاشي ومظلمة حد الوجع بسبب غِياب صاحب الأنس عنها ؟ وهل بنقدر نتخطى كل هالوجع ؟
-
-
سند اللي خرج من دورة المياة .. وناظر لسعد وهو عاقد حواجبه لما سمع ضجة الجمهور وسعد قال : وش صاير .. اللهم إجعله خير
سند ضحك وقال : مهابيل ذولا ..على أي شيء يصارخون .. خلنا نروح بس
سعد سكت للحظات وهو يشوف شخص ماظن بيوم إنه بيشوفه بهالمكان .. وقال : إسبّقني وبجيك !
سند أستغرب مع ذلك هز رأسه بطيب وقال : بروح من الباب الخلفي .. تعال من هناك عشان الزحمة
أشر له بطيب وهو يتوجه بإستنكار للشخص اللي مستند على الجدار وكأنه ينتظر .. سعد وقف قدامه وناظره وهو عاقد حواجبه وبعدها نطق بصدمة : ناصِف !
أبتسم بضحكة خبِيثة وهو يعتدل بوقفته .. هو شخص ما نسى طعنة سعد بظهره .. وهو شخص ما يعدي هالطعنات بالساهل .. لو تُمر سنين لو تُمر قرُون ماراح يصير شيء فيها إلا تكابد الحقد .. وزيادة الغل اللي كامن في صدره .. ماكان قادر يوصل له بأي شكل من الأشكال بسنينه الماضية .. فمثّل ماكان قادر يوصل لعبدالعزيز بسبب الفُرسان .. كان لسعد نصيب من الحمايَة معه !
لأن ناصف إن درى إن الملثم ماكان إلا سعد ففعلاً بيودع حياته ! سنتين كان غافل عن هالشيء .. والسنة الثالثة درى به .. والرابعة كان مقيّد ولا بيدينه شيء .. والخامسة بدأ حقده يكبر والسادسة ماكان قادر يهجد أبداً .. وبما إنه صار له حلِيف يسنده ويكون ذراعه اللي بُترت كان قادر يزعزع سكينة عبدالعزيز .. وأخذ منه شخص حرص على سلامته سنين طويلة !
أستقام وأعتدل بوقوفه .. وهو يبتسم بهدوء ويقول : سعد .. الصِبي الخاين واقف قدامي
عقد حواجبه وشد على قبضة يده وهو يقول : زمان أول هالحكى .. ولأجل غاية في صدري يا غدّار .. أما الحين تمسك لسانك عني قبل أدفنك بأرضك .. وش تسوي بالمكان ذا ؟ وش المصيبة اللي ناوي عليها
ضحك وهو يقول : جاييّ أشجع خويي .. وأشهد على فُوزه
عقد حواجبه وقال : أنت ثعلب مكَار .. والشيخ ما يخاويّ عدو خبيث الطبايع مثلك
ضحك أكثر وهو يعدل لثمته بيده اليسّار واللي أخفاها بعدها ورى ظهره وقال : ما أخاوي ذيّابة بأي لحظة بتغدر بي يا سعد .. أنا مخاوي لي أسد .. مهب بس كذا .. جايّ لنية ثانية !
تراخى جسد سعد ونطق بضحكة وقال : هات هات بلاويك .. من متى تكون بمكان وما تكون نيتك خبيثة !
وقبل ينطق بآخر كلمة .. رفع رجله ناصف وضرب رجل سعد على ركبته بكل قوته .. لدرجة إنه أنحنى بصدمة وبوجع من الحركة اللي ماحسب حسابها !
وبإنحناءه أستغل ناصف هالشيء ودفه بكل قوته على الأرض واللي طاح سعد من طوله وهو يناظر بصدمة لناصف اللي ثبته برجلينه .. واللي سحب الخنجر من جنبيته وهو يرفع بكل قوته ..
وقبل يغرزه بصدر سعد اللي ماكان مستوعب أي شيء من اللي قاعد يصير .. واللي يحس إنه بوهم لدرجة إنه لو رمش مرتين راح يصحى من الصراع الغريب هذا ! رفع عيونه وناظر لعبدالعزيز اللي تجّرد من السكينة ويركض وملامح الخوف واضحة على وجهة .. وهذا كان يكفي ناصف .. ولو يموت الليلة ما ضاق صدره .. رفع خنجره بشكل أعلى وهو يوجه ناحيه صدر سعد اللي مستسلم بصدمة واللي ماكان قادر يتحرك شبر واحد ولا دافع عن نفسه حتى .. وقبل يستقر الخنجر على صدره .. صرخة عالية خلته يستوعب ويتحرك واللي بسبب حركته أنغرز الخنحر بيده اليمين بكل قوته ، سحبها ناصف بقوة ورجع يرفعها متجاهل كل اللي حوله وهو ناوي على موت سعد الليلة
ولكن الشخص اللي وراه كان سبّاق .. واللي رفع رجله ودفّه بكل قوته لدرجة إن ناصف طاح على الأرض بعد ما أختل توازنه .. وقبل يتحرك أو يقدر يدافع على نفسه .. هجم عليه وثبّته بكل قوته وهو يضربه بيدينه بوحشية .. وسط ذهُول سعد ! وركود الدم بعروق الـودق!
ناصِف كان مذهول .. مصعُوق .. لدرجة ماكان قادر يدافع عن نفسه حتى .. كان يناظره وهو يضربه بكل وحشية .. بكل حدة وعيونه تِنطق شرر
وبعدما حس إنه هدأ .. أبتعد عنه وهو يتفل عليه : ياظالم .. ياقاتل .. ياغدّار ..ما يكفي عذاب !
بلع ريقه بصعوبة وماكان قادر يتحرك من شدة وجعه ولا كان قادر يتكلم من قوة الضرب على فكّه واللي يحس إنه تهشم ولكنه ضغط على نفسه وقال : تخونيّ يا نذل ؟ تخوني اللي خسر ذراعه عشانك ؟
ناظره بحدة وقال : خسرت عمر من عمري بسبب رداك يالردي .. والحين تبغى تخسرني حياة أخوي .. تعقب وتخسى
رجع يضربه بقوة عشان ما يتحرك ثم .. ألتفت وناظر لسعد اللي للآن مذهُول .. وأنحنى وهو يمسك يدينه ويوقفه .. نفض التراب عن ثُوبه وناظره بإبتسامة وقال : عسّاك طيب ؟ وعسى هالجرح ماهو بعمِيق !
تنحنح سعد وهو للآن مصدوم والصدمة كانت شّاله لسانه وماكان قادر على الكلام ..
بينما هو رفع رأسه وناظر لعبدالعزيز اللي من أستأمن على حياة سعد وقف مكانه بجمُود .. وكل خليّة بجسده سكنت وأرتاحت .. مشى بخطوات هادية وواثقة وهو يوقف قدامه .. ثم أبتسم بحنيّة وقال : كنت بأخذ منك حياة وحدة يوم كانت عيونيّ معمية .. ولكِن يا شيخ حفظت لك بعد إذن الله أربع أرواح لو غابت وحدة منها كان إنهارت حياتك
عبد العزيز كان ساكت .. ويتأمل ملامح فهيّد بفقد وشوق .. ولا كأنه كان يصارع الموت والخوف قبل دقائق .. سِمع كلامه وبدأت ذاكرته ترجع لورى .. عن مضمون حكِي فهيّد .. جسّار وإنقاذ شخص مجهول له .. واللي جسَار بنفسه ماكان قادر يتذكره من الصدمة
جدِيلة والرجل اللي حفظها من الموت بعد ما وقف بوجه القنّاص .. صوت الرصاصة اللي دوت بأرجاء الخُسوف لما ضاعت الجادِل .. واللي أيقن باللحظة ذي إنها كانت السبب في بُعد الذيّاب عنها وعدم نهشها لضلُوع الجادِل .. والحين سعد .. وبينما كان الكُل عاجز عن حفظ حياة هالسعيد .. كان فهيّد قادر يهد سقف أحلام ناصف على رأسه ويحفظ حياة المقدام
ماكان قادر يعبَر .. ولا كان قادر يقول شيء .. قد تكون الصدمة الجمته .. أو فيضان شعُوره غربّله .. كل اللي كان بيده إنه يناظر بحنيّة لعيون فهيد اللي ربت على كتفه وقال : العفُو من شِيم الكبار .. وأنت كبير يا شيخ عز
عبد العزيز .. من أول ما لمح فهيّد وهو يصرخ بصوته العالِي عشان يستوعب سعد .. وقلبه يحس بإنبسِاطه بكل قوة .. كان متشّفق على شوفته .. وإن كان بقلبه ضيق لسنين طويلة فهو بسبب غدره له وبعده عنه .. لأنه مثلما قال عن إخوانه " ذولا عظامي لاعيّت تأقف عظامي " لأنهم دائماً ظهره وسنده .. كان يحتاج منه خطوة بس .. لأجل يخطي هو كل الخطوات بعدها .. كان يحتاج منه تلميح إنه ندم .. أو كلمة أو قبول للخسوف وقوله إنه يحتاج عفو لأجل يعلمه عبدالعزيز إنه راضي ! ولكن فهيّد كان شحيح بالخطوات .. تركه دُون أخوته سِت سنين .. ولكن الحين بلغت فيه الوحدة ما بلغت .. وأيقن إن حياته بلا إخوانه ما تسوى شيء .. سلّم لهم نومه وهو يتبع خطوات ناصف لشهور طويلة ليل وصباح .. سلم له أيام كثير من عمره وهو يراقب تصرفاته ويعرف من معه ومن اللي يسانده لأجل بس تنام عيون عبدالعزيز قرِيرة .. راقب أعتاب الخسوف وأحيائها لساعات لا تعد بس عشان يرتاح قلبه ..
والحين البُعد والتخفي ماصارو يخارجونه ولما حسّ إنه صار من حقه يرجع للخُسوف .. وصار وقت رجعته واللي ما بيلحقه شرهه ولا نقد بعدها قدم على هالخطوة .. سكت للحظات ثم قال : دثرنِي ياعـز .. والله إني مشتاق لك .. ولا أظن هالشوق يخفاك !
ولا أنتهى من كلمته .. إلا تقدم عبدالعزيز ووقف قدامه وهو يقبّل رأسه بإحترام .. وأنحنى وهو يضمه بكل قوته وهو مبسوط .. مبسوط إن الليلة بدال لا تعدي بوداع عدت بإجتماع !!
ضحك فهيد من فرحته .. وشد على عبدالعزيز وهو مصدوم من رضاه السريع .. كان متوقع يتغلا .. أو يعذبه لأيام ثم يرضى .. ولكنه فاجأه بأنه صفح وعفى من كلمة وحدة !
-
وبيّنما كان الكل مشغول بحضُور فهيّد .. تأرجح بخفة وهو يتماسك من شدة الوجع وأختفى خلف الجدار وصار يتنفس بسرعة .. وهو يحاول ينفذ بجلده ويهرب من المكان قبل ما ينقض عليّه عبد العزيز .. لأن لو طاح بين يدينه .. راح يودع حياته !
قبل ما يتحرك خطوة وحدة بس .. إنصدم بوقوف المرزوق قدام عيونه .. ناظره بصدمة وقال : وش تسوي هنا ؟ ماهوب وقت السبّاق ؟ تخطِيطنا لشهور طويلة وتأجلينا للسبّاق هالمدة كلها لأجل تلحق عبدالعزيز وتترك الساحة للباقيّن ؟ أنهبلت؟
المرزوق .. واللي كان السبب مع ناصِف بزعزعة أمن عبدالعزيز .. واللي كان مُبرره إنسحابه من السبّاق فبعد ما زاره ناصف قبل شهور طويلة .. وبالوقت اللي كان بحاجة لشيء لأجل يردع عبدالعزيز عن الفوز .. بعدما أيقن إن الفلوس ماراح تجيب رأسه .. واللي رغم زعزعة أمنه وإستهداف فرسّه والهجوم الخفي على دِيرته مازال متمسك ومازال حاضر للسبّاق واللي بسبب حضُوره أصّر ناصِف على تنفيذ خطة قتل سعد اليوم والمرزوق هو بنفسه اللي ترك الملاحظة بسرج جدِيلة وهو بنفسه اللي كان يضحك على ملامح عبد العزيز لما قرأ الرسالة ولكنه الحين واقف قدام ناصِف .. خالي الوِفاض لابيده كأس ولا بيد ناصف دم سعد .. كل مُخططاتهم راحت على الفاضِي تخلى عن الصمت وقال وهو يخرج الدُخان من جيبه ويشعلها ببُرود وهو يناظر لناصِف : الحكم إبن ستة وستين حمار إستجاب لتهديد طفل وأعطى إستراحة ساعتين كاملة لأجل يرجع الودق فيها وأنا مع ذلك ما أهتميت تدري ليه ؟ لأني قلت الموضوع بيد ناصف يأخذ روح صاحبه وهو بينسحب وهو ما يشوف الدرب بس اللي أشوفه الحين غير تفكيري .. اللي أشوفه خيبة وغدر .. تعرفني صح ؟ تعرف وش ممكن أسوي لامنيّ حسيت بالخطر وإن اللي قدامي ما ينفعني إلا بيضرني
تراجع خطوات لورى بخوف .. وبرعب ملأ كل جسده .. وهالنظرات بعيون المرزوق ماكانت هيّنة قد ماكانت حارقة ومليانة خبث وغدر وخيانة
أرتجف فكّه وهو يرجع لورى لما صار المرزوق يتقدم بخطوات ثقيلة بإتجاهه : المرزوق أنا خويّك .. شهور وأنا أخطط معك لأجل تشل الكأس بيدينك .. لا يلعب برأسك الشيطان ويقويّك على خويك
ضحك بسخرية وقال بعدها : أنت ما تخطط معي ولا لي .. أنت تخطط لنفسك وعشان توصل لهدفك وغايتك .. وأنا ماكنت إلا وسيلة بنظرك .. وأنت بنظري نفس الشيء .. والحين لا الغاية تحققت ولا الهدف وصلنا له .. والأهم بدال ما تكون خوييّ .. بتكون فاضح أسراري
أنتفض ناصف وقال : لا تقول هالحكي .. بدال هالمرة بتجي مرات وراها .. الأهم مـ....
سكت بصدمة بعدما توسّعت حدقات عُيونه .. وإرتجفت أطرافه وهو يشوف المروزق يسحبّه لدورة المياة بعدما غرز السكين بوسط صدره .. وبدال ما تكون الليلة .. ليلة وداع سعد .. كانت ليلة قتل وإنتهاء نسّل ناصِف !
واللي وقف بعدها المرزُوق قدامه وهو يشوفه يستنجد فيه ويلفظ أنفاسه الأخيرة !
لا حياة لمن تُنادي .. ما هز الموقف فيه شعرة .. ولا أوجعه بمقدار ذرة .. بالعكس أرتاح إن محد بيدري عن مخططاته خصوصاً بعد موت ناصِف وموت سره معه ! رمى الدُخان تحت رجله ودعسّ عليها بقوة بعدما تأكد إنه فعلاً فارق الحياة .. ومن إستدار وهو مرتاح ومتطمن من هالناحِية وكل اللي باقيّ بيده الفوز بالسباق مهما كلّفه الأمر .. يكفي أنهان قبل شهُور بين حوافِر جديلة .. يستحيل يرضى بالإهانة من جديد .. ولو كلفّه الموضوع حياة أكبر رأس بالملعب قفل الباب على ناصف بكل قوة بحيّث ما ينفتح إلا لما يختفي عن المكان وطلع من دورة المياة بقلب بارد من ناحية ناصف بس مشتعل حقد وغيرة وكره لعبدالعزيز اللي ورغم سبعة أشهر قضاها في سبيل كسره .. كان شامخ والحظ واقف بصفه رجع لأرضية الملعب وهو عاقد النيّة ومصمم على الفوز ..
وبينما عبدالعزيز واقف قدام سعد .. ويشده غترته على جرحه وقلبه مثُل الفتات .. مجرد ظهور فكرة غياب سعد عن حيّاته كانت ممكن تكلفه أشياء غالية .. إلتفتو كلهم لصراخ سعُود وسند اللي وجهه شاحِب .. واللي من عرف بالي صار ركض بكل طاقته ورى سعود وكأنه مفجوع ومصدوم
وزادت فجعتهم وجود ( فهيّد ) بنفس المكان اللي عز متواجِد فيـه .. ألف سؤال وألف إستفسار
-
قبل دقائق
سند اللي رجع من دورة المياة .. ودخل للملعب مستنكر ومذهول من الفوضى اللي تعم المكان كان يسمع صوت هيجانهم يتردد صداه بإسم الودق وعبد العزيز
أنتفضت أطرافه وصار يدور بالمكان وهو يوزع نظراته وقلبه يرتجف .. بدأ يركض ويحاول يفهم وش صاير .. ومن لمح سعود واقف جنب الليّث اللي تطمن عليه أتجه لهم بكل سرعته ووقف وهو يتنفس بسرعة ويدينه على قلبه : وش صاير وين عز ؟ صابه ضر .. إنطق ياسعود مابقى بي عرق صاحي !
سعود اللي كان وجهه شاحِب قال : واحد دنيء قلب كيان عبدالعزيز برسالة يهدد فيها إنه بيقتل واحد مننا بوقت بداية السباق
تزلزل سند من الكلمة وألتفت بخوف وهو يقول : سعد يا سعود سعد يا خوي تكفى
ركض بسرعة وسعود ألتفت لليث اللي مصدوم ومذهول ولكنه ماترك له فرصة يتبلد : السبّاق بين يدينك يا بن عناد والعمد عليك تكسب الوضع من صالحنا
ترك خلفه وبدأ يركض ورى سند واللي بدوره الليّث أستعاد وعيه وتوازنه .. وجمع رباطّة جأشه وأتجه صوب الحكم اللي كان معصب لإنسحاب عبدالعزيز واللي قرر يسحب عليه ويبدأ السباق بدونه .. ولكن إنفعال الليّث اللي عصب وبدأ يحاوره بتهديد .بسبب تأجيلهم للسباق سبعة أشهر بدون سبب والآن بسبب غياب الخيّال دقائق رح يتركونه ؟ هددّه بالمحاكم .وبنشر الموضوع بالبث المباشر للقناة ..
هدده بطريقه خلت الحكم ينصدم ويرتجف من قوة ثبات الليّث .. ومن قوة كلامه وإحترافيته بالرد .. وغصب عنه أنعدل عن قراره ورفع يدينه مُعلن إستراحة لمدة ساعتين كاملة .. واللي بسببها إمتلأ المروزق حقد .. ونزل من على فرسه وهو يكلم الحكم .. ولكن آبى .. والفلوس اللي دفعها رشوة في سبيل تأجيل السِباق راحت هباءً منثورا .. لذلك خرج من الملعب يدور للناصف واللي بعدها أنهى حياته
-
-
إستقام سعود قدام فهيد .. وهو يشبك يدينه ببعض بتوتر .. ويناظره بلهفة .. ورغم إنه ما يغيب عنه لشهور طويلة .. إلا إن وقوف عز مع فهيد .. بنفس المساحة اللي ما كانت تتعدى الشبر قدر يخلي كل حياته تهدأ .. وكل كيانه يرتخي .. هذا المشهد اللي متشفق على شوفه .. هذي اللوحة اللي كل الخسوف من سنين طويلة يبغون يتأملونها
ألتفتو كلهم لهجوم سند وإنقضاضه بحضنه القوي على عبدالعزيز وسعد واللي جمعهم بكل قوته بين ذراعينه .. وهو يصارع مشاعر الفقد اللي خلال دقائق بس كانت قادرة تنزع كل السكينة من قلبه .. كان عبدالعزيز بيهاوشه بس من سمع تنفسه السريع أبتسم وتنهد بضيق .. بينما سعد صرخ بكل قوته ومقصده من الصراخ تطمنة قلب سند وتوضيحه إنه بخير : يا بليد وخر عني
أبتعد بخوف وناظره بربكة وتوتر وهو يقول : أنت بخير .. من اللي سوى هالسواة بك سود الله وجهه علموني عليه والله لأشرب من دمه
ضرب عبدالعزيز بيده على كتف فهيّد بإبتسامة وقال : العضِيد تولى الموضوع يا سندي !
تفاجأ سعود والأهم سند اللي من الكلمة أرتبط لسانه .. مايدري صدمة والا فرحة والا دهشة ! تلخبطت كل مشاعره بلحظات
فهيّد ألتفت وهو يدور لخاله وعض ع شفايفه بعصبية وقال : ناصف أختفى
وقبل ما يرد عبدالعزيز اللي كان حاقد عليه ألتفتو لسعود اللي قال : إتركوه الردي الحين .. ورانا سبّاق أهم منه .. أما هو مثل الثعلب من تلقى مكر ومصيبة بتلقاه .. والأهم نلقى أحد يشوف جرح سعد لايكون عميق
عم الصمت لثواني عديدة .. وبعدها وافقوه ومشو للملعب .. وسعد على يمين عبدالعزيز اللي مثبته بذراعه وعيونه على يده .. وضيق العالمين بصدره !
طعنة عبدالعزيز قبل ست سنوات بيدينه كلفّته سنة كاملة من حياته لأجل يرجع للرسم .. وهالطعنة ما يدري كم بتأخذ من سنينه ! وهو ماعاد يقوى يبتعد عن متنفسه!
بدخول عبدالعزيز للملعب من جديد .. ورسّن جديلة مثبت بيدينه اليمين .. وخلفه عزوته إشتعل الملعب .. إنتفضت المدرجات .. عاد الحماس للضعف .. بدأت الأصوات تتعالى بصوت مُخيف .. بدأ جمهور الـودق يرتعد .. وهذا اللي تعودوه منه .. يرجع بكل قوته .. ومستحيل ينسحب من سبّاق يضمن فوزه فيه !
بدأت الكاميرات تتوجه نحوه ..
إستعاد سعود مكانه وهو يطلب من المصور يثبت الكاميرا على عبدالعزيز .. وفهيّد اللي واقف جنبه .. وبدأ ينطق بفخر .. بعز .. برجفة : نعود لكم أعزائنا المشاهدين .. في يوم لا ينطفىء الحماس فيه .. في يوم لن تغيب جسمه إلا ببهجة تعم جمهور الودق .. نعتذر لما حصل وللإنسحاب دون علم .. ولكن عاد الودق بكل قوة .. متحدٍ بعودته جميع من تورط في محاولة إنسحابه !
-
-
{ خسوف الشيخ : عز بن راجح }
ومن بين مشاعر الخوف .. القلق .. من بين الرجفة والدموع وتشرب الرعب أجسادهم .. واللي كانو يعيشون صراعات بسبب اللي صار .. من نطق إسم المعلق " وهاهو .. هاهو الودق يعود أدراجه وبيده رسم جديلة .. مابك يا عبد العزيز .. مابك يالودق .. مالذي يحصل في أرجاء هذا السباق "
وقبل تكتمل صدمتهم واللي من بعدها أستقرت الكاميرا على عبدالعزيز وفهيد .. وصوت سعود بالخلفية .. تهاوت الصدمات عليهم من كل حدب وصوب .. فرغم جهلهم باللي صاير بينه وبين أخوه .. إلا إن فقدانهم لفهيد بالديرة كان واضح !
ولا تخفى الصدمة على أي شخص قابع أمام شاشة التلفزيون .. واللي بعدها دخلو بمتاهات وبمشاعر غريبة .. وبقلق أكبر .. ولكن الأهم والشيء اللي ما يختلف عليه إثنين هو " الفرحة " اللي أستوطنت قلب كل شخص لمح هالمقدامين جنب بعض وبنفس الصورة ! وهذي الفرحة كانت ولاشيء قدام فرحة راجح اللي فز ووقف من مكانه وهو يتكأ على عصاته .. وبلا سابق وعد فاضت عيونها بالدموع بشكل كارثي ومهيب وهو يحس إن نبض قلبه بدأ يتسابق بفوضى وبفرحة غمرت ثناياه .. هذا منى عمره وهذا كان آخر مطالبه من الدنيا .. وقوف بِكره يمين العز وشده على كتفه " وهذا هو مطلبه تحقق .. كفكف دموعه بطرف كمه بكل سرعة وهو يحاول ما يوضح بكاه .. وبدأ الحماس يرجع الضعف من أستقر عبدالعزيز على ظهر جديلة وبدأ يوقف بمكان الإنطلاق
-
شدّ رسن جديلة .. وفكره مو معه .. فكره منحصر بالشخص اللي ترك الملاحظة بسرج جديلة .. الأكيد إنه شخص من المتسابقين بما إنه وصل له بسرعة ! بدأ يلقي نظرة للي حوله .. وهو قابض على يدينه بكل عصبية .. جاهل عن المُتربص ولكنه موقن إنه شخص منهم .. حلف أيمان غليظة لايذوقه المُر أين كان .. وأول فصول المر خسارته بهاليوم
دقائق قليلة .. وأعلن الحكم بداية السباق .. اللي بدأ بشكل كارِثي وحامي .. لدرجة إن صوت الجهمور غطى على أكبر مساحة ممكنة بسبب حماسهم الفضيع واللي كان بسبب تقدم متسابقينهم وقربهم من بعض بشكل كبير ..
لحظات معدودة وبدأ المرزوق يتقدم بكل سرعة .. بينما الودق خلفه .. والبقيّة مُحاذين للودق ولكن ما يقتربو من المرزوق أبداً .. فمثلما إشترى اللي قبلهم إشتراهم هم وضمنهم بجيبه ! ولأن عبدالعزيز مهب شخص ينشرى بالمال .. إشتراه بالروح !
عبدالعزيز كان ملاحظ تعامل المتسابقين وتضييق عليه النطاق بشكل كبير ! .. ولذلك نذر ما تكتمل هالليلة إلا والكأس بين يدينه .. ومثلما تغلب عليهم لسنين طويلة .. ختامها بيكون الغلّاب بعد .. سحب رسن جدِيلة اللي صهلت بكل قوتها ورفعت حوافرها وهي تنطلق بكل سرعة وكأنها تسابق الرِيح .. وجدايلها تصطدم بعُنقها العريض بسبب سرعتها اللي بسببها تخطت المرزوق بشكل كبير واللي بدأت المدرجات تنتفض والصرخات تعلى والحقد يتفاقم .. المرزوق بدأ يزيد سرعته وكلما تقدم خطوة كان عبدالعزيز قدامه .. ولما ماكان إلا خطوات معدودة على خط النهاية تقدمو كل المتسابقين وهم يحاولون يردعون الـودق عن الفوز .. وصارو يضايقونه بشكل كبير !
-
واللي بسببها بدؤو الجمهور يستنفرون .. والأهم بدأت أعصاب العيال تنشد بتوتر .. ألتفت الليّث اللي كان جالس جنب سعد بعدما عقمّو جرحه وقال بعصبية : وش نوحهم هالغداريّن ؟
سند كان واقف وقابض يدينه ببعض بقوة بسبب الإرتباك وقال : الله يعديّها على خير .. واضح ناوين نيّة قشرى
فهيد اللي كان جالس بهدوء .. وهدوءه واضح بملامحه .. نطق بعزم وبثقة : مالها إلا رجالها .. ولا رجل بالملعب إلا عز .. خلو همتكم عاليّة !
ناظر سعد لسند بنفس اللحظة وهم متوترين من تغير فهيد اللي جالطهم واللي مستنكرينه مع ذلك شيّدو بكلامه !
وفعلاً .. مثل هذه المؤامرات الفوضوية ما تمشي على شخص ثابت مثل الجبال .. كان بحكمته وتمكنه من هالمسار ومعرفته أساسيات هالسبّاق .. يتعدى هالكوكبة اللي تحيط فيه .. ويتخطى المرزوق اللي كان ماباقي له إلا خطوات قليلة للفوز واللي كان ضامنه .. ولكن الهواء اللي لفحه بكل قوة بسبب مرور الودق قدامه وتخطيّه خط النهاية تركه واقف مكانه بذهول وصدمة !
ولا وعى إلا بإنهيار الجمهُور والصرخات العاليّة اللي زلزلت المكان ..
وصوت المعلق اللي هز أرجاء المكان : وكما تعودنا ياسادة يا كرام .. لا سلطة ولا مؤامرات ولا خطط قادرة توقف في طريق هذا الشامخ .. يعود لنا الودق عودة هزت أرجاء هذا الملعب .. ولكن كلمة العودة الأخيرة كبيرة يا الودق .. بتبكيّك الملاعب .. وبيفرحون حسّاادك .. عودة أخيرة شامخة .. وطموح يسابق الريح .. وكأس يتزين في يد هذا الرجل العظيم
-
إستقام الودق على ظهر جدِيلة وهو يتنفس بسرعة ويبتسم بشموخ وهو يناظر بنظرات تعاليّ وغرور لكل شخص ظن إنه بيغلبه ..
بدأ يتبختر للمرة الأخيرة على أراضيّ الملعب .. بدأ يترنح بكل أريحية على ظهر جديلة ويخطو بخطوات التباهيّ وهو يودع إسم الودق لسنين طويلة
-
ولا يخفى على أحد الفرحة اللي كانت حاضرة بالمكان .. ولا فرحة أخويّاه اللي فزو من أماكنهم وحضنو بعض وهو ينطون بالمكان ويضحكون بشكل فوضوي .. صرخ سعد بوجع لما ضغط سند على يده وفلته سند وهو يضحك : يالليل .. الحين بيبلشنا بجرحه هذا
ناظره سعد بطرف عينه والليّث ضحك وهو يناظر بتباهيّ لعبد العزيز اللي توجه لمنصة التكريم عشان يستلم الكأس اللي حاربوه رجال واللي ظنو إن الكثرة تغلب الشجاعة ولكن هيهات ..
-
المشهد اللي بالملعب كان لايقارن بالمشهد اللي بالخسوف .. عن أي فرحة أتكلم ؟ عن أي صرخات فخر أقول ؟ وبأي كلمات البهجة أصف شعورهم باللحظة ذي ؟ تزيّنت الدار بأهازيّج المشجعين واللي كانو يستطربون بفرحة عميقة .. وكأنهم يقولون لا غلاّب سوى الجنُوبي .. لا فرحة إلا لشيّخ الخسوف .. وما إن أعلنو نهاية البث حتى وقفو بحماس سكن كل خسوفي .. في إستعداد مُهيب لرجوع فخرهم .. والأهم لإستقبال شخص غاب عنهم لسنين طويلة !
-
مسحت المزن دموعها لما أختلط بكاءها بضحكة .. الموقف اللي صار كان قادر يلخبط مشاعرهم ويقلب كيانهم .. ولكن الفرحة في اللحظة ذي كانت قادرة تعوض كل القلق اللي عاشوه .. صوت زغاريد حكمة تزينت بالدار .. وضحكات البنات تعالت من الفرحة
ورغم إستنكارهم لحضور فهيّد اللي تلاشى حتى طيفه سنين طويلة .. إلا إن فرحة حضوره كانت تطغى
شدت على يدينها بضحكة وهي تغمض عيونها بطمأنينة ويدينها على بطنها .. ولما رفعت وطاحت عيونها على عبدالعزيز اللي رفع الكأس بإبتسامة هاديّة نطقت بفخر :" جعل يفدونه رخومٍ تهاب ظلاله "
-
-
{ فِي أحد الصحاريّ .. اللي كانت فاصِلة ما بين الجنوب .. وبين مكان إقامة السبّاق }
واللي كانت شبّة النار الحامية تتوسط الجلسَة .. وجنبها الليّث يضبط حطبها .. وبيده إبرِيق الشاي وعلى مُحياه إبتسامة وهو يسمع مدِيح عبد العزيز له : محد يقردن الرأس .. إلا شبَة نار بن عناد والشاهي من بين يدينه .. عز الله محد يبارِيه
ناظره سند بطرف عينه وهو يكتف يدينه : لا والله .. بدينا في الإنحيازات لولد عناد عشان عنده واسطة .. صرنا غير مرغوبين يعني
ضحك عبد العزيز وضحكو كلهم من غيرة سند الواضِحة .. وأبتسم سعود وهو يتكأ برأسه على الكأس اللي كان بحضنه : إتركوني أعيش في حنانه وبدلاله .. هذا الذهب جاء بدق خشوم والله
سعد اللي كان يتوجع .. بس كاتم وجعه قد ما يقدر .. ماكان وده يخوفهم عليه .. ولاكان وده يترك ندبَة بقلب عبدالعزيز بظنه إنه السبب في اللي صار له ..
كان يدعّي اللامبالاة : الله يالدنيا .. كنا نعرف إن سحابة الجنوب دائماً ....
سكت بخوف من سعود اللي رفع رأسه وناظره بحدة وهو يأشر بأصبعه بتهديد وقبل يتكلم قال سند وهو يقلد صوته : لا تجيب إسم زوجتي على لسانك
ضحك سعود والليّث ميّل شفايفه وقال : وليه أبوها مالقى غير هالإسم ؟ ماكان يدري إن بوه شخص بينقد لا سمعوه ؟
ضحكو كلهم على ملامح سعود المنحرجة .. وعلى الليّث اللي أستحى وسكت
بينما عبدالعزيز كان يناظر فهيّد بهدُوء .. وبباله ميّة سؤال .. متى تغير للدرجة ذي ؟ ومتى صار ولد راجح صح ! وكيف قدر يحيط بالأمور هذي كلها ؟ ومو بس الأسئلة تزاحم مخه وتفكيره .. كانت الفرحة تطغى كيف إن أخوه كان الشخص الحامي له لفترة طويلة .. بينما كان يظن إنه يحارب في جبهات لاتعد لوحده ولا أحد عارف همه .. بينما كان يظن نفسه وحيد كانت عظامه تسنده .. كان أخوه مثبّتة بيدينه وبكل ما يملك من قوة .. حضرته مشاعر عميقة كانت قادرة تخليه يفيض من البكاء .. ولكن لأنه شخص يعبر عن فرحته بالضحك كانت طول الجلسة تنسمع ترانيم ضحكته العالية واللي كان الكل مستأنسين عليها ! ومن ضمنهم فهيد اللي كان طاير من فرحته .. هالجمعة اللي كان يتمناها لسنين طويلة .. ومن فهم وأيقن إن فعلته ماكانت إلا ظلم لنفسه بدأ يستعيد صوابه .. وبدأ يراقب خاله من اللحظة اللي قال إن بباله خطط .. كان يلاحقه خطوة بخطوة .. بس لسوء حظه ماكان يعرف عن هوية المرزوق بشكل أكيد ..
إلا إن قاطع سرحانهم سؤال سعد اللي قال : والله إني متجهر لذلحين ( مستغرب للآن ) ليه الشرطة سحبت المرزوق من وسط الملعب ؟ وش مهبب ( مسوي ؟)
رفع كتوفه سعود بعدم معرفة وقال : والله مدري ولكن شكله شيء كايَد .. لأن مو واحد ولا إثنين إلا قبضو عليه خمسة .. وبشهادة رجل واحد بس
عبدالعزيز اللي أيقن إن المرزوق يكن له الحقد بسبب الموقف اللي صار .. وبسبب نظراته اللي وضحت له سواد قلبه .. كان مستعد يمشي بحوافر جديلة على وجهه لولا ظهور الشرطة اللي سطت على المكان وأستولت بكل وحشية على هالمرزوق بدون ما يبررون ولا يقولون وش السبب .. بينما المرزوق يهايط ويصارخ إلتزم الصمت وهو يسمع الشاهد يقول للشرطي : إي والله هذا وشفته بعيوني الثنتين .. وهو يخرج من المكان اللي كانت الجثة فيه !
رجع للواقع علي صوت سعود اللي قال : ولكن كله كوم .. ورجفة الحكم للآن كوم ثاني .. يارجل تلاقيه للآن يرتجف
ضحك عبدالعزيز وقال : وش صاير !
سعود تعدل بحماس وناظر لليّث اللي يصب الشاهي ومبتسم : أبد طال عمرك .. وكلت مهمة تأجيل السباق لليّث والله وقام بها على أكمل وجه مرمطه مرمطة خلته يحب الأرض علمنا بس وش قلت !
ضحك الليّث وقال : مامن هرج كثير .. ولكني علمته إن الألعاب ذي ماتمشي علينا .. وإذا بدأ السباق في اللحظة ذي راح نرفع عليهم دعوة رشاوي وسوء إستخدام السلطة .. وهو أثبت لي فعلاً إنهم أرتشو بسبب تصرفاته .. وبديت أضغط عليه أكثر لين وافق على التأجيل
سعد أبتسم بضحكة وقال : يارجل وش هالمصطلحات .. والله منت بهيّن
حك طرف رأسه بإبتسامة وقال : قريتها بأحد الإعلانات في التلفزيون وتذكرتها في ذيك اللحظة
أبتسم عبد العزيز بهدوء .. لما خطّرت الفكرة بباله
وألتفت لفهيد اللي تخلى عن سكونه وقال : سند
ألتفت له سند اللي عرف من عبدالعزيز كل فعايل فهيّد واللي خلته يعتلي العلو الكبير بعيونه وقال بإبتسامة : ياعيون سند
إنفجرو ضحك بصدمة وسند أنحرج وضحك وهو يغطي وجهه وناظر لسعد اللي دفه برجله : ماتركت أحد بحاله .. حتى فهيّد
أبتسم فهيد بضحكة وقال : جعل عيونك تسلم ميّر مرت سنين طويلة وما سمعنا صوتك فيها .. يرضيك ؟
سكت سند للحظات وبقلبه تضايق وهو يتذكر آخر مرة سمع فيها فهيد صوته مع ذلك ما بيّن فقال بإبتسامة : إعتبر طلبك تم يا أخو عز !
بادله الإبتسامة وعبدالعزيز كان مِستكن وهادي ويبان على وجهه الفرحة
وبدأ يدندن بصُوته المعهود .. على ضوء النار وبيدينه فنجال الشايّ .. ومتكي بكتفه على كتف عبدالعزيز اللي كان مستمع جيد .. ومن إنتهى أنصدم بالفنجال اللي صقع بظهره بسبب سعود اللي قال : نكدت علينا يالفاغر .. يعني جايين بكأس وفرحانين تجي تنكد علينا ياعدو الفرحة .. ياهادم اللذات .. يا قليل الذوق وقاتل الفرح .. من بين ميتين أغنية وكلمات وجمل .. جايي توصف لنا قلبك المصّدي ؟
سعد قال مؤيد له : قلت لكم .. هذا مامنه خير إلا يبي يضيق صدورنا
.. يحسب إنه شيخ الأمة هو وقلبه المقرف
سند ناظر لعبدالعزيز بإستنجاد وهو بدوره ضحك وهو يحاوط كتفه وقال : إلا السند يا عيّال .. لا تمسوه بضر ولو حتى بكلمة .. تراه مني وإن ضريتوه تراكم ضريتوني !
أبتسم سند بضحكة ولف لهم وهو يناظرهم بطرف عينه وهو ألتزمو الصمت .. إحتراماً لعز
-
صباح اليوم الجديد .. واللي ماكان على دخول الخسوف سوى دقائق معدودة .. أشر عبد العزيز لسند يوقف .. وناظره بإستغراب وقال : وش فيك !
أبتسم وقال : وقف بمكانك .. عيّب علي أدخل لديرتي وأنا مانيب على ظهر فرسي .. تستحق التمجَيد والتباهيّ جديلة !
أبتسم له سند .. والليّث أنطرب على حكيّه وناظره وهو ينزل من السيارة ويتقدم للسيارة اللي على ظهرها جديلة .. فتح الباب ومسك رسّنها وهو ينزلها وينزل معها وسط نظرات العيال .. رفع ثوبه وأعتدل بوقفته على ظهر جدِيلة بكل شمُوخ وهو يبتسم .. عدل شماغه وبدأ يمشي بتباهيّ .. بتفاخر .. بعز وبتعالي .. إقترب من باب الخسوف ووقف جنبه وهو يبتسم بفخر .. دخلو أراضي الخسوف .. ووقفو وهم يشوفون إصطفاف أهلهم .. ورجالهم كبارهم وصغارهم في مشهد تفِيض فيه المشاعر .. وقف عبد العزيز بنص الديرة على ظهر جدِيلة .. و وراه عُزوته .. إخوانه وأخوياه .. كان الشجاع.. الشجاع؛ اللي بجنبه أخوان وأخوياء .. وقدامه أهل وربعه وأب وديرة ! ومثل ماقالو .. يمر المكان وتنحني له قلوب الناس .. هذا قلبه يرحب وهذا قلبه يحاتِي ..
دخول فهيّد للخسوف وهو على يمين عبد العزيز .. كان دخول فولاذي .. دخول قوي صارخ مُهيب .. كانت إطلالة رهيبة ومنظر تضحك له العين .. والعيون الضاحكة كانت من نصيب راجح اللي كان مبتسم وعلى مُحياه يبان الرضا .. نزل عبدالعزيز من على ظهر جديلة .. وأقبل وهو يحب كتفه بإبتسامة وهو يتنحى على جنب ويسمح لفهيد يمر من قدامه واللي أقبّل وحب رأسه بإحترام واللي من فرط سعادته ضحك راجح وقال : أخيرا يا أبو راجح .. حن القلب على الخُسوف !
أبتسم فهيد بهدوء وكمل مشيّه مع أبوه بدون ما يرد .. توسطُو الديرة واللي بدأت فيها الإحتفالات .. وتجهيز اليومين السابِقة للإستقبال كفت ووفت .. كان حفل يضحك له القلب قبل الوجه !
-
وببيت الشيخ عز .. اللي توسطه فهيّد بإبتسامة وهو يتلفت بإعجاب للمكان .. يناظر يمين ويسار ببهجة فز من مكانه وهو يشوف الأنثى الرقيقة اللي تنطوي على ذراعه .. وتبلل كمه بدموعها الحنونة .. ضحك وهو يشّد على ظهرها .. وهي بكت بكل قوة .. قبل لحظات قليلة صارحها عبدالعزيز إن فهيّد اللي راهن بحياته عشان ينقذ جسّار من الحريق وهي اللي بقت تلومه شهور طويلة لأنه بعيد عنها وهو أقرب من لها من قلبها.. وهو المُنقذ بعد الله وهي اللي بتبقى مُمتنة سنين طويلة
أبتعد وهي تشوفه يمسح دموعها بكفوفه مدهوشة من تغيره للحنيَة المطلقة واللي كانت نتيجة البعد الكبير عنهم : لا تبكين يا أم ورد ما يهُون الدمع
أبتسمت وهي ترمش ببكاء وألتفت وهي تسمع بشرى تتقدم وبيدينها ورد وتناظر لفهيد وهي تقول : فهيّد ماعرفتك صاير حنيّن من ورانا
ناظرتها نسيم بصدمة وفهيد قرب منها وهي أنجلطت بخوف بس أنصدمت وهو يخرب شعرها بيدينه ويضحك على كلامها : عادش مثلما أنتي خبش وفاغر (فاهية )
نسيم أخذت ورد من يدينها وهي تناظرها بطرف عينها وقالت : لا أبشرك صايرة غرير (طفلة) أكثر
ضحك على ملامح بشرى المصدومة وألتفت وهو يشوف ورد اللي تتوسط يدينه أبتسم بلهفة وهو يسلم عليها وورد مبسوطة وساكتة
صحيح عدم وجود أمه في أركان هالبيّت مضايقه حيل .. وكاتم عليه أنفاسه .. كيف لا ؟ وهالبيت كان لها ملجأ سنين طويلة ! ولكن موقن إنه طفّح الكيل .. ومرتاح إنها ببيت أخوها معزّزة .. كونها ما حكت له أبد عن زوجة أخوها
-
{ عبدالعزيز }
رجوع فهيّد أحيا مشاعر كثيرة بالنسبة لعبدالعزيز واللي بسبب خيانته قبل سنين ظن إنها ذبلت .. لذلك الفرحة تبان على ثغره .. فرحة أمه وضحكتها اللي تحتوي على كل نبرات الفخر عيونها اللي مليانه إعتزاز فيه .. حُضنها اللي عبّرت به عن فرحها مازاده إلا أُنس وفرح فوق أُنسه دائماً كان وجودها مصدر سعادة بالنسبة له دايم تزيد الفرح فرح .. ألتفت وهو ينزل الشماغ من على رأسه للي حاوطت كتفه بخوف ثم أبتسم بضيق المشهد حضره الكل والقلق اللي تمكن من قلبه في ذيك اللحظة موقن إن كل عزيز له شافه عاش نفس المشاعر
ماكان قادر يسويّ شيء غير إنه يثبّت بمكانه تاركِها تحمل كتفه كل الهموم وكل القلق وكل الخوف اللي أستكن بضلوعها لطالما كان كتفه مستقر همومها !
غمضت عيونها وقالت بصوت يرتجف : ولا خفت علِيك مثلما خفت هالمرة .. هو الدنيا باقي ناويّه تغربلنا كثير ؟
أبتعد عنها وهو يناظرها ويبتسم : لا بالله ما تقدر عليَنا .. نهاية الحرب مع هالدنيا حن الغلابة ولنا الفوز .. لاتخافين وأنتي معي !
أبتسمت بطمأنينة وهزت رأسها بطيب .. بعدين سكتت للحظات وقالت : عزِيز ..
هز رأسه وقال : سمِي يا أم الهيّثم
تنهدت براحة من الطاري وقالت بإبتسامة وهي تغيّر الموضوع : تدري إني ما أحبك إلا بلغة وحدة بس ؟
عقد حواجبه من سُرعة تغييرها الموضوع .. وناظرها وهي أبتسمت ورفعت كتوفها بعشوائِية : مدري .. الكل لابغى يتمارى بحبه ينطق بالأحبك بلغات غير لغته ويتباهى بها .. أما أنا ما أحبك بلغات العالم .. أحبُك باللغة العربية الفُصحى، بلغتي ولغتك، بِلُغَةٍ تعرف معناها
صح، بِلُغَةٍ تُدهش قلبك الذي أحب
ضحك من فُرط سعادته وحاوطها برضا وهو موقن .. إن أيامهم السيئة ولت : هذا الفرح نصِيب كُل شخص تكون زوجته مُعلمة عربي .. ما أقول غير يا كُبر حظي والله
ضحكت وهي تشّد على يدينه وهو تنهد براحة
-
-
{ سند }
نبّت بالمكان اللي واقف فيه الزرع بسبب تعرقه وضيقه اللي بلل جسده .. واقف قدام الباب ولا له حيل يدخل .. ماوده يضايقها ولاوده تقسى عليه .. شيء ماهو بيده ليه تحاسبه عليه ؟
ألتفت بصدمة وهو يشوف الباب ينفتح وتطل منه حياة وهي تناظر بهدوء .. بعدها أنسحبت ودخلت البيت .. تنهد من إنها كانت تراقب وقوفه ودخل بدون كلام ..
لقاها جالسة على طرف السرير .. وعلى غِير عادة تلعب بطرف سلسالها ومشتته نظراتها للمكان ألتزم الصمت وهو يجلس بجنبها .. وآخر نقاش بينهم ماكان هادي ولا رقيق لأجل يجلس ويكلمها ببساطة .. لذلك كان ساكت ومحترم سكوتها
غمض عيونه بهدّة حيل بعد أيام ماكانت سهلة أبداً ولكنه فتحها بصدمة وهو يسمعها تقول : أربع شهور مرّت..من فرط ثقل الأيام علي بدونك كنهَا أربع سنين مجتمعةٍ في أربعة أشهر .. ما يحق لك تذوقني مرارة الشعور من جديد
عدل جلسته وحاول يوزان دقات قلبه اللي صارت تتسابق بلا وجهة بسبب كلامها وقال بعقلانية : ياحياة .. ياحياتي .. السفر هذا ماهب بيدي .. ألف قبطان مكاني بين البحر والموج وروحتي فرض علي ماهي بإختيار
هزت رأسها بالنفي .. وقالت : وأنا مكاني جنب القبطان .. وهالشيء فرض علي وعليك ولا هو بإختيار !
سكت للحظات بإستنكار وقالت بعد مدة قليلة من الصمت : فكرت لأيام طويلة بغيابك عني .. وصار إلزام علي أجيب حل لكل الأطراف .. ولما جيت أشوف وين موقعي من الإعراب .. كان بجوار القبطان .. يعني يالموسيقي .. أنا والبحر والموج أخوياك بالرحلة ذي !
عقد حواجبه وقال بضحكة : البحر يغرق ياحياة
أبتسمت بغُرور وقالت : الغرق للعاديّن .. وأنا مانّيب عادية يالموسيقي .. أنا الحياة وأنا البحر والغرق
سكت بهُدوء .. وكأنه يقلب الفكرة برأسه ويحسب حساب كل خطوة بيخطيها في سبيل هالخطوة .. صحيح أول ما حكت كانت الفكرة صعبة .. صعبة حيل .. كيف بيسوي ؟ وكيف بيأخذها معه ؟ وميّة سؤال يخطر .. ولكن المفاجأة إن عقله يسأل وقلبه بنفس اللحظة يجاوب ويعطيه الحُلول بكل عقلانية .. وبعد مدة من الصمت رفع يده وقال بتهديد : ياويلك تصيرين سعد الثاني .. الرحلة ما أعرف مدتها .. السفينة عليّها أشكال وألوان .. الوجهة محددة من قبل نخطي خطوة على خشبها .. المساحة محددة ومالك إلا مسافات معينة
رفعت كتوفها بلامبالاة وقالت : خطوة وحدة جنبك .. تغنيني عن مساحات كثيرة يا سند .. لا تستكثر علي هالشيء
ناظرها بصدمة من كلماتها اللي كانت تنطق حب وصوتها اللي كله حنيَة وغنج وتعدل بسرعة وقال : أنتي وش فيك اليوم ؟
ضحكت من ردة فعله وقالت : تخبّر آخر مواقفنا ؟ للآن يحز بخاطري ويوجعني .. أنا لما أقول كلمة بلحظة غضب أنسى إنها ممكن تأثر في الشخص بشكل سلبي .. وتبقى غصة بقلبي لين يرضى
أبتسم وعرف إنها أوجعته لذلك هي تتخذ طرق الصلح لذلك قال : والحين أنتي تحاولين تراضيني ولا !
ضحكت وهزت رأسها بإيجاب : وعساك رضيت ؟
أبتسم ووقف وهو يشد على كفينها : إيه بالله رضيت .. وأرضيتِ قلبي وعقلي غصب .. وأبشري اللي طلبتِيه إعتبريه تم .. والله يا طاح الهم عن قلبي .. كنت أقول شلون بقوى أغيب عنك مدة الله عليم بها !
أبتسمت : تشوف .. عشان تدري إني فعلاً ماني بشخص هيّن وسهل .. أنا أجيب الحل قبل تبدأ المشكلة
ضحك بخفوت وهو يتأملها وبعد تنهيدة عميقة من جُوف قلبه نبّعت إنقالت فيها "ماكنتي بأول حب .. ولكنك والله أول حياة "
-
-
{سعد}
واللي كان جسده العرِيض يحتضن الجلسة الأرضية بحوش أمه .. وعيونه موجهه نحو قمر الليلة المكتمل .. مازال بكاء أمه يتردد برأسه من لمحت الجرح والطعنة .. ومازالت ملامح الخوف لمنى بوسط عيونه لما شافت الجرح .. ماكان قادر يبوح ويقول إنه ممكن يتجرد من فّنه بسبب هالطعنة .. ولاكان قادر يقنع نفسه هو .. إنه ممكن فقد أحبّ الأشياء لقلبه .. فمثلما خذت طعنة عبدالعزيز سنين من فنه .. كان يتجرع المر من فكرة إن هذي تأخذ أيامه جديدة بعد .. كان يتمنى يتركونه يدور على ناصف ويقتله شر قتل .. ولكن فهيَد قطع عليهم وقال إن شخص مثله مستحيل يبقى بالمكان أكيد تخبى
عقد حواجبه وهو يحس بقشعريرة بجسده .. وألتفت بسرعة وهو يشوف مُناه جالسة بجنبه وقبّلت مكان الجرح بعفوية وهي تناظره بإبتسامة : يطّيب الجرح .. وماراح يأخذ أيام طويلة ياسعد ..
ناظرها بضيق لما عرف إنها فهمت تفكيره .. وماكان حاب أبداً يخوض هالنقاش معها .. ماكان وده تخاف عليه أكثر .. كان يبي يمر الموضوع ويبقى محصور على سعد فقط .. لذلك تنهد بإبتسامة وقال : وهو مكان قبَلتيه بطهارة وبعذوبة ماراح يطيّب .. الخوف ينبت الورد على ذراعي
ضحكت بحياء وهي تبتسم بخُفوت .. وهو أستند برأسه على حضنها وهو يغمض عُيونه وكأنه يطلب الإستغاثة بدون تنبِيش .. وكأنه يطلب النجدة بدون ما يكون بينهم تواصل لفظي .. طبطبة يدينها على شعره وجبهته . . كانت كفيلة بأنها تنتزع مخاوفه .. وترسيّه على بر الأمان .. أبتسم وهو يشوف تمد كفينه للراديو الأسود .. راديو أم سعد اللي من ضغطت على زر التشغيل بدأ الشريط يدُور مُعلن بداية التسجيل .. وهدوء وإستكنان أعصاب سعد اللي أرتخت بعد شِدة عميقة
-
-
وعلى أعتاب بيت عبدالعزيز آل جبّار .. واقف الليّث وهو مستند بظهره على إسطبل جدِيلة .. بعدما دخله سعود وأكد له إن محد بيطّب عليه .. واللي تركه ونسى ما يخلي أحد ينادي الجادل .. لذلك كان متوتر ومرتبك ويدينه بجيبه وهو وده يخرج .. بس ماكان قادر لأنه خروجه يعني مروره من حديقة الورد اللي تطل على بيتهم !
تأفف بضيق من سعود اللي نساه .. وبدأ يدعي بترجي إن الجادل تظهر من أي بقعة هي جالسة فيها .. ولا أنتهت دعوته إلا سمع صوتها .. ولكن ليته ما دعى
كانت تمشي وهي تضحك .. وبيدينها الكاميرا ولكن جنبها بشرى اللي الكأس بين كفوفها وضحكتها الطفولية تسبقها : والله إن الصورة لتسبب بلاويّ .. تخيلي بس جدِيلة والكأس وبنت من ذهب وألماس .. ياهالصورة اللي بنحطها بمزاد ونصير بسببها أغنياء زود على غنانا بأخلاقنا
الجادل كانت تضحك على تعليقها وتضحك بوهقة من طبّتها بهالوقت عشان تصورها مع الكأس .. مع ذلك لبّت بحب .. الكلام كان على مسامع الليَث اللي ضحك بسخرية وصد على طول وهو يقول : غميضة(حسافة) على وخيتي هالحكي اللي تسمعه
شهقت الجادل من لمحت الليّث اللي كان صاد ولكنه من شهقتها خاف وألتفت وبشرى إنجلطت ورمت الكأس بالأرض وهربت ولكنها تذكرت لو درى عبدالعزيز بيخليها ذهب ويصقلها مع الكأس .. لذلك رجعت وهي تركض وتأخذه من على الأرض وهربت من جديد وقفت وهي تتنفس بسرعة ويدينها على صدرها من الخوف وقالت : بسم الله .. الشخص يخاف لا أجتمعو هالإثنين بمكان .. تظنهم نفس الشخص من الملامح .. أخ بنكهة أخته .. ياكافي بس
مشت بسرعة قبل أحد ينتبه لها والجادل تقدمت لليّث وهي ميتة ضحك على موقف بشرى .. إقتربت وهي تضمه بشوق وهو طاحت همومه واللي تسللت من كتوفه اللي عليها ذراعها اللي طرف كمه وهربت منه .. ماكان يظن إن وجود أخت له راح يكون الشعور بهالكثرة !
وقبل ينطق بشيء رفعت يدينها وهي تلعب بلحيته وهو ضحك وقال : رجعنا ل يالطير ياللي
أبتسمت بضحكة وقالت : طرت ولا وقعت .. أنت في عيوني طفل وأنا ملزومة فيك
أبتسم بهدوء وهو يتذكر من دخلت بيته واللي قلبته رأس على عقب فعلاً.. وجددت كل شِبر فيه وحرصت على إنه يكون فعلاً يناسب أخوها .. اللي من ظهر بحياتها .. صارت همومها تنباع ببلاش من قِلها .. يمكن لأن وجود أخ لك يفرق ؟
سكت للحظات وهو متردد يقول لها الحكي اللي سمعه من عبدالعزيز واللي دار بينهم على النحو التالِي ..
" عبدالعزيز واللي أنطوى معه عن الحضور وقال بإبتسامة وهو يربّت على كتفه : وش ناوي عليه .. وش مخططاتك للمستقبل ؟
أستغرب سؤاله مع ذلك قال : مابوه حاجتن محدده مير اني من هجعت (أستقريت) بذا المتسان(المكان) ملزما علي ابد اكد!!(أشتغل)
قاطعه وهو يدري إنه كمل مدرسته الثانوي واللي كانت أمه حريصة عليه كل الحرص يكملها : طيب تعتبرني أخوك الكبير ولا ! وإن قلت عندي لك شُور تمشي عليه ولا أخليه لي ؟
تنحنح الليَث وناظره بهدوء ثم أبتسم : قل يا أبو الهيثم .. مثل شرواك ما ينرد
أبتسم وعدل جلسته وقال : أخبر موقفك مع الحكم ولاغاب عن بالي فطنتك وذكاءك .. وشخص مثلك لازم ما يبقى تحت أسوار الدِيرة بدون شهادة ترفعه .. أنا تحت مسؤوليتي أكثر من مية رجال يدرسون برى الديرة بوسط المدينة وعلى حساب نفقة الخسوف وشيخها .. وأنت مني يا الليَث .. وأخوي الصغير .. لو تسمع شوري وتدخل مع رجالي تكمل دراستك وتضمن نفسك .. أنا والله شفت فيك محامي .. ولقيتك بتصون هالمهنة وبتتباهى هي بك ولا ودي تتشتت حياتك
ألتزم الصمت للحظات .. وهو يفرك يدينه بتوتر هذا شور ما ينرد .. وهذا حكي وده يسمعه ولكن ..
قطع تفكيره كلام عبدالعزيز اللي شد على كفوفه وقال بإبتسامة : لاتنسى حكيي .. قلت لك أنت مثل سعود بالنسبة لي لذلك مصلحتك ألزم ماعلي إسمع كلامي ! وأبن مستقبلك
قال بتردد : وأختي ؟
أبتسم يطمنه وقال : أحب ماعلى قلبها إنك توقف على رجولك بكل قوة وثبّات وتزلزل المكان اللي توقف فيه وإذا على شوقك لها وشوفتك لها . فعهد عليّ ما تنحرم منها وإن مالقيت فرصة تشوفها أنا بنفسي أجيبها لك المهم تبني نفسك
أبتسم بطمأنينة وبفرحة أستكنت بصدره وهو يدري إن من لمح وجه أخته بدأت كل حياته تسير بالشكل المطلوب بالشكل اللي يحبه ويرضيه قال بهدوء : أجل شورك وهداية الله"
رجع للواقع على صوت الجادل واللي بعدما أفصح عن رغبته في المشي على شور عبد العزيز واللي قالت بنبرة يبان عليها الضيق بس يغلبها الفرح .. وكأن ماودها يرُوح .. هي لقته بعد سنين تجرعت المُر فيها ليه الحين يفترق عنها ؟ ولكن الأكيد إن عقلانيتها غلبّت قلبها .. فمثل ماكان لها الحق تفترق عن الكُل عشان تأخذ شهادتها ويكتمل حلمها .. الليّث له كُل الحق : أكيد إني متضايقة من موضوع بعدك عني مسافات طويلة .. ولكن ماهو من حقي أحرمك من شيء مهم مثل الدراسة عشان رغبتي في شوفتك .. وعزيز يقول الحق أنت لازم تبني بنفسك لدرجة محد يقدر يهدك بعدها .. أنت تستاهل تصير المحامي الليّث بن عناد .. حتى تصدق يليق لك هالإسم
ضحك وهو يحك رأسه وقال : أنا أخترت إسم ولده .. وهو أختار مهنتي ..
أبتسمت : وزين ما أخترت يا خال الهيثم .. وزين ما أختار أبوه
ناظر للكاميرا اللي بيدها وقال : وش ناويه تعملين بها ؟
ضحكت وهي تتذكر بشرى وقالت : بشرى كانت تبي أصورها .. بس شفت وش اللي صار
هز رأسه بضحكة وقال : أجل صارت الصورة من نصِيبي
ناظرته للحظات ثم أبتسمت بحماس وهي تثبّت الكاميرا على العصا وتضبط المؤقت وقفت جنبه وصفرت بخُفوت وكأنها تستدعي جدِيلة اللي أنصدم الليث من تلبيتها .. لطالما كان يسمع حلطمة سعد إن هالفرس محد يقدر عليها إلا خيّالها الودق .. ولكن الجادل مو هينة .. أبتسم وهو يشوف جدِيلة توقف وراهم .. وثبّتت الجادل يدينها على ذراعه وهي تبتسم وبعد ثواني معدودة أُلتقطت الصورة بكل حب ..
-
-
ومثل ما تعدي الأيام السيئة .. واللي تكون نصيبها من الهالات السُوداء اللي تِنتصب تحت العين .. والملامح اللي تِذبل بشكل كارثِي .. والنِحف المهلك اللي يكون نتيجة ترك الأكل من قوة الوجع .. واللي كانت هالأيام من نصيب «نعمة وأهلها » من اللي من وصل خبر موت ناصِف مقتول مغدُور بسكين بوسط صدره حتى تهاوت دنياها على رأسها .. ماكانت تظن إن نهايته بتكون بالطريقة ذي كثر ماكانت تظن إنه بيكون بأعلى مراتب العِز ! بنظرها أنتهت مُقومات الحياة .. وبما إنه كان معروف عنها إنها ما تستلم وتأخذ حقها ولو بضروسها وبكدها هالمرة خارت كُل قواها .. طلاقها بعد سنوات من الزواج .. فِراق ولدها عنها واللي من رجعت له هو رجع لديرته .. بعد بنتها عنها بعد كلامها معها .. معاملة مرت أخوها اللي كانت تذلها على أتفه شيء تسويه .. شماتة الناس فيها .. وآخر شيء موت أخوها .. هالأشياء كانت قادرة تقسم ظهرها نُصين وتنهي نصيبها من الحياة .. ومع ذبولها فترات مُتقاطعة إلا إنها بين كل فترة وفترة ما تترك حقها يروح ..
وترجع لوقاحتها وبشاعة كلامها وسوء أسلوبها .. واللي كانو الكل يبتعدون عنها بسبب هالشيء
وموت ناصف ماكان صدمة بس بالنسبة لنعمة كان صدمة لكل شخص يعرفه واللي ماعبرو عن ضيقهم أبدا ولكن ألتزمو الصمت.. واللي كان تعبيرهم عن مشاعرهم الغريبة تجاهه .. ولما عرفُو إن غدره كان من نصيب الشخص اللي ظنّه صاحبه ! أولهم فهيد اللي تجمد بصدمة من عرف الخبر .. ماكان مستعد له أبداً
خصوصا يموت بالطريقة اللي نواها لأشخاص كثير بسبب حقده ، كان هالشيء بعيد عن باله تماماً !
ومثل ماعدت الأيام السيئة .. تعدي الأيام الحلوة اللي بِسببها تزهر الروح ويذوب السوء .. واللي كانت من نصيب جميع أفراد هذه الحكاية .. أيام عدت .. بل أسابيع طويلة .. كانت مليئة بأشياء لاتحصى .. ومغامرات وسوالف ورحلات لا تعد .. والأهم مشاعر لا تُقرأ ولا تُكتب .. فمع مرور هالأيام أبّحر القبطان سند مع الحياة على متن السفينة وأصبحو متوسطين البحر ورغم صدمة الكل بقرارهم اللي إن ماكان بيدهم إلا الرضوخ لأن مو من حق أي أحد يمنعهم.. وأصبح سعد وُمنى على أعتاب مكة يقومون بفريضة الحج .. بينما فهيّد ووصايف إستقرو ببيت آل جبّار واللي شهد كل رُكن بالبيت على هالفرحة .. والليّث أصبح في وسط السكن الجامعي وبين كتاب للمحاماة يحتوي على آلاف الصفحات وبين أحلام لا تنقطع .. بينما سعُود مستقر عاطفياً ونفسياً مع الرقيقة سحابة .. و ورد وأمها وجسّار كانت السكينة تحف أرجاء هذه اللوحة الفنية.. وعلى إثر ذلك البهجة تُلمح على ملامح هذا الشامخ الشجاع الشيخ عز والفجر العذب حمامة عزيز
-
وبين هالأيام .. وأمام الكعبة .. وبوسط البيت الحرام
كانت واقفة ودموعها تفيض من عذوبة الشعور .. كانت تحس قلبها ينتفض .. دخولها للحجاز بعد سنين طويلة من بعدها عنها كان قادر على هزها .. كان قادر يرجعها لكل شعور سيء مرت فيه بين طياتها .. ولكن إن كان ثلث الشعور السيء رجع فثلثين الشعور الحلو كان له النصيب .. كانت تمر من كل مكان وتبكي وتهل عباراتها بدون وجهة .. بدون سبب .. يمكن لأن شوقها لمكة كان له النصيب الكبير .. خصوصاً إنها كانت تظنه شيء مستحيل ولكن من صارحت أم سعد وسعد برغبتها حتى لبّو وشدو الرِحال معها .. على يمينها سعد .. وبذراع سعد أمه مستنده .. يطوفون طواف الوداع بعدما قضو أيام تفيض الروحانية منها .. الشعور لا يُحتسب إلا من المشاعر العذبة .. واللي ماكانت قادرة تعبر عن عُذوبتها إلا بدموعها .. وبعد يوم طويل قضُوه في رحاب المسجد الحرام توسطت ساحة الحرم وهي تتنهد براحة وعلى وجهها يبان الِرضا ..
كانت تتأمل الحمام اللي يملأ أركان هذه الساحة .. بإبتسامة لطيفة على وجهها ألتفت على صوت أم سعد اللي كانت تهلل وتسبّح بهدوء وعلى قدوم سعد وبيدينه حبّ أصفر وقف جنبها وهو يبتسم وقال بضحكة : آخر مرة جيت مكة .. كان هذا وداعي لها .. وادعِيها مثلي يابنت الحجاز
أبتسمت بهدوء .. وهي تفتح كفوفها وتناظر لسعد اللي بدأ ينثر الحب بيدينها وعلى مُحياه إبتسامة هادية وكمل الباقي بيدين أمه اللي كانت تضحك من هبالتهم .. وأيقنت إنهم شخصين وكأنهم فُصلو لبعض .. بدأت منى تنثر الحب على شكل دائرة حولهم وإستقر الحمام وحاوطهم بشكل دائري وهي تضحك على صراخ أم سعد ومبتسمة بطمأنينة شُرح بها كل مفصل من مفاصِيلها .. كانت ولازالت أمنية من أمنياتها ترجع لزيارة هالبيت اللي كانت طفولتها وصِباها وحياتها فيها .. وكان ولازال سعد الشخص اللي يسعى بكل الطُرق يحقق لها هالأمنيات .. أبتسم بهدوء وهو يناظرها وشد ع ذراعها بخفة بسبب الوجع الخفيف اللي داهمه من شدة كفوف أمه عليها .. مع ذلك كان ساكت وهادي وهو يتأمل بإبتسامة
ومن تلاشى الحب وإنتهى بدأ الحمام يغير وجهته ويطير لمكان يلقى فيه الفُتات .. في منظر ترك بصمته في قلب مُنى .. بدأت كعادتها القديمة تُخرج الحلوى من جيب شنطتها السُوداء .. وتعطي الأطفال اللي مُحِيطين فيها .. وهذي كانت طريقتها هي في وداع الحرم والمكان اللي بيبقى أقرب الأماكن لقلبها لو بينها وبينه أميال طويلة ومسافات لا تُعد .. هالتصرفات كانت تحت عيون سعد اللي كان واقف مع أمه ويناظرها بإبتسامة وهو يشوف الأطفال حولها تنهد من الشعور اللطّيف اللي مره وأفرج عن الحكي اللي بصدره ولالي قال به " أعرف بنت .. كلما نطقت أو تكلمت تزاحم الأطفال حولها .. يظنون اللي تقوله حلاوى"!
-
-
{ حيـاة }
ومثل ماكان لإسمها نصيب من المُر الكثير .. كان لها نصيب أيضاً من حلاوة الحياة .. أسابيع عدت وهي بعمق البحر .. وكل جهاتها الأربع يحيطها الماء .. ورغم إنها ببداية الرحلة كان أغلب وقتها جنب سند .. وإن ماكان موجود تبقى بالعبّارة من الخوف كونها أول مرة تركب سفينة .. إلا إنها الآن من المُستأنسين اللي يحبون يتأملون الموجة كيف تضرب بالموجة الثانية بكل قوة وكأنها تلعب معها !
تذكرت غضب البنات وضيقهم من قرارها .. لأنهم ولأول مرة بيبتعدون عن بعض شهور بدون مايعرفون متى موعد اللقاء الجاي .. وتذكرت شرهة أم سند وتنهدت .. أبّعدت هالأفكار عنها بكل سرعة وهي تنحني بخوف وتصرخ بصدمة لما حست إن فيه شيء مرعب حط على رأسها وكأنه سحب كل شعرها من على رأسها ..
تكورت على نفسها وهي خايفة ترفع رأسها وخايفة ترفع رأسها وخايفة تمد يدِينها وتتحسس شعرها وتلقاه مو مكانه ولكنها لحظات قليلة ووصلت لمسامعها ضحكة سند اللي بسببها وقفت وهي تتخصر بعصبية : يضحك الموضوع ؟ مستأنس يعني
سند اللي كان بيدينه قطع خبز صغيرة .. واللي تركها على رأس حياة متقصد عشان تصحى من سرحانها كان يضحك على ردة فعلها .. مارد عليها ولكنه ترك على رأسه قطعة خبز وناظر فيها وهو يضحك لما حس إن الطائر أخذ الخبز من على رأسه : لازم تتعودين على هالطائر .. بكل زاوية بالبحر بتلقينه
ناظرته بطرف عينها وقالت بسخرية : أتعود عليه يسحب بشعري ؟ والله يالموسيقى لأكسر عودك على رأسك لو تعيدها
ناظرها بصدمة وقال : أفا ؟ يطاوعك قلبك
هزت رأسها بإيجاب وهي تدّعي اللامبالاة : يطاوعني ولا يهمني بعد .. ولا بيضيق صدري إلا العود اللي بيتسكر
تنهد بضحكة وقال : يجي منك أكثر ياحياة .. ولكن معفو عنك
أبتسمت بضحكة وجلست على الكرسي .. وهو جلس على الكرسي اللي جنبها وهو يرخي أعصابه عليه بعد مناوبة أستمرت لثمان ساعات متواصلة بدون نوم أو غفوة أو حتى جلوس أو أكل .. كان تعبان حيل مع ذلك يقاوم لأجل يبقى معها أغلب الوقت
أخذت نفس وزفرته بكل رحابة وهي تبتسم وهي تحس إن كل جسدها يميل للخفة من حلاوة الشعور وهو أبتسم وقال : يروق لك البحر ؟
هزت رأسها بإيجاب وهي تبتسم بهدُوء : كنت أهابه بأول الأيام .. ولكن من عاشرته بديت أستطلفه
يقولون البحر غدّار ويطلقون على أمواجه هالصفة .. مع إني أشوف إنه غير تماماً .. يمكن لأنهم باحو بمشاعرهم لهم ظناً منهم إنها ماراح تنسمع وإنه بيحفظها .. بينما صدى مشاعرهم تردد وإنفضحت .. ولكن بيني وبينك .. مين الأهبل اللي جالس يفضفض للبحر ؟
تنحنح بإحراج وماوده يقول لها إن صاحب أسراره بعد عز .. هو البحر اللي سكن فيه سنين طويلة .. لذلك قال بضحكة : والله معلوماتك خطأ ياحياة .. البحر أنقال عنه غدار لأنه بموجة وحدة قادر يقلب هالسفينة رأس على عقب .. مهما كبر حبك له لا تأتمنين أبد
ميّلت شفايفها وبعدها شهقت بخوف وهي تقترب وتلصق بسند وتتشهد وهو عقد حواجبه بإستغراب وقال : وش صاير .. علميني وش فيك ؟
أشرت على الأمواج اللي جايه بإتجاههم بشكل قوي .. وهو ضحك من قلبه على شكلها : على أساس ما تهابيّن شيء ؟
تفشلت ووقفت وهي تجلس مكانها ونفضت ثوبها وهي تقول : تستهبل ؟ تقول ممكن نموت وما تبيني أخاف
أبتسم وهز رأسه : ولكنك حياة
سكتت وماردت لأنها مافهمت محتوى كلامه ورجعت تجلس مكانها وهي مبتسمة ويدينها تحت ذقنها وهي تتأمل سند اللي بدأ يدندن بصوته بشكل كارثي كان قادر على هز أرجاء قلبها " ككُل مرة"
-
-
وعلى أعتاب إسطِبل جديلة .. أو بالأحرى جنب الشجرة اللي قُرب إسطبلها .. كاِنت واقفة قدام الشجرة وعلى مُحياها إبتسامة .. وبيدينها سِكين حاد .. إلتفت بخوف لعبدالعزيز اللي قال : جالسة تذبحين شجرتنا اللي صار لها سنين هنا ؟
ضحكت بخُفوت ونزلت السكين وهي تقول : متى جِيت ؟
أبتسم براحة وقال : على الله شفنا هالضِحكة .. من سافر أخوش وأنتي جالسة تبخلين بها
رفعت كتُوفها بعدم معرفة وقالت : مدري عزيز .. مو بس الليّث .. حياة ومنى بعيدين عني و..
قاطعها بضحكة غرور : ميّر إني قريب .. وخُبري بعزيز يسد عن قبيلة كاملة .. والا خبري قديم ؟
أبتسمت من ثقته الي بمحلها وقالت : لابالله على خُبرك
قرب وهو يناظر للشجرة .. واللي كانت واقفة تُحفر فيها بالسكين وقال بإبتسامة :" خلنا بقلبك دائماً " من اللي بيحظى بهالعبارة .. من اللي تتمنين تبقين بقلبه دائماً !
أبتسمت وهي تميّل شفايفها وقالت : الهيّثم .. وأنا أتأمل هالشجرة اللي بِقت لسنين طويلة هنا .. ومر عليها أجيال كثير .. خِلت إن جيل ولدي بيمر منها .. ولأن الدنيا تأخذ كثير وتعطي قليل .. قلت نبقى بخاطرها دائماً .. مهما صار
هز رأسه بالنفي وقال : بس أنتي جالسة تقللِين من مقدارش .. أنتي تفرضين حضور .. وتفرضين مكان .. ولو إنه ولدش غصب عنه بيتذكرش
هاتي هاتي السكين بس
ضحكت وهي تمد له السكين وهو أبتسم وأخذه وبدأ يحفر جنب كلامها " خل عندك علم .. قلبك كله بيكون لنا"
ولأنه طول بالحفر قالت بضحكة ملل : الله يعينه عليك .. من الحين الوضع كذا
أبتسم وهو يعدل شماغه برزانه وقال : إي بالله الوضع من الحين كذا .. تراه ولد شيخ الخسوف .. عز بن راجح من بدايتها لازم يكون مطنوخ
ضربت كتفه بخفة وبضحكة وهو أبتسم من ضحكتها ولأن الراحة تستقر بصدره لما تضحك .. أبتهج خاطره
أنت تقرأ
من قريت الشعر و انتي اعذبه
Romanceمن قريت الشعر وأنتي أعذبه من كتبت الشعر وأنتي مستحيلة 🍃🌺🍃 .. للكاتبة : فاطمة صالح تجميع : storykaligi