ضحكت منى وألحقتها ضحكة أم سعد واللي بعدها تنحنح وهو يرفع رأسه وينفض التراب بلا مبالاة عن ثوبه .. وهو مسوي نفسه عادي .. بينما باقي لحظة بس وينهار من إحراجه .. نفّض الشِيلة من التراب .. ورجع وهو ينحني ويثبّتها على رأس أمه وسط حياءها قرب وحبّ رأسها وهو يضحك : يوه يا أم سعد .. جعلني قبلش أنتي وسحاش ( حياءك ) الغريب على سعد
ناظرته بطرف عينها وألتفت وهي تناظر لـ "جميلة" بنت سعد واللي بدأت تصحى بعد قيلولة قليلة . : قامت الكناسّة ما أمدانا
ضحك سعد وهو يخلل يدينه بشعره ويناظر لبنته اللي تكتشف الوضع بعُيونها .. وفعلاً ماكانت تخلي شيء بمكانه لذلك ماعلق على كلمة أمه
ومن بين جلستهم الصاخِبة بسبب عيال سعد .. قالت أمه بهدوء : متى ناوي ينفتح معرضك يا سعد .. طالت السنين والجرح ماطاب !
أبتسم بهُدوء .. وإبتسامته فيها من الشيء الثقيل على قلبه .. كونها مرت سنين طويلة .. كلما قال اليوم يطيب والا بكرة ماطاب ! وخصوصاً إنه أكتشف إن الجرح كان بمفصل عمِيق سحب منه سنين طويلة من حياته .. واللي جاهد فيها حق الجهّاد وحاول بكل ما أوتي من قوته يرجع لمتنفسه وفنه ولكن هيهات كان الوجع يتملك ذراعه كلها .. ورغم هالشيء ما قفل معرضه بالعكس .. دعم كل المواهب بديرته والدير اللي جنبه ووعد بعرض كل لوحة تعجبه على جدران معرضه وفعلاً عرضها .. ولكن هالمرة أمه تلمح يفتح معرضه بلوحاته هو .. بفنه اللي أشتاقو له كثير .. بلمساته المُنعشة .. بالخطوط اللي يرسمها بكل دقة .. ألحق خيالاته إبتسامة هادية واللي أردف بعدها : يجيّب الله مطر يمة .. ونقول يارب قريب
تنهدت وهزت رأسها بطيب .. وماهي إلا ساعات معدودة إنسحبت أم سعد فيها بتعب لغرفتها .. ومنى أخذت جميلة واللي حلف سعد ما يسميها إلا بإسم أم منى .. واللي أستقبلته هي وصفيّة بكل حب لأنه فعلاً صفة لبنت سعد اللي بها كل الجمال.. وهو حمل فايز على كتفه .. ورتب مكان نومه وغطاه باللحاف أبتسم بضحكة وهو يقول : الحين يصحى مثل الأهبل ويقول كنت نايم بالصالة وش جابني هنا
تنهد بضحكة وهو يقول : أيامنا .. سقى الله أيام الطيبين بس
دخل الغرفة وهو يقفل الباب بهدوء .. ويناظر لِـ جميلة اللي نايمة بمكانها .. بينما منى أنحنت على السرير بتعب ونامت بلا وعي منها .. جلس قدامها وتوسطت يدينه ذقنه وهو يتأملها بكل هُدوء .. وكأنها لوحة .. أو شيء يجبره يتأمله ويشّده بكل مرة .. مثلما أُجبر على تأملها وهي تخطو خطواتها على أوتار قلبه .. وهالمرة بلا وعي منه ألتفت للدفتر اللي كان جنبه .. وسحبه وهو يسنده على فخذه .. سحب القلم وهو يتنهد تنهيدة عميقة وهو يتأملها وبدأ يرسم خُطوط عشوائية ومنحيّنات من فترة طويلة يفتقدها .. كان يرسم بشغف .. بحب .. بلهفة وشوق تمكن من كُل ضلوعه .. يرسم بلا وعي منه وبعمق شديد ورُغم إنها سنين طويلة قدام عيونه .. إلا إنها هالمرة كانت غير ! حتى بالشعور غير .. ومن أنتهى رفع رأسه عن الرسمة بصدمة .. كيف تمكن منها لهالدرجة بعد إنقطاع سنين طويلة عن الرسم ؟ ألتفت وناظر لذراعه وبلع ريقه بصعوبة شديدة .. ماكان يدري إنه الجرح تلاشى .. ماكان يدري إنه أسترد كامل قوته .. شهور طويلة كان يتجنب يناظر للقلم حتى لأجل ما ينكسر خاطره .. كان خايف يخوض التجربة ويفشل من جديد .. ولكن للحظة .. وجهها كان قادر يعلمه إن الأمل باقي موجود .. وإنه مازال قوي .. مازال جبّل وبيدينه دنيا عجيبة ما تنتهي أبد .. أيقن إن كل النساء ظلمى و هي بينهم الضيّ .. شلون لا ؟ وهي بكل مرة تثبَت له إن العشريّن دقيقة اللي كانت بداية عمره معها .. ماكانت إلا بداية خير غير منقطع ؟ كيف لا وهي أحيّت شعور بقلب شخص مبتلي بالشّيب ؟
تنهد بإبتسامة وهو يبعد خُصل شعرها عن وجهها وأنحنى وهو يتأملها بهدوء ولا حسَ بنفسه إلا وهو نايم جنبها.. وبعد ساعات طويلة فتحت عيونها وعقدت حواجبها وهي تشوف طريقة نومه العجيبة ولكن شد إنتباهها الدفتر اللي جنبه .. سحبته على عجل وناظرت للورقة ثم شهقت وهي تحط يدينها على فمه بعدما حسّت بحرارة الدمع بعيونها وكل خلية بقلبها تردد"وأخيراً" كانت ولازالت تبكيّ وجعه بدون علمه لسنين طويلة .. كانت تسانده بالخفاء وتحزن عليه ضعف حزنه .. وهالمرة فرحت معه أكثر من فرحته بنفسه ..
مررت يدينها على الرسمه وهي تحس بالدمع يمر من على خدها .. ثم أخذت نفس عميق وهي تلتفت وتناظره .. ماكان شخص عابر .. ولا كان نهاية مظلمة .. ولا كان غرِيب مثلما نادته بأول نداء بينهم .. ماكان إلا بداية طريق من نور .. وأهل لشخص فقد أهله .. وأصحاب وقرايب وأكبر سعد وحظ !
أنت تقرأ
من قريت الشعر و انتي اعذبه
Romanceمن قريت الشعر وأنتي أعذبه من كتبت الشعر وأنتي مستحيلة 🍃🌺🍃 .. للكاتبة : فاطمة صالح تجميع : storykaligi