٨- وحيدة

102 14 5
                                    

- حل الصباح و لازلت مكانك؟

انتفضت هلعًا حين نطقت فجأة بينما لم يظهر من الماء سوى جبهتها و عيناها البراقتان.

- كادت روحي تغادني من الفزع تعلمين ذلك؟

عبست مخرجة رأسها، و ملامحها باتت متمللة ممتعضة.
- عار عليك أن تقول هذا بينما خرجت لك فتاة بحر جميلة تؤنس وحدتك.

ابتسمت رافعًا رأسي للسماء، مغمضًا عيناي مدركًا العالم بحواسي الباقية، أود الشعور بكل نفس من أنفاسي، كيف يدخل صدري ذاك الهواء مزيلًا الضيق، و كيف يمتلأ صدري به إلى أن يضيق.
كيف تحرق الشمس جلدي البارد تاركة أثرًا سأراه لو رفعت أكمام سترتي الطويلة.
كيف تضارب الموجات الصغيرة للنهر بين الحين و الآخر عازفةً لحن الطبيعة الذي تطرب به القلوب الضعيفة كخاصتي.

و كيف أشعر بنظرتها تحدق بروحي محيطةً إياها بأحضان حزينة نرتجف بها من كثرة الأمن لا الهلع.

أترتعد الروح أمنا و حبا ؟ نعم، فإن العين التي بكت الدهر حزنًا ستبكي لأقرب فرح، كذا الروح الخائفة يرعبها الأمن جاعلًا منها روحًا تائهة على الميناء، لا تدري، أتنتظر سفينة الخلاص أم أن الضوء البعيد سراب بين ضباب الدجى.

- السماء جميلة بحق.
تسلل لسمعي كلماتها و كذا ابتسامتها البادية في الحديث.

-عندما لا ترغب بتلويث نظرك فقط انظر للسماء، الأرض و الاعماق فاسدة ، لكن الغيوم لم يمس طهرها كائن من كان.

فتحت عيناي أتبع نصيحتها أترك الضوء يخترق حدقتا عيني مزينًا إياهما بانعكاس الفضاء.

الغيوم التي وقفت بجانب بعضها بعناية إلاهية و دقة متناهية كانت تبدو كنفحات ريح ثقلت و ارتوت، كتنهيدات ثقيلة لشخص متعب في الناحية الأخرى من العالم.

- أحيانًا أخاف أن يمضي العمر و أنا أحدق بالسحاب، لكن شعور الدفء الذي يسري بجسدي مجرى الدماء كلما ترآى لي أن أعيش في القمة بين السحاب و النجوم يطغى على كل وجس.

لمعت بسمتها بينما نظرها معلق بالأعالي، و تركتني أنا أغرق بجمالها الأخاذ تحت ضوء النهار.

كانت الوحيدة التي تلمع في عيناي بينما العالم صار مسرح قديم الطراز يعرض على شاشة بالابيض و الاسود.

كانت الوحيدة الدافئة بين مياه النهر القارس.

- ميرا، لا تسرقي قلبي الضعيف، فهو كل ما تبقى لي بعد الحطام.

ضحكت بخفة مستمتعة بإغاظتي تنثر حبات ماء ناحيتي.
- لن أسرقه، سأجعلك تسلمني إياه، ما ضر بعض الحب بعد سنين الشقاء يونغي؟

حورية || مين يونغيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن