٢-مصاب

244 20 2
                                    

أشعر بالهواء يملأ رئتاي بينما يتردد بهما الماء خانقًا تلك الأنفاس الضعيفة التي يجاهد جسدي للتمسك بها.

أعلم هذا الشعور المؤلم، انها الحياة من جديد!

فتحت عيناي لأقابل سماء دايغو القاتمة بينما تزينت بنجمتين صغيرتين بجانب القمر الذي قد أضحى بدرًا هذه الليلة.

انتفضت من مكاني بينما أسعل الماء الذي تجرعته رئتاي و أشهق في محاولة لتبريد شعور الألم بصدري.

في وسط هذا لمحت أصابع يداي التي أستند عليها أرضًا لأجدها زرقاء و كأنها يد جثة و اتذكر ما حدث.

التفتت حولي لأرى ذات العينين الحادة تحدق بي، تبث بدواخلي أمواج جديدة، ليست كتلك الهوجاء كأمواج عاصفة، و إنما كأمواج شاطئ بارد المياة في يوم حار شاق.

مسحت فاهي بكم ثوبي المبلل معتدلًا في جلستي لأرمقها جيدًا.

نصفها الأعلى يظهر من الماء برداء أبيض واسع مسدل على كتفيها تحت خصلات شعرها الأسود الفاحم، و هل ذكرت كم بدى وجهها حسنًا بتلك الإضاءة الليلية الشحيحة التي جعلت عيناها الصغيرة تتلألأ كأضواء بعيدة على طريق سفر طويل.

- أستحدق بي الليل كله؟
نطقت بصوت ضعيف لأنقل نظري إلى الأرض فقد أطلت.

-إما أنني مت و أجلس في النعيم، أو أن هناك فتاة انتشلتني من القاع و لا تشعر بالبرد في هذه الليلة القارسة.

همست لنفسي بينما أحاول استعادة توازني و إخراج الماء العالق بأذناي لأجدها لازالت بمكانها بعيدة عن الشاطئ تنظر إلي بذات النظرة الحزينة السابقة.

- إذن هذا ليس النعيم!

-و هل هذه هيئة ملاك؟
ابتسمت هي ناظرة للماء لتهمس بصوت يكاد يصل مسامعي و كأنما تحدث نفسها

-ما الذي كنت تفعله؟ لمَ وصلت لذلك العمق و أنت لا يمكنك التنفس هناك؟

التفت إليها ضاحكًا لتتجعد ملامحها بعدم الفهم
- أهذا سؤال؟ كنت أنوي الخلاص، لكن يبدو أن أحدهم أفسد هذا، ربما بيوم آخر في مياه أخرى.

بلحظة كانت قد اندفعت ناحيتي و كأنما انزلقت على المياه ليظهر جزء آخر من ثوبها الأبيض الطويل بينما ترمقني بنظرات تحدي.

-حتى إن كنت بمياه شين تشون سأسحبك للشاطئ رغمًا عنك أيها الحوت التائه.

-حوت؟
قهقهت متأملًا وجهها الممتعض كطفل سرقت حلواه.

-تفعل تمامًا كما ذاك الحوت اللذي ينجرف نحو الشاطئ رغم كون الهلاك محتم له هناك.

ابتلعت ريقي أعبث بخصلات شعري المبتلة بينما أنظر إلى جميع الاتجاهات عداها.

- لست مختلفًا معكِ، ربما أنا حوت مصاب، بقائي في الماء يحرق جرحي و حسب و على العضو المتقرح أن يُبتَر.

رئيتها تأخذ نفسًا عميقًا لتبتسم بمرارة و عيناها المتلألأة باتت تلمع و كأنما ليلتي الكحلاء قد باتت مرصعة بالنجوم.

-ربما إذا انتظرت قليلًا يطيب الجرح، لست أدري كم من ليالٍ ستبقى بتلك المحنة ، فلست المصاب هنا، لكنها ستمر.

لربما اكتفيت من كلمات المواساة فما عادت تلامس روحي التي رقت إلى السماء، لكن في طيات حديثها و نظرتها أدركت أنها لم تكن تشفق عليّ بل كانت تتعاطف معي.

شتان بينهما و تجمعهما النية الحسنة!

فمن يشفق عليّ سيرمقني بأسف كالهاربين من الحرب مواسين السبي، بينما هي كانت تلامسني بنظراتها الشجية كخارج من الأسر يستقبل زميل زنزانته بعد عتق الرقاب.

نقلت نظري لقدماي العارية دونما فكر في بالي، و عقلي الذي كان يضج بالكثير أضحى شاغرًا للحد الذي يجعلني مترنح كسكير في حالة نشوة.

و بعيناي التي بالكاد ترى العالم مشوشا لمحت لمعة في طرف ثوبها، ليست نوع نسيج غالٍ تكتنزه الطبقات الراقية، و ليس بلمعة ثوب رخيص لفتاة ليل، بل هو أشبه بلمعة حجر كريم معلق بثريا.

- هلا توقفت عن التحديق بذيلي؟ هذا يرسل القشعريرة لأطراف حرشفتي!!

_______

رأيك و تعليقك؟

في رأيي المنتحر هو محارب متعب
معركته ضد عالمه الداخلي كفيلة بقتله ، و عالمه الخارجي خاضع تمامًا لما يمليه داخله
اختلاف شعور الموت داخليًا ( ليس مجرد الحزن ، المرض أسوأ من أن يوصف بالحزن ) و وجود الحياة خارجيًا يخلق لعقله عدم اتزان مخيف للحد الذي يمرض به جسده
ليصل لمرحلة الخضوع لتلبية رغبة داخله في قتل الخارج
لكن مرحلة الإرهاق هذه قد تمر إذا أحيينا الداخل ثانية!
أحيينا.. تعني المريض ، بيئته، و طبيبه!
لا داعي لوصم أحد بالعار لكونه قرر بلحظه عدم إدراك أن يأخذ راحة من الحياة
إن نجا فهو بطل و إن مات فهو شهيد نفسه -على الاقل في نظري-

حورية || مين يونغيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن