سراب"!

62 9 29
                                    

رمقه بصمت ، مكملا حديثه الجارح:" فلم يتبقي من حياته سوي بضعة أيام تعد علي الأصابع يا فتي...!"

بادله النظرات باستخفاف هاتفا:" أواتخذت عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده، أمْ أنك مسبب الأقدار يا هذا....!"

استشاط من نبرة السخرية التي لمحها في حديثه ، فقام من مكانه مهتزا بعنف قبل أن يتحدث بفحيح:" ستندم قريبا ، و حينها لن أشفع لك...!"

-" اذهب للجحيم يا رجل أنت و شفاعتك فمن أنت "برب موسي و هارون" لتهددني هكذا..؟!"

-" ستري من أنا قريبا يا صغير ، تمهل...!"

ظلت عيناه مثبته عليه بثبات حتي سمع صوت الباب يغلق بعنف .....

هز رأسه بعدم استيعاب لتلك الحقائق التي بات يعرفها ، فمن أين له بمعرفة أين تتواجد...!؟

سحبه من غفلته للصحوة مرة أخري رنين هاتفه المستمر ، أجاب بخفوت هامسا بتشتت :" "عمر" لقد علم مكانها يا رجل....!"

جاءه صوته المتلهف و الحانق عبر الهاتف صائحا بنبرة جهورية:" بينه و بين الوصول إليها ما بين السماء و الأرض يا" يوسف " أسمعت..!"

أغلق الهاتف بوجهه دون السماح له بإكمال حديثه ..... تطلع " يوسف" لذاته بحيرة مرددا  بهستيرية مع ذاته:" لن يحدث...لن يلقاها....ليس من حقه ، فقد فقده ......!
***********************************
علت أصوات الأجهزة غير مبشرة بنتائج علوها المفاجئ ، لتسود حالة من الفوضي أمام الغرفة القاطنة بها منذ شهور ، لعله أدرك أثناء جلوسه أمام بابها ، أنها النهاية ، و لكنه تمسك ب" أمل استيقاظها أكثر من اللازم ...!"

مسح حبيبات العرق  المتواجدة علي جبينه، تلك الرجفة التي تنتابه عند تذكرها، لا تكف عن اللحاق به......
كم يتمني عودتها ، و لكنه بات يعلم أن الأماني لا تحقق ، فبات وجودها جواره محال...!

هبط من منزله بعدما رمق أخيه غافيا بانهاك شديد ، فتركه متجها لأخيها، لعل الأمر زاد عن حده فادرك بأن الانقلاب الحادث ضده أوشك ، فليتفوه بما يعتري جوفه الآن قبل حدوث ما لا يحمد عقباه......!

تطلع لذاك الملجئ القاطن به ، فطلب رؤيته هاتفا بثبات:" أخبره بأن ابن عمك " عمر مالك " في انتظارك خارجا ....!

أومأ العامل متفهما ، ليذهب مسرعا إلي الشخص المقصود ، مخبرا إياه بما أملاه عليه .......

عقب خروج العامل ، تطلع " سفيان"  ل " كريم " هامسا له بريبة:" ابن عمك، أو مازال يتذكرك ، زعمته نساك يا رجل...!"

هز كتفيه بلا مبالاة مردفا:" لعله جاء للسخرية و حسب كما عادته ، لن أطول بالحديث معه ، دقائق و ستجدني أمامك لن أتأخر ، لا تقلق...!"

لم ينكر أنه بأوبته و تلاقه إليه بعد فراق ،  شعر بأن روحه  قد اطمأنت ، حتي و ان كانت العلاقة بينهم لا يسودها الود أو الاحترام المتبادل.....!

وجده يستند علي الجدار الخارجي بصمت ، تعجب من هالة السكون المحيطة به ، يبدو أن الأمور قد تغيرت مع الأحوال منذ لقائهم الأخير منذ ثلاثة أشهر فأكثر...، تقدم منه بثبات هاتفا بجمود:" لعلك آتيني اليوم لأسباب خطيرة يا " عمر"

-" ألن تلقي السلام في البداية يا ابن عم ...؟"

زفرالهواء ببطء قبل إجابته:" خلت أنك مشغول، فالسلام قد يحدث عطلة في مواعيدك المهمة يا هذا ...!"

ابتسامة باهتة احتلت ثغره ، قبل أن يقول:" أود الجلوس و التحدث معك يا " كريم"
***********************************
قرر زيارته بعد أن استيقظ ، فوجد نفسه منفردا بذاته في المنزل ، فعلي ما يبدو قد غادر أخيه مبكرا.... تطلع لشخصه بالمرآة و هو يري كل تلك الجروح المتفرقة التي تحجب خلفها ملامحه الهادئة بطبعه ، لم يهتم ، بل أسرع بارتداء ملابسه علي عجالة ، مغادرا المنزل لزيارة شقيقه .......

بصعوبة قد استطاع اقناع أحد الضباط ، بالسماح له بزيارته متعللا ببضع دقائق لن تعوقه عن إكمال وظيفته .........!

دخل عليه شقيقه بانهاك واضح و بفرحة احتلت ظلامه برؤيته لأخيه متجسدا أمامه ، أسرع بخطواته لاحتضانه، بينما الآخر قد ترقرقت الدموع بحدقتيه ، هامسا إليه ، بينما يشدد من احتضانه:" فرج الله قريب يا  " رحيم " و رحمته وسعت كل شئ ، و إنه لعالم بأنك برئ يا أخي ، و لا يظلمن ربك أحدا...!"

أجابه بيقين هامسا:" أعلم يا " معتز" أعلم ، فوالله كما أخرجن " يوسف " من السجن و جمعه باخوته ، فإن لقائي بكم قريب ....!"

أخرجه من احضانه ، مقبلا يديه بحنان، مزيلا عبراته بكفه المصاب ، فيبدو أن يده قد جرحت بفعل شئ ، مردفا:" لا تعلم كم أرحت بدني بلقياك أمامي صحيحا معافي، أخبرني يا أخي ، كيف حال أخينا الأكبر..!"

أجابه باهتزاز ، هاربا بحدقتيه من حصار قرنيات الماكث أمامه:" " عمر" بخير ، و قد أخبرني بتوصيل سلامه لك ، و يخبرك بأن " لا تخف ، فهو عالم  ببرائتك...!"

يعلم حق العلم بأنه كاذب بكل ما تفوه به ، فلم يرد إحراجه ، فهمس منكس الرأس:" أخبره أنها كانت لي ابنة و كنت لها أبا، فلو خان ابن العم العشرة، فلن يخونها الوالد.....!"
***********************************
سأله باحترام مردفا:" أسننتظر  أكثر مما مضي ،حتي نمضي في إجرائات نقل جثمانها للمقابر.."

أجابه الطبيب الشرعي المسئول عن حالتها:"  نحن في انتظار روحها لتعود يا " محمد" ، و يبدو أن الوقت حان لتعود، فلم يتبقي سوي القليل ....!"

أومأ برأسه متفهما و هو يعود بتغطية وجهها من جديد ، فكم حزن و بشدة عليها ، فكان الله معينا لمن ينتظرون قدومه علي أحر من الجمر...

***********************************
أجابه صارخا:" ماذا تعني يا " عمر"

تطلع إليه ببكاء هامسا بوهن:" يبدو أن التكفير عن الذنب لا ينفع وحده يا" كريم" فكانت هي الثمن ..!"

حدجه بنظرات تائهة هامسا تلك المرة بضعف  و تهدج و قد خارت قواه:" من تقصد ؟!"

-" "آراء "  شقيقتك يا كريم، في انتظارك لتريحها من عناء ما هي فيه ، في انتظارك لتكون آخر شخص له الحق في التطلع إليها ، في انتظار روحها المتجسدة بك لتأخذ بيدها  حتي قبرها  ، ينتظرك جثمانها منذ أسابيع ، و يبدو أنه قد حان الوقت لاستلام ما تركَتْه لك ، قبل أن يؤخذ روحها ، لتبقي جثة هامدة تلك المرة ، ليست كجثة..."!

# يتبع
# و قالت
# يارا عصام

 نوفيلا " وقالت" بقلم'"يارا عصام أحمد"'حيث تعيش القصص. اكتشف الآن