|دُجى|

349 20 141
                                    


«لا تزرع في تربتك، ورأسك يريدُ فقط طمر البذور.»

خطواته الثقيلة تزامنت مع كلماته، وصرير الباب المهترئ قد أعلن عن دخوله مسبقًا، اقترب بهدوء يضع أمامي حوضًا قد أتى به من بستانه ضيق المساحة، عيناي جالت بنظرة فاحصة على جوفه، الترابُ فيه ماحِل، زفرت بخفة وأعدتُ رأسي للأمام إلى النافذة.

«لستُ بستانيًا كما ترى.»

قلت بصوت خشن قاحل كما التربة، فأنا هنا بالكاد أتكلم، وتلك البذور بالفعل لم أود غرسها؛ إلا ليكف هذا الكهل عن طلبه كل صباح، البستان.. الزراعة والبذور!

«الزراعة ليست أمرًا مستعصيًا عليك، حتى لو كنت جديدًا عليها، حيوية وبسيطة تفيدك بأمور الحياة.»

كما اعتدتُ على كلماته أومأت، لكن رتمه الحثيث بالكلام جعلني أنظر أكثر للخارج بعدم رغبة للإطلاع عليه.

تجاوزني لغرفة مجاورة، خمنت أنها المطبخ الصغير، لمستُ بإصبعي التراب بخفة ووجدته قاسٍ جدًا، تنهدت وأصابني تخدر بقدمي لوقوفي الطويل منذ ساعات أمام تلك النافذة.
لا تزرع في مرورك العابر، وأنت مشغولٌ عن الاعتناء بما وأدت في تربة غيرك! لم يكن هناك شيء سيء بحالتي سوى إدراكي التام لكلماته، ويكمن السوء هنا بأن عشوائيته في الحكم مريرة، فكم ممن مضوا بي جعلوا تلك الروح تظمأ أكثر فأكثر؟

رميتُ بكأس المياه القريب مني على التراب بتثاقل، سمعت بخطواته الواسعة حيث أنا، وصوت طرق خفيف على الطاولة لوضع كأسين، وليس صعبًا العلم أنهما شاي بالزنجبيل، أظن أن هذا الرجل يعيش على كل ما هو أخضر وعشبي فحسب.

التفت أضغط على العصا التي أحملها منذ ثلاثة أسابيع ونصف، سرت للأريكة أرمي جسدي أمامه بخفة، بصمت عارم التقطت الكأس بيدي الباردة ورشفت منه.

«أنت بالفعل حذر، وكأني الغريب هنا!»

قال بسخرية يقاطع نظراتي الشاردة نحوه، احتدت عيناي بسرعة ودلكت جبهتي.

«رواد، لا تبدأ، أنا بالفعل لم أمانع أن ترميني خارجًا!»

يعاود تذكيري بغربتي، يعاود جعل حرارة مريرة تنشب بقلبي وتمتد حتى رأسي على شكل أفكار صاخبة.

«أنت تعلم أني لم آتِ هنا لكَ، ولم آت هنا أساسًا حتى بقدمين!"

«أجل بنصف.»

قال بهدوء وجدية، استشعرت سخرية سخيفة برده لأرتشف الشاي جرعةً واحدة، أنا متوتر، ساخطٌ وربما أتمالك أعصابي بصعوبة، لم أمانع يومًا أن أعرّف عن نفسي، ولم يغِب عني يومًا غروري بنشر صورتي هنا أو هناك، لكن هذا كان قديمًا، حيث كنت أنا أعرِف نفسي، أما في هذه اللحظة.. أنا ورجل تعج منه رائحة الأعشاب الثقيلة، تعرفنا منذ شهر بطريقة مؤذية لصورتي، نجلس على طاولة واحدة كل ما عليها هو كؤوس الشاي وحروف مثقلة بالتلميحات.. لا يسعني سوى القول أني لم أعد أعرفني.

منفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن