|هدنة|

36 9 23
                                    

إنه اليوم الثالت بعد الحفل، اليوم الثالث بعد ثورة جلجلت أرجاء القُرى، الحفل الذي كان بمثابة غفوة بعد عامٍ من الإرهاق، إرهاق الإنتظار.
لم تكن ثلاثة أيام كفيلة لجعل عقلي يستوعب أني نلتُ أكثر من نظرة وحلمي منذ أسبوع واحد فقط هو لمحة من عينيها الواسعتين، الأعين التي تستطيع أن تتمرد بداخلي بلا أية حصون.
تنهدت محاولًا أن أخرج ضجيج الرجال حولي مع أنفاسي الحارة، طاولات تعج برائحة المشاريب، رجال سكارى وصراخ حانق يصدر من كل خاسر على طاولة اللعب، وطبعًا الأغلبية تتناقل ألسنتهم عن الحدث الصادم، فتاة الكمان، الرجل صاحب القدم الواحدة، والشجاعة الفائقة لاختراق صفوف الحراس مع محبوبته والسلاح.

أطفأت كلماتي اللاذعة لوصفهم إياها ب 'محبوبته' بتجرع كأس العصير، فإن سرقتي لرقصتها الأولى لا تعني كونها محبوبتي أيضًا، حتى لو أجزمت هذا مع نفسي!

«مازن، أين هو مازن!»

دخول صاخب أعرفه تمامًا لأرفع رأسي بترقب، ما الذي تفعله تلك البلهاء داخل مكان يعج بالرجال!

وضعَت يديها على خاصرتها تزامنًا مع الصمت القاتل، الجميع مترقب ويتهامس، الفتاة صاحبة الكمان! محبوبة ذو القدم الواحدة!

تجولت بعينيها على الطاولات لتلتقطني برهة من الزمن دون مبالاة، ولاحظت بشكل دقيق أنها جالت بنظرها حولي وعلى ما أشرب، ابتسمت كالمعتاد وداخلي يشعر بسعادة لكونها طيف أنتظره كثيرًا وهي بالأساس حولي في كل مكان!

أعادت الصراخ باسم الرجل لأتدارك غضبها الذي يخيف الجميع دون إستثناء، ظهر مازن خلف الطاولات، آثار الشرب والقلق على محياه، وقف أمامها يبتلع لعابه بترقب كالبقية.

«اقتربي يا جومانا! اقتربي ليرى يديك!»

اضطربت ملامحه أكثر لذكر اسم زوجته، ولاحظنا وجود امرأة شابة تقف خلف الباب بنظرة خائفة وخجلة، سحبتها نايا ومدت يداها لمازن، وبدأت وصلة التوبيخ أمام جميع رجال القرية بأنه ليس رجلًا لترك زوجته تعمل بدلًا عنه وهو يلهو.

ارتسمت ابتسامة خفيفة لرؤية انفعالها الواضح وخضوع مازن المذلول أمامها، الشيء الوحيد الذي يجعلني واثق بتلك الفتاة، أنها قوية بما يكفي لرؤيتها كرجل يحمي نساء القرية أجمع، ورقيقة بما يكفي لأراها أنا وحدي كفتاة يتيمة تحتاج للكثير من الحماية.

قفزت عن الطاولة حالما خطت هي للخارج، قلت بصوت عالٍ:

«صباح الخير نايا!»

«تبًا له من صباح.»

سمعت تمتماتها لألوي شفتي بقليل من الامتعاض، ألم نرقص سويًا! لم مازالت تكرهني!

«استمع يا هذا!»

التفتت لي بغضب جامح لم يكن صادقًا، فحالما حطت عيناها على خاصتي الهادئة احمرت حمرة طفيفة تتسلل لوجنتيها، أما الأحرف تخرج متعثرة من مخارجها الصحيحة، وهذا أكثر جانب ممتع بشدة.

منفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن