راقبت الطفل بشكل متفحص أكثر، يبدو بالسابعة، ملابسه أنيقة بشدة وباهظة الثمن، ينظر بخجل لنا وكأنه مذنب، ويتصرف بأدب شديد، هذا الفتى تركيبة تشبه بشدة أطفال القصر من هم تحت تعليم تميم، الأستاذ الخاص بحصص الآداب، لم أدخلها يومًا لكون الجميع يرى أن إعادة تأدبة فتى متعفن التربية لا تجدي نفعًا، ولم يكن تميم أساسًا يروق لي، من يتناول الحساء بأكثر من ملعقة بحق الإله؟ أفضل شربه من القدر فورًا، حتى لو تعرضت لشهقات مدهوشة، إلا أن الحساء يبقى حساءً ولن يصبح ألذ بالملاعق.
لم يتلفظ أحدنا بأية كلمة منذ دخول رواد، أشعر بغضب رواد الصامت رغم أن ملامحه باردة بشدة، ويبدو أن الطفل شعر بهذا لذلك تملكه التوتر.
«هل هذا الطفل تائه؟»
قلت لرواد بشفافية دون أن أحاول حتى استجواب الطفل.
«لا، إنه يخصني، أحتاج بعض الأشياء من السوق، عمر يمكنك الذهاب معه لشرائها.»
لحظة، هل هو يملي أوامره للتو ويسير للغرفة دون أن يعطيني أي جواب شافي.. يخصني؟ نظرت للطفل أرمش بانذهال، بادلني الآخر ابتسامة متسعة لأنه سيخرج، وقفز بحماس، أنا لا أستطيع فهم أي شيء بالفعل..
___
أوقفت حصاني بقوة لتتجمهر الحشود خلفي، ضحكات الفرح وملامح النصر تفوح بالمكان وتسبقني قبل أن يفتح الباب، الكثير من الشبان خلفي يستعرضون قواهم وندوبهم من تلك الحرب الضارية، كأنها غنائمهم الثمينة، نظرت بطرف عيني ليدي اليمنى دومًا لأجده يبتسم بألم، التعب جلي على ملامحه، لابد أنه متشوق لابنه الوحيد، لقد ولد منذ شهرين فقط، ماتت زوجته أثناء الولادة ولم يبقَ له سواه، وصلتنا هذه الأخبار مع جندي كلفته بنقل الأحداث لنا في أول شهر من هذه الحرب، ولأكن صادقًا لم أجد شخصًا أكثر صبرًا من هذا الرجل، جميعنا ترقبنا ردة فعله لكنها لم تتجاوز العزلة بمكان بعيد والبكاء بصمت، كنت أعلم جيدًا ماذا تعني العائلة لذلك أعفيته من المقاتلة، وكدت أرسله ليتم مراسم العزاء، لكنه أصر على البقاء والمقاتلة لآخر أنفاسه، أما طفله الوحيد، فقد كلفت خادمة تمتلك فتاة بذات العمر أو أقل للاعتناء به.
الجميع ينظر لي بترقب وتململ فسارعت أتقدم بهم إلى القصر وراية النصر محمولة على جانبي، الملك والملكة ظهرا من بعيد، رفعت الراية أكثر والجنود حولي يتدافعون بحماس، لم يكن الفوز الأول لكنه الأصعب، امتدت هذه الحرب لتسعة أسابيع، وكانت الاقسى على الإطلاق، أن تحمل عاتق ستة آلاف جندي على كاهلك وتقتل ستة آلاف آخرين من أجل العيش ليس بالأمر السهل، أن تكون الجنرال الأول والثقة الوحيدة لدى الملك ستدفعك ثمن الكثير من الأشياء حولك، أولها الشعور بالذنب لكل قطرة دماء تعلق بسيفك.
«حازم توارى بين الجنود واذهب لرؤية طفلك، لا تنتظر كثيرًا هنا حتى تنتهي المباركات.»
قلت بصوت صارم وملامح آمرة ليومئ لي، توقف حصانه فجأة ينظر إلي بثغر باسم ودون رسميات.
![](https://img.wattpad.com/cover/305518152-288-k446113.jpg)
أنت تقرأ
منفى
Romanceابتلعني المنفى مرتين، وظننتُ أن موتك هو النهاية الثقيلة جدًا لكل شيء، وأن كابوس ذهابك هو الوحيد، لكنها لم تنتهِ.. بل كانت بداية ثورة حارقة لعرش مملكة زائفة. «عزفوا على جثتك بالموت، فثارت أنغامك تعيدهم إلى حبل المشنقة.»