الفصل الثانيإختطف كاسيوس كأساً من الشراب من الصينية التي يحملها النادل، وإرتشفه، ثم جعّد أنفه وهو يرتشف بضعة قطرات... فالمشروب.. فوّار كثيراً.. وحلو جداً..
إنه يفضّل أن يحصل على شراب من نوع آخر، لكنه أيضاً يفضّل أن يمضي الليلة وهو يقود بسرعة عالية بين الطرقات الملتوية، أو أن يكون برفقة امرأة جميلة، عوضاً عن كونه عالقاً هنا في حفلة ما، يرتدي بذلة سوداء رسمية، محاطاً بمجموعة من أثرياء الطبقة المخملية، الذين كانوا قد ملأوا المكان بصخبهم رغم أن الساعة لم تتعدَ العاشرة مساءاً.
إنّ مضيفو الحفلة الذين ينتمون إلى عليّة القوم، كانوا قد منعوا دخول الضيوف سوى بدعوة خاصة، لذلك كانت الحفلة مليئة بروّاد الطبقة المخملية فقط.
وقاعة الاحتفالات تقع في مبنى فخم أثري يعود إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، والذي يقع قبالة شارع الأميرة غريس على طرف شبه الجزيرة ويطل على المرفأ.
وبالداخل، كانت الثريات الضخمة الكريستالية تتدلى من السقف الملّون، وتلمع فتنعكس أضواءها على الجدران المذهّبة.
وفي الخلفية، كانت الأوركسترا تعزف موسيقى كلاسيكية مملّة لا تناسب الجو العام للحفلة، وهو لا يحب هذا النوع أيضاً، بل يفضّل الروك أند رول، أو موسيقى البوب، أو الراب، أو حتى الموسيقى التي كانت ذات يوم المفضلة لدى والدته: موسيقى فرقة "البلوز".
لكن هذا طبيعي بحالة والدته التي ولدت في الأصل في نيو أورلينز، حيث نشأوا البلوز.
تماماً مثل لاني.
تخيّل كاسيوس وجهها الناعم الجميل.. عينيها البنيتين الكبيرتين..
إنّ لاني.. صريحة جداً.. بريئة.. وطيبة.
من الغريب أنه لم يلاحظ وجودها قبل اليوم، أو ربما ليس غريباً، لان هذه الفأرة الصغيرة المساعدة كانت تختفي بشكل غير مرئي حيث تتواجد رئيستها.
لكن الآن تغير كلّ شيء، وحازت على إهتمامه الكامل.
منذ أن ترك شقة ميمي، وقد عيّن محققاً خاصاً ليتحقق من خلفية لاني.
وُلدت بإسم إلين ماي هنري.. عمرها خمس وعشرون عاماً.. من قرية صغيرة تقع خارج منطقة نيو أورلينز.. تخرجت من المدرسة الثانوية بتقدير مرتفع لكنها فوّتت الجامعة لكي تذهب مباشرةً إلى سوق العمل لأن جدتها المريضة ووالدها العاجز كانا بحاجة إلى مساعدتها المالية، خاصةً حين كانت والدة لاني قد هجرتهم قبل عدة سنوات.
بالتفكير أن والدة لاني قد هجرتها.. ذلك جعل كاسيوس يشعر وكأن الأشواك توخزه في رقبته...
فلقد.. لقد هجره أحد والديه أيضاً..
والده!!
ووالدته الصغيرة الحساسة، التي كانت الإبنة الوحيدة المدللة لعائلة ثرية يعود أصلها إلى نيو أورلينز ، لكن والدته كانت تعيش في منطقة مختلفة تماماً عن المنطقة التي أتت منها لاني.
ووالدته أيضاً.. لم تتعافَ من ألم الهجران مطلقاً.
أبعد الذكرى المؤلمة عن أفكاره، وأعاد تركيزه على لاني كونها تهمه الآن.
بعد أن أنهت المرحلة الثانوية، بدأت بالعمل كمربية أاطفال لدى عائلة لاعب كرة قدم محترف، وبعد سنتين أاصبحت المساعدة الشخصية لـ طاهٍ مشهور متخصص بطهو المأكولات الفرنسية، ويمتلك سلسلة من المطاعم يقع أحدها في باريس.
وهناك أيضاً، قبل سنتين، عرضت عليها ميمي أن تعمل لديها مقابل أجر مادي أعلى، ثم أحضرتها معها إلى موناكو.
خلال كل تلك الوظائف، شيء واحد فقط بقي ثابتاً: كانت لاني تعمل بإستمرار، وترسل كل شيء إلى عائلتها.
كانت لطيفة.. مخلصة.. لم تتذمر بخصوص رئيستها حتى حين منحها الفرصة على طبق من ذهب.. ولم تكذب حتى وتمنح ميمي صفات لا توجد بشخصيتها.
وحين ضغط عليها لتعبّر عن رأيها، أظهرت لاني إمتنانها الصريح للأجر العالي الذي تتقاضاه.
وفوق كل شيء، ورغم حاجتها إلى المال بشكل يائس، لم تطلب منه سنتاً واحداً رغم أنه كاد أن يقتلها حين إصطدمت بسيارته. وبالكاد سمحت له أن يستبدل معطف الفرو الذي افسده بآخر، و... فجأة أدرك أنه لا يزال يدين لها بهاتف محمول.
لم تذكر له الامر، برغم أنها تحتاج للمال بيأس شديد، بينما هو على الجانب الآخر يمتلك الكثير من الأموال لدرجة أنه لم يعد يفكر بكميتها.
أوه، اجل!
لاني هنري تثير إهتمامه، بعد قضاء وقت قصير معها، رأى الأخلاق النبيلة التي محاها الزمن وكان يسمع عنها فقط لكنه لم يراها، صفات نبيلة نادرة جداً: التضحية.. اللطف.. والصدق.. الكرم.. والإخلاص..
وأكثر من هذا بعد.
لقد جذبته طبيعتها الدافئة، مثل شعاع شمس ساطع بعد شتاء مظلم وبارد.
هل هذا الشعور سببه شيء غريب شعر بوجوده في إيقاع صوتها الناعم؟ لكنتها التي ذكّرته بالسعادة القصيرة التي عاشها أثناء طفولته؟ أم هل كان شيءاً أكثر عمقاً من هذا؟ هل شعر بالإنجذاب للاني الصغيرة اللطيفة الممتلئة القوام، والمختلفة كثيراً عن العشيقات النحيفات و طويلات القامة اللاتي إعتاد على صحبتهنّ طيلة السنوات الماضية، لكنه يشعر معهنّ بالإكتفاء يوماً؟
أياً كان الامر، شعر نفسه غير قادراً على التفكير بأي شيء سواها، ويتحرّق شوقاً للشعور بشمسها وحرارتها ونارها، ويرغب بهذه المرأة القديمة الطراز التي يستطيع أن يثق بها-ويتحكم بها أيضاً- بسبب طبيعتها الطيبة اللطيفة.
لفترة طويلة، خطط لأجل انتقامه، وقد أصبح قريباً الآن، لكن يوجد جزء واحد في خطته لم يتحقق بعد.
حين يتمكن من تدمير الرجل العجوز أخيراً، ويفصح له عن هويته الحقيقية بعد أن يسلب منه كل شيء يحبه- أي شركته الخاسرة وقصره المبهرج الزهري اللون الواقع في منطقة كاب فيرا - أعتقد كاسيوس أنه سيكون بالفعل قد حصل على بيته الخاص الدافء، وعلى زوجة وأولاد.
وكيف يستطيع منح هذا الرجل الأرمل المفتقر إلى الاولاد الضربة النهائية، سوى عبر جعله يرى العائلة التي لن يراها مجدداً والأحفاد الذين لن يحظى بالفرصة للشعور بحبهم له أبداً.
إبتسم كاسيوس ببرود.
وفي الجهة الأخرى من قاعة الإحتفالات، رأى صاحب الرأس الروسي ذي الشعر الرمادي بينما كان يتحدث مع رفاقه. أبقى كاسيوس مسافة بينهما، مثل سمك القرش يراقب فريسته قبل أن ينقض عليها.
وفجأة تذكر صوت لاني الهادىء. تبدو حزيناً.
وردّه الشرس عليها. الأثرياء لا يحزنون، نحن نحصل على العدل دائماً.
من الغرابة أن لاني تعرف ما هو شعور أن يهجركَ أحد والديكَ، أيضاً.
كان كاسيوس مصدوماً حين رأى هذه الحقيقة في تقرير المحقق عنها، لكن الأمر أثّر بها بطريقة مختلفة عنه. عوضاً عن صنع درع واقي تحمي نفسها وأن تكبر لتصبح قاسية وشرسة، بقيت رقيقة ونقية مثل زهرة. لقد منحت لاني العالم كل شيء تملكه، ولم تحصل على شيء في المقابل.
تساءل كيف حين يقبّلها.. أن يمارسا ما هو أكثر من القبل البريئة.. تساءل كيف سيكون شعوره حين يلمس جسدها المستدير الأنثوي الصغير بأنامله.. بينما تنظر إليه بعينيها الكبيرتين البنيتين المشرقتين وتخبره بصوتها الأجش ونبرتها المرتعشة أنها تريده أن يمتلكها.. أنها لن تريد تركه ابداً.. أنها تحمل طفله في أحشائها...
لم يكن من المفترض أن يشعر بالإشتياق... لكنه شعر بالشوق لها.. بل الكثير من الإثارة..
في الماضي لم يكن ليترك نفسه عرضةً للتأثر، وإقترابه من أي امرأة بحميمية سيجعلها تكتشف حقيقة ماضيه، وهويته الحقيقية، وهذا قد يهدد خططه الإنتقامية.
كما أن جميع النساء في دائرته الإجتماعية يشبهن ميمي دي بليسيس.. جميلات.. طمّاعات.. وقاسيات..
وميمي مثلاً قد تخون أي شخص لأجل مصلحتها الخاصّة حتى ولو كان المكسب بسيطاً، او حتى بدافع التسلية.. ستفعلها!!
لكن لهذا السبب تماماً، سعى كاسيوس إليها.
ظلّ كاسيوس لنحو عشرين عاماً يخطط لإنتقامه، وهو يحارب الفقر في شوارع إسطنبول، ويعمل ليلاً ونهاراً لأجل هدف واحد مهم: تدمير بوريس كورنتيسوف.
لكن حتى ميمي المنعدمة الذكاء، والأنانية، بدأت تشك بأفعال كاسيوس كونه يشتري قروض بوريس ويعرض عليه المزيد من الأموال، وجميعها قروض لن يحلم ذلك الروسي بتسديدها يوماً.
إن الرجل يائس لإنقاذ شركته المتدهورة وللإستمرار بتأمين أجور موظفيه، حتى بالنسبة لموظفة بلا فائدة مثل ميمي التي كانت تشغل منصب مديرة العلاقات العامة في شركة كورنتيسوف للبترول، لكنها لم تفعل شيءاً أكثر من حضور حفلات الكوكتيل.
لذا تعمّد كاسيوس أن تصدّق أنه يسعى إليها، ولم يشعر بالذنب، لأن ميمي دي بليسيس متمكّنة في هذه اللعبة وعادةً ما تكون الرابحة تاركةً خلفها سلسلة من القلوب المكسورة. ومعه خاطرت فقط بكبرياءها، وليس بقلبها.
لكن عاجلاً أم آجلاً، ستنتهي اللعبة.
حين إقتربت منه ميمي عصر ذلك اليوم، وهمست بأذنه تخبره عن اعجابها به وأنها تريده، بالكاد تمكن من التحكّم بنفسه كي لا يظهر إشمئزازه منها.
لم يكن منجذباً لها على الاطلاق.
لكن أين هي الآن؟ لماذا لم تصل برفقة لاني؟
لقد أراد أن يرى لاني في الثوب الذهبي. حين خرج من المصعد ذلك اليوم، رأى فستان السهرة في الواجهة الأمامية لمحل أحد المصممين المشهورين الواقع في الطابق الأول من الفندق، وعلى الفور إشتراه لها.
هل سيليق بها؟ هل سترتديه؟ هل سيظهر أنوثتها المختبئة خلف تلك الملابس الواسعة؟
أنهى شرابه، ووضع الكأس على صينية فضيّة كان يحملها نادل مرّ بقربه، وأبقى مسافة كبيرة بينه وبين بوريس كورنتيسوف ، ثم ذهب يبحث عن شراب ألذ.. وعن لاني هنري!!
شقّ طريقه بين الرجال والنساء اللاتي يرتدين أحذية بكعوب عالية بينما يقفون على طرف ساحة الرقص الكبيرة، وتجاهل إبتسامات النساء المرحبّة، ونظرات الرجال المنزعجة.
إتجه نحو الطاولة التي تُوضع عليها كؤوس الشراب، ثم نظر يميناً ويساراً بحثاً عن نجمة ذهبية.
ثم رآها!
وتوقف في مكانه ليرى عينيها البنتين الواسعتين تتسعان لمرآه، وقد توقفت أيضاً عن التحرّك، وتشكّلت على شفتيها حروف إسمه، وهربت بقية الأفكار من رأسه.
لقد علم أن لاني ستكون جميلة!
لكنه لم يتخيّل هذا مطلقاً!
لقد أظهر فستان السهرة الذهبي جسدها الشبيه بشكل الساعة الرملية.. بشرتها كانت تبدو مثل الكريمة البيضاء المُذابة.. وشعرها الأسود الطويل مرفوع إلى الأعلى بتسريحة فرنسية لطيفة.. وقفازيها يصلان إلى ما بعد أكواعها بقليل لذا لم يُكشف منها سوى أعلى ذراعيها وكتفيها وعظمة ترقوتها.
كانت جميلة لعينيه كأميرة خيالية خرجت من قصص الأساطير.
وأجمل بكثير من الشقراء النحيفة ذات النظرات الحادة التي بدأت تعيق نظره عنها، وهي ترتدي فستاناً ضيقاً وقصيراً مصنوع من شرائط حريرية ملتصقة فوق بعضها البعض لا تترك شيءاً للخيال.
"كاسيوس! عزيزي! أنا سعيدة لرؤيتكَ"، قالت ميمي دي بليسيس وهي ترمش مستعرضةً رموشها المزيّفة، ثم نظرت إلى لاني الواقفة خلفها بنظرة إحتقارية، وأصدرت ضحكة إصطناعية رنانة، "لقد كنت لطيفاً بإرسالكَ فستاناً إلى مساعدتي، رغم أنه كان من الممكن أن ترتدي زي العمل العادي... فهي لا تملك حساً عالياً بالأزياء.. لاني.."
ولفّت ذراعها حول كتفيّ كاسيوس، وألصقت خدها بخده حين إستدارت لتواجه لاني، "إلتقطي صورة لنا سوياً"، أمرتها، "كي يشاهد الجميع كم نستمتع بوقتنا سوياً"
لكن بينما كانت لاني ترفع هاتف رئيستها المرصّع بقطع الكريستال لتلتقط صورتهما مجبرةً، تمكن كاسيوس من إفلات نفسه من حصار ميمي قبل أن تلتقط لهما أية صورة.
"شكراً لكِ ميمي، لكنني أفضل الحفاظ على خصوصيتي"
ضيّقت عينيها، "هذا غريب، كاسيوس. أنتَ لا تملك أي وجود على شبكات التواصل الإجتماعي. إذا بحث أحدهم عن معلومات تخصّكَ بواسطة الإنترنت، فإنه لا يصل إلى نتيجة"
"مؤسف، لكن أنا اعمل في مجال تطوير العقارات، وليس في مجال الترفيه"، تشدّق قائلاً.
وتغيرت تعابيره تماماً حين إستدار ليواجه لاني، "تبدين جميلة"
"شكراً لكَ"، تنفست قائلةً، وهي تميل رأسها لتنظر إليه، ثم اتسعت عيناها الداكنتان، واحمرّتا وجنتاها، "كان لطفاً منكِ أن ترسل لي هذا الفستان؟ لكن ما الدافع؟"
"أنتِ"، قال وهو يأخذ الهاتف منها ويسقطه بين يدي ميمي، "ارقصي معي"
"أرقص؟" نظرت بقلق نحو رئيستها، وبللت فمها بشفتيها بحركة بريئة جعلته يتحرّق شوقاً إليها، "لا اعلم إذا كانت هذه فكرة جيدة..."
"إنها فكرة جيدةً جداً"، قالت ميمي بغموض، وتفاجىء كاسيوس لكونها بمثل هذه المنطقية.
"تعالي الآن"، قال بصرامة، وأمسك بيد لاني المغطاة بالكفّ الابيض، وسحبها نحو ساحة الرقص الرخامية، فطارت حولها طبقات تنورة فستانها في حركة دائرية، ثم وضع يده على ظهرها وسحبها أقرب إلى صدره.
شعر بجسدها الليّن أسفل الفستان الذهبي وطبقات التنورة الواسعة تحتكّ بصدره الصلب، وبشرة ذراعها الظاهرة حيث ينتهيان قفازيها تبدو ناعمة كالحرير، فحارب رغبته الشديدة للمسها وإختبار نعومتها.
"لا أعرف كيفية رقصة الفالس"، إعترفت له وهي ترتجف بينما ترفع ذراعيها لتعانق كتفيه.
"إنها سهلة"، قال وهو يمنحها إبتسامة حسيّة، "سأريكِ الخطوات"
وضع إحدى يديها على كتفه، وأمسك اليد الأخرى بيده.
"هل رأيتِ؟"، تمتم، "انكِ طبيعية الآن"
إفترقت شفتيها حين رفعت رأسها لتنظر اليه... جميلة جداً.. لطيفة جداً.. إنها كل شيء لم يعتقد أنه يرغب به حتى هذه اللحظة!
أجل.. أجل هو يريدها!!
باعد بينها وبينه المسافة المطلوبة لرقصة الفالس بينما كان يقودها بالرقصة بين الثنائيات الراقصة في قاعة الاحتفالات، وهو يقاوم رغبته بها...
الليلة.. خلال ساعة... إذا لم يكن بوقت أبكر..
"سيد بلاك"، قالت لاني بتعثّر
"أخبرتكِ.. كاسيوس"
"كاسيوس"، إرتجفت شفتيها بينما كان تهمس بإسمه. نظرت إليه وحاولت أن تبتسم بلطافة، لكن حين شعر بأصابعها تشتدّ على كتفه، علم أنها تقاوم هذا الإنجذاب المدمّر بينهما وقد وصله إحساسها كاملاً.
"لقد فعلتَ الكثير من أجلي بالفعل"، قالت بخجل.
"إستبدلتَ معطف الفرو.. دافعتَ عني أمام الكونتيسة"، ثم نظرت إلى فستانها الذهبي، "لكن هذا يقع في المرتبة الاولى.. لم أرتدِ شيئاً بنصف جمال هذا الفستان حتى!"
"جعلني أفكر بكِ"، ونظر إليها ببطء، "لكن مع رؤيتكِ به الآن، فإن الفستان بالكاد يوفيكِ حقكِ.. أنتِ النجمة الحقيقية!"
ظلاّ يدوران حول ساحة الرقص، ورأى ميمي تحملق بهما بسخط. لقد بدأت بالفعل تشك بالهدف خلف القروض التي يمنحها لرب عملها، وكلمة واحدة منها إلى رئيسها وسيصعب على كاسيوس تحقيق هدفه.
إذا كان ذكياً، فهو يعلم أنه لا يجب أن يسعى خلف لاني بهذه الطريقة، مبرزاً رغبته بها أمام عينيّ المرأة الأخرى جارحاً كبرياءها.
لكنه لم يستطع منع نفسه.
بعد عشرون عاماً من التركيز المهووس على هدف واحد فقط، رأى أنه لا يستطيع إجبار نفسه على الإبتعاد عن هذه المرأة المبهرة ودافئة القلب، كمثل عدم قدرته على التوقف عن التنفس.
إجتاحت حمرة خفيفة خديّ لاني بينما عانقت رموشها الداكنة بشرة وجهها، "لم يقل لي أي أحد مثل هذه..."، ثم تتبعت نظراته المركّزة على ميمي، وتلاشت تعابيرها.
"أوه"، قالت وصوتها كان مثل تنهيدة حزينة، "أنتَ حقاً تحاول جعلها تغار، أليس كذلك؟"
هزّت رأسها ثم أدارت وجهها وحاولت أن تبتسم، لكن بريق عينيها بدأ يخفت.
"الألعاب التي يلعبها الأثرياء. يجب أن تحاول أن تكون صريحاً فقط"
توقفت عن الرقص فجأة، "إذهب وأدعوها للرقص، وأخرجني من الموضوع برمّته.."
لكن حين حاولت الإبتعاد، جذبها إليه بقوة، "أنا لا العب مثل هذه الألعاب. أنا لست بحاجة لأن أفعل"
"إذاً لماذا..."
إنحرفت عيناه نحو ميمي دي بليسيس، بثوبها الصغير الضيق التافه بشكل يثير السخرية، وهي تهمس بشيء ما لصديقتها أرامينتا.
"إذا كنتُ أريد الحصول عليها، لكانت الآن في سريري"
"هذا شيء وقح لتقوله"
"قلتِ أنكِ تريدين الصراحة"
"هذا ليس لطيفاً"
"يمكنني الحصول عليها"، ونظر حول ساحة الرقص ببطء، "يمكنني الحصول على غالبية النساء هنا. وأنا متأكد من هذا، لأنني حصلت على البعض منهن بالفعل، أما البقية فكانت دعوتهن لي صريحة"
"هل هذه هي فكرتكَ عن التفاخر؟ أن تخبرني أنكَ كنتَ برفقة هؤلاء النسوة؟ أنا لستَ متفاجئةً أنكَ حظيتَ بالكثير من العشيقات"
"لا؟"، وإشتدت قبضته عليها، "لكنني متفاجىء أنكِ حصلتِ على القليل فقط"
سمع صوت أنفاسها المحتّدة بينما إتسعت عيناها. "كيف يمكنكَ أن..."
وتوقفت عن الكلام.
"كيف يمكنني أن أعرف؟" مرر أصابعه على طول ظهرها، "يمكنني أن أعرف بسبب طريقة إرتجافكِ حين ألمسكِ"
إحتضن خدها بكفه الآخر، "يمكنني أن اعرف لأنكِ تحبسين أنفاسكِ حين أنظر إليكِ"
جعلها تستدير حول نفسها إستدارة كاملة على ساحة الرقص، ثم جذبها إلى صدره بقوة، "يمكنني أن أشعر به"، قال بخشونة، "بالطريقة التي يرتعش بها جسدكِ بين يديّ"
أخفض كاسيوس رأسه لينظر إليها.. كانت صغيرة جداً بين ذراعيه.. فكّر.. أنثوية وهشّة.. ولكن هشاشتها هذه هي أكثر ما يبهره بها... من الصعب أن يجد شخصاً لا يخاف مثلها.
"إنه جزء من الأشياء التي تجعلكِ مختلفة"، قال بصوت منخفض.
"دفئكِ.. لطافتكِ.. أنتِ لستِ فقط جميلة.. أنتِ تمنحين الكثير من نفسكِ ولا تطلبين سوى القليل جداً"
"أنا... فقط.. عادية"، قالت بنعومة، وعينيها تتوسلان إليه.
"لا"، هزّ رأسه بإبتسامة بدأت تشق طريقها إلى شفتيه ببطء. "أنتِ بعيدة عن هذا"
"أنتَ مخطىء..."
"رفضتِ أن تأخذي أموالي، رغم أنني عرضتها عليكِ.. رفضتِ أن تتكلمي بسوء عن ميمي رغم أنها ليست ربة عمل جيّدة.. وضحّيت بحياتكِ كلها لتعملي وتهتمي بعائلتكِ"
مرر يده برقّة على مؤخرة عنقها، وهو يشتاق أن يحرر شعرها من عقدته ويجعله ينسدل بنعومة على كتفيها.
وقريباً... قريباً سيفعل.
أخذ نفساً عميقاً، وسيطر على نفسه وتابع يقول بصراحة، "الليلة تبدين مثل أميرة حقيقية. لكنني بدأت اشعر أن هذا فقط يعكس ما بداخلكِ ومشاعركِ.. هناك شيء بخصوصكِ لا أستطيع مقاومته.."
انحنى للأمام لتلامس شفتيه أذنها عن قصد هامسًا، "أنا أريدكِ"
لكن بينما تراجع إلى الخلف ونظر إليها، رأى طيفاً أسوداً يمرّ على وجهها الرقيق. لمحت رئيستها الواقفة خلفها بنظرة سريعة، ثم إبتعدت عنه، وتعابيرها تبدو متجهمة. "آسفة.. لكني فقط لستُ مهتمة"
لم يتوقع كاسيوس هذا على الإطلاق، ليس بالطريقة التي شعر بها نحوها حين ارتجفت بين احضانه. هل أخطأ بـ فهم رغبتها؟
ثم نظر إلى وجهها الجميل أقرب، ولاحظ كيف تحوّل وجهها ليصبح شاحباً بدل الإحمرار الذي كان يكسوه، وعينيها أصبحتا سوداوتين وساكنتين.
إنها تكذب! لكن لماذا؟
"حقاً؟"، قال بهدوء.
أومأت بعنف، لكن بينما تابعت الثنائيات حولهما رقص الفالس وهما يقفان ساكنين دون حراك على ساحة الرقص، رفضت أن تنظر إليه.
"أخبريني لماذا"
"لأن..."، لعقت شفتيها بتوتر ثم رفعت ذقنها.
"لأنكِ فتى لعوب يعبث في الأنحاء بطريقة مقرفة"
"حاولي بجهد أكبر"
"أنا لا أشعر بالإنجذاب نحوكَ ولو بمقدار ذرة"
"إشرحي"
نظرت إليه بيأس.. "أنتَ..... طويل جداً"
شخر، "طويل جداً؟!"
"حسناً، سأمنحكَ سبباً"، هتفت. "لستَ أنتَ السبب، بل أنا.. أنا فقط فتاة عذراء باردة المشاعر، حسناً؟"
"عذراء.. أصدقكِ.. لكن باردة المشاعر؟"، هزّ رأسه، وضحك بصوت منخفض.
سحبها نحوه أكثر، ومرر يديه على كتفيها العاريين، وشعر بها ترتجف بينما تطالعه بأنفاس متقطّعة.
مرر يديه ببطء وبحسيّة على كتفيها العاريين بينما التصق جسدها به وأمكنه الشعور بمنحنياتها الناعمة بينما جسدها الصغير يستجيب له، "أنتِ بعيدة عن هذا"
نظرت إليه بعينين كبيرتين، "أرجوكَ.. أرجوكَ لا تفعل"
"لماذا؟"
"لأن..."، إبتلعت ريقها، ثم قالت بصوت منخفض كثيراً، حتى إضطر أن يتوقف عن الحركة ليسمعها، "إذا لم أجعلكَ تتوقف عن ملاحقتي، أخبرتني ميمي أنها ستطردني من العمل، وستتأكد من عدم حصولي على أي عمل آخر"
كان مصدوماً لدرجة أنه ضحك، "ماذا قالت؟"
لكن يبدو أن لاني لم ترَ الأمر كـ مزحة بل كـ تهديد خطير، وبدت ملامح وجهها خائفة، "إذا لم استطع العمل، كيف سأعيل عائلتي؟ إذاً يجب عليكَ أن تذهب وتتركني وشأني"
وسقطت نظرتها البنية المتوسّلة على شفتيه حين همست، "فقط إرحل.."
قد تكون كلماتها تدلّ على شيء واحد، لكن جسدها يوحي بشيء آخر.
هي حتى لا تعلم حقيقة الشيء الذي تطلبه منه، لكنه يفعل.
لاني عذراء؟
بالكاد يمكنه تصديق هذا!! لم يكن مع امرأة عذراء من قبل، لأن الامر كان يبدو قاسياً عليه ليتقبّله، لكن في حالة لاني فهذا جعله يرغب بها أكثر، ويكاد ينفجر من فرط مشاعره تجاهها، وهذا سيدفعه إلى اغراءها ببطء..
ورغم كل شيء، لا يعلم كم بإمكانه أن يتحمّل.
حين تكون النساء هنّ المعنيات بالامر، فهو ليس معتاداً على التروّي!
توقفت موسيقى الأوركسترا، وبينما غادرت الثنائيات الأخرى ساحة الرقص، شعر بنظراتهم الفضولية مسلّطة عليهما حين مرّوا بجانبهما، وشعر أيضاً بنظرات ميمي الحارقة بين الحشود.
كان يعلم أنه يرتكب غلطة، ولطالما كان متكتماً حول نفسه لدرجة الجنون، لكن هنا، وبوجوده حرفياً تحت الأضواء وأمام الجميع، لم يهتم لـ من يراقبه.
جذب لاني بقسوة إليه، ومرر أصابعه بين خصلات شعرها ليرفع ذقنها إلى الأعلى، "إفهمي شيئاً واحداً فقط"، قال وهو يتفحّص نظراتها بشراسة، "أنا لا اهتم بخصوص ميمي أو أي شخص آخر. أنا فقط أهتم بشيء واحد"
نظرت إليه بتحدٍ، "وما هو هذا؟"
"أن أحصل على ما أريده"، قال بقسوة، "وأنا أريدكِ"
أمسك وجهها بكفيّه، وأخفض رأسه ناحيتها ليقبّلها.. هناك على ساحة الرقص.. في حفلة رأس السنة الجديدة في نيويورك.
*******
كانت شفتيه ناعمتين في البداية، لكن سرعان ما شعرت بخشونة ذقنه ونسيت نفسها في أحضانه لمذاق قبلته.
لم تعلم لاني ماذا يجب عليها أن تفعل، فالمرة الوحيدة التي نالت فيها قبلة من قبل، كانت كارثة.. لكن هذا مختلف.. هو مختلف.. بينما كان كاسيوس يتوغّل بقبلته بقوة أدركت لاني أنه يأخذ منها دون أن يسأل.. لذلك ليس عليها أن تفعل أي شيء سوى الإستسلام،
أغمضت عينيها لإجتياحه العاصف.
وحين إرتخى جسدها بين ذراعيه، تعمّقت قبلته وإحتضنها أكثر بين ذراعيه مجتاحًا جسدها بكفيه الكبيرين، فشعرت بـ فيضان من المشاعر نشر الكهرباء في جسدها من أذنها حتى قدميها. شعرت بأحاسيس جديدة تهزم صمود جسدها، وكأنه هناك شيء يريد الخروج منها إليه.
لم تشعر بشيء مماثل من قبل.. أبداً..
"أنتِ لي"، همس بخشونة بالقرب من شفتيها، "ملكي"
أدركت الآن أنها كانت تتشبث بكتفيه بقوة، وهي تدفعه نحوها إلى الاسفل كي تتعمّق قبلتهما.
وفجأة إبتعد عنها تاركاً إياها فاقدةً لشيء تجهله.
فتحت عينيها، ورأت أن أعضاء الأوركسترا قد توقفوا عن العمل ليأخذوا إستراحة، وكانا لوحدهما على ساحة الرقص، والقاعة صامتة تماماُ، والجميع يحدّق بهما. وعينا ميمي كانتا تشتعلان كأشعة من الغضب الأحمر.
وخافت لاني أن تنفجر ميمي وتتحول إلى نيران مشتعلة، ثم تذكرت. "أوه، لا!"، هتفت لاني بخوف، ووضعت يديها على وجهها بخيبة أمل.
ما الذي فعلته.. تركته يقبّلها؟ كيف إستطاعت أن تكون بمثل هذه الأنانية وتستسلم لسحر اللحظة، بينما عائلتها بالكامل تعتمد عليها؟
"ما الذي فعلته؟"
"لاشيء.. بعد.."، وبدا مشدوهاً حين أخذ كفها بكفه، وأحرقها بنظراته الداكنة، "لكنكِ ستفعلين، ستأتين معي إلى منزلي.. الآن!"
نظرت لاني إليه، وهي تشعر أن مستقبلها بالكامل يقع على المحكّ، ثم تفحّصت هيئته.. كان كاسيوس يرتدي بذلة توكسيدو سوداء رسمية.. ضيقة على جسده.. يبدو طويلاً جداً.. وعريض الكتفين.. القوة والثروة تنضحان منه بشكل لا يوصف تماماً مثل رائحته المسكرة من المسك والصنوبر.
من غير المعقول أن يرغب بليونير مثله بـ لاني!
فتاة عادية.. تحب الدجاج المقلي وسندويش اللحم بالصلصة الحارة، وليس الكافيار والأطعمة الدسمة... تشرب الشاي المحلى وليس النبيذ.. وقد اشترت ثيابها من محلات رخيصة الثمن أثناء فترة الحسومات وليس بناءاً على المظهر أو التأثير بل بناءاً على الراحة والعمليّة.. إنها في الحقيقة لا تملك أي نقطة تشابه مع صديقات الرجال الأثرياء بالعادة.. لا شيء على الإطلاق!!
"لا يمكنكَ مراقبتي. لا يمكنكَ أن ترغب بي!"
"لماذا؟"، طالبها
"لماذا؟ لأنكَ... أنتَ! وأنا... أنا!"، بالكاد تستطيع أن تصدّق أنها هنا في هذا المكان.. في هذه القاعة الفخمة في مبنى الإحتفالات في موناكو.. تظللها الثريات الكريستالية.. وترقص على عزف أداء أوركسترا كاملة.. وحولها الآلاف من أثرياء العالم المشهورين.
بينما تجربتها الوحيدة في الرقص كانت أثناء حفل تخرجها من الثانوية، في قاعة الألعاب الرياضية في مدرستها التي زُيِنت بالأوراق البراقة الملوّنة، والمقبّلات الوحيدة كانت شراب فواكه رديء وُضِعَ في وعاء كبير مع ملعقة كبيرة للسكب وأكواب بلاستيكية، والموسيقى كانت مسجّلة على أقراص مدمّجة.
لقد كانت تتأمّل بحماس، وتتساءل إذا ستحصل على قبلتها الأولى من اللاعب الرئيسي في فريق كرة قدم المدرسة.. ثم تحوّلت تلك الليلة إلى كارثة!
"أرجوكَ دعني اذهب"
أضاءت عينا كاسيوس الداكنتين، "هل هذا حقاً ما تريدينه؟"
لا. لا. بالطبع لا تريد.!
لقد شعرت أنها حيّة وسعيدة لأول مرة في حياتها. أرادت أن تبدو جميلة ومرغوبة من قبل الرجال الأقوياء والوسيمين على الأرض، بل من قبل رجل واحد فقط هو أفضلهم على الإطلاق.
كانت الفكرة كالحلم بالنسبة لها.. حلم لذيذ ومستحيل..
شعرت أن الجميع يحدّق بهما... وهما الوحيدان اللذين بقيا واقفين على ساحة الرقص.. يشكلان مركز الاهتمام..
همست، "الجميع ينظر إلينا"
"ينظرون إليكِ.. إنهم يتساءلون من تكونين"
ضحكت بصوت منخفض، "لقد عشت هنا لسنتين تقريباً"
"كـ خادمة.. شخص غير مرئي"، داعب كتفها العاري وهو يتأملها بثوبها الذهبي المشعّ.
"لكنكِ لست غير مرئية بعد الآن"
بفضلكَ.. فكرت
ثم شعرت بقلبها ينبض في حنجرتها.
"تعالي معي، الآن.. الليلة"، وجهه الوسيم كان قاسياً وعنيفاً حين أمسك بيدها.
لكنها لم تفعل.. بل لم تستطع المقاومة.. قادها عبر القاعة والطريق أصبح خالياً لأجله بطريقة سحرية.. وقامته ذات الستة اقدام وأربعة إنشات وجسده الذي يحمل مائتي باوند من العضلات شقّ طريقه عبر الحشود.
نظرت بطرف عينها، لترى وجوه ميمي وأرامينتا النحيفة مصدومة للمشهد أمامهما، لكنها لم تفكر بهذا الآن، أو بخصوص مستقبلها.
كل ما إستطاعت فعله هو الذهاب مع كاسيوس إلى حيث يقودها.. خارج قاعة الإحتفالات.. خارج المبنى الشاهق.. إلى الشارع بالخارج... حيث تنتظره سيارة سوداء داكنة مركونة بحرفيّة أمام المدخل.. ليفتح لها سائقه الذي يرتدي بذلة رسمية باب السيارة.
في الخارج، كان القمر ساطعاً كـ لؤلؤة بيضاء مضيئة في السماء المظلمة.. وظل كالأشباح كان يداهم أشجار النخيل التي تتمايل بعنف بفعل الهواء العاصف.. إن الشتاء في موناكو عادةً يكون مشمساً ولطيفاً، لكن أحياناً بعد هطول المطر، تهب الرياح الشمالية العاصفة كالرياح الأسطورية العنيفة القادرة على قيادة الرجال والنساء للجنون..
الرياح الشمالية الجنونية.. كانت عذرها الوحيد لِمَ ستفعله هذه الليلة..
دون قول أي كلمة، دفعها كاسيوس إلى المقعد الخلفي في سيارته الليموزين. وبالكاد كان الباب قد أُقفل خلفهما، وإندفعت السيارة على الطريق، قبل أن يجتاحها كاسيوس بعناقه المدمّر ويطبع قبلته على شفتيها.
دفع جسده عليها فأغمضت عينيها تسلّمه كيانها، تشعر بملمس يديه على جسدها في كل مكان ملامسًا كافة طبقات القماش اللامع لفستانها. مرر يديه على كتفيها العاريين، واحتضن وجهها بين كفيه بينما ينهال عليها بقبلاته الجائعة، ليحصل على ما يريده دون أخذ الإذن منها ودون إعتذار. شعرت بقوة جسده حين ضغط على جسدها الرقيق، وأيقنت أن لا عودة عن ما سيحصل هذه الليلة. وشيئاً فشيئاً، بدأ ينتزع عنها قفازيها الطويلين واحداً تلو الآخر، بينما تسمع صوت المسة الهامسة للقماش الحريري وهو ينسدل عن ذراعيها، ليقشعرّ جسدها بكل تلك المشاعر. كما أنها شعرت بتصلّب جسدها العاري تحت الفستان الخالي من الأكمام حين ازداد ضغطه على جسدها القابع أسفل جسده، يلمسها، يمتلكها، يجتاحها، يدمغ كل جزء منها بقبلاته.
شعرت بالحماسة.. والخوف!!
وفجأة فُتِحَ الباب الخلفي للسيارة، وفتحت عينيها بصدمة لتدرك أن السيارة الآن تقف أمام فندق دي كاريلون.
كانت كالمغيّبة بفعل عناقهما المحموم، فلم تنتبه للسائق وللطريق، وحتى وجود الحارس الشخصي لـ كاسيوس معهما جالساً في المقعد الامامي للسيارة.
والرجلان كانا يقفان الآن على الرصيف، بجانب باب السيارة المفتوح، حريصان على عدم النظر إلى ما بداخل السيارة.
لكن حارس الفندق، جاك، لم يمتلك مثل هذا النوع من التكتّم، حين أتى ناحيتهما، فتح فمه على اتساعه بصدمة،
"آنسة لاني؟"
شعرت بخديها يحترقان بالخجل حين عدّلت من جلستها بسرعة، وتأكدت أنها لا زالت ترتدي فستانها، وحتى لم تستطع تخيّل كيف سيكون شكلها في هذه اللحظة خاصة مع انزلاق بعض الطبقات القماشية عن مقدمة صدرها.
"شكراً لكَ"، قال كاسيوس ببرودة، "لكنني سأساعدها لتخرج من السيارة".
ثم خرج من الليموزين، وإستدار ومدّ لها يده.
سحبت نفساً عميقاً، وهي تشعر بالإرتباك بفعل الإحراج والإذلال، وحاولت أن تبقي تعابير وجهها طبيعية حين مرت بجانب حارس الفندق متوجهةً مع كاسيوس نحو مدخل الفندق.
"أنتَ تعيدني للمنزل"، همست بغصة. لم تكن متفاجئةً حتى!
لا زالت تستطيع سماع ذلك الصوت الأجش الذي مرّ عليه وقت طويل منذ أن سمعته لآخر مرة..
عذراء صغيرة باردة المشاعر..
"أجل"، قال كاسيوس.
"لقد أحضرتني الى إلمنزل قبل منتصف الليل"، ومنحته ابتسامة ضعيفة، "مثل سندريللا"
وصلا إلى المصعد، وفُتِحَتْ الابواب. دفعها إلى الداخل، وضغط على الأزرار.
"هذا الطابق الخطأ. ميمي لا تعيش على آخر طابق"
"لكنني أفعل"
التوى قلبها في صدرها.
"أنتَ تفعل؟"، همست.
إقترب منها أكثر، ينظر إليها من عليائه، ثم إحتضن خدّها، "لقد إشتريته للتوّ"
"فعلتَ!"، نظرت إليه وهي تشعر بالغرابة والتشويش.
"لماذا؟"
"إحتجت لمكان في موناكو"، كان صوته مبحوحاً ومثيراً، "إلى أن أستطيع شراء فيلا مميزة أريدها في منطقة كاب فيرا"
"أنتَ.. تريدني أن أصعد إلى الأعلى برفقتكَ؟"، تنفست بصعوبة وهي بالكاد تدرك ما تقول.
"أنا أفعل"، همس، وهو يمرر يده على رقبتها، وتقوّس طرف شفتيه إلى الأعلى.
"وستفعلين.."
بقسوة، دفعها على حائط المصعد المغطّى بالمرايا، وسقط رأسها إلى الخلف حين أغلقت عينيها تستشعر لمساته على جسدها والقبلات الصغيرة التي يزرعها على عنقها وكتفيها وكامل جسدها فوق القماش خاصة أسنانه التي تمسّ شحمة أذنها بنعومة شديدة.
فُتِحَ باب المصعد ليشرف على آخر طابق، وللحظة لم تستطع التحرك، فقط إستندت على المرايا، وشعرت بقدميها ترتخيان. لذا التقطها بين ذراعيه وكأنها لا تزن شيئاً، والطبقات القماشية اللامعة انسدلت من تنورة فستانها خلفهما بينما كان يحملها بخفة عبر الرواق.
احتضنها بالقرب من صدره القوي، ونظرت إليه لاني بإرتباك بينما كان يدخلها إلى جناحه الفخم الواقع على آخر طابق في فندق دي كاريلون.
كان الجناح مظلماً، لكنها استطاعت رؤية أنه يتألف من طابقين، والأثاث كان حديثاً وداكناً، لكنها بالكاد رأته بين الظلال قبل أن تنتقل نظرتها على الحائط الذي تتوسطه نافذة كبيرة تمتد من السقف إلى الارضية وتشرف على الأضواء الليلية في موناكو، وخلفها يقع البحر الأبيض المتوسط.
أنزلها كاسيوس ببطء، وترك جسدها يستند عليه، بينما سقطت حولها عاصفة القماش الذهبي.
وللحظة، تأملها، وبزمجرة صغيرة، أدارها حول نفسها ليصبح وجهها مواجهاً للنافذة.
رمشت بعينيها عدة مرات تتأمل سحر المنظر أمامها حيث رأت بضعة اضواء تابعة لسفن تبحر عبر البحر المظلم مثل النجوم في السماء.
لكن لا يجب ان تكون هنا!
يجب أن تذهب، لكنها شعرت وكأن الوقت والواقع قد هربا منها، وكأنها تحولت لشخص آخر بالكامل..
شخص متهوّر..
ببطء مغيظ، فتح سحّاب فستانها ليسقط على الأرض. قرص الهواء البارد بشرتها حين أدارها مجددًا لتواجهه. كانت تقريبًا عارية لا ترتدي سوى قطعتين حريريتين بلون أبيض باهت، لا يبدو مثيرًا سوى عليها. راقبها بعمق، ثم همس، "أنتِ جميلة جداً"
إستدارت لتواجهه، وحتى تحت الظلام المسيطر في الجناح، رأت في الخطوط القاسية لوجهه وحركات جسده أنه يرغبها.. وبقوة..
يجب أن ترحل!..
أفكارها وقلبها يتوسلون إليها أن تغادر.. الآن.. لأنه لا توجد سوى طريقة واحدة لينتهي الأمر..
بشكل سيء..
لكن لسبب ما، رفض جسدها أن يطيعها حين إقترب منها بخطورة حين ساعدها لتتخلص من حذاءها.. الواحد تلو الآخر، ثم وقف على قدميه ليخلع سترة بذلته ليأخذ يدها بعدها ويقودها لغرفة النوم.
كانت الستائر الشفافة تغطي النوافذ والباب الزجاجي الذي يؤدي للشرفة.
فتح باب الشرفة، فسحبت نفساً عميقاً من الهواء العاصف البارد المختلط برائحة ملح البحر وزهور الميموزا المزهرة.
وقفت لاني أمام كاسيوس بلاك بكل جبروته.. هذا المليونير الوسيم الخطير الذي يفوقها حجماً بكل طريقة ممكنة، ثم رفعت وجهها إليه لترى عينيه الداكنتين تنظران إليها بجوع حين إقترب منها، وبعصبية شديدة إبتعدت عنه تلقائياً لتسقط على السرير ذو الحجم الملكي، ومباشرةً على المخدات البيضاء الكبيرة المصفوفة بعناية على الغطاء الأبيض الحريري.
إقترب منها ببطء، ثم توقف ليخلع ربطة عنقه السوداء وبنطاله القماشي الأسود، وانتزع حذاءه ليتقدّم منها على السرير. ببطء، مرر أنامله بحسيّة على وجنتها ثم حنجرتها ومقدّمة صدرها. تجمّدت مكانها بينما كانت أنامله تتابع الزحف نزولًا مرورًا بقفصها الصدري وبطنها العاري. حين تجرّأ أكثر بلمساته ولامس طرف القماش الحريري الأبيض حتى أوقفته بإشارة من يدها.
"لا تفعل"، صاحت.
تجعّد جبينه بعدم فهم، "لماذا؟"
"لن تنال مني سوى خيبة الامل"
"أنتِ عذراء، كيف لكِ ان تعرفي؟"
"أنا أعرف"
تسلل ضوء القمر الفضي عبر النوافذ، متخطياً الستائر الشفافة، فظهرت الخطوط العريضة حول فمه وفكّه، بينما كان يحدّق بها بشكّ، "أنتَ حقاً تعتقدين أنكِ باردة المشاعر، أليس كذلك؟"
"أنا أعرف أنني كذلك"
"لماذا؟"
"الفتى الذي إصطحبني إلى حفل تخرجي من الثانوية.... أخبرني"
"وصدقتيه؟"
"إنه يعلم. لقد قبّل الكثير من الفتيات"، وتشكّلت غصّة في حلق لاني. "أنظر، لقد قارب الوقت على منتصف الليل، يجب أن تعود الى إلحفل لتجد شخصاً يعرف كيفية مبادلتكَ..."
قاطعها قائلاً، "لكن الشخص الوحيد الذي أريده هو برفقتي الآن"، وأكمل غزوه بلمساته السحرية على بشرة وركيها وفخذيها.
لكنها أوقفته مجدداً، "انظر..."، ثم إبتلعت ريقها، "أنا لا أعلم لماذا أخترتني، ربما لأجل قضاء وقت ممتع برفقة من هم أقل شأناً منكَ بدافع الفضول أو..."
تراجع إلى الخلف بشكل مفاجىء.
"لقد تكلمتِ مسبقاً عن الألعاب، لاني. دعينا نلعب لعبة صغيرة الآن، أنا وأنتِ"
"أي نوع من الألعاب؟"
تشابكت نظراته معها. "سأثبت لكِ أنكِ لست باردة المشاعر.. بل أنكِ إمرأة دافئة.. مرغوبة..أنثى تنبض بالحياة.."
"وماذا إن لم تستطع؟"
ضحك بصوت منخفض، "سأفعل.. كل ما يجب عليّ فعله هو لمسكِ.. بل فقط النظر إليكِ.. لأعلم أنني محق!"
"وإذا كنتَ مخطئاً؟"، قالت بيأس، وهي تتذكر الإذلال الذي تعرّضت له ليلة حفل تخرجها حين كانت في الثامنة عشر من العمر.
"إذاً سأدفع لكِ تعويض"، ابتسم ثم تابع، "لنقل.. مليون دولار؟"
شهقت بصدمة، "هل هذه مزحة؟"
"لا"
"هذه هي المرة الثانية التي تعرض عليّ مليون دولار!"
"هل هذا غير كافِ؟"، قال بكسل لذيذ، "مليونين إذاً.. بل عشرة! أنا متأكد كثيراً من قدرتي على جعلكِ تتفجرين كشعلة نارية.. تشهقين بالرغبة حين أحصل عليكِ.. وإذا كنتُ مخطئاً يا لاني سأدفع لكِ عشرة ملايين دولار"
اندفعت زوبعة من الهواء المزعج عبر باب الشرفة المفتوح.
عشرة ملايين دولار.
ترنحّت في مكانها لتفكيرها بضخامة المبلغ.. وبدأت تفكّر ما الذي يعنيه..
لا مزيد من الإهانة من قبل رؤوساء عملها القساة.. يمكنها أن تعود إلى نيو أورلينز وتوظف ممرضات للاعتناء بوالدها بدوام كامل.. وجدّتها التي عملت حتى الهلاك لخمسين عاماً ستستطيع أن ترتاح اخيراً وتستمتع بحياتها. وتستطيع هي أن تبقى بجوار عائلتها التي تحبّها.
"لكن المبلغ الذي سأدفعه حين أخسر لا يهم"، نظر إليها كاسيوس وعينيه تشعّان بمكر تحت ضوء القمر، "لانني مصمم على الربح"
لعقت لاني شفتيها، "فقط لأفهم إتفاقنا هذا.. إذا استطعتَ.... أن تثبت أنني لست باردة المشاعر .. ماذا ستريد مني بالمقابل؟"
"إلى جانب جائزتي الحلوة بإمتلاككِ؟"
تحرّك فجأة، ينحني نحوها ممرراً كفه الكبير بلمسة رقيقة على بشرتها الحساسة بطريقة اقشعرّ لها جسدها، وتعابير وجهه كانت جادة بشكل مظلم، "ستكونين ملكي بالكامل"
جفّ ريقها، "ما الذي تعنيه؟"
مرر يده بنعومة على خدّها، "لقد سئمت من حياة العزوبية.. أريد عائلة.. أريد زوجة.. وأطفال"
الآن شعرت بالدوار حقاً، هل يعقل أن نصف كوب من الشراب القوي الذي شربته في الحفلة قد بدأ يؤثر على عقلها؟
"لا يعقل أنكَ تعني..."
"إذا لم استطع منحكِ السعادة، لاني، حينها سأمنحكِ عشرة ملايين دولار وستخرجين من هنا على أنكِ امرأة ثرية. لكن إذا ربحت رهاني، سوف تسلّمين كل شيء. ستدعينني أمتلككِ بجانبي.. وأمنحكِ طفلي.. ستكونين لي .. للأبد!"
&&&&&&&
نهاية الفصل الثاني
أنت تقرأ
انتقامه الخاسر...... جينى لوكاس...... ترجمة ديلو.....
Romanceانتقامه_الخاسر "يمكنني جعلكِ تتفجرين كشعلة نارية.." نفض كاسيوس بلاك عن نفسه رماد طفولته المفجعة يقوده الإنتقام من والده الذي هجره. ومع إقتراب إمتلاكه الكامل لأملاك والده، أصبحت خطوة كاسيوس الإنتقامية الاخيرة هي إنجاب وريث لن يتمكن والده من الحصول عل...