#انتقامه_الخاسر
الفصل الخامس
المال، كما يقول كاسيوس دائماً، هو السحر بحد ذاته.
لقد بنى إمبراطوريته من لا شيء. لم تقوده الرغبة بالحصول على الرفاهية، بل الرغبة بالحصول على السلطة والقوة.
ومن عمر السادسة عشر، كان مصراً على التأكد من أنه لن يكون عاجزاً و يائساً مجدداً، ولن يتم هجره أو تركه في منتصف الطريق.
لقد علم أنه ذات يوم سيصبح قوياً وثرياً بما يكفي ليحصل على إنتقامه من الرجل الذي تركه هو ووالدته خلفه وتخلّص منهما مثل القمامة.
بعمر الحادية عشر، إنتهت طفولة كاسيوس السعيدة نسبياً حين توقف والده عن الزيارة وإرسال الأموال.
لا أب.. لا مال.. لا قوة.. لا إسم..
وتسارعت الاخبار عبر الحيّ الصغير أن والديّ كاسيوس لم يتزوجا على الإطلاق، وبمثل هذه البساطة إنتهت الراحة التي كانا ينعمان بها في عزلة شقتهما الصغيرة في شارع هادىء من مدينة إسطنبول.
لقد أصبحا فجأة منبوذين، وجيرانهما من النساء شعرن بالغيرة من جمال والدته إيمالين، فألقوها للخارج فوراً، بينما إعتقد أزواجهم أنها سترّحب بهم إذا ما تقرّبوا منها. والأطفال الذين كانوا ذات يوم أصدقاء كاسيوس، إنقلبوا ضده في المدرسة، وتهكّموا عليه على الدوام بالقصص التي سمعوها من أهلهم.
"والدك لا يريدكَ، لماذا لا تتكوّم وتموت لوحدكَ؟"
لكن في النهاية كانت والدة كاسيوس الرقيقة هي من ماتت بعد موت أحلامها أولاً، وروحها ثانياً، وجسدها أخيراً.
لقد سممها الإنتظار!
"لماذا لا نبيع الشقة وننتقل يا أمي؟"، سألها كاسيوس بحيرة وإرتباك.
"لا نستطيع أن نرحل. سيعود والدكَ قريباً.."
لكنه لم يعد على الإطلاق، لقد أحب والده الروسيّ الأصل شركته وثروته وحلمه بإقتناء فيلا في كاب فيرا أكثر من حبه لهما. وهذا بالضبط ما سيأخذه كاسيوس منه.
بعد موت والدته، وحين كان لا يزال مراهقاً، باع كل شي يمتلكه وغادر إسطنبول.
وإستدان قدر ما يمكنه من المال - القليل حصل عليه من البنوك وقليل أخذه عن طريق أشياء غير قانونية وقروض خطيرة- ليشتري شقة حقيرة تتألف من غرفة واحدة في حي فقير من ضواحي أثينا.
لقد أعاد بناء ذاته، حجراً تلو الآخر، مخاطراً بكل شيء، دون أن يملك ما يجازف به، وكان ينام على الأرض لمدة أربعة ساعات فقط في الليل.
لقد وضع قدمه في حنجرة النجاح، وأجبرها على إخراج ما يريد.
طيلة عقدين من الزمن، نمت إستثماراته العقارية حتى تحوّلت إلى تكتّل عالمي. لقد إشترى ممتلكات بحرية في كرواتيا، مصانع في شرق أوروبا. إنتشر في غرب أوروبا ثم في الأمريكيتين، آسيا، والأحدث الآن في أفريقيا.
وخلال السنوات القليلة الماضية، بينما كانت شركة "بوريس كورنتيسوف للبترول" تدخل في مشاكل، بدأ يتدخل بسريّة وهدوء ليشتري قروضه وأسهمه، وبيوته حول العالم، بالإضافة إلى طيارته الخاصة ويخته.
لم يدرك كورنتيسوف لمن خسر أملاكه بعد، والسبب خلف ذلك. لكن ما بقي بحوزة الرجل الآن شيئين يتركز عليهما إهتمام كاسيوس الكامل: السيطرة على شركته الخاسرة، والفيلا المبهرجة الزهرية اللون الواقعة في كاب فيرا، وهي مقاطعة صغيرة تقع خارج موناكو على بعد ثلاثين دقيقة بالسيارة.
لا، لم يبنِ كاسيوس إمبراطوريته لأنه أراد الثروة والفخامة، بل أراد السيطرة ..
والإنتقام..
في الحقيقة، برغم كل شيء، الفخامة التي تستطيع الأموال اللامحدودة شراءها تجلب سعادة غير متوقعة، مثلما يحدث الآن.
"هل أنتَ متأكد؟"
وقفت لاني أمام مرايا ذات ثلاث زوايا في متجر المصمم، تنظر إلى جسدها في الفستان الأحمر الضيق والقصير.
وكان كاسيوس جالساً على كنبة قريبة منها، يحمل كوب شراب باهظ أحضرته لها إحدى فتيات المبيعات، محدّقاً بها، "أنتِ شهية"
وكانت كذلك بالفعل، فالفستان الأحمر المعلّق بها كتعلق الغريق بطوق الإنقاذ حددّ منحنيات جسدها التي إتخذت هيئة الساعة الرملية.. ممتلئة من الأعلى والأسفل ورفيعة عندالخصر.
لم يستطع كاسيوس إبعاد نظره عن هيئتها المثالية بالفستان الذي سحب أنفاسه.
تجهّمت، وعادت تنظر إلى نفسها في المرآة، ووجهها الصغير يبدو غير واثقاً، بينما سقط شعرها الأسود الطويل على كتفيها.
عضّت شفتها الزهرية الممتلئة، "ستطردني جدتي من المنزل إذا رأتني أخرج بهذا الثوب"
إحمرّت وجنتيها، حين نظرت إلى حاشية الفستان القصيرة. "أنا محرجة فقط لأنكَ تراني بهذه الهيئة الآن!"
بالكاد إرتشف كاسيوس شرابه قبل أن يضعه جانباً ويقف على قدميه، ثم إستدار حولها نصف استدارة، وإبتسم.
إن المال كالسحر.. يجعل كل هذا ممكناً!
لقد فُتِحَت متاجر المصممين وصالونات التجميل فقط لأجلهما، وجميعهم متحمسون لرعاية كاسيوس بلاك الغامض صاحب الثروة الفاحشة.
لقد ترددت لاني حول جعله يشتري أي شيء لأجلها، لذا أقنعها مستخدماً المنطق والتخطيط الماكر.
في البداية، إشترى لها هاتفاً محمولاً بدل الذي تحطم في الحادث، وهذا كان سهلاً لأنه يدين لها به. لكنه استبدل هاتفها القديم الرخيص، بأحدث أنواع الهواتف الذكية والبالغ سعره عشرة أضعاف سعر القديم.
ثانياً، أخذها إلى أرقى وأشهر متجر مجوهرات في موناكو ليشتري لها خاتم الخطوبة.
وحين كانت تتفحّص الخواتم الذهبية العادية، غافلها وإشترى لها خاتم خطوبة مصنوع من البلاتين يحمل حجراً ماسياً بقيمة عشرين قيراطاً، وتجاهل إحتجاجاتها الواهية بأنها لا تحتاج إلى أي شيء باهظ الثمن.
لكنها بالطبع تحتاجه!
فهي ستصبح عروسه!
وتأكد من أنها لن تعرف سعره الحقيقي، بكل الاحوال، فـ لو علمت لكانت بالتأكيد ثارت عليه لكونها ترتدي حجر ألماس مشعّ على إصبعها بلغت كلفته ما يكفي لشراء ثلاثة منازل متوسطة الحجم.
بعد شراء الخاتم، ذهبا ليحظيا بغداء بسيط بالقرب من المرفأ المطلّ على اليخوت ليحظيا بفترة راحة بسيطة قبل أن يأخذ لاني إلى صالون تجميل، حيث ترك أحد مصففي الشعر المشهورين عالمياً حفلته الخاصة بحلول رأس السنة في "مدينة نيس"، ليأتي ويصفف شعر لاني الأسود اللامع ببراعة.
بالإضافة إلى خبيرة أظافر زيّنت لها أظافرها. وخبيرة تجميل عدّلت حواجبها ووضعت اللون المناسب من أحمر الشفاه الزهري، كما أتقنت وضع ظلال العيون الأسود وبودرة خدين كريمية ناسبت وجه لاني.
لم تتدلل لاني بمثل هذه الطريقة من قبل، وكما يفهم من ردات فعلها الآن، هي لم تتدلل مطلقاً من قبل!
لا بد أنها كانت عذراء ساذجة تعتقد أنها باردة المشاعر حتى قام بإغراءها.
لم يلحظها أي من رجال الجنس الآخر حتى الآن، وقضت كل حياتها وهي تعمل لتأمين المعيشة الكريمة لعائلتها.
بعد إنتهاءهما من صالون التجميل، لم تعد لاني قادرة على المجادلة.
فأخذها إلى متجر ملابس مترف يعود لأحد المصممين العالميين، ليشتري لها ثياباً وأحذية وحقائب وخزانة كاملة تماماً. ويبدّل ملابسها البالية القديمة بقطع جديدة باهظة الثمن تتطلبها حياتها الجديدة برفقته.
لقد إستمتع كثيراً حين أختار لها قمصان النوم بنفسه.. لكن هذا .. أمامه الآن..
توقفت أنفاسه حين نظر إلى عروسه المرتقبة بهيئتها تلك، "إتركونا لوحدنا"، هتف بصوت أجش.
حدّقت الموظفتين ومدير المتجر الواقفين في الخلف ببعضهم البعض بعدم فهم.
إستدار كاسيوس ينظر إلى المدير بنظرة باردة. "الآن"
أومأ المدير بهدوء، ثم صفق بيديه منادياً الفتاتين اللتين هربتا إلى الخارج قبل أن يتبعهما.
وبعد لحظة، سمعوا صوت الباب يُغلق حين خرج الجميع إلى البرد القارس في الخارج.
أجل! فكّر كاسيوس.
إن المال بمثابة سحر!
إستدار لينظر بتعجرف إلى لاني، التي كانت تحدّق به بعدم تصديق، "هل ينفذ الجميع ما تطلبه؟"
إقترب منها أكثر بإصرار جليّ في عينيه، وقبّل كتفها العاري قبل أن يعيد خصلات شعرها الداكنة إلى خلف أذنها. "أجل"
شعر بها تترنّح بفعل تأثير لمسته عليها، "لا يمكن أنكَ... تفكّر أننا... هنا...الآن.."، بدت لاني فاقدة الأنفاس بينما تطالعه بعينيها البنيتين الكبيرتين.
لكن كاسيوس كان عاجزاً عن التفكير بأي شيء آخر.
دفعها لتستند بظهرها على المرايا ذات الثلاثة أبعاد ملامسًا جسدها بتملّك ثم قبّلها بقوة.
"ليس هنا"، إعترضت وهي تحاول التملّص من أحضانه، "قد يدخلون فجأة.."
"لن يفعلوا"، همس بصوت أجش بالقرب من أذنها، "لا بد أن بينيتو يقوم بواجب تسليتهم في الخارج بلغته الفرنسية المنمّقة"
"من الفظاظة طردهم من مكان عملهم الخاص، ليبقوا في الخارج حيث البرد القارس بعد أن أجبرتهم على المجيء إلى هنا في إجازة رأس السنة الجديدة.."
"سيحصلون على ما يكفي من المال لينتظروا ويصمّوا أذانهم و يغلقوا أعينهم عن أي شيء"
"لكن ماذا إذا.."
"إذاً لندعهم يسمعون"، قال ببرود، "دعي العالم بأكمله يسمع، ويرى، ويتمنون لو كنتِ ملكهم، ويغارون مني لأنكِ ملكي"
قبّلها بقوة بينما تنهّدت باستسلام واستندت على المرآة خلفها. مرر يديه على نعومة فستانها الأحمر بينما منحنيات جسدها الناضج تظهر بسخاء من خلال الفستان الضيق.
إنه يحتاجها. الآن!
دون أن ينتظر الرد منها، أمسك طرف فستانها ليرفعه بينما قبلاته تترك آثارها على بشرتها البيضاء، ويمتلكها بدون تفكير. يريد فقط إشباع حواسه بها.
شهقت بقوة وهي تتعلق به بينما ارتفع الفستان إلى مستوى خصرها وعيناها تطلبانه بالمزيد من السعادة التي يقدمها لها فجسدها يستجيب له وحده فقط.
أمسك بها لفترة طويلة، في وضعهما الغريب إلى أن بدأت أصوات العالم من حولهما تعيدهما للواقع. أطلق سراحها وساعدها لترتيب ملابسها حين وقفت أمامه.
"أعتقد أننا يجب أن نشتري هذا الفستان الآن"، ومدّ يده يمسح أحمر شفاهها الملطّخ عن ذقنها.
بوعي ذاتي، عانقت نفسها، ثم نظرت إليه بإتهام، "وذنب من هذا؟"
"ذنبكِ"
"ذنبي؟!"
"لكونكِ شهيّة جداً"، ونظر إليها بجدّية، "بالكاد أستطيع الإنتظار لأتزوّج منكِ"
"بماذا تفكر؟"، قالت ضمنياً.
"لقد إستلمت زمام كل الأمور اليوم. هل تخطط لجذبي من هنا مباشرة إلى قصر العدل لنتزوج؟"
نظرت إلى فستانها الأحمر الباهظ الثمن، والذي لم يتم دفع ثمنه بعد لكنه أصبح مجعداً بالفعل، "هل هذا ثوب زفافي؟"
ضحك بخفة، "لدينا حجز للعشاء في "مطعم لو كوك دور". سنتحدث عن خطط الزفاف هناك"
"لو كوك دور"، وإفترقت شفتيها عن بعضهما بصدمة، "كيف إستطعت الحصول على حجز هناك؟ لطالما سمعت الكونتيسة تشتكي من إستحالة الحصول على حجز هناك"
هزّ كتفيه، "إتصلت بهم اليوم وأعطيتهم إسمي، وفجأة أصبح لديهم مكان فارغ لأجلي"
"أنتَ دائماً تحصل على ما تريد، أليس كذلك؟"، بدت غاضبة منه، "أنتَ حتى لا تضطر أن تنتظر أي شيء على الإطلاق"
"أنا أنتظر أحياناً"، قال بغموض، وهو يفكر بخططه للإنتقام التي وضعها قبل عشرين عاماً.
لاحظ نظراتها المستفسرة، فمنحها إبتسامة باهتة، "هل نخبر موظفي المتجر بإمكانية الدخول مجدداً؟"
بعد عشرة دقائق، كان بينيتو وسائق سيارته من نوع "سيدان" لا يزالان يضعان المزيد من الحقائب في صندوق السيارة.
فتح كاسيوس باب السيارة لأجل لاني، التي كانت ترتدي معطف أسود اللون طويل وغالي الثمن يتوسّطه حزام جلدي فوق فستانها الأحمر بعد إصرار كاسيوس عليها أن ترتديه لكي تمنع الهواء البارد من إيذاءها.
"هل تريد أن تقود؟"، سألت بدهشة، "لكنها ليلة لطيفة، ومطعم لو كوك دور يقع بعد هذه التلة تماماً، لماذا لا نسير إلى هناك؟"
"بعد هذه التلة تماماً؟"، قال ساخراً، "لكن الوصول إليه يستغرق نصف ساعة من المشي"
"إذاً؟"
نظر مباشرةً إلى قدميها، وحذاءها ذو الكعب العالي، "بهذا؟"
تلوّى كعب قدمها قليلاً على الرصيف، مثبتاً وجهة نظره. إستعادت توازنها وحدّقت به، "إذاً؟"
"معظم النساء اللاتي أعرفهن سيتذمرن أذا إضطررن إلى المشي لأكثر من مائة متر بمثل هذا الحذاء، علماً أنهن معتادات على إرتداءه"
رفعت لاني رأسها بعد شعورها بالمهانة، "معظم نساءكَ الأخريات على الأرجح لا يعملن حوالي ستة عشر ساعة إلى عشرين ساعة يومياً وهن واقفات على أقدامهن"
ما الذي تحاول إثباته؟ نظر إليها مندهشاً، "هذا صحيح"
"إذاً"، رفعت ذقنها وبرقت عيناها، "سنمشي"
هزّ كاسيوس كتفيه، "كما تريدين"
ثم أومأ ناحية حارسه الشخصي والسائق اللذين صعدا إلى السيارة وإبتعدا بها.
رفعت لاني رأسها، وبدأت تمشي بتصميم مبهر، وبعد عشرة خطوات تعثّرت بحذاءها ذو الكعب العالي وإضطرت أن تتمسك بيده طلباً للدعم.
"هل أنتِ واثقة من قدرتكِ على المشي بالكعب العالي؟"
"سيقع العتب عليكَ إذا تعثرت"
"لأنني إشتريت لكِ هذا الحذاء؟"
"لأنكَ إشتريت لي خاتم خطوبة ضخم بشكل فظيع"، ونظرت إلى الخاتم، "أنه يزن خمسة باوندات تقريباً، لا عجب أنني أفقد توازني"
ضحك كاسيوس بصوت منخفض.
إنّ لاني تبهره، تحمل في ذاتها عدة نساء وشخصيات متعددة.
في الحفلة بدت مثل أميرة سحرية قادمة من حكايا الخيال. وذلك الصباح حين عرض عليها الزواج بدت مثل طالبة جامعية بوهيمية ترتدي كنزة تابعة لأحد فرق الروك وبنطال جينز أحمر مما جعلها حيوية وفوضوية.
والآن، في المعطف الأسود الضيق ذو الحزام الجلدي، والكعب العالي، والفستان الأحمر القصير..
أمسك يدها، ينظر إليها، "يمكننا الإعتذار عن العشاء"، قال بصوته الأجش، "والعودة إلى الجناح"
حدّقت به، "هل أنتَ جاد؟"
"لماذا لا؟"
"هل تحاول جعلي أتضور جوعاً؟"
نظر بتقدير إلى هيئتها الجميلة، ثم تنهّد بندم، "حسناً. العشاء أولاً"
بقت ملامح وجهها تشي بالإنتصار فقط لحوالي عشرة دقائق. إنتهت حين بدأت الطريق تحتد صعوداً إلى التلة، وبدأت تجفل مع كل خطوة. "سأتصل بالسائق"
"لماذا"، قالت وهي تضغط على أسنانها. "هل تعبتَ؟"
لقد كانت مصممة على تحقيق هدفها، ويجب عليه منحها هذا. لكنه لا يفهم عنادها بخصوص هذا الموضوع، "إخلعي حذاءكِ وإمشي حافية القدمين"
"أنا بخير"، إعترضت وهي تجبر شفتيها على رسم إبتسامة مشرقة-مزيفة.
"إن حذاء ذو كعب الستة انشات مريح تماماً بالنسبة لي... تماماً مثل حذاءي المنزلي المنفوش بهيئة أرنب!"
حين أصبحا على بعد شارعين من المطعم الواقع في "بوليفارد دو جاردين إكسوتيك". أصبحت تتعثر بمشيتها حقاً. وأطراف بشرة قدميها المحصورة داخل الحذاء الضيق تورّمت و تحولّ لونها للأحمر. والجزء الخلفي من كاحلها بدأ ينزف، وكان هذا كثيراً عليها لتتحمله.
بزمجرة خافتة، حملها كاسيوس بين ذراعيه.
"ماذا تفعل؟"، صرخت به.
"لن أدعكِ تقتلين نفسكِ بداعي الكبرياء، أيتها الغبية الصغيرة"
ثم تجاهل مقاومتها الطفيفة، وحملها عبر بقية الطريق نحو البناية حيث يقع المطعم الحصري المترف بنوافذه الضخمة المطلّة على المرفأ بكامله و"منطقة مونتي كارلو" في موناكو.
"مساء الخير"، قال بلطف موجهاً كلامه إلى حارس الباب وموظفي موقف السيارات الذين كانوا يضحكون لمنظرهما. لا بد أن طاقم العمل في لو كوك دور قد رأوا الكثير من التصرفات الخارجة عن إطار العادات التي كان يدفع لهم الأثرياء المدللين ليتجاهلوها، لكن هذا المشهد كان جديداً وغريباً لهم.
"أنزلني!"، صاحت لاني به، ثم إستمرت بإلقاء الشتائم على كاسيوس دون كلل حتى إتسعت عيون الرجال الجالسين بعيداً.
وبقيت تشتمه حتى أنزلها ارضاً، ولمست قدميها الأرض حقاً، فأجفلت بوضوح وشحبت بشرتها بالألم.
الآن أصبح دور كاسيوس ليشتم، فنزل على ركبته أمامها، وخلع عنها حذاءها. "لاني، ماذا تحاولين أن تثبتي؟"
"لا شيء!"
"هذا ليس حذاءاً للتنزه، أيتها الغبية!"
"أنا أعلم، لكن.."
"لكن ماذا؟"
أحترقت شفتيها بالخجل، وأدارت وجهها بعيداً عنه. وفجأة فهم الأمر.
"أنتِ اقوى منهنّ جميعاً، لاني.. وأفضل من أي إمرأة أخرى عرفتها قط.. إذاً ما الذي تحاولين إثباته؟ حسناً، أنتَ.."
أعطاها الحذاء، "أجمل منهنّ بـ مليون مرة!"
"لم أكن أحاول إثبات أي شيء"، لكن وجنتيها الشاحبتين اصبحتا زهريتين، وعلم أنه فهم الأمر بطريقة صحيحة.
ثم تمتمت، "وأنا لستُ أجمل منهن"
نظر إليها من عليائه، وهتف بنعومة، "هل تريدين أن أثبت لكِ كم أريدكِ؟ هنا والآن؟"
"لن تفعل!"، تنفست بصعوبة، وعينيها الكبيرتين تجذبانه إليها بقوة.
لكن بسبب النظرة العصبية المرتسمة على وجهها، فهم أنها تتذكر مغامرتهما الصغيرة في متجر الثياب. وعلى الأرجح تتساءل إذا كان سيكرر فعلته مجدداً هنا أمام روّاد المطعم والموظفين.
"لكن لا أريدكِ أن تغيبي عن الوعي بسبب الجوع"، ومنحها إبتسامة خبيثة. ثم إنحنى للأمام، وهمس، "لأجل ما أخطط لفعله لاحقاً"
إتسعت عيناها، ولعقت شفتيها، مما جعله يرغب بتقبيلها بقوة أكبر.
من الغرابة، انه لا زال يرغب بتقبيلها مجدداً، رغم أنه إكتسحها بعناقه قبل ساعة ماضية، وتساءل لو ستهدأ عاطفته النارية تجاهها يوماً ما رغم قلة الفرص لذلك. لكن عليه الإنتظار حتى عودتهما مجدداً إلى الجناح.
وضعت حذاءها في حقيبة يدها الكبيرة الجديدة، وأرشدها كاسيوس لتدخل إلى المطعم الفخم.
رآهما مدير المطعم، فأسرع يجامل كاسيوس بإفراط، "أهلاً سيد بلاك. لقد جهّزنا طاولتكَ بالفعل".
وسقطت نظرات الرجل على قدميّ لاني الحافيتين، وللحظة تلعثم بالكلام، لكن ظهرت إبتسامته مجدداً، "هل أخذ عنكما المعاطف؟ من هذا الطريق لو سمحتما سيدي وسيدتي"
أمسكت لاني يد كاسيوس بقوة تتشبث به بينما كانا يمشيان عبر المطعم المزدحم مارّين بطاولات الطعام المترفة والتي تدور عليها أحاديث بجميع اللغات الفرنسية والألمانية والروسية والإيطالية والإنكليزية واليابانية والكثير غيرها.
إن مطعم لو كوك دور مشهور عالمياً، ويقصده أثرياء العالم من كل الأماكن في طائراتهم الخاصة للحاق بالحجوزات المستحيلة للعشاء.
لكن توقفت جميع الأحاديث حين مرّا بالقرب منهم، فتعلّقت أكثر بيد كاسيوس وهمست، "إنهم ينظرون إليّ"
بادلها نظرتها بأخرى متساهلة، "لأنكِ جميلة!"
"بل لأنني حافية القدمين. لا بد أنهم يعتقدون أنني خرقاء"
"أنتِ هنا معي. يمكنكِ أن تكوني ما تشائين"
يمكنكِ أن تكوني ما تشائين.
تأمل كلماته قليلاً.
للحظة، تشوشت أفكار كاسيوس بـ نور خاطف إنبعث عبر النوافذ الكبيرة المطلّة على شمس وقت المغيب المتلألأة فوق البحر الفضي. وطافت بين ذكرياته ذكرى له مع والدته بينما كانت على سرير الموت،
"يمكنكَ أن تكون ما تشاء، عزيزي"
لا زال بإمكانه سماع صوت ضحكتها الباهتة. لم تفقد مرحها يوماً، ولكنتها الاميركية الجنوبية الدافئة.
"صدق أو لا تصدق. إن والديّ خططوا من اجلي لأن أبقى بالمنزل وأتزوج رجل سياسي يعيش في قصر كبير"
"لماذا لم تفعلي؟"، سألها بصوت منخفض، وقلبه يتألم لمرضها ويكاد يلتهمه الغضب والإرتباك حول الحقيقة التي عرفها عن والده الغائب.
"أردت المغامرة"، همست إيمالين كاش، "وحصلت عليها"
إبتسمت من بين دموعها، وضغطت على يده بضعف، "إنه سر الحياة. يمكنكَ أن تكون ما تشاء صغيري.. طالما أنتَ مستعد لدفع الثمن.."
وإنتهت كلماتها بسعال قوي.
من مكانها على السرير، أومأت تشير حولها إلى شقتهما الصغيرة الواقعة على أطراف إسطنبول. "لا يجب عليكَ أن تلعب الدور الذي وضعه الآخرون من أجلكَ في الحياة.. أو أن تكتفي بالحياة التي ولدتَ تعيش فيها... يمكنكَ أن تختار"
نظر إلى جسد أمه الهزيل الهش المتمدد أسفل الأغطية، وشعر أن أحدهم ضربه في صدره.
كانت صغيرة جداً لتموت، وبالكاد عاشت حياتها.
"هل أنتِ نادمة، ماما؟"، وإختنق بكلماته.
منحته إبتسامة مهتّزة، "أتمنى لو أعيش لوقت أطول لأرى الرجل الذي ستكونه بالمستقبل، والعائلة التي ستحظى بها"
وإختفت إبتسامتها تدريجياً.
وحين تحدّثت مرة أخرى، كان صوتها خشناً بنبرة لم يسمعها من قبل.
"وأتمنى لو كنتُ أقوى حين قدّم لي والدكَ أعذاره لأول مرة حول عدم قدرته على الزواج بي. كنتُ لأرى كم هو كاذب، عوضاً عن إختلاق المزيد من الحجج له. لو فقط كنت قوية بما يكفي لتركه عند تلك النقطة، لكانت حياتنا مختلفة! لكنت عثرت على رجل آخر يحبّنا.. يقدّرنا.. يدللنا.. لكنني كنت متأكدة.."
وإمتلأت عيناها الداكنتان بعذاب مرير حين وضعت يدها فوق يده، "إذا رأيتَ حقيقة الاشخاص حولكَ ذات يوم،. إذا كذبوا عليكَ أو تمت خيانتكَ أو طعنوكَ بالظهر، عدني أنكَ ستصدقهم عند أول مرة!"، ثم تحولّ صوتها إلى بكاء، "لا تدمّر حياتكَ، أو حياة طفلكَ، وأنتَ تتمنى وتتأمل وتتظاهر أنهم سيتغيرون.."
"كاسيوس؟"، هتفت لاني.
أعاد تركيزه عليها، وهو يعود للواقع بينما يجلسان على طاولة رئيسية بالقرب من النوافذ.
دون شعور، ساعدها على الجلوس في كرسيّها ثم جلس بدوره بينما أحضر النادل قائمة الطعام وسكب لهم الماء.
نظرت إليه بتفكير. "إذاً يمكنني أن أكون ما أشاء، هاه؟ إذاً ماذا عن كوني راقصة باليه محترفة، أو مروّضة أسود في السيرك؟"
منحها كاسيوس إبتسامة صغيرة، "لماذا لا؟"
تساءل ماذا قد تقول إذا أخبرها عن ماضيه، وأخبرها الأسباب التي دفعته ليصبح الرجل الذي هو عليه اليوم.
إنها تتحرق لتعلم.. تماماً مثل كل إمرأة أخرى.. مثل كل منافس له في عمله.. أو مالك أسهم.. جميعهم يتحججون أنهم يريدون معرفة الخطوط العريضة لماضيّ، وكأن هذا سيكون مفيداً.. أو سيصنع المزيد من الثقة والتعاون بينه وبينهم...
والحقيقة، إذا عرفوا الأسباب التي كانت الدافع له منذ أن كان في السادسة عشر من العمر.. لو عرفوا إسمه الحقيقي.. سيعثرون على طريقة لإستخدام هذه المعلومات ضدّه.. سيستغلّون حزنه القديم كـ إسفين في روحه لتدميره.. للقضاء عليه..
لا تظهر نقاط ضعفكَ لأي أحد.
هذا كان أول درس تعلّمه، حين هرب شريك عمله الأول بأمواله- وقد كان يثق به ثقة عمياء- تاركاً كاسيوس يعوّض الخسارة بعمل عام كامل.
إن إعطاء رقبتكَ لخروف وديع، لن يفيدك سوى بإظهار نقاط ضعفكَ وستتحول أسنان الخروف إلى أسنان ذئب طمّاع. وهو لن يمنح هذه الفرصة لأي أحد لمعرفة حبل وريده.
لكن أهم درس تعلمه في رحلة نجاحه، كان الدرس الذي تلقاه على يد والده.
لقد تعلّم الأنانية وإتباع رغباته حتى ولو كان هذا سيؤذي الآخرين. لقد تعلّم أن لا يهتم بأي أحد سوى نفسه.
وإختار لاني لتكون زوجته، ليس فقط بسبب جمالها، لكن أيضاً بسبب لطفها وبراءتها وقلبها الرقيق. وأعتقد أنه بإمكانه أن يكون شفافاً معها، بعد الزواج.
لكن الآن أدرك أنه لا يمكنه أخذ هذه المخاطرة، وحتى لاني لو عرفت نقاط ضعفه سوف تستغل ذلك ضدّه.
يمكنها أن تتركه، أو أن تخونه.
ولن يمنحها هذه القوة مطلقاً، ولن تحصل على ذخيرة تحميها منه.. لن يمنحها طلقات رصاص دامية من ماضيه لتستغلها ضده.
"أعتقد أنكِ ستكونين مروّضة أسود ممتازة"، قال ببرود وفتح قائمة الطعام.
"لنرى إذا كانت توجد أطعمة شهيّة"
نظرت إلى القائمة بين يديها، المليئة بأشهى أنواع الطعام وأفخرها، وتنهّدت، "سأمنح أي شيء لأجل أن أتناول طعام أميركي جنوبي الآن"، ثم أضاء وجهها، "ربما يمكننا التوقف عند السوبرماركت في طريقنا إلى شقتكَ"
"جنوبي؟"، نظر إليها بحدّة، "هل تعرفين كيفية طهو الطعام الجنوبي؟"
"بالطبع"، قالت بتأكيد، "دجاج مقلي.. خبز الشوفان.. الكرنب الأخضر.. البامية.. الأرز مع الخضار.. سندويشات اللحم.. وكل هذه الأشياء.. لقد علمتني جدّتي كل شيء"
أتى النادل ليأخذ طلباتهما، لكن كاسيوس كان بالفعل قد متلأ رأسه بصور عن طعام لويزيانا، حتى أنه بالكاد إهتم بطعام هذا المطعم الفرنسي ذو الثلاثة نجوم. فطلب لهما أطعمة قليلة للتذوق.
وحين أومأ لهما النادل وغادر، إنحنى كاسيوس للأمام، "حاولت أن اعيّن طاهٍ مختصّ بـ طعام لويزيانا لمنزلي الخاص بالتزلج في (مقاطعة غشتاد) في سويسرا، لكن كان الأمر يائساً"
"لا بد أنكَ لم تبحث في الأماكن المناسبة"، وإبتسمت لاني نحو نادل آخر أحضر لهما الخبز، وعلى الفور تناولت قطعة من الخبز الساخن وغطته بالقليل من الزبدة. "من حيث أتيت، إن الجميع يعرف كيفية الطهو"
"ألم تعملي ذات مرة كمساعدة لأشهر الطباخين في العالم المختصّين بالطعام الجنوبي؟"
تجّهمت ملامحها، "كيف عرفتَ هذا؟"
أوه! صحيح!
لم تعلم بخصوص التحري الخاص الذي إستخدمه ليبحث عن المعلومات التي تخصّها.
هزّ كتفيه، ومنحها إبتسامة ساحرة، "سمعت هذا في مكان ما"
"هاه"، بدت محتارة قليلاً، ثم تابعت، "بالطبع، تعلمت بضعة أشياء منه. لكن إذا سألتني، فإن جدتي هي أفضل طاهية في نيو أورلينز"
"يا له من تواضع!"
"هذا صحيح، ولقد علمتني كل ما تعرفه"
إرتعش كاسيوس.. ها هو يجلس في مطعم حصري عند الريفييرا الفرنسية.. ينتظر وليمة طعام تبلغ أقل تكلفة لها خمسمائة يورو للصحن الواحد.. لكن غدد فمه تتوق في هذه اللحظة لشيء أبسط.. إنه يرغب بالطعام المنزلي الذي إعتاد على أكله.. حين كان يمتلك منزلاً.. وحين كان لديه شخص يطهو لأجله دون مقابل مادي.. فقط بدافع الحب.
أحضر النادل الشراب، وسكب القليل منه في كأس، فحركّ كاسيوس الشراب في الكأس، ثم إرتشف منه قليلاً، وأومأ للنادل موافقاً فـ سكب الشراب في كأسين.
"لم أتواجد في المنزل لمدة عامين. أنا مشتاقة إليه"
"إلى ماذا تشتاقين؟"، سأل بفضول.
"إلى عائلتي.. الطعام.. رائحة شجر السرو والماغنوليا.. إلى كل شيء.."، وتنهدت بينما أمسكت كأسها لتشرب وأغرقت نفسها في مقعدها.
"حتى أنني مشتاقة إلى (كرنفال ماردي غرا) السنوي.... يا له من إحتفال حيث تجنّ المدينة بأكملها.."
عقدت قدماً فوق الأخرى، وهي تقفز في مكانها، وتابعت تحكي بحالمية، "لا شيء سوى المواكب الإستعراضية.. والموسيقى والطعام.. وتمتلأ المدينة بالسعادة"
"يبدو.. مثيراً للإهتمام"
كانت والدته تسرد له الحكايا عن كارنفالات ماردي غرا بحالمية أيضاً، لكنه لم يذهب إلى نيو أورلينز قط، ولو لمرة، ولم يرَ المنزل حيث كبرت والدته الواقع على شارع القديس تشارلز.
تبرأ منها والديها بعمر التاسعة عشر، حين هربت لتعمل كـ نادلة في فندق صغير عوضاً عن أن تقبل بعرض الزواج اللائق الذي رتبا لأجله.
وبعد ستة عشر عاماً، حين هجرها والد طفلها، وحين كانت يائسة ومريضة بشكل مميت، تنازلت عن كبرياءها وكتبت رسالة لوالديها تطلب المساعدة. وطلبت منهم أن يمنحوها وعداً بالإعتناء بولدها المراهق، الذي لم يعرفونه قط، إذا ما قضى عليها المرض.
لكن ردهما كان لاذعاً.
لقد إخترتِ سريركِ يا إيمالين، والآن نامي فيه.
لم تخبره والدته بما حصل مطلقاً، بالطبع. لكن بعد موتها، عثر على رسالة والديها، إيوجين وثيلما كاش، موضوعةً بجانب وثيقة ولادته.
وكتب له جدّيه رسالةً بعد وفاتها يحاولون فيها أن يسترجعوا كلماتهم القاسية، قاصدين جعله جزءاً من حياتهم، "لقد إعتقدنا أنها أرادت المال. لم ندرك أنها كانت فعلاً تموت"
لكنه رمى الرسالة في القمامة وغادر إلى أثينا.
لاحقاً، حين جمع ثروته، وبعد وفاة جدّيه، إشترى منزلهم القديم في نيو أورلينز، وأمر بهدمه.
لم يرد ان يراه. لكن فجأة، أراد كاسيوس أن يرى نيو أورلينز عبر عينيّ لاني.
"يبدو مكاناً جيداً لقضاء شهر العسل"
عند هذه اللحظة، توقفت عن تحريك قدمها بتوتر، "ماذا قلتَ؟"
"يمكننا أن نتزوج هناك أيضاً. ألا تقع احتفالات ماردي غرا الشهر القادم؟"
حدّقت به بنظرات سعيدة، "هل تقصد هذا حقاً؟ يمكن لعائلتي حضور حفل زفافي؟"
بدت متحمّسة لحصولها على الزفاف برفقة عائلتها أكثر من سعادتها حين أنفق عليها ما يقارب نصف مليون يورو اليوم. ووجد أنه يستمتع بلعب دور الشخص الذي تبدي له إمتنانها، ويمنحها السعادة، بل يحب الأمر كثيراً، ويريد المزيد منه.
"بالطبع، إذا كان هذا ما تريدينه، بالمناسبة.."، إرتشف قليلاً من الشراب ثم تابع، "بما أنكِ كنتِ قلقة حول وضع عائلتكِ المادي، أمرت مدير أعمالي أن يتصّل بهم ويتأكد من حصولهم على المال الذي يحتاجونه، دون سؤال وبالكمية التي يطلبونها"
إتسعت عيناها البنيتان كثيراً، "حقاً؟"
"بالطبع"
"أوه، كاسيوس!"، ثم قضمت شفتها السفلى بينما إختفت تعابير وجهها تماماً، "لكن من الأرجح أنهما سيعاندان بسبب الكبرياء، خاصة والدي.. لست واثقة أنهم سيقبلان أن يحصلا على المال منكَ"
"بالطبع سيفعلون"، قال بصرامة، "من مسؤوليتي الآن أن أوفر لكم ما تحتاجونه. والمال لا يهم.. على الأقل لا يهمني"
"إذاً ما الذي يهمكَ؟"
نظر إليها، "إنهاء هذا العشاء"، قال بصراحة، "لأستطيع بعدها أخذكِ بين أحضاني"
"أوه، لا تنتظر!"
تجاهلت لاني جميع رجال الأعمال ذوي السيطرة وشخصيات المجتمع العريقة الجالسين حولهما على الطاولات المجاورة، ونهضت من مكانها.
كان وجهها الجميل يشعّ مرحاً بينما إقتربت منه وجلست في حضنه.
شعر أن أفراد المطعم بأكمله يحملقون بـ لاني بفستانها الأحمر، وهي تعقد ذراعيها حوله، ثم أخفضت رأسها وهمست في أذنه، "أنا أخطط لأن اشكركَ اليوم.. كثيراً.."
شعر كاسيوس بـ سوط من النيران يضرب الدماء في جسده. ورغم أن العشاء لم يُقدم بعد، إلا أن كل ما إستطاع فعله هو أن يتحكم بنفسه ولا يرفع يده ليطلب الحساب على الفور.
***
"أوه، لا"، همست لاني بصوت عالِ، ثم حدقت بالميزان الموضوع على أرضية الحمام، الذي منحها أخباراً لم تعجبها إطلاقاً.
نظرت إلى وجهها في المرآة، وكان شاحباً.
لكن هذا لا يدعو للتعجب بما أنها تشعر بالمرض والغثيان دائماً؟
طيلة الأسابيع الثمانية الماضية، منذ أن تركا موناكو، وقد عاشت الكثير.
الكثير من السفر، كبداية.. الكثير من الأيام برفقة كاسيوس على طائرته الخاصة ترافقه في رحلات عمله حول العالم من لندن إلى برلين .... طوكيو.. جوهانسبورغ... سيدني... نيروبي ... سنتياغو وعودة إلى منزلهما الأساسي في لندن. شعرت بالإرهاق لمجرد التفكير بالأمر.
والكثير من التسوق.. في كل مدينة جديدة، كان كاسيوس يصرّ على إمطارها بالهدايا الثمينة من الملابس، الحقائب، الأحذية والمجوهرات، بينما هي تملك الكثير بالفعل، وغرفة ثيابها في منزلهما الواسع في لندن قد بدأت تهدد بالإنفجار، وهي لم تحظَ بالوقت الكافي لإرتداء نصف الثياب التي إبتاعها لأجلها.
الكثير من الوقت في التخطيط لزفافهما المرتقب في نيو أورلينز.
كانت لتكون مرتاحة لو خططت لحفل بسيط بنفسها، برفقة بضع أصدقاء، بل ربما حفل بسيط يتخلله عشاء من إعداد جدّتها وبضعة كؤوس من الشراب، لكن أصرّ كاسيوس على توظيف منظمة حفلات زفاف في نيو أورلينز للإعداد لكل شيء. وهذا يعني أن لاني تكلّمها على الدوام عبر الهاتف، وتمضي الكثير من الساعات تتخذ قرارات سخيفة، كمثل إختيار لون "جهاز الإيباد" الذي سيُقّدم كهدايا للضيوف.
والأسوأ.. لقد عانت لاني الكثير أثناء إجتماعات كاسيوس على العشاء في مطاعم مترفة لمناقشة الأعمال، حيث كانت تجلس مع رجال ببطون كبيرة منتفخة وكأنها صُنِعت من حديد، ويأكلون الكثير من الطعام المؤلف من اللحم، كبد الأوز، البطاطا المخبوزة المغطاة بالزبدة والكريمة اللاذعة، وينهون العشاء بدخان السيجار، ويشربون بحوراً من الشراب الباهظ الثمن.
بينما تصرّ صديقاتهم وزوجاتهم على تناول أوراق الخس كـ جزء من النظام الغذائي للحفاظ على أجسادهن.
لكن كاسيوس أعتقد أن ما تفعله تلك النساء سخيف، وهدّدها بإنهاء خطوبتهما إذا إتبعت لاني طريقة أكلهنّ.
"أنا أحب كل باوند منكِ"، أخبرها بصرامة، "لا تخسري ولا واحد منهم"
أحبت لاني شعورها حين أخبرها كاسيوس بذلك، لكن الآن تشع بالرعب، لأنها وفقط هذا الأسبوع ودون أن تحاول حتى، خسرت خمسة باوندات.
وهذا بسبب أسلوب العيش المرهق، فكرت بيأس.
وبما أنهما يبقيان سوياً طيلة الوقت، فهي بالكاد تحصل على النوم، ولا عجب أن جسدها بدأ ينهار.
شعرت بالغثيان قبل أربعة ايام، وأرسلت كاسيوس لوحده في رحلة عمله إلى هونغ كونغ، ولم يكن سعيداً بالأمر.
وهي أيضاً ليست سعيدة. لقد كرهت إبتعاده عنها، ولو فقط لبضعة أيام. رغم أنها لم تحب جدول حياتهما المزدحم بكثرة، وسطحية المحيط حولهما، إلا أنها أحبت العيش مع كاسيوس والنوم في أحضانه وفي سريره كل ليلة. وأحبت كونه أول شخص تراه في الصباح، وآخر شخص تراه في الليل.
وكل الخطط التي أعدتها لحياتها مسبقاً بدت باهتة مقارنةً بسعادتها اليومية بوجودها قربه. وكل الأفكار عن الذهاب إلى الجامعة والحصول على وظيفة تبخّرت في الهواء.
وما زالت الفكرة تخيفها!
ها هي هنا، إمرأة بعمر الخامسة والعشرين تعيش في القرن الواحد والعشرين، لكن كل ما تريد فعله، وكل ما تريد أن تكونه، هو أن تكون حبيبة –وزوجة- هذا الرجل الوسيم الجذاب والخطير.
وقريباً، والدة طفله؟ سيشكلون عائلة!
كـ شخص إضطر دائماً للعمل للحصول على راتب للعيش، مجرد قدرتها على إمضاء أيامها برفقته، ولأجله، يجعلها سعيدة جداً.
ورغم أن النشاطات التي تملأ أيامهما سوياً ليست من النوع الذي تختاره، إلا أنها وبطريقة ما .. فإن مجرّد وجود كاسيوس بقربها يجعلها تتحمل أي شيء.
وفجأة، بدأت تصدّق أن القصص الخيالية تتحقق.
هل يشعر كاسيوس بالمثل؟تساءلت.
هو لم يرد أن يتركها لوحدها في لندن، بل أرادها برفقته على الدوام. ولهذا السبب، وبعد ثمانية أسابيع سوياً، لا يزال لم يدعها تزور عائلتها في نيو أورلينز.
"سترينهم كما تريدين، عند الزفاف"، زمجر، "وحتى ذلك الوقت، أحتاجكِ معي. أنتِ إمرأتي"
جعلتها كلماتة تغرق في بحور السعادة.
من المفترض أن يعود من هونغ كونغ الليلة، لكنها قلقة. فـ بعد قضاء أربعة ايام لوحدها في منزل كاسيوس في لندن، بالكاد تترك السرير.
في البداية، إعتقدت أنها قد تتحسن بحلول هذا الوقت. وفكّرت أنها ستعود لنفسها القديمة، وتكون قادرة على الترحيب بقدومه للمنزل بطريقة جيدة.. وبطريقة جيدة... تقصد غرفة النوم.
منذ أن تركا موناكو، كانت لندن قاعدة منزلهما الأساسي. وأحبت المدينة منذ أول لحظة حين وصلا إلى مطار خاص حيث إنتظرتهما سيارة أوصلتهما إلى حيّ راقي في لندن أخبرها كاسيوس أن إسمه "نايتسبريدج".
وفي المنزل ذي الأربعة طوابق، إلتقت لاني بالمزيد من الموظفين، بجانب الحرس والسائق الذين كانوا يحملون حقائبهما. ووجدت أربعة أشخاص بإنتظارهم للترحيب بهم برسميّة حين دخلا للمنزل.
"أهلاً بكَ، سيدي"، قالت إمرأة نحيفة كبيرة في السن.
"شكراً لكِ سيدة بيريسفورد. وهذه هي خطيبتي، آنسة لاني هنري"
ألقت السيدة بيريسفورد عليها التحيّة بودّ. لكن لاحقاً، حين قاد كاسيوس لاني صعوداً إلى القصر المنيف، همست له، "لا أعتقد أن مدبرة منزلكَ تحبني"
نظر إليها متفاجئاً، ثم هزّ رأسه بتعجب، "هي فقط عصبية"
فاجأها كلامه، فوقفت على الدرج، "هي.. عصبية؟!"
"أنتِ مديرتها الجديدة"
"أنا؟"
إبتسم، "كونكِ زوجتي، أنتِ تديرين هذا المنزل، وأنا أملك خمسة منازل يوجد في كلٍ منهم موظفين يعتنون بهم في كل مكان. وأنتِ الآن المديرة"
صدمها كلامه.. هي.. المديرة..؟؟
"حقاً؟"، صاحت بأعجوبة.
"لماذا؟ هل أنتِ خائفة؟"
خائفة.. " وهل يعيشون جميعهم هنا؟"
"فقط سيدة بيريسفورد.. لكن الجميع متواجد لخدمتنا"، ثم إسودّت عيناه وتحولتا للجوع التام، "كما لاني موجودة لأجلي"
ثم سحبها معه إلى السرير.
لكن حياة لاني لم تقضيها كلها في السرير برفقته، للأسف.. كان من المتوقع منها لعب دور المضيفة، والمرافقة في المناسبات الإجتماعية التي يقصدها كاسيوس بالإضافة لإجتماعات العمل المريعة تلك.
ومواعيد العشاء كانت الأسوأ، لأنها خافت دائماً أن لا تكون مثيرة للإهتمام بما يكفي، وأن الجميع قد يسخر منها سراً.
وحين يصبح الأمر عصبياً بالنسبة لها، كان العلاج الوحيد أن تتصل بعائلتها وتحظى بمكالمة طويلة معهم. لكن حتى أفراد عائلتها تغيّرت معاملتهم معها.
حين إتصلت لأول مرة بجدتها ووالدها لإخبارهم بأنها قد خُطِبَت لـ كاسيوس، لم يكونا سعيدين تحديداً.. شعرت جدتها بالصدمة والحنق.. بينما والدها غضب كثيراً..
والآن، بعد ثمانية أسابيع، لم يتغير الكثير. ففي كل مرة تتصل بهم، يكون الأمر سيّان.
"هل أنتِ واثقة بإقدامكِ على هذا الزفاف، لاني ماي؟"، ظلّت جدتها تكرر، "لقد إلتقيتِ الرجل للتو، والزواج يستمر لوقت طويل. لا يتعلق الأمر بالشغف الكبير فقط"
"جدتي!"، هتفت بها بخجل، لكن الحديث مع والدها كان أسوأ، "أي نوع من الرجال قد يقدم على عرض الزواج على إمرأة بعد معرفة دامت يومين فقط؟" صرخ بها بالهاتف.
"لقد إلتقينا للتو.. وأنتَ تعلم.."، تورّدت وجنتيها، "كاسيوس رائع، أبي"
"رائع لدرجة أنه لم يدعكِ تأتين للمنزل في زيارة؟ رائع لأنه لم يكلّف نفسه عناء مقابلة عائلتكِ وطلب يدكِ من والدكِ؟"
"بالطبع، إنه يتحرّق شوقاً لمقابلتكَ أنتَ وجدّتي. لكنه رجل مهم أبي.. وهو مشغول كثيراً.."
بدت كلماتها سخيفة، حتى بالنسبة لها.
"مشغول؟"، قال بإحتقار. "ماذا يفعل؟؟ يحصي أمواله؟ يطير بكِ حول العالم على متن طائرته الخاصة ويذهب إلى كل الاماكن سوى منزلكِ؟ واجهي الأمر لاني ماي. هذا الرجل لا يحترمكِ، وبالتأكيد لا يحترمنا"
لا!
الحديث مع عائلتها لم يكن مريحاً كما إعتاد أن يكون. على الأقل اكّد لها مدير أعمال كاسيوس أنه أخبر عائلتها بإمكانيتهم الحصول على أي موارد ماديّة يريدونها.
لكنها كانت مندهشة قليلاً، لقبولهما عرضه، رغم آراءهما السيئة عنه، لكن بِمَ أنهما لم يرفضا، إعتبرت ذلك إشارة جيدة.
إقترب يوم زفافها، ومن المفترض أن تغادر مع كاسيوس إلى نيو أورلينز غداً، وسيقام زفافهما في اليوم التالي. إنه جدول مزدحم، لكن كان كاسيوس مشغولاً بعقد صفقة مهمة في آسيا.
على الأقل إنتهى إعداد ثوب زفافها.
لقد أرسلت لها جدتها ثوب زفافها الخاص، الذي إرتدته قبل خمسون عاماً حين بدأت بـ مشوار زواجها الطويل السعيد برفقة جدّها. وتمت إعادة تأهيل الفستان الراقي من موديل فترة الستينات ليناسب قياس لاني، وزادوا من طوله بحوالي إنشين كونها أطول قامةً من جدتها.
والأسبوع الماضي، حين رأت نفسها وهي ترتديه، بكت بكثرة.
"لقد إنتهى كل شيء. وأصبح زفافكِ مثالياً، آنسة هنري"، أخبرتها منظمة الزفاف ذلك اليوم عبر الهاتف.
لكنه لن يكون زفافاً مثالياً، فكرت لاني بحزن فهي تشعر بالتعب.
ربما يجب عليها الإتصال بطبيب كونها بدأت بالفعل تشعر بالقلق. منذ أن غادر كاسيوس قبل أربعة أيام، وهي تعيش على أكل البسكويت المملّح وشراب الليمون اللاذع، ولم تشعر بتحسّن، بل هي متعبة طيلة الوقت. هذا وكأنها...
حبست أنفاسها...
"هل تريدين أي شيء آخر، سيدتي؟"، أطلّت السيدة بيريسفورد برأسها عبر شق باب غرفة الجلوس الأمامية. "سأنام الآن"، لكنها تجهّمت قليلاً واقتربت، "هل أنتِ بخير، آنسة هنري؟"
جلست لاني بإستقامة على الاريكة، "هل يمكنكِ مساعدتي لإيجاد طبيب يأتي لمعاينتي في المنزل؟"
بعد ساعتين، كان د. خان يهنئها، ثم غادر المنزل وسقطت لاني كالمخدّرة على الأريكة.
لم تكن مريضة.. لم تكن مريضة لأنها أكلت الكثير من الأطعمة الدسمة.. أو لأنها سافرت كثيراً.. أو لأن كاسيوس لم يبتعد عنها معظم الوقت.. بل إن وضعها هو نتيجةً للسبب الأخير.
لقد كانت حاملاً!!
"إوه، يا إلهي"، قالت سيدة بيريسفورد بهدوء، وهي ترّبت على كتف لاني، "أنا سعيدة لأجلكِ. لقد تساءلت طيلة الأسبوع إذا كان هذا هو سبب إرهاقكِ.."
"لقد تساءلتِ؟"، بالطبع كانت السيدة بيريسفورد تعلم. إن الخدم هم أول من يعلم في المنزل، عادةً قبل أن يعرف رؤوسائهم.
بعد أن غادرت السيدة بيريسفورد إلى جناحها، جلست لاني على الأريكة بإنتظار قدوم كاسيوس من المطار. وغطّت نفسها بغطاء جدّتها، وهي تشعر بالخدر بينما تمرر يداً على بطنها.
طفل! قريباً ستحمل طفل جميل بين ذراعيها!
طفلها هي وكاسيوس!!
شعرت قلبها يتضخم بالمشاعر اللطيفة، ما بين السعادة والقلق، لكن عادت كلمات عائلتها لتطاردها.
واجهي الأمر، لاني ماي. هذا الرجل لا يحترمكِ.
لكن كاسيوس يحترمها بالفعل، وهي متأكدة. يخبرها على الدوام كم هي جميلة، وكم يرغب بها. وأخبرها أنه لا يستطيع الإنتظار ليتزوجها ويبدآن بتأسيس عائلة.
وكان يشكرها على مرافقته لإجتماعات العمل خاصته، "أنتِ طبيعية، تسحرين الجميع"
وفيما يخص قدراتها بالطبخ، فإن شكره لها وكلماته لم تعرف حدوداً.
وبيوم عيد الحب، حضّرت عشاءاً رومانسياً لأجله في مطبخ المنزل الكبير، وقد أعدّت أطباقه المفضّلة.
"أنا واقع بالحب"، تمطّى كاسيوس قائلاً، وتعابيره تشي بسعادة خالصة. لكن للأسف، كان ينظر إلى طبق الدجاج المقلي حين قال كلماته.
وربما هذه هي المشكلة.. فكرت لاني وقد إقشعّر جسدها.
لا تريده أن يحب وصفة الدجاج المقلي خاصتها، أو طبق الجامبالايا، أو البامية، بل تريده أن يحبها! لانها تحبه ..
ولا يمكنها أن تنكر الأمر كثيراً. هل ستخبر نفسها أن الامر مجرد إعجاب!
في الواقع، لقد وقعت بالحب معه منذ اليوم الأول حين صدمها بسيارته. بالنسبة لها، كان حباً من أول نظرة. لكن بالنسبة له....؟
لم يأتِ كاسيوس على ذكر سيرة الحب. ورغم أنها حاولت إقناع نفسها، أنه أيضاً أحبها من أول نظرة..
وإلا لِمَ سيعرض عليها الزواج؟
وخافت من أن تكون تخدع نفسها لأن كاسيوس لديه مناطق مظلمة في روحه. من النادر أن يتكلم عن مشاعره، أو رغباته ما عدا رغبته بمعانقتها والطعام الذي يحبه وصفقة العمل القادمة.
وأحياناً يمضي ساعات طويلة يتمرّن في غرفة التدريب، ليأتي بعدها وجسده متأذٍ من العراك في الفنون القتالية.
تُرى ما الذي يدفعه للأمام بهذه القوة؟
تمنت لو كانت تعلم. لكن حين تسأله عن أمور شخصية تتعلق به، يغيّر الموضوع ببراعة. ولم يسألها عن مشاعرها أو ماضيها، أيضاً.
لو كان فقط يثق بها بما يكفي ليفصح لها عن مشاعره.. لو فقط أحبها.. لو فقط تكون الأخبار عن قدوم طفلهما بمثابة الصدع الذي سيدخل النور والحب والسعادة إلى قلبه!
تسلل الحارس الشخصي بعد ساعة لاحقة. " لقد سمعت أن طائرة السيد بلاك لن تأتِ قبل وقت طويل. هل تحتاجين لأي شيء، آنسة لاني؟"
إبتسمت له من موقعها على الأريكة، وهي تجذب مجلة لتتصفحها. وكان الشفق الليلي الباهت بدأ يتسلل عبر النوافذ، لكنها كانت متعبة كثيراً لتزعج نفسها وتضيء الأنوار.
"لا، شكراً لكَ بينيتو، أنا بخير"
وهو أيضاً، ذهب إلى جناحه الخاص الواقع في قبو المنزل، حيث يكون متواجداً دائماً في حالة حدوث مشكلة، كـ دعم إضافي لجهاز الإنذار في هذه المنطقة الهادئة.
تثاقلت لاني في جلستها، وشعرت بالنعاس.
لا بد أنها نامت، لأنها إستيقظت لتجد الظلام التام يحيطها حين سمعت الباب الأمامي يُقفل. ثم سمعت صوت كاسيوس، وجلست بإستقامة مستعدة لمناداته بإسمه.
ثم سمعت ضحكة إمرأة خافتة في البهو، "أنتَ تخاطر بإحضاري إلى هنا"
بدأ قلبها ينبض، وتكوّمت لاني في زاوية الأريكة، ترفع الغطاء ليغطي رأسها كي لا يلاحظوا وجودها بينما تقدّما عبر الباب المفتوح.
"ماذا ستفعل إن عرفت لاني الصغيرة خاصّتكَ؟" تابعت المرأة تسأل. لكن صوتها بدا مألوفاً.. مألوفاً كثيراً..
"لن تفعل. إنها تنام بعمق، وزاد نومها في الفترة الأخيرة"، كان صوت كاسيوس منخفضاً وبارداً. "من الأفضل فعلها هنا، حيث لن يرانا أحد"
"آه، إذاً ملاككَ الصغير النائم براحة بالغرفة فوق لن يعرف ما تنوي؟ إعتقدت أنكما قريبين. سمعت أنكما مخطوبين"
"نحن كذلك"
"خطوبة مضحكة. يبدو أنها إنتقلت من كونها خادمتي لتخدمكَ"
إشتدّت أنفاسها، وتلصصت لاني النظر خلفها لترى كاسيوس يبدو مدمراً بوسامته في بذلته ومعطفه الأسود الطويل.
والمرأة برفقته.. كانت رئيستها القديمة... ميمي دي بليسيس!!
"خذي"، قال لها كاسيوس وهو يعطيها علبة سوداء مخملية سحبها من الدرج، "كما وعدتكِ"
فتحتها وإبتسمت. "أنتَ تلتزم بوعدكَ"
رفعت شعرها الأشقر عن رقبتها، وحدّقت به بإغراء. "إلبسني إيّاه"
وضع العلبة على الطاولة بالقرب من باب المدخل، ثم أمسك بـ قلادة ماسّية مبهرة ووضعها حول حنجرتها. "حسناً. جيد؟"
"جيد"، إستدارت مجدداً، ونظرت له متأملةً، "أنتَ تعلم، سيكون الأمر أرخص بالنسبة لكَ لو تزوجتني بدل أن تدفع لي بواسطة الهدايا"
"أو، لا!"
"أو، لا!"، وافقته، ومنحته تحيّة ساخرة، "إلى اللقاء المرة القادمة"
خرجت ميمي دي بليسيس من الرواق، وكعبها الرفيع الحاد يضرب الأرض الرخامية بقوة. وحين أغلقت الباب الأمامي خلفها، تنفس كاسيوس الصعداء، وخلع معطفه الأسود الطويل، وبدا كتفاه متهدلان.
بإرتجاف، نهضت لاني عن الأريكة واسرعت نحو الرواق ينير لها طريقها ضوء باهت. حين رأها كاسيوس، أضاء وجهه!
لكنها ليس مهتمة بهذا الآن.
"ما الذي يحصل بحق الجحيم؟"، طالبته.
ليست عادتها أن تشتم، فحدّق بها بصدمة، "لاني.."
"ما الذي كانت تفعله هنا؟ لماذا منحتها المجوهرات؟ لماذا؟"
إختفت تعابير وجهه السعيدة، ثم إستدار مجدداً متوجهاً نحو حقيبة كمبيوتره المحمول، وأخذه، ثم حدّق بغرفة الجلوس المظلمة. "كنتِ تتلصصين السمع، أليس كذلك؟ تنتظرين في الظلام لمعرفة ما سوف تكتشفين؟"
"سقطت نائمة على الأريكة.. بإنتظار أن أخبركَ أنني.."، وإبتلعت بقية كلماتها. "هذا لا يهم الآن! لقد سمعتكَ!"
"وماذا تعتقدين أنكِ سمعتِ؟"
"أنكَ تقيم علاقة غرامية معها؟"، هتفت، وهي تشعر بالألم.
"هل أنتِ جادة؟!!"
ضربتها موجة من الغثيان، وخافت فجأة من أن تتقيأ ما بمعدتها على شجرة النخيل المزروعة في وعاء بالقرب من الدرج.
"هل هي المرأة التي تحبها حقاً؟ هل هذه هي المشكلة؟ ‘ذاً لماذا عرضتَ الزواج عليّ.. هل لجعلها تغار؟"
إشتدّ فكَ كاسيوس. "إذا كنتِ ستتكلمين بجنون.. أنا ذاهب للنوم"
لكن حين إستدار مبتعداً عنها، ارتخت ركبتيّ لاني، وعلى الفور كان هناك يلتقطها، وتفحّص وجهها بقلق.
"ما الخطأ؟"
"أنا بخير"، وكانت تضغط على أسنانها، "فقط القليل من الغضب.. و..."
الخوف..
هذا ما تشعر به.. الخوف..!!
"أنتِ لستِ بخير"، قال ودون أن يطلب إذنها، حملها بين ذراعيه. شعرت أنها ضعيفة جداً لتقاومه بينما قادها إلى الأعلى.
وضعها بنعومة على سريرهما، وسكب لها كوباً من الماء. "لماذا لم تخبريني أنكِ مريضة؟"
"إنه.. لا شيء"، قالت بضعف.
وقف بقرب السرير، وتقوّست شفتيه للأسفل، "سأطلب الطبيب"
"لقد طلبته وأتى بالفعل.."
"فحصكِ؟"
"فقط أخبرني الحقيقة"، توسلت إليه، وأمسكت يده تناظره، والغثيان بدأ يشتد عليها، وقلبها يتألم. "هل تحبها؟"
نظر إليها من بين ظلال الغرفة المظلمة، "بالطبع لا أفعل!"
"إذا كنتَ تحبها.."
"لن أحبها مطلقاً.. لا هي ولا أي أحد آخر.."
عوضاً من أن تكون إجابته مطمئنة، جعلت كل شيء أسوأ!!
"أي أحد؟"، قالت وقد جفّت شفتيها.
سحبت نفساً عميقاً، ونظرت إليه بصدمة. "ألن تحبني مطلقاً؟"
جلس على السرير بقربها، "لا"، قال بهدوء، "آسف"
أصبح وجهها حاراً، وعينيها تحترقان بالخزي، "ألا تريد.. أم لا تستطيع؟"
"ما الفرق؟"
"إذاً لماذا عرضتَ عليّ الزواج؟"، قالت بصوت خشن.
"لأجل الأسباب التي أخبرتكِ بها مسبقاً"، مدّ يده يقبض على خصلة من شعرها، "الرغبة.. البيت..العائلة..الأطفال"
"لكن كل هذه الاشياء تنبع من الحب"،لعقت شفتيها الجافتين، محاولةً التسلّح بالأمل. "ربما بمرور الوقت.."
إشتدّت ملامحه، "لا، لاني"، وإبتعد عنها، "إعتقدت أنكِ تفهمين. انا لست رجلاً عاطفياً.. هذه ليست طبيعتي"
"ماذا حدث لكَ؟"، هتفت، "لتتحول هكذا؟"
حدّق بها كاسيوس للحظة، ثم نهض عن السرير وذهب إلى النافذة ليفتحها ويتنشق القليل من هواء شهر فبراير البارد.
الشتاء في لندن يحمل برودة بعكس طقس موناكو ونيو أورلينز، أو ربما روحها هي من تجمّدت الآن، أو ربما قلبها.
راقبت الهواء البارد يتلاعب بالستائر للحظة طويلة، وكاسيوس ينظر بفراغ نحو المدينة التي يغطيها الثلج. ثم نظر إليها، "الحب لم يكن جزءاً من الصفقة، وأنتِ تعلمين هذا"
"لم أفعل... لم أعلم أبداً"، صرخت.
زفر أنفاسه، "حسناً، أنتِ تعلمين الآن"، ونظر إليها، "هل تريدين إنهاء خطوبتنا؟"
كان من الممكن أن توافق، فهي تريد التخلص من الخطوبة، فقط لو كانت تعلم من البداية أنه لن يحبها وأنه سيمنحها فقط أمواله وجسده لكنه لن يترك لها ولو جزءاً صغيراً من روحه.
لكن الوقت أصبح متأخراً الآن، لا يمكنها أن ترحل وهي تحمل طفله الآن. بعد أن كبرت وهي تتألم من والدتها التي فضّلت أن تكون أنانية وتسعى خلف سعادتها وفضّلت نفسها على عائلتها، أقسمت لاني أنها لن تفعل المثل.
لا شيء يهمها أكثر من العائلة.. لا شيء!
وطفلها الذي لم يولد بعد يستحق والد.. والد محب، كما تظن أن كاسيوس سيكون. وطالما يحب طفلهما، يمكنها أن تعيش بلا حبه لها.
لكن الفكرة تؤلمها، لأنها تريده أن يحبها، وتريد ذلك بيأس شديد.
لو فقط تؤمن بوجود فرصة، حتى لو كانت صغيرة..
"إذاً لا توافقين على ما أعرضه عليكِ"، قال كاسيوس بهدوء، "ربما سيكون من الأفضل أن أدعكِ ترحلين"
قضمت شفتها، ثم نظرت إليه، "ربما من الأفضل أن نتعرّف على بعضنا بشكل أكبر. أنا أعلم أنكَ لا تحب أن تتكلم عن نفسكَ"، أضافت بسرعة، "يمكنني البدء بإخباركَ عن نفسي. كيف كبرت و.."
"أنا بالفعل أعرف كل شيء"، قاطعها، وهو يشعر بالملل، "لقد عيّنت محقق خاص لمعرفة كل شيء عنكِ.. أنا أعرف كل تفاصيل حياتكِ.."
تجمّدت، "هل تفعل؟"
أومأ لها.
"عن.. إصابة والدتي؟ وكيف تخلّت عنا والدتي؟"
"كل شيء"
"ومنذ متى تعلم؟"
"قبل حفلة ليلة رأس السنة"
إذاً هذا يعني قبل قبلتهما الأولى، كان كاسيوس يعرف كل ما يتعلق بآلامها وأحزانها.. إصابة والدها.. هجران والدتها وموتها.. بينما هي لا تعلم عنه أي شيء على الإطلاق!
شعرت بالغضب والعنف. "إذا أردتَ معرفة كل شيء عن ماضيّ كان بإمكانكِ السؤال فقط!"
"من الأسهل أن أشتري المعلومات"
شعرت ببرودة تسري في أوصالها، "ما الذي دفعكَ لتصبح هكذا؟"
"ماذا تقصدين"، سألها.
"بارد جداً"، همست، "بعض الأحيان تكون دافئاً، وفي أحيان أخرى.. بارد.. وكأنكَ لا تهتم بأي أحد.. وتفضل التصرف بهذه الطريقة"
"هذا صحيح"
"إذاً، هذا هو، أليس كذلك؟"، وضحكت بهستيرية، "كان يجب أن أعرف، بسبب ضخامة أموالكَ"
"ما الذي يعنيه هذا؟"
نظرت إليه لاني مباشرةً، "الأشخاص العاديون لا يصبحون أثرياء. فالسعي بإصرار خلف المال يستدعي تضحيات بدم بارد وأنانية لا يقدر على فعلها سوى قلة من الأشخاص"
تقوّست شفتيه بإبتسامة، "هل إكتشفتِ هذا الآن؟"
"إن الوحيدين الذين يحققون هذا هم وحدهم من يمتلكون فجوة في قلوبهم"، همست.
ثم نظرت إليه عبر الغرفة، "ما سبب الفجوة في قلبكَ، كاسيوس، ما الذي يجعلكَ مستعداً للتضحية بسعادتكَ الخاصة سعياً خلف المال والسلطة؟"
حدّق بها، وملامحه قاسية، "كنتُ فقيراً، وسعيتُ حتى أصبحت ثرياً. هل برأيكِ أن هذا يجعلني بلا قلب؟"
"هذا ليس ما قصدته.."
"ما الذي تريدينه مني، لاني؟"، هتف بها مطالباً.
"أنا أريدكَ أن..."
أن تدعني أحبكَ. وأريدكَ أن تحبني.. لكنها لم تتمكن من نطق هذه الكلمات.. لأنها تعلم أن إجابته ستكون باردة .. ساخرة.. ورافضة..
لعقت شفتيها، وقالت، "أريد أن أعرف المزيد عنكَ. كوني زوجتكَ المستقبلية، أنا أملك هذا الحق بالتأكيد. إنه فرض عليكَ!"
رمش بعينيه، "حسناً، ما الذي تريدين معرفته بالتحديد؟"
"كبداية، من أين أتيت؟"
"كثير من الأماكن"، ومنحها إبتسامة ساخرة، "أنا مواطن هذا العالم"
"بالطبع"، قالت بقلة صبر. "لكن أين ولدتَ؟"
"لماذا يهمكِ هذا؟"
"لغتكَ الأولى.."
"أتكلم ستة لغات.. وجميعها تهمني بذات النسبة.."
"جواز سفركَ؟"
"لدي القليل منهم"، تساءلت إذا كان يمزح، لكن كشف لها أسنانه بإبتسامة واسعة، "وجميعهم صدروا وفق القانون، بالطبع. أنا أجري العديد من الاستثمارات الضخمة في كثير من الدول. هل سمعتِ عن مشروع البناء في ماليزيا حيث سوف تُبنى أكبر ناطحة سحاب في العالم؟ هذا ملكي. والحكومات ممتنة لأجلي لأنني أوفر وظائف بدخل مرتفع للمواطنين"
"والربح الصافي لأجلكَ"
"بالطبع. وإلا ماذا سيكون الهدف؟"
"إذاً لماذا تمنح الاموال لـ بورس كورنيتسوف؟ إن شركته تعيش على الإنعاش.. حتى ميمي قالت هذا. وكيف تستفيد أنتَ من الأمر؟"
قست ملامحه، "هذا لا يهمكِ"
"إذاً ما علاقته بـ ميمي؟ لماذا أحضرتها إلى هنا وأعطيتها قلادة ماسيّة؟ إذا كنت لا تقيم علاقة غرامية معها..."
" هل تريدين أن تعرفيني أكثر؟ لن تفعلي بهذه الطريقة. الكلام لا يكشف عن حقيقة الأشياء، فالكلام هو السلاح الذي يستعمله الأشخاص للإختباء"، إشتدّت ملامحه، "أنا لا أقيم علاقة مع ميمي دي بليسيس، صدقيني. لن أخونكِ مطلقاً، لاني. إذا كنتِ لا تريدين أن أكذب عليكِ، لا تطرحي عليّ أسئلة لا يمكنني إجابتها"
"لا يمكنكَ أم لا تريد؟"
"أخبرتكِ.. الأمر سيّان.."
"تريدني أن أبقى خارج إطار حياتكَ الخاصة، أليس كذلك؟ أن أكون لطيفة وحلوة وممتنة وأدفىء سريركَ دون أن أتحداكَ؟ لقد كانت ميمي محقة"، رفعت ذقنها، "أنتَ تريد خادمة وليس زوجة"
"أنا من أكون.. إذا لم يعجبكِ الأمر، غادري"
كان صوته بارداً، وكأنه لا يهتم بقرارها، وكأنه يستطيع الخروج والحصول لنفسه على خطيبة جديدة غداً. وهذا ما بإمكانه أن يفعله، فكرت بحزن.
رغم أن لاني كانت عالقة بالواجب والتضحية، تركت نفسها تقع بالحب معه، بناءاً على الطريقة التي حرّك بها مشاعرها نحوه، ولم تزعج نفسها بالأسئلة الجدية لتعرفه أكثر. تركت نفسها تسقط في بئره مثل الحصاة.
تتبعت أصابعها الماسة الكبيرة في يدها اليسرى. تقاوم رغبتها بالتمسك بكبرياءها، أن تخلع خاتمه من إصبعها وترميه بوجهه.
تريد أن تخبره أن يحتفظ بخاتمه وقلبه البارد.
لكنها لا تستطيع.. ليس الآن وهي حامل بطفله..
فكّرت لاني بإشتياق لجدتها، ووالدها، ومنزلها، ورائحة زهر الماغنوليا، وأشجار السرو المتمايلة والزهور الحمراء.
لقد كانت عائلتها محقة بخصوص كل شيء، والأحلام الرومانسية قد أعمت رؤيتها عن الحقيقة.
شعرت بالألم يجتاح قلبها، وهمست، "ماذا بخصول الحصول على طفل؟"
تغيّرت ملامحه، "ماذا تقصدين؟"
"إذا حصلنا.. على طفل سوياً. ألن تستطيع حبه، أيضاً؟"
"هذا مختلف. سأحمي أطفالي على الدوام، وأتأكد من كونهم يشعرون بالحب والحماية"
زفرت أنفاسها، وأغلقت عينيها، وساعدها هذا على إتخاذ قرارها.
لن تحمل طفلها وزر أفعالها الغبية.. أن تُخطب وتَحمل وتقع بالحب مع رجل قبل أن تسأله حتى إذا كان يحبها.
ليست لاني من ترتكب هذه الجريمة! ستتألم لكن لن تترك طفلها يعاني.
إبتلعت لاني ريقها، وهي تشعر بالدوار، لكن أرغمت نفسها على الكلام، "لدي شيء لأخبركَ به"
بدا كاسيوس منزعجاً، وكأنه توقع أن تقول شيئاً لا يريد التعامل معه... كمثل قولها (أنا أحبكَ)
"أنظري، لاني"، مرر أصابعه في شعره الداكن، "لقد كان يوماً طويلاً. سنرحل إلى نيو أورلينز غداً، وسيُقام زفافنا في اليوم التالي. لقد نلت كفايتي. أريد النوم"
أريد النوم.
لم تره منذ أربعة ايام، وأصبح يريد النوم لوحده. هذه المرة الاولى التي لا يحاول فيها أن يلمسها أو أن يجذبها إلى أحضانه بإبتسامته المغوية.
جذبها إلى السرير؟ بل لم يزعج نفسه بتقبيلها كتحية سلام!
لماذا؟ لماذا؟ هل الأمر متعلق بـ ميمي دي بليسيس؟
داهمها الشك المريب، والخوف المرير. لكن أياً كان السر الذي يبقيه عنها، لقد تأخر الوقت للرحيل الآن.
لقد كانت بريئة وساذجة وغبية. فقفزت الى سريره، وإلى حبه، وكل ذلك قاد إلى هذا الوضع الآن.
لكن يجب عليها فعل الشيء الصحيح. كونه غير قادر على حبها، لا يمنحها الحق لأخذ الشخص الوحيد الذي يمكن له أن يحبه بعيداً عنها.. طفلهما..
"إنتظر"، هتفت بخشونة.
"حسناً"، نظر إليها بترقّب. "ماذا تريدين إخباري؟"
إمتلأت عيناها بالدموع وإختنقت بالكلمات التي حملتها إلى سماء السعادة منذ بضعة ساعات.
حين فكرت أنهما يملكان مستقبلاً سوياً...
حين تأملت أنهما واقعين بالحب سوياً..
نظرت إليه بيأس شديد.. وهمست..
"أنا حامل"
***
نهاية الفصل الخامس
أنت تقرأ
انتقامه الخاسر...... جينى لوكاس...... ترجمة ديلو.....
Storie d'amoreانتقامه_الخاسر "يمكنني جعلكِ تتفجرين كشعلة نارية.." نفض كاسيوس بلاك عن نفسه رماد طفولته المفجعة يقوده الإنتقام من والده الذي هجره. ومع إقتراب إمتلاكه الكامل لأملاك والده، أصبحت خطوة كاسيوس الإنتقامية الاخيرة هي إنجاب وريث لن يتمكن والده من الحصول عل...