الفصل السابع

818 21 0
                                    

الفصل السابع

بينما هما واقفان عند مذبح الكنيسة الأثرية الواقعة في قلب مدينة (نيو أورلينز) والمضاءة بأنوار الشموع في ليلة شتوية باردة من شهر فبراير، نظر كاسيوس إلى لاني التي تبدو مشعّة في ثوبها الأبيض.
"والآن أعلنكما زوجاً وزوجة"، هتف القسيس.
إنها تبدو مثل الملائكة، فكر.. عينيها البنيتين أضاءتا حين نظرت اليه.. شفتيها كانتا ورديّتين وممتلئتين.. شعرها الداكن إنسدل إلى الخلف وغطّته الطرحة البيضاء الطويلة.
أمّا فستان الزفاف فكان ذو تصميم كلاسيكي، بأكمام حريرية طويلة، وتنورة واسعة.
إبتسم القسيس إبتسامة واسعة، "بإمكانكَ تقبيل العروس الآن"
أخيراً!
إحتضن خدّ لاني، ثم أخفض كاسيوس رأسه، ونسي كل ما يتعلق بالأشخاص حولهما و البالغ عددهم مائتين، وقبلها ببساطة!
شعر بجسدها الصغير يرتجف، لكن شفتيها لم تفعلا، وبالكاد لمست شفتيه قبل أن تبتعد بسرعة. كانت شاردة بعيداً عنه، لا يقدر على الوصول إليها، وهذا مناقض لكلّ توقعاته وأفكاره السابقة عن طبيعة المرأة الشاعرية الدافئة التي تزوجها للتوّ.
تراجع كاسيوس إلى الخلف، وفجأة أصبح هو الشخص الذي يرتجف الآن!
وحولهما، كانوا الضيوف يصفقون لهما ويصيحون بالهتافات، ورموا عليهما بتلات الورود بينما أمسك كاسيوس بـ يد لاني وقادها عبر رواق الكنيسة نحو الخارج فتجاوزا جدتها التي كانت تنتحب أمام الجميع وتخفي دموعها بقبعتها العريضة، ووالدها الذي كان لا يزال يمنع دموعه التي إنهمرت جرّاء مرافقته لإبنته الوحيدة نحو المذبح.
كانت الكنيسة بأكملها مزّينةً بشكل مبالغ به بالورود الباهظة الثمن والشموع، لكن عنصر الإحتفال الحقيقي كان متمثلاً بـ ضيوف الحفل ومعظمهم من أصدقاء لاني وعائلتها. أما هو فـ لم يدعُ سوى شخص واحد هو صديقه الحقيقي، والذي لعب دور الإشبين، البليونير الإسباني أنخيل فيلاسكيز.
لكن هذا هو الفرق بينهما، أليس كذلك؟
كاسيوس لديه معارف إلتقى بهم في العمل، أو خلال إجازاته التي يقضيها في (مدينة غشتاد) لممارسة رياضة التزلج. كما أن لديه شركاء عمل وأعداء، وبعض الأشخاص الذين يتقرّبون منه بدافع المصلحة، والذين لم يزعج نفسه بإخبار منظمة حفل الزفاف بأن تدعوهم.
بينما لاني لديها عائلة، وأصدقاء!
خرجا من الكنيسة الحجرية البناء، وتبعهما الضيوف إلى الخارج بينما كان الجوّ يشي بـ ليلة رطبة من ليالي لويزيانا. وكانوا أفراد الحشد السعيد الصاخب يتحدثون سوياً، وينشدون الأغاني بينما يعبرون المسافة القصيرة وصولاً إلى حفل الإستقبال الذي أُقيم في قصر أثري يقع على (جادة جاردن).
وتبعتهم منظمة الزفاف وقد كانت إمرأة حادة، بينما تضع سمّاعة الأذن لتتابع التحضيرات وتضمن سير كل شيء بسلاسة ريثما يتم الإستعداد لوصولهما.
حين رأى كاسيوس موقع حفل الإستقبال، حبس أنفاسه!
كان ذلك أشبه بـ رؤية شبح!
إنّ ذلك القصر بدا له مثل منزل طفولة والدته وهو يراه من بعيد، ويلاحظ أنه تصميمه هو نفس التصميم المعماري الاسباني لمنزل جدّيه.
لقد بُني منزل والدته قبل مائتي عام، ويقع غرباً على بعد ميلين في (جادة سانت تشارلز). لقد رآه فقط في الصور، قبل أن يأمُر بهدمه.
شعر بحبات العرق البارد تتجمع على جبهته، وبشرته تصبح رطبة تحت بذلته الرسمية. لم يعلم لِمَ هذا القصر بالذات، ذكّره بالقصر الآخر، وقد أثّرت به الفكرة إلى هذا الحد.
لقد أصبح منزل آل كاش في الماضي.. ميت.. ومدمّر..
لم يذهب يوماً لرؤية بقعة الأرض الفارغة، لأنها لا تعني له شيئاً.
إذاً لماذا شعر فجأة بالدوار؟
وشعر بنظرة عروسه الباردة تتركّز عليه، بينما كانا يقطعان البوابة الحديدية الصدئة، ليمشيا على ممر زُين ببتلات الورود البيضاء وأضاءته المصابيح الصينية التصميم.
نظر إليها لاحقاً، فإستدارت تلقائياً لتتكلم مع صديقة أتت ناحيتها لتبدي إعجابها بثوب الزفاف والمراسم الجميلة، وتتمنى لهما السعادة المستقبلية.
وما أن أصبحا بداخل القصر، حتى إستمرت معاملة لاني الباردة له لباقي الوقت.
طيلة الليلة، كانت لاني توزع إبتساماتها المشرقة-المزيفة! بل المزيفة جداً! على جميع الأشخاص الذين يحبونها. أما بالنسبة له وحده -الشخص الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي يبدو أنه لا يشعر بحبها- لم تمنحه سوى البرودة ومنعت عنه نظراتها عن قصد، وكأنها لا تستطيع إحتمال النظر إليه حتى، وبالكاد قد جفّ الحبر على وثيقة زواجهما، مما لا يبشر بالخير.
وبالنسبة لكاسيوس، إمتدت الليلة كـ عذاب طويل. وإقتصرت على عشاء لطيف في قاعة الإحتفالات في القصر تزيّنها الثريات الكبيرة المضيئة.
جزّ على أسنانه، وأكل عشاءه وبالكاد تذوّق أطباقه المفضلة. وأُلقت نخب الزفاف المؤثر صديقة طفولة لاني وإشبينتها، إمرأة إسمها دانييل بيرلي متزوجة ومعها ولدين. بينما إشبينه أنخيل فيلاسكيز قدّم نخباً أقصر بكثير وأقل تأثيراً بمراحل، فقط رفع كأسه، وصاح بمرح، "بينا سويرت! (حظاً موفقاً!)"، لأن هذا هو الشيء الذي يعتقد أن صديقه كاسيوس يحتاجه حقاً.
ضغط كاسيوس على نفسه وإجتاز الحفل بكامله.
كان يبتسم في الأوقات الصحيحة ويمثّل السعادة. ثم، قطعت لاني قالب الزفاف ذو الستة طوابق بحشوة التوت، والكريمة البيضاء والورود المصنوعة من السكر. وشاركها بالإبتسام لمصوّر الحفل وهو ينحني نحوها بينما كان ترفض أن تلمسه أو أن تنظر إليه.
حين سحبها إلى ساحة الرقص ليؤديا رقصتهما الأولى كثنائي متزوج، ترافقهما الصيحات السعيدة لـ عائلتها وأصدقائها وإبتساماتهم الواسعة، حاول أن لا يظهر لهم ردّات فعلها وإعتراضاتها عليه حين يهمّ بلمسها.
وهذا لا يبشّر بشهر عسل سعيد!
فكّر بهذه الليلة الباردة المختلفة إختلافاً تاماً عن ليلتهما أثناء حفل رأس السنة، حين حصلا على قبلتهما الأولى، ولم يستطعا إبعاد يديهما عن بعضهما.
من المفترض أن تكون ليلة الزفاف هذه جميلة، لكنها كانت باردة مثل نجمة بعيدة.
لكن لماذا؟ ماذا تغير؟!!
بشعور سيىء ، علم السبب!
لأنها حاولت التقرب منه الليلة الماضية، ودفعها بقسوة.
لقد تعب من الوحدة.. وأرهقته.. كثيراً وجداً.. مشاعر الوحدة حين لا يكون أي أحد إلى جواره يسانده.
أخيراً، عند منتصف الليل، نال كفايته.
كانت مترددة وأظهرت له بوضوح أنها لا تريد المغادرة، لكنه أصرّ.
جذب يدها وقادها خارج القصر العريق إلى موقف السيارات الدائري، حيث تنتظرهما (سيارة كاديلاك) سوداء مترفة، تغطيها الورود البيضاء وشرائط الزينة.
تباطأت خطوات لاني، "أين الليموزين؟"
"قررت أن هذا تجاوز الحد المعقول"
"حقاً؟"، تشدّقت بينما كان السائق يفتح لهما باب السيارة الخلفي، "تجاوز الحد المعقول؟"
ثم إستدارت ورسمت إبتسامة واسعة على وجهها وبدأت تلوّح إلى عائلتها وأصدقائها الذين خرجوا من القصر لوداعهما.
فتّش كاسيوس عن فيلاسكيز، لكن صديقه لم يظهر. لقد كان يتصرف كالناسك مؤخراً، وتفاجىء كاسيوس أن صديقه الإسباني مستعد لترك مزرعته البالغة مساحتها نصف مليون فدان وتقع في (مدينة تكساس) فقط ليلعب دور الإشبين!
لن يؤنبه كاسيوس على التملّص من الحفل بوقت مبكر، لأن الحفل في المبدأ يخص أصدقاء وعائلة زوجته الذين كانوا يهتفون ويصرخون خلفهما أثناء مغادرتهما ويلقون على السيارة الشرائط البيضاء اللامعة.
جلس بجانب عروسه في المقعد الخلفي، وكاد أن يقفز بدهشة حين سمع صوت إنفجارات صاخبة خلف السيارة. نظر إلى الخلف، فرأى صفائح معدنية معلّقة بالسيارة.
شخر بعدم تصديق، "لا أستطيع تصديق أن آنسة دوماين..."
"منظمة الحفل لم تفعل هذا"، أخبرته لاني. "سمعت جدتي تضحك وتتحدث عن هذه الحادثة مع صديقاتها من النادي"
توجها نحو فندق راقٍ يقع في (منطقة فرينش كوارتر) في مدينة نيو أورلينز حيث سيقضيا على شهر عسلهما، علماً أن الطريق لن تستغرق الكثير من الوقت، على الأكثر ربع ساعة كما أخبرته منظمة الزفاف. لكن بوجود حشود السائحين الضخمة يحتفلون بنهاية الأسبوع قبل (عيد ماردي جرا)، كانت زحمة السير خانقة، وبدا أنهم لن يصلا إلى الفندق أبداً.
أو ربما هذا كان شعور كاسيوس فقط نظراً للصمت المسيطر على المقعد الخلفي بينه وبين لاني التي لا زالت ترفض النظر إليه وتفضّل أن تبدأ بمحادثة مع السائق بدلاً من الرجل الذي وعدت بأن تحبه وتقدّره للأبد.
فجأة، لم يعد يحتمل الأمر!
إنحنى للأمام وتكلم بخفوت مع السائق، الذي أومأ وغيّر وجهة السيارة.
"لماذا نستدير؟"، سألت لاني بإرتباك، وكانت تلك الكلمات الأولى التي نطقتها له في خلال عشر دقائق.
"سترين"، قال بغموض.
إستدارت السيارة حول التقاطع المستدير لتدخل في طريق (جادة سانت تشارلز) الأثرية.
على طرفيّ الطريق، كانت أشجار السرو والقصور المنيفة منتشرةً، ويبلغ عمرها مائة عام كـ حد أدنى.
"قف هنا"، أمر السائق، ونفذ الرجل طلبه، ثم إندفع كاسيوس خارجاً بسرعة.
كان الوقت قد تعدى منتصف الليل الآن، والشارع هادىء في وسط منطقة سكنية بجدارة، تتنوّع فيها التصاميم المعمارية، من التصاميم الإسبانية القديمة إلى التصاميم اليونانية الحديثة، والإيطالية، وكل قصر كانت له حديقة خاصة، ما عدا قصر واحد ناقص بينهم، مثل الفراغ الذي يحدث بين الأسنان عند إقتلاع أحدها.
وقف أمام البقعة الفارغة، يضع يديه في جيوبه، بينما ينظر إلى البيت الذي لم يره قط.
وقفت لاني خلفه، فسمع حفيف تنورتها على الأرض.
"ماذا نفعل هنا كاسيوس؟"
"أردتِ معرفة من أين أتيت؟"
"إذاً؟"
دون أن ينطق بحرف، أشار نحو قطعة الأرض الفارغة يضيئها ضوء القمر الباهت، وهي تبدو كالشبح وسط البيوت الأخرى.
وقفت بجانبه، تنظر إلى الفراغ، ولا ترى سوى حشائش وشجرة سرو واحدة.
"هل ولدتَ هنا؟"
هزّ رأسه، "والدتي ولدت هنا"، ثم نظر إلى البقعة الفارغة مرة أخرى، "كان هذا منزل طفولتها. كانت الطفلة الوحيدة لعائلة كاش الثرية، وهربت في سن التاسعة عشر لترى العالم عوضاً عن البقاء والزواج من الرجل الذي تم إختياره لأجلها"
مرّت سيارة بالقرب منهما على الطريق الصامت، وأضواءها تنير عيون لاني الكبيرة.
"وقعت بالحب مع رجل روسيّ إلتقته في إسطنبول. وأعتقدت أن والدي سيتزوجها، لكنه لم يمنحها سوى الأعذار. وظل يدخل ويخرج من حياتنا وهو يعدها بالزواج ويحضر لنا المال والهدايا... حتى بلغت الحادية عشر من العمر وإختفى من حياتنا"
سقط فكّه بينما كان يناظر شجرة السرو الحزينة بعتمة الليل، ويسمع صوت الصراخ الطفيف الصادر عن الطيور الصغيرة المحلّقة فوقهما،"لاحقاً ذلك العام، مرضت والدتي. لو كنا نملك المال اللازم لتأمين نفقات العلاج الطبّي، لكانت نجت، ثم مرت خمس سنوات حتى ماتت... وحيدة.."
غصّ بالكلام...
لم يحب هذا الشعور القاتل الذي داهمه وهو يتلو قصة حياته.. تلك القصة التي لم يخبرها لأي أحد قط...
"لكنها لم تكن وحيدة"، همست لاني، ومدّت يدها تبحث عن يده، "كنتَ معها"
زفر كاسيوس أنفاسه، يكاد يرتجف من فرط المشاعر، "حين كنت في السادسة عشر، ووالدتي على فراش الموت، كتبت رسالة لوالديها تطلب منهما المساعدة. طلبت أن يأتوا لرؤيتها أو على الأقل لأخذي إذا ماتت. ورفضوا... لقد رفضوا!!!!"
سمعها تشهق، وشعر بنعومة ودفء يدها بينما عانقت أصابعها أصابعه بحماية.
إبتعد عنها، وهتف، "هذا المنزل الغالي كان يعني العالم بالنسبة لهما. وبعد موتهما إشتريته وأمرت بهدمه"، ثم منحها إبتسامة مهتزة، "هل تعلمين أن هذه هي مرّتي الأولى هنا؟"
حدّقت به، ثم مدّت يدها لتداعب خدّه، وعينيها الداكنتين الشفافتين مليئتين بدموع لم تهطل.
"أوه، كاسيوس"
"لهذا السبب غيرت إسمي. لم أرد إستخدام كنية والدي.. أو جديّ.. لذا إخترت إسماً خاصاً بي.. وإشتريت شهادة ميلاد جديدة.. وأوراق ثبوتية جديدة.. وبدأت حياة جديدة.."
وقفت على أطراف أصابعها، وعانقته بقوة، وللحظة، أغلق عينيه متقبلاً عاطفتها، لكنه لم يكن معتاداً على هذا النوع من المشاعر.
تراجعت إلى الخلف، تناظره وهي ترتدي ثوب زفافها وضوء القمر يجعل شعرها الداكن يلمع تحت طرحة الزفاف الطويلة، "أعرف هذا الشعور"، قالت بصوت منخفض، "أن تشعر أنكَ مهجور من قبل عائلتكَ التي من المفترض أن تحبكَ. لهذا السبب تركت الحادثة فجوة في قلبكَ"
أصبح صوته منخفضاً وحاداً، "لماذا لا تملكين فجوة، لاني؟ لماذا؟ كيف يمكنكِ أن تحبي بهذا العمق؟"
"لأن.."، رمشت بسرعة، ثم هزّت رأسها، "لأنني لا زلت أحب والدتي.. وأشتاق إليها.. وأحاول أن أتذكر أوقاتي الجيدة معها.. لا أريد أن تذكر الألم الذي سيجلب لي البؤس بالتأكيد"
حدّق بها كاسيوس، ثم هزّ رأسه.
"أنا أشعر بشيء مختلف"، قال ببطء.
نظر إلى بقعة الارض العارية، "تدمير هذا البيت كان مرضياً. وبالنظر إليه الآن، أشعر بالإغراء لأبصق على الرماد"
"لن يجلب لكَ هذا الفعل السعادة"، أخبرته بصوت منخفض، "ولن يعيدها"
نظر إليها بحدة. وللحظة، خفق قلبه. لكن سيطر على نفسه، أياً ما كانت أفكار لاني الآن، فهو يعلم أن خطته للإنتقام من والده سوف تُسعده.. كثيراً..
تحطيم بوريس كورنتيسوف.. الإستيلاء على شركته الخاسرة... إمتلاك قصره الواقع على كاب فيرا... كل هذا سيكون قمة مجد حياة كاسيوس...
"أنا آسفة"، هتفت لاني فجأة والدموع تبلل رموشها، ثم مسحت عينيها محاولةً أن تبتسم، "كنتُ غاضبة منكَ، ودمّرت أجمل يوم في حياتنا"
ضحك بخفوت، وجذبها يحتضنها بين ذراعيه.
"لم تفسديه"، قال بنعومة، ومسح دمعة إنسابت على خدها، "والزفاف لا يكون سوى ليوم واحد، بينما سنحصل على العديد من الأيام الجميلة... حياة كاملة من السعادة"
منحته إبتسامة ممتنة دامعة، ثم هربت منها ضحكة صغيرة، "وهذا ما يبرر سبب حبكَ للطعام الجنوبي، ولماذا شعرت معي وكأنكَ في منزلكَ"
تجعّد جبينها، "إذاً، ماذا كان إسمكَ السابق؟ وكيف إخترت إسم كاسيوس بلاك؟"
يحب أن يشعر بها دافئة بين ذراعيه.. ويحب الطريقة التي تنظر بها إليه الآن... وكأنه بطلها!!
"حين كنتُ طفلاً"، قال ببطء، "أحببت سماع القصص عن روما القديمة. وكاسيوس كان إسم بطل روماني عمل في السياسة وأنشأ جيشاً لمحاربة الطغيان"
كما كان أحد المتآمرين الذين إغتالوا يوليوس قيصر، لكن لم يرد كاسيوس أن يفسّر لها أكثر.
"وبلاك (اللون الأسود) هي الصفة التي أردت لقلبي أن يتمتع بها"
أشرقت عيناها، "شكراً لإخباري"
"والآن أريد شيئاً منكِ"، حدّق بها وهي في الأسفل قابعةً بين ذراعيه، "أنتِ تعرفين الآن عني معلومات أكثر من أي شخص آخر في العالم.. عديني أنكِ لن تطلبي معرفة المزيد..."
"لكن..."
حدّق بها بحدة، "عديني"
تنهّدت بحزن، "حسناً. أعدكَ"
زفر بإرتياح، ولم يدرك سوى الآن كم كان عصبياً.
شعر بالهشاشة... الشفافية.. لكنه لم يشعر أنه قريب من شخص بهذا الشكل منذ وقت طويل. ولاني هي الشخص الذي بإمكانه الثقة به، وفجأة أدرك أنها الشخص الوحيد في العالم الذي لن يخونه مطلقاً، وسيحرص دائماً على حمايتها، مثلما سيحمي طفله الذي ينمو بداخلها.
طفله... ملأته الفكرة بالرعب.. وضع يده على بطنها المكوّر بنعومة.. لن يرتكب غلطة والده.. سيكون زوجاً جيداً.. ووالداً صالحاً.
ما أن ينهي إنتقامه، سيترك ألم ماضيه خلفه في مرايا الزمن الخلفية، ثم سيمضي بقية حياته مركزاً على المستقبل، والحاضر، ويحرص على أن تكون عائلته المؤلفة من زوجته وأطفاله مرتاحين وسعداء وبأمان. ولن يشعرهم بالقلق أو الخوف مطلقاً، فهذه ستكون وظيفته الوحيدة.
حدّق بـ لاني، مبعداً عن وجهها خصلة شعر، "أنتِ زوجتي الآن، ووالدة طفلي القادم. الماضي إنتهى. و كما قالت جدّتكِ، نحن عائلة! والمستقبل هو ما يهم الآن"
"أنتَ محق"، همست، وبينما كان يحضنها تحت غطاء الليل المنعش.. هي بثوب زفافها.. وهو ببذلته التوكسيدو السوداء الرسمية.. تلاقت العيون.. وإشتعل الجو بينهما.
"سيدة بلاك"، قال بصوت أجش.
أخفض رأسه، وقبّلها بنعومة في البداية، ثم بإحتياج جائع، ولفّت ذراعيها حول رقبته تجذبه إليها أكثر.
فجأة، لم يعد يطيق صبراً.. يريد أن ينسى.. أن يولد بداخلها.. بين ذراعيها..
"شهر العسل"، زمجر، وجذبها نحو سيارة الكاديلاك اللامعة.
***
شعرت لاني بثقل زوجها عليها الذي بالكاد قيدّته بذلة التوكسيدو وهو يضغط عليها لتستند على المقعد الخلفي للسيارة، وبالكاد يتحكّم بمشاعره نحوها بينما تقيّده بذلته المنمّقة. وإنتشرت طبقات تنورة فستانها كالمخدات حولهما بينما كان يقبّلها، وإمتدت يداه إلى عقدة شعرها الفرنسية ليتسبب بإنسدال خصلاتها السوداء من أسفل طرحة زفافها.
هذا هو زفافهما الحقيقي... فكرت.. هذا ... حيث يلتقي الجسد بالروح..
بالكاد تحمّلا حتى وصلا إلى الفندق المترف الواقع في منطقة فرينش كوارتر على (شارع بوربون) الشهير.
من حسن حظهما أنه ليس بعيداً، وزحمة السير قد خفّت، وإلا لكانا سوف يحصلان على ليلة زفافهما في المقعد الخلفي في السيارة بوجود السائق في المقعد الأمامي يعبث بأزرار الراديو متظاهراً أنه لا يلاحظهما.
حين توقفت السيارة، أخذها معه كاسيوس وعبرا المدخل الأمامي للفندق، وبالكاد إستجاب لمباركات المدير والعاملين لهما.
تنفست بحرج، "ألا يجب ان نأخذ المفتاح أولاً.."
"كل شيء جاهز"
ليس كل شيء، فكرت بجوع.
وما أن أصبحا في المصعد، وضغط على زر الطابق الثالث، حتى دفعها لتستند بظهرها على المرآة وأكمل إجتياحه لها، وبالكاد سمعت صوت المصعد وهو يتوقف عند الطابق المُراد.
سحبها معه عبر الرواق الأنيق ذي الأضواء الخافتة، ثم توقف أمام الباب عند نهاية الرواق.
أخذ المفتاح من جيبه، وفتح الباب ثم إستدار نحوها.
شهقت لاني حين رفعها بين ذراعيه، فإسندلت طبقات فستانها وتدلّت طرحتها الطويلة خلفهما.
"أنتِ لي الآن"، همس لها، "قانونياً ملكي"
"إذاً أنتِ ملكي أيضاً"، تمتمت وهي تعبث بشعره، "وأنا أخطط لإستغلالك بالطريقة التي أختارها.."
لم يبعد عينيه عنها، وحملها بالقرب من صدره، ثم ركل الباب بقدمه لينغلق خلفهما، ووضعها أرضاً.
ألقت نظرة سريعة على الجناح الراقي و أضواء شارع بوربون الساطعة تظهر بوضوح للعيان، بالإضافة إلى الأبواب الفرنسية التي تقود إلى شرفة أثرية التصميم.
مشى حولها، يحدّق بهيئتها بثوب الزفاف.
تورّدت وجنتيها لتفحّصه الصريح، "هل أعجبكَ؟" قالت بخجل، "لقد إستغرقني إرتدائه خمس وأربعون دقيقة، بوجود كل تلك الأزرار في الخلف"
"إذا كنتِ تعتقدين أنني سأنتظر لخمس وأربعون دقيقة..."، وإقترب منها يمزّق الجزء الخلفي من فستانها بحركة واحدة عنيفة، فـتطايرت الأزرار الصغيرة الرقيقة التي كانت تجمع أطراف الفستان ببعضه تاركًا إياها تقف عارية أمامه ما عدا ملابسها الداخلية.
إستدارت بصدمة، "ماذا فعلتَ..."
وكان ردّه عليها إكماله تمزيق الفستان.
"كان هذا ثوب زفاف جدتي!"، صاحت لاني بهستيرية.
"كان لها. والآن هو لكِ.. وما هو لكِ.."، تحوّلت عينا كاسيوس للون الأسود التام مع لمحة إغراء بينما قرّبها من جسدها، " .. ملكي!"
إقشعرّ جسدها لكلامه، بدأت تتنفس بصعوبة وهي تحدّق بملامحه، "لم يكن عليكَ أن تمزّقه.."
"كما قلتِ.. الماضي هو الماضي.. ولقد تمتعت جدتكِ بزواج طويل وسعيد... وبدءاً من الليلة سنحذو حذوها"
مرر يده على طرف طرحتها الطويلة، "لكن يمكنكِ الإحتفاظ بهذه"، قال بصوت أجش، "أحببتها"
رفعها بين يديه ووضعها على السرير بنعومة وكأنها مصنوعة من الخزف الرقيق ومخصصة لمتعته. يمكن لإثنان ممارسة هذه اللعبة، فكرت لاني. استندت على ذراعها ومدت يدها تلمس طرف كمّه، "انزعها"، أمرت.
حدّق بها نزولًا بين الظلال التي خيّمت على غرفة النوم، ثم نفذ أوامرها.
"الآن ربطة العنق"
وقد كان لها ما طلبت حين أسقط الربطة على الأرض.
"القميص"
فكّ أزرار قميصه ببطء شديد لتتابع لاني ظهور صدره العضليّ العاري وقد زيّنته شعيرات صغيرة سوداء اللون تعلو عضلاته السداسية. حدّقت به نزولاً فتسارعت نبضات قلبها ولعقت شفتيها بتحفّز.
"البنطال"
ظهرت ابتسامة حسيّة على شفتيه بينما كان يلاحظ حالتها المنتشية بينما أكمل انتزاع بقية ملابسه.
بات زوجها يقف عاريًا أمامها.
تسارعت نبضات قلبها تصاحبها قشعريرة طفيفة حين حدّقت به بلا خجل بصدره العريض وجسده الضخم بالإضافة إلى العضلات التي ملأت كل أجزاء جسده.
مدت يدها بسحر، تحاول الوصول إليه، بل تريد أن تلمسه بكل ما بها من قوة، أن تمنحه السعادة التي سبق وتذوقتها على يديه.. فقط إن كانت تملك الجرأة الكافية..
"أوه، لا، لن يحدث"، كان صوته منخفضًا، "لقد نفذت أوامركِ، الآن سوف تنفذين أوامري"
اقترب منها على السرير ممررًا أنامله على رجلها، "انزعي هذا.."، همس بصوت ناعس، "بل انزعي كل شيء"
منحته لاني ابتسامتها التي اعتادتها، "كما تأمر"
انتزعت دبابيس الشعر بينما تراجعت للخلف تستند على أكواعها وهزت رأسها ليتحرك شعرها الأسود الطويل تحت طرحة الزفاف البيضاء.
اتسعت عيناه السوداء وأرجع رأسه للخلف حين انسدلت خصلاتها الطويلة تغطي كتفيها وبطنها المنتفخ قليلًا بفعل الحمل.
لعق شفتيه في حين نظراته تلاحقها بلا رحمة من تكوير وركيها صعودًا حتى انتفاخ صدرها ثم نزولًا مجددًا حتى قدميها حيث أظافرها المطلية بلون أحمر دموي.
"اخلعي كل شيء"، أمر بصوت مرتعش.
شعرت بالجوع في عيونه السوداء وبفعل أنفاسه المتقطعة، فزاد جسدها اشتياقًا.
"هذا ما أقوم بفعله"، همست ببراءة، "انزع ملابسي"
وقد كان هذا ما فعلته، لكن ببطء شديد مغيظ له. وكأنها تقوم بهذا كي تثيره وتعذبه. لا تعلم ما الذي دفعها للقيام بهذه الحركات المغوية، ربما هو شعورها المفاجىء بسلطتها عليه، أو ربما ألفت الشعور برغبته بها، أو ربما حقيقة زواجهما وكونه زوجته القانونية منحتها جرأة وثقة بالنفس لم تمتلكهما من قبل.
ظلت مستندةً على كوعها بينما تمدد يدها وتحرّك شعرها تحت الطرحة البيضاء. مررت يدها ببطء على جسدها ملامسةً خدها، عنقها، وحنجرتها. كادت عيناه أن تخرجا من محجريهما وهو يجلس على السرير محدقًا بها دون لمسها، "ماذا تفعلين؟"، همس بصوت خافت.
"أوه"، نظرت إليه بعينيها الكبيرتين مفتعلةً الدهشة، "أعتقد أنه يجب عليّ النوم على بطني كي أتمكن من تنفيذ أوامركَ"
وهذا ما فعلته، تحركّت أمامه وانقلبت على بطنها كي تكمل انتزاع بقية ملابسها. أمالت رأسها وكأنها تفكر وقد لامست طرف فمها بإصبعها، "هممم..."، خلعت حذاءها ذو الكعب العالي ثم نظرت إليه، "ما الذي يجب عليّ انتزاعه تاليًا؟"
إنها تختبر مدى احتمال زوجها. بزمجرة منخفضة، أحاطها بجسده وأمسك بها لتنام على ظهرها وأكمل نزع بقية ملابسها بهمجية دون أي كلمة، فلم تعد ترتدي سوى طرحة الفستان.
جعلها تستند على المخدات خلفها بينما يمرر أنامله على جسدها المخملي، "قومي بإثارتي، هل يمكنكِ هذا؟"
رمشت بعينيها بخفر، "هل سوف تمزق ملابسي في كل مرة؟"
"ليس إن بقيتِ عارية أمامي"، همس وهو يداعب خصلاتها الطويلة، ثم قبّلها بعاطفة.
كانت شفتاه قاسيتان ثم أصبحتا ناعمتان، وأثارها الشعور بملمس ذقنه النامية على بشرتها مثل رمال الصحراء الحارة. إن قسوته وجلافته هي الصفات التي تشعرها بأنوثتها ونعومتها.
تحرّك ببطء مقبلًا بقية أجزاء جسدها وهو يلاحظ امتلاءها في الأماكن المناسبة، "لقد تضخمتِ، لكن بشكل يثير إعجابي"
"هذا ما تحصل عليه لكونكِ جعلتني حاملًا"
لمس بطنها المكوّر برقة شديدة، ثم زفر نفسًا ساخنًا احتبس بداخله، "امتلكني، الآن"
تراجع للخلف ناظرًا إليها، ثم ابتسم. أدركت أنه سوف يرفض فعل المزيد فقط كي يغيظها مثلما فعلت معه. مستحيل!. تقدّمت منه بجرأة تلمس جسده لتراقب اتساع عينيه وصدمته بما تفعل.
"الآن"، همست وهي تتحداه بعينيها.
أطلق زمجرة خافتة قبل أن ينفذ أمرها الآخر بكامل حذافيره. تفارقت شفتيها بسعادة حقيقية حين استعادت ذكريات ليلتهما الأولى سويًا لكن مع اختلاق بسيط بكونها زوجته هذه المرة.
مرت لحظات طويلة قبل أن تستعيد احساسها بالعالم حولها. ابتعد عنها كاسيوس، ثم ارتخى جسده على السرير وقرّبها منه محتضنًا إياها قريبًا من صدره بين ذراعيه. استسلمت بين أحضانه حين لامس خدها خشونة كتفه. قبّل جبينها، "زوجتي"
"زوجي"، همست بخجل ووجنتيها تحترقان حين تذكرت كم كانت جريئة معه قبل قليل. لكن بدا عليه السعادة والموافقة لِمَ فعلته.
نظر إليها بكسل لينتزعها من طفرة السعادة، "إنها فقط البداية.."
وقد كان هذا بالفعل..
إذا كان الزفاف مخيباً للآمال لأنها كانت غاضبة فلم تستمتع به، إذاً فإن شهر عسلهما ستجعله مثالياً، وأكثر لحظات حياتهما رومانسيةً.
***
حين دخل ضوء الصباح عبر النوافذ، طلبا من خدمة الغرف أن يُقدّم الافطار في السرير.. قوالب من بسكويت الوافل مع رذاذ السكر ... شراب القيقب.. فطائر.. فواكه طازجة.. بيض مقلي مع صلصلة الحر اللاذعة... عصير برتقال طازج.. وقهوة الهندباء مع الكريمة و السكر.
حين لطّخ كاسيوس خدّه ببودرة السكر من دون قصد، مدّت يدها تلمس خدّه بأطراف اصابعها، "كيف حصلتَ على هذه الندبة، كاسيوس؟"
أظلمت عيناه، ثم هزّ كتفيه بعدم إهتمام، "حصل هذا منذ وقت طويل، لماذا؟"
"هناك القليل من بودرة السكر عليها... فوضى بالأحرى"
"آه"، مسح السكر عن خدّه، ثم نظر إليها، ورفع حاجبه الداكن اللون، "لا تسخري مني. لديكِ شراب القيقب على ذقنكِ"
"ليس صحيحاً!"، هتفت بسخط، ثم لعقت ذقنها وإكتشفت أنه محق، ثم سمعت أنفاسه تشتد بالقرب منها.
"دعيني أساعدكِ"، قال بصوت أجش، ثم مال عليها يكمل ما بدأه الليلة السابقة. لم تستطع لاني الإكتفاء منه، وكذلك كاسيوس لا يستطيع الإكتفاء منها.
وبعد القليل من الوقت، أخذا حماماً منعشاً، وإقترح كاسيوس، "ماذا سنفعل الآن؟"
أضاءت ملامح لاني، "سنخرج!"
شعرت لاني بالسعادة لخروجهما سوياً، وكانت متحمسة لتعرّفه على مدينتها - والتي تكون بطريقة ما مدينته أيضاً- وهذا في أكثر الأوقات مرحاً في العام.. إحتفال ماردي جرا..
أمسكت يده، وقادته خارج الفندق المترف نحو شارع بوربون الصارخ. لقد كان الوقت بالكاد ظهراً، لكن الناس كانوا بالفعل يرتدون الأزياء الغريبة التي سيطرت عليها ألوان إحتفال ماردي جرا المعتادة، البنفسجي والأخضر والذهبي. وكانت المصابيح التي تضيء إنارات الشارع تحمل ذات الألوان أيضاً.
تجوّلا في المنطقة بإنشداه، ثم تناولا الغداء في مطعم مزدحم، لكنه الأفضل في المدينة.
وبما أن المطعم لا يقبل بالحجوزات المسبقة، ورفضت لاني بقوة أن تتركه يرشي النادلة ببقشيش من فئة الألف دولار لكي يجتازا لائحة الإنتظار، إضطرا أن ينتظرا لساعة كاملة للحصول على طاولة. وكانت تجربة جديدة بالنسبة لـ كاسيوس.
"لا أستطيع التصديق أنكِ تريدين إنتظار الحصول على طاولة"، تذمّر بينما كانا يقفان في الطابور ينتظران دورهما.
وعبر المسافة الطويلة، كانا يسمعان أصوات عزف فرقة الموسيقى تختلط بدردشة الأشخاص حولهما الذين ينتظرون الدور مثلهما.
"التوقّع هو نصف المرح"، أخبرته لاني.
إقترب منها، ثم أمسك يدها وقبّل راحة كفها بنعومة فإرتعشت، "اجل"، وإشتعلت عيناه السوداوتان بينما كان يعتدل بوقفته، "هذه الحقيقة"
حدّقت به لاني وهي تشعر بالحرارة والخجل، بالرغم من أنهما إستمتعا بالتجول في المكان، وبالرغم من أنهما تزوجا بالفعل، إلا أنها تعلم أن كاسيوس يعد الدقائق حتى يعودا إلى غرفتهما في الفندق.
وفجأة، شعرت أنها تشاركه هذا الرأي.
"ماذا أحضر لكما؟"، هتف النادل بفظاظة كونه لا يعلم هوية كاسيوس، فعامله مثل بقية روّاد المطعم المشاكسين.
شرع كاسيوس يطلب شرابه المعتاد، لكن قاطعته لاني، "سيحصل على (الإعصار) وشاي محلاّة من أجلي، إذا سمحت"
"الإعصار؟"، هتف كاسيوس بتجهّم.
"سترى"
بعد لحظات، كان يحدّق بخيبة أمل بشراب الكوكتيل بالفواكه باللونين الأحمر والبرتقالي والموضوع في كأس زجاجية دائرية، "يبدو كشيء لن يشربه سوى سائح غريب"
إرتشفت القليل من الشاي المثلجة المحلاّة خاصتها، "وهذا مناسب جداً كونكَ سائحاً"
"لا أحب الأشياء الحلوة"
"هل أنتَ متأكد؟"، وإتسعت إبتسامتها، ورمشت باستمتاع، ثم حملت الكأس عن الطاولة وقرّبته منه، "جرّبه.. سيعجبكَ"
لم يبعد عيناه عنها، أمسك الكأس وشربه بالكامل، ثم شهق، "أفضّل أن أحظى بالقليل من الحلوى مع شراب السكر.."، وأكمل كلامه بينما يبادلها قبلة خفيّة عن أنظار الناس من حولهما.
وبعد غداء مؤلف من الطعام الجنوبي الذي يحبه كاسيوس، عادا للخارج، وكان شارع بوربون قد زاد إزدحاماً بوقت العصر.
إقتربت منهما مسيرة تظاهرية في شارع قريب، وأُصيب الناس بالجنون حين إقتربت عربات الزينة، وبدأ المحتفلون يلوّحون بسلاسل الخرز والقصائص الملوّنة التي ملأت الهواء إلى جانب الضحك والرقص والموسيقى.
وحين حلّ وقت المغيب، أصبح (حيّ فرينش كوارتر) بكامله ممتلئاً لدرجة أنه أصبح من الصعب التجوّل في الشوارع، فأمسك كاسيوس بيدها كي لا يفترقا.
"لنحصل على عشاءنا في الفندق"، زمجر بغضب ويده تشتد على يدها بحاجة قوية، فأومأت له.
لكن بينما كانا يحفران طريقهما بين الأزقة الضيقة، سمعت لاني صوت صراخ يصدر من مكان فوقهما.
رفعت رأسها لترى ثلاثة شبّان يقفون على شرفة حديدية صدئة بتصميم مستدير. كانوا يهتفون لها، وهم يلوّحون بسلاسل مصنوعة من الخرز.
إحمرّت وجنتيّ لاني.
تجّهم وجه كاسيوس، فنظر إليهم، وأعاد تركيز نظراته عليها.
"ماذا يريدون؟"
هتفت بخنوع، "إذا أرسلت لهم قبلة بالهواء، سيرمون إليّ هذه القلادات التي يحملونها"
"هؤلاء السفلة"، زمجر، وقد إشتدّت يده حولها، "سأصعد إليهم، وألقنهم درساً لن ينسوه عن الأخلاق الحسنة.."
"إنها ليست إهانة، بل يقصدون الأمر وكأنه إطراء جميل.. إنه تقليد متّبع هنا"
بدا كاسيوس عاجزاً عن الكلام وغاضباً.
أمالت لاني رأسها وكأنها تفكر، ثم أسندت ذقنها على يدها،"للحقيقة، ربما يجب أن أستجيب لهم، إذ يمكنني الإستفادة من المجوهرات.."
وبعد نصف ساعة لاحقة، وجدت نفسها داخل متجر مجوهرات حصري في منطقة (فيوكس كاريه)، حيث أصرّ كاسيوس على أخذها إليه ليشتري لها قلادة من الألماس والياقوت ذكّرتها بتلك القلادة الضخمة التي إرتدتها البطلة في فيلم (تيتانيك) الشهير.
"يمكنكِ شكري على الهدية لاحقاً"، همس في أذنها، فخجلت من كلماته، وردّت عليه بضحكة خافتة مستمتعة.
لقد كانت تتعمّد إغاظته قبل قليل، لكن ما أن عادا أدراجهما الأخيرة نحو الفندق، حتى ظلّت لاني تلمس الأحجار البلاتينية الباردة على رقبتها، وهي سعيدة لكونه يصرّ على تدليلها بكل طريقة ممكنة.
هذا دليل أنه يهتم بأمرها، أليس كذلك؟
والإهتمام يشبه الحب تقريباً!
أليس هذا ما يعنيه إحضار هدية ثمينة بلا مبرر كهذه القلادة؟!
ثم تذكّرت قلادة ماسيّة أخرى كان قد منحها لإمرأة أخرى في لندن، فخفتت حماستها، وشعرت وكأن القلادة تشكّل صخرة قاسية تكتم أنفاسها وهي تتذكر ربّة عملها السابقة-ميمي- والقروض الضخمة التي يمنحها كاسيوس لربّ عملها.
أياً ما كان يبدو الأمر الآن، ورغم أنهما متزوجين وسعيدين بتواجدهما سوياً، إلا أنها بالحقيقة لا تعرف زوجها جيداً.
أجل، تعرف أين وُلِدَتْ والدته، لكن لا تزال هناك الكثير من الأمور الغامضة حوله.
ولا تزال لديها العديد من الأسئلة التي لن تجرؤ على طرحها عليه خاصة بعد الوعد الذي قطعته له مسبقاً.
وبسبب رغبتها بمعرفة كل شيء عنه، شعرت بتوقها الكبير للتقرّب منه، كحقيقة شعورها حين لم تكن غبية بما يكفي لتتخيّله كشخص نبيل ومثالي.. لكن بإستطاعته أن يكون هذا الرجل.. فقط لو يشاركها ماضيه.. وأسراره.. وقلبه!!
لكنها تخاف أن لا يفعل مطلقاً!!!
هناك طرق أخرى لمعرفة الأسرار.
ظلّت هذه الفكرة السامّة تزحف عبر أفكارها.
حين إلتقيا لأول مرّة، كان كاسيوس قد عيّن محققاً خاصاً ليبحث عن تفاصيل حياتها وهويّتها.
في البداية، انزعجت لتدخّله بخصوصيّتها، لكنها الآن تتحرّق بالإغراء لأن تفعل المثل معه.
لا!
هتفت لاني لنفسها بحزم.
لن تتسلل من وراءه! يجب عليها أن تحبّه فقط، وأن تكون زوجة مثالية وأن تدعو من أجله ليفتح قلبه لها.
إذا أحبّته وقدّمت له هذا الحب، عاجلاً أم آجلاً، سيفصح لها عن كل شيء.
ألن يفعل؟!!!
***
نهاية الفصل السابع

انتقامه الخاسر...... جينى لوكاس...... ترجمة ديلو..... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن