لا تِفر أنا داخلك

59 13 0
                                    

هيأ نفسه ليغط في نوم عميق، لكنه ظل يطالع الحائط المقابل لفراشه، ويغوص في درجات اللون الأزرق التي تصبغ اللوحة الفنية المعلقة صوب عينيه، ويبدو أنه أصيب بأرق حاد.

حتى ظهر رجل غريب المظهر بغتة، يرتدي تنورة بيضاء تمتد إلى فوق ركبته، ولا يستر صدره بشيء، لكنه أحكم جذعه بنطاق أسود عريض، وعلى خديه خطين أحمرين، وحالما رأي ياسين يطالعه، صرخ هذه الصرخة الحادة التي ألفها من أفلام الرسوم المتحركة.

دنا منه بإقدام حتى ثبت عند حافة سريره، انتصب في مكانه كمسلة فرعونية شاهقة الارتفاع وألصق ذراعيه بفخذيه النحيلين.

كان يسير بتوازن رغم هذا التاج الخشبي الذي تخرج منه أعواد خشيبة حادة، يشبه هؤلاء القبائل من الهنود الحمر.

«اعثر على حق اللاكوتا، أنا قادم لأجلهم! لأجل انتازع حقوق الأبرياء، وتصفية حساباتنا! موعدنا يوم ووندد ني!»

شعر أنه تحت رحمة جاثوم عتيد، ألجم فاه وحجمه عن الحراك أو التفوه بحرف، كان أطرافه باتت أعواد زرع يابسة، لكن هذا الرجل الغريب ناب عنه في الحديث قائلًا:

«تيتون، تيتونوان. تيتون، تيتونوان

كررها عدة مرات، وكل مدى تزازد عيناه الحمراوان جحوظًا ونتوءًا، حتى صارا رشاشا دماءٍ طبعا بصمتهما على بنيانه المتحجر مكانه.

_________

«أستاذ إبراهيم، هذا المرض ينتقل بعدة طرق، إحداهم هي الاتصال الجنسي المباشر، وهذا يحبذ أن تخبرنا به دون خجل؛ كي نستطيع تقييم حالتك ومساعدتك.

«حدثني أكثر عن الطرق أخرى لانتقاله.»
أخذ يحك مفرش المنضة ذا الكرسين اليتيمين، كنايةً عن اضطرابه.

«عمليات نقل الدم تَسهم بشكل كبير، راجع تبرعات الدم التي أجريتها.»

«حسنًا سأعرف من أي حلت بي هذه الفاقرة، لكن هل يمكنك أن تعرف منذ متى وأنا مصاب بهذا المرض؟»

أخذ ياسين يسرح بمخيلته ليتذكر كل هذه الأحداث المزعجة التي روادته، وها قد تقمص عقله دور السادي الذي يتعمد فتح هذا الألبوم الملطخ بالدماء، المعبق بالخوف، ويعرضه كشريط متلاحم، متلذذًا بهرمون الإدرينالين الذي يتجول في أنحاء جسم الفتى.

كيف عندما استيقظت لم أجد الدماء التي خضبتني! لقد رأيته وهو يبخها في وجهي!

«هذه الأعراض توحي أنه قد يتراوح بين أسبوعين لشهر، حاول تذكر ما فعلته إبان هذه الفترة.»
سئم الفتى من هذه المكالمة التي يتلصص عليها؛ فاستأذن للدخول إلى الحمام، فأشار له بصعوبة بواسطة يده التي يسند كتفها الهاتف على أذنه.

لم يأبه كثيرًا لما أراده ياسين لانهماكه في استرجاع تفاصيل مصيرية، وتدوين أخرى لا تقل أهمية عنها.

اللاكوتاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن