ما وراء السُدل

17 6 0
                                    

صاحبنا إبراهيم يسير بخطًى ثابتة كي يحصل على حقه، وشمَّر عن ساعده لينزل الحلبة؛ حلبة استرجاع حقه المهضوم. إنه يفكر ويسعى في كل الطرق وبكل الطرق، رغم تلقيه صدمة حادة للغاية، إلا أنه لن يترك نفسه للأحزان تنهشه وتتغذى عليه، لقد ولَّى وقتُ البكاء والتحسر.

علينا أن ننهض وننفذ كل ما نخطط له، خسرنا الكثير من صحتنا بسبب هذه الخيبات التي تمكنت منَّا؛ فأنقصت أوزاننا من الإرهاق، وخبت النضارة من وجوهنا، فبدت بالية كقماشة قديمة، ماذا ننتظر؟ نترقب قتلها لنا بتريث؟

«ما القادم؟»
سأل ياسين الذي بات واحدًا من أبنائه الذي عوضه الله به، شخصٌ معه على المرة، وللأسف ليس هناك حلوٌ بعد كي يكون معه فيه.

استقبله بشغفٍ ضخم يترتقرق في عينيه الواسعتين ذات اللون المميز واستهل الحديث بنبرةٍ متعطشة للحكايات رِفقة ابتسامةٍ تشع بالأمل.

تنهد براحة وهو يسند ظهره إلى الكرسي المتبقي في المنزل، ويطالع ياسين الذي يفترش الأرضية من أعلى، حتى السُفرة التي كانوا يجتمعون عليها بِيعت، وغدا البيت فارغًا تمامًا سوا من سرير إبراهيم، لا منضدة ولا خزانة ولا أي شيء من هذه الأغراض الترفيهية الزائدة عن الحاجة.

«قلنا يجب أن نترجم الرواية، وسنسافر، لا وقت لنضيعه، باقي على المسابقة عدة أسابيع، وأنا قَلِق حِيال ذلك.»

اعتدل في جلسته وربَّع قدميه ثم سأل بحذرٍ خشية أن تهب ناره في وجهه فجأة:
«كيف ونحن لا نملك أيةُ نقود؟»

على غير ما توقع ياسين، أجاب إبراهيم برصانة تامة، في الحقيقة هي لم تكن هدوءًا؛ إنما فتورٌ ووهنٌ شديدٌ حلَّ به، لم تعد له أيةُ طاقةٍ للحديث بصوت عالٍ أو السخرية، لم تعد له رغبةٌ في التواصل مع أحد من الأساس.

«لدي حل جيد.»

ضمَّ قدميه وألصق ركبتيه بصدره وعقد ذراعه عليهم وكأنه تلميذ نجيب يحرص على الاستماع إلى كل كلمة يقولها معلمه.

«ماذا يكون؟»

أخفض وجهه وجعَّد ملامحه ببؤس مبديًا اعتذاره على عدم قدرته على الشرح والتفصيل أكثر، فقال والكلمات تجاهد للنتوء خارج شفتيه:
«ستعرف كل شيءٍ في موعده.»

«لك ذلك، أنا من لديَّ أخبار غريبة سأرويها على مسامعك.»
رجَّ رأسه برفق، وصمت وهلة، ثم قام الفتى ليحضر كتابًا صغيرًا بغلاف مقوى وثقيل، مكتوب عليه «لغاتٌ نادرة».

انكمش حاجبي إبراهيم كرد فعلٍ لما قرأه على الغلاف الذي يحمل طابعًا قديمًا بعض الشيء، وظل يراقبه وهو يتحرك به، وعلى ما يبدو، الأمر مهمٌ للغاية.

«هل تذكر أول مرةٍ تقابلنا فيها؟ تذكر كم مرة اتصلت بك؟ لقد كنت على عجلة من أمري لأنني كنت على موعد مع رجلٍ ليحضر لي هذا الكتاب النادر.»

اللاكوتاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن