ابتسامةٌ لمن لا شفاه له

33 8 0
                                    

«احزر ماذا! لدي خبر جيد، لن يؤثر كثيرًا على حالنا البائس. أعلم أنك الآن تتمتم بينك وبين نفسك بـ«أخيرًا خبر سعيد، منذ عرفتك ونحن لا نسمع سوى أصوات سقوط المصائب على رؤوسنا»، وأجل، أنت على حق.»
قالها إبراهيم بصوت متأنٍ ونبرةٍ لبقة، تقريبًا إنها المرة الأولى التي لا يكون فيها منزعجًا؟ بل إنه صافي البال!

«لا، العفو منك»
حاول ياسين كبح جماح ضحكاته، لكن محاولاته باءت بالفشل فانفجر ضاحكًا، وهو ينتظر وجه إبراهيم العابس أن يطلَّ عليه، لكنه تفاجأ بوجه باسم ومشرق.

«خذ اقرأ! هل تجيد القراءة يا أدبي؟»
ناوله عدة أوراق بيضاء مطبوع عليها رمز وزارة العدل، ملفوف في ملف بلاستيكي شفاف.

«هاتها، أهي (روشتة) طبيب كي لا أستطيع قراءتها؟»
أجاب ياسين بعنفٍ مصطنع وكزة أسنان طفولية، بعد أن شدَّ منه الملف كالقطط التي تخطف الطعام من الناس.

هزَّ رأسه متذمرًا من تصرفات ياسين الطفولية، فتنهد وهو يضحك في مزيج مشاعر غريب.
هذا الفتى يقوده للجنون، ويعبث برادار مشاعره، يجعله لا يعرف ما إن كان سعيدًا أو حزينًا، لكنه يشعر بهما معًا ولا يدري كيف.

«ها نحن سندخل في جدال علمي وأدبي من جديد!
لكن حقًّا... أرجو أن يكون الخبر القادم بالفعل هو (روشتة) طبيب يكتب فيه أني قد تعافيت من كل الأمراض التي تعشش بي.»

أمعن ياسين النظر بها محاولًا تقليد أخيه في قراءته للأوراق القانونية، لكنه لم يفهم سوى بعض السطور الخالية من المواد القانونية والتعابير الرسمية.

رفع وجهه أخيرًا بعد أن كاد يدخل الورق في عينيه، واصتنع نبرة محامٍ مهم بقوله:
«حسب ما فهمته أنك ستستطيع رؤية أبنائك، وزوجتك كسبت قضية الطلاق؟ لكن كيف أخذت أثاث المنزل قبل أن يحكم لها بالطلاق؟»

«لأنها مسنودة الظهر، أما أنا؛ فخاوٍ.
دعك من الطلاق، ركز! سأرى أولادي نورهان وسليم! مرَّ وقتٌ طويل منذ رأيتهم.»

ابتهج ياسين وانبسطت شفتيه فَرِحًا صانعًا وجهًا بشوشًا لهذا الرجل الذي تجرع المُر مِرارًا.

«هذا جيد مبارك لك، لدي خبر مفرح كذلك»

وضع إبراهيم يده أسفل خده، رغم أن ملمس منضدته المحروقة خشن، لكنه يشعر أنه طائرٌ مُحلِّقٌ، فجلس متأهبًا لخبر آخر يبُث النشوة في أعماقه التالفة التي يسكنها القهر.

«كل هذه الأفراح لن يتحملها قلبي، قل هيا!»

«غرفتي باتت فارغةً تنتظرك، لا يمكن أن تجلس في هذا البيت المُفحَّم.»
أشار إلى الحوائط المصتبغة باللون الأسود والأثاث الخشبي المأكول نصفه، الذي لم يعد يصلح للاستعمال.

حاول استعمال كل حواسه ليقنعه بالذهاب معه، فظل يشمشم رائحة الرماد ويسعل، ويكررها مرارًا وتكرارًا.

اللاكوتاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن