زارُ الزُوَّار

27 6 0
                                    

لئلا يكون عليه وزرٌ آخر، أو باب آخر لم يطرقه، اضطر إبراهيم لبيع بعضٍ من أثاثه الناجي من الحادث كي يوفر النقود اللازمة لاستكمال علاجه، رغم أنه كان في أمس الحاجة إليه، لكنه أعاد ترتيب أولاوياته؛ ليجد صحته تتصدر القائمة، وتصرخ في وجهه علَّه يستجيب لها.

إنه يخسر جزءًا منها كلما ضغط على نفسه لأجل شخصٍ آخر، وحان الآن وقت اختيار نفسه.

«سيد إبراهيم، أنت على يقين أنه ليست لك أي علاقاتٍ كذا أو هكذا؟»
أبعد غطاء القلم الأرزق عن سنه ووضعه على ورقة ملاحظات مدون عليها اسمه الثنائي «سعيد مرسي»، استشاري أمراض الكلى والباطنية.

«علاقات ماذا! أنا لا أعرف نساءً سوى زوجتي، أمي، وابنتي، وبنات أفكاري.»

ابتسم ابتسامةً خبيثة بينما يدور بكرسي المكتب البني المتحرك الذي كان يعاني من ثقل وزن الطبيب ويستنجد كلما تحرك فوقه.

بنات أفكارك هؤلاء هن من سيلقين بك في دركات الهاوية.»

صمت إبراهيم لاستثقاله دمه، ولم هذه الابتسامة اللزجة، فقط اكتفى بمراقبة ذقنه المزدوجة التي تتهتز مع خديه المترهلين كلما ضحك، وأنفه الصغير الذي بالكاد يظهر من وجهه، وهو يفكر كيف يأخذ منه استشارة تخص صحته، أو لربما لديه مرض يسبب له السمنة، لا نعلم.

بالغ في القهقهة كثيرًا حتى شك أنه دخل في نوبة ضحك وأصبح مصعوقًا، وأخذ اللعاب يتناثر منه ويتحرك أكثر كلما اهتز جسده من أثر الضحك.

لكنه أدرك أنه قد تخطى حدوده، فاعتذر ثم استرسل سعيد الحديث عندما شعر أنه جليسه مرتاح، فضم حافتي ردائه الأبيض الذي يكاد ينفجر عليه وتحدث بصوتٍ هادئ.
«حسنًا أنا أفكر في شيءٍ ما قد يكون هو الذي نقل لك المرض، بافتراض أنك صادق، لكنه قد يشوبه بعضٌ من الخطر.»

بمجرد أن استوعبت خلايا مخه كلامه واستوعبها، تشبث بحافة مكتبة المزدحم بالمنشورات الإعلانية الدعائية التابعة لشركات الأدوية.

لم يكن تشبثه بالمكتب رمزيًّا بالمرة، إنما هو بالفعل أخر أمل له ينقذه من هذا الوحش الضاري المسمى بالـ(إيدز).
«ما هي! أرجوك أنجدني، حياتي باتت على المِحك»

أخذ يضرب بالقلم على المكتب وهو يفكر مَليًّا في الأمر.
«أظن أن السبب في ذلك هو الغسيل الكلوي الذي نقل لك الـ(فايروس).»

شُلَّ تفكير الرجل، ولولاه كان سيود أن يصرخ بعلو صوته، ويقطع كل الأوراق على المكتب، لكن الشلل قد انتقل إلى لسانه الذي نطق بصعوبةٍ وعلى مضض:
«أيعقل؟ كيف؟»

هزَّ رأسه له بالإيجاب، وشرع ينظِّم أوراقه في مجموعات، ثم أخرج ورقة بيها صورةٌ توضح شكل جهاز الغسيل الكلوي، وأخذ يفسر له باستفاضة:
«دعني أشرح لك بشكل مبسط، عملية الغسيل الكلوي تتم من خلال تنقية الدم المار في شرايينك. يوجد سائل شفاف يمتص الفضلات الناتجة عن تكسير البروتينات، التي لا تستطيع الكلى إخراجها من جسمك بسبب فشلها. وهذا السائل يجب التخلص منه فور أن ينقي دمك؛ لأنه يمثل مصدرًا مهمًّا للعدوى.»

اللاكوتاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن