الجزء الرابع: الذكر الشرقي المسكين

28 10 0
                                    

ثنى ظهره نحو ركبتيه بحذر كي يتحاشى أن يُطرب بمعزوفة من صنع خشب الكرسي شبه المفكك.

«كنت أفكر قبل قليل أن حياة الرجل الشرقي صعبة للغاية، لا أعلم ما الذي يجعل النساء يطمحن إليها.

تخيّل أن يتم تجاهل كل شيء فيك عندما تذهب لخِطبة إحداهن، ويتم سؤالك عن عدد الأوراق الخضراء في جيبك، رغم أنك قد تكون شخصًا مثابرًا متجلدًا ذا شمائل حسنة، لكن لم تستطع جني المال الذي هو أول مبتغاهم من هذه الزيجة.

لكن على النقيد تمامًا إن كنت رجلًا سِكِّيرًا طالحًا، وجيبك مكتظ بالنقود يحدث أصوات خشخشة صاخبة عندما تسير، ستكون أول المرحبين به، وكأن الزواج صفقة تجارية، أو فرصة لجني الأموال تحت مظلة إكمال نصف الدين، بغض النظر عن أنهم لم يفكروا في إكمال نصف دينهم الأول.

بل إن الصفقات تُقعد بين رجال الأعمال، إنما أهل العروس يتعاملون وكأنهم شخاذون يبيعون أوراق منديل في الإشارات المزدحمة، يتسولون بها أمام كل من يمتطي سيارة باهظة، يستجدون منه أي نقود بغض النظر عن الطريقة التي سيعطيها إياهم، سواء بعد سُباب أو نظرات احتقار، هذا حقًا ما يحدث.

وإن تخطيت هذه المرحلة بسلام تحصل على تأشيرة تسميتك «رجلًا» من المجتمع، كأنه هو من يحدد هويتك.
أعي أن الرجولة شمائل وصفات طيبة، لكن ليس لدرجة أن تكون دائمًا تحت مجهر لجنة تحكيم المجتمع، الذين ينتظرون منك أي خطأ أو نقص كي يضغطوا زرهم الأحمر، ويسحبوا منك مميزات الرجولة التي يحاولون طمس معالمها ورسم صور مثالية أقرب للسريالية الخيالة عنها.

وإن غلبك شعور بالأسى على حالك الذي تفر له الدموع من المُقل، لن تجد من يواسيك؛
فقط ستجد عبارات مثل: «الرجال لا يبكون، وأنت رجل تحمل!».
هذا إن كنت محظوظًا ووجدت من يلتفت إلى معاناتك ويُعنى بك.»

«تعلم؟ رأيت كثيرًا من الفتيات يكتبن منشوراتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي أنهن مرهقات نفسيًّا، وبعد أقل من دقيقة تلقى الدعم من شتى فئات المجتمع.»

طالعه إبراهيم بطرف عينه، يرشقه بسهام عتاب مسنونة.

«تعلَّم ألا تبوح بكل ما يدور في عقلك، لولا أني أعرفك عفويًّا لكنت طردتك دون رجعة، لكنني أقدر حسن نيتك.»

خابت توقعات ياسين بأن يسهب في شرح معاناتهما معًا، ووجده ينهاه عن فتح ذاك الموضوع.
«لا لا، لم أقصد، أقصد بكلامي موقفًا حدث مع صديقي وقررت أن أناقشك فيه.»

«صديقك حقًا؟ لا يهم.
أظن أن المشكلة تكمن في مجتمع الرجال نفسه، عندما يرفض الرجل مساعدة صديقه عشرة عمره، ويفضل فتاةً لم يكد يعرفها ساعة، فقط لأنها فتاة ويجب أن يبسط عضلات نخوته عليها، في رسالة خفية مضمونة: «أنا رجل كامل الرجولة».
وتلقيه المدح من الجنس الآخر يدخل النشوة وترضي غروره، لأنها قد تشوبها بعض المشاعر الحميمة، خلاف مدح صديقه الجاف هذا إن مدحه من الأساس.

اللاكوتاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن