الفصل الحادى عشر

306 20 0
                                    

الفصل الحادي عشر
(اين الحقيقة)
ابعدت بصرها تحت تأثير نظرته الثاقبة وخفقت اهدابها وهي تسمع خطواته تقترب باتجاهها.... سأل بصوت خافت: "لك الجرأة على الاعتراف بأنك ذهبت الى شقة جيمس؟.......... كيف تواجهيني بذلك؟"............ نهضت واتجهت الى المرآة وجلست وخلعت ما بيدها من خواتم و اسورة دون اجابة...... ساد صمت ولم تنظر اليه وتناولت فرشاة الشعر وصففت شعرها ببطء ثم نظرت اليه عبر المرآة لتجده محملقا بها ومازال ينتظر جوابا........... رمت الفرشاة بغضب على الارض و قالت: "نعم لدي الجرأة على قول ذلك......... مادمت تعلم كل شيء و واثق ومتأكد لماذا اخشى بعد؟" قال بسرعة وتأمل: "ما الامر يا كارلا ما بك؟..... اراك على غير طبيعتك" نهضت واقتربت منه جدا قائلة بنبرة حادة: "لقد طفح الكيل وسئمت....... معتاد ان تجدني ابرر لك و استسمحك......... لقد اكتفيت من ذلك" نظر بعينيها وقطب جبهته, فتح فمه ليتكلم إلا انها قالت بصوت حاد وغضب مكتوم: "طوال فترة زواجنا و انا افعل كل ما يرضيك.... و اتحمل تقلبات مزاجك....... وأذعن امام عصبيتك وغضبك و اغلق اذني من كلام عمتك السام و اهاناتها اللاذعة و ريتا وفظاظتها............ حتى الخادمة باتت تحتقرني وتبتسم لي بسخرية وخبث لأنها تكذب وتتهمني وتكذبوني انا وتصدق هي من قبل الجميع........ لم تسمعني يوما يا خوسيه ولم تحاول ان تسمعني....... لأنني ممسوخة بعينيك هناك من يمسخني بأستمرار بنظرك........ كذبتني وكذبت اخوك وطردت الخادمة المسكينة لأنها كانت تقول كلمة الحق........ اليس من حقي ان اتغير... ان اغضب قليلا؟"........ وضع يده على صدرها و ابعدها ببطء من امامه ثم سار وسارت خلفه قائلة باستياء: "ألا تفكر لماذا عمتك لم تدافع ابدا عن جيمس وكأنه عدوها......... لماذا؟ لأنها كرهته هكذا فجأة لكونه خانك أتصدق ان جيمس يقدر على ذلك ان يستغلك ويسخر منك؟........ طوال حياتك التي عشتها مع جيمس ولم تعرفه بعد؟............ يا خوسيه لقد ضقت ذرعا بتصديقك لعمتك..... هي امرأة انانية جشعة" التفت اليها بعيون متقدة و قال: "لماذا علي ان لا اصدقها...... ما هدفها بتدمير حياتي وحياة اخي؟" تراجعت وجلست على السرير وقالت بشيء من الهدوء: "اهدافها واضحة جدا........ انت الوحيد الذي لا تدرك خطتها.... طوال الفترة و انا اسمع بأذني كيف تتكلم عنا.............. يا خوسيه عمتك تكره جيمس لأنه........... ليس ابن شقيقها لأنه لا يملك ثروتك انت التي ورثتها من والدك تريد ان تبعده عن القصر وعن حياتك نهائيا وتبعدني انا ايضا" التهبت عينيه و اشار لها بيده لتسكت وبدى متجهما و منزعجا وقال بنفور: "كفى.............. غسلت دماغ جيمس بهذه القصة....... جعلته يحقد على عمته التي ربته بيديها..... زرعت الفرقة بيننا" ثم قال ساخرا: "اصبحت عمتي تكره جيمس في الوقت الذي ظهرت به انت ونسيت ان تكرهه قبل ذلك اليس كذلك؟"
قالت ببرود: "لا يهمني رأيك...... لأنه مغلق وغير قابل للتغيير مهما حدث...... لديك قناعة.... وهذه القناعة حطمت كل شيء.......... لننتهي يا خوسيه واحفل بعمتك و ريتا اللتان تحيكان لك الشباك حتى بالأخر تتزوج من ريتا ليس حبا بك بل طمعا وجشعا بثروة رينال.......... لا تستطيع جيسيكا ان تستوعب ان كل هذه الثروة ستذهب من يديها وتخسر مقامها والجاه الذي تحفل به من قبلك......... ما قيمتها هي؟..... اتملك شيئا؟..... أ لديها ما يضمن مستقبلها هي و ابنتها؟.... لا شيء....... انت فقط سبب استمرارها بالتنعم بثروة رينال......... صدق او لا......... لكن عليك ان تسمع مني الحقيقة التي توصلت اليها...... تينا تعرف ذلك تعرف كل شيء.......... ما هدف تلك الخادمة من قول هذه الحقيقة لي؟ المرأة شعرت بالشفقة عليك لأنك مسير حسب رغبات الآخرين انت لا تشعر بذلك لكنها الحقيقة انت تسير حسب توجيهات جيسيكا........ فقط مرة واحدة انحرفت عن الطريق الذي رسمته هي لك.... وهو عندما اتيت بي الى هنا واخترت ان تتزوجني...... لذلك حاربت ذلك بشدة وبمختلف الوسائل..... هذا بدلا من ان تفرح لك لأنك تخلصت من شبح عائلتك الذي يطاردك و يدمرك...... انا لم اقصد ان اسيء اليهم افهم ذلك لكن مجرد اضرابك عن الزواج كان امرا كبيرا وغريبا وغير سويا........ صدمت تلك المرأة لأنها شعرت انك خرجت من يدها وسهرت الليالي حتى اوصلتنا الى هذه المرحلة........ حققت القدر الكبير من اهدافها.... جيمس خرج من القصر وكرهتما بعضكما وكرهتني.... لم تجد امامك الآن سوى جيسيكا و.... ريتا.... أكلامي واضح ام لا يا خوسيه؟" ابعد بصره وجلس ثم هز رأسه باستنكار لا يريد ان يستوعب الكلام وامسك جبهته بيد متوتره ثم نظر اليها بحدة وقال بنبرة صارمة: "اسكتي..... كفى" بقيت صامته وتتطلع اليه, اسند رأسه على يديه ثم قال فجأة: "تريدين ان افهم انها وضعت قلادتك في سرير جيمس؟..... و وضعت حبوب منع الحمل في فمك؟........ طفلا انا حتى تقنعيني بذلك" ثم جذبها من معصمها والصقها به قائلا بصوت مرتفع: "غير مقنع....... وجودك في غرفة جيمس وبملابس النوم وبساعة متأخرة وقلادتك المقطوعة..... كله غير مقنع لي".... قالت وهي تسحب يدها: "لكنها الحقيقة..... ذهبت الى غرفة جيمس بدون تفكير لأني لا يمكن ان اتوقع انك تشك به لأني اعتبره كأخي........ لأني اجده مهذبا ومحترما........ عندما دخلت عمتك علينا توقعت انها سوف تسمم رأسك بكلامها" هو وبتحديق ونبرة تحقيق: "والميدالية كيف وصلت الى السرير؟" هي و بتبرير: "حسنا اعلم انك لم تصدقني لكن لا ادري كيف قطعت.... نبهني جيمس انها متدلية.... و خلعتها لكنها علقت بشعري.... صدقني لم يحدث اكثر من ان جيمس ساعدني على انتزاعها من شعري باللحظة التي دخلت عمتك......... لا ادري كيف وصلت الى السرير ولا اتذكر.... ربما اللعينة سنتيا وراء ذلك..... كأنها كذبت لصالح عمتك".... ضاقت عينيه وبدى مستاء وغاضب اشتدت قبضته على السرير وشد الشرشف بقوة وانتزعه من السرير ونهض ثم قال وهو يمسك يديها ويقيدهما خلف ظهرها: "لماذا قلت انك كنت عند جيمس قبل قليل؟" بقيت تنظر اليه بصمت وهو متأملا شفتيها منتظرا اجابة.... قال باتقاد: "كذبت لتوك وتريدينني ان اصدق كل كلامك؟" ابعدت بصرها وتضايقت من يديه اللتين تشدان يديها بالتدريج حتى اصبحت قبضته مؤلمة جدا وقال بالحاح: "اين كنت ان كان جيمس هنا"............ اتسعت عينيها وبقيت صامتة وابتلعت ريقها, قال بصوت خافت: "نعم هنا وتحدثنا طوال الوقت..... وقبل عودتك بثواني خرج..... اعترفي قولي الحقيقة ولو لمرة واحدة..... لم اعد افهم شيئا.... اتسائل كالمجنون اين الحقيقة؟"............ بقيت صامتة واعتصر جسدها بقوة وأغمضت عينيها...... قال بتعب وهو يضغط عليها: "تكلمي كفاك تلاعبا بي..... لقد شغلتني عن كل الدنيا.... لم اعد قادرا حتى على عملي.... ما ذنبي حتى يحصل معي كل ذلك؟....... اريد ان انعم بالهدوء بحياتي..... كل يوم اكتشف فيك شيئا يحيرني" ثم تأمل عينيها وقال: "انظري كيف لديك القدرة على ان تخبئين..... اشياء كثيرة"............ قالت وهي تحدق بوجهه المتفحص: "افكر الآن ما نوع العقاب الذي سأتلقاه منك حتى اقول كل ما تريد معرفته....... ربما ستصفعني..... لا هذه مجربة.... ربما ستهجرني طويلا وتقوم بخيانتي امام عيني.... هذه ايضا استخدمتها..... ترى ماذا عندك بعد؟" ارخى يديه وحررها من قبضتيه الفولاذيتين.... ابتعدت واستدارت الى الناحية الاخرى وقالت وهي تدعك بمعصميها: "لماذا تريد ان تبقى تحت رحمة جيسيكا التي قاومت بشدة شفائك و اغرقتك بصدمتك.... حتى انها كانت تتلاعب بعلاجك كما يقال" لن تلتفت اليه وترى تعابير وجهه حتى ادارها بسرعة وقال: "لم اعد تحت رحمة احدا ولست بحاجة الى ان يساعدني احدا.... انني بخير... و افضل من أي وقت مضى.... بإمكاني ان اواصل حياتي على افضل وجه لا علاج ولا سخافة.... وستكتشفين ذلك بنفسك" قالت بتأمل: "و انا اريد ذلك طبعا واشعر الآن انك بخير" اقترب اكثر واضطربت اهدابها عندما امسك وجهها وقال بتركيز: "لنترك موضوع جيمس جانبا الآن..... قولي لي لماذا كنت تتناولين مانعا للحمل مع علمك بمدى رغبتي بالطفل وكنت اقول لك ذلك كل يوم وتركتني اصدق انك مذعنة لرغبتي..... اريد جوابا فورا لا تصمتي" اجابت بسرعة: "لأني لم اطمئن للحياة معك لعلمي ان عمتك تعمل على ابعادنا.... خشيت ان تتركني بأي لحظة و اكون قد ندمت وقتها على الحمل..... لم اضمن حبك لي انت اخبرتني بلسانك انك لا تحبني وان هدفك هو استمرار الحياة فقط..... هذا الكلام المني بشدة... وجعلني افكر بتناول ذلك.... لم اخبرك لأني اعلم ردة فعلك و اردت ان اخبرك فيما بعد عندما تتحسن الظروف بيننا.............. لكن كل يوم اجدك تبتعد اكثر بسبب الاوهام التي تزرعها عمتك برأسك..... و اخيرا هذه الحادثة القذرة......... تصور لو كنت حاملا.... ماذا سيكون موقفي وموقفك عندما توهمت انني على علاقة بجيمس؟......... انا اعر ف موقفك حينها ستشك بالطفل ايضا......... اترى كيف من الافضل انني لم احمل حتى الساعة..... افضل بكثير وهاهي حياتنا معا تكاد تنتهي.... وليس بيننا رابط يورطنا ويضطرنا الى شيء" .... اومأ ببطء وسرى بريق خبث بعينيه ثم دفعها على السرير فجأة وقال بصوت خافت: "لكني اريد ذلك الرابط........ ولن ادعك حتى تنفذين رغبتي" نهضت واعادها............ قالت برجاء: "لا .......... عليك ان تفكر بعاقبة ذلك يا خوسيه ارجوك........... لست مستعدة لذلك..... لا اريد ان احمل لا اريد" وقاومته بجدية إلا انه كان جادا ايضا وقال بنبرة واثقة: "لكني اريد ذلك"

في اليوم التالي نزلت دموعها وهي تفكر بالرحيل وسارت في الغرفة ذهابا و ايابا وهي تتوقع من خوسيه ان يذهل ويصدم من رحيلها بدون علمه........ او ربما يرتاح منها ويتركها.... لا تدري ان ما خططت له صوابا ام لا؟.......... خاصة بعد ما حصل الليلة الماضية... ربما لهذه الليلة تأثير بالمستقبل ربما لو رحلت من هنا لن تستطيع العودة ابدا.... ستجتهد جيسيكا على تغيير خوسيه بمختلف الوسائل وربما يغرق مع كلوديا وينساها خاصة ان كلوديا امرأة مؤثرة وفاتنة... تبا ستتركه لها و ليجيسكا.
بهتت ملامحها عندما قالت جيسيكا بعنف: "لا تريدين ان تخرجي من غرفتك حتى لا ترينا اليس كذلك؟........... ماذا فعلت بالرجل؟..... كيف خدعتيه مجددا واستدرجته الى سريرك" هي وبتحدي: "هو يريدني لن اجبره على ذلك..... ألاعيبك وخططك ستبوء بالفشل يا جيسيكا........ خوسيه لا يستطيع مقاومتي.... ربما الآن انا حبه الوحيد....... عليك اليأس من ان يتزوج ابنتك يوما" ثم تجهمت و ادركت ان ما تقوله لأغاظتها فقط وإلا فهي راحلة بعد ساعة... جيسيكا وبعيون ضيقة: "انت كالأفعى التففت حول عنقه و قيدته.... لا تفرحين كثيرا لأنه يعاشرك فهذا احتقار ليس إلا.... فهو يعلم انك خائنة ومع هذا يشاركك السرير ألا تفهمي معنى ذلك"........... هي وبثقة مصطنعة: "نعم ادرك معنى ذلك كثيرا.... معنى ذلك انه لا يستطيع ان يتركني لا يقدر على ذلك"
اخرجت جيسيكا سيجارة بيد مرتجفة وأشعلتها ببطء وهي غير مسيطرة على حركاتها ثم قالت بابتسامة غاضبة: "لنرى.... لنرى غدا ماذا يحصل"... ابتسمت كارلا بتسلية وعناد وعندما خرجت جيسيكا مستشيطة غضبا تلاشت ابتسامتها وتهاوت على الكرسي بانهيار ومررت يديها على جبهتها الساخنة ونظرت الى الساعة انها الخامسة تماما.... الخامسة والنصف تقلع الطائرة.
بعد لحظات وجدت نفسها في الطريق الى المطار ولم تأخذ معها أي شيء سوى مستمسكاتها.
قالت والصدمة بادية عليها: "نعم؟.......... كيف الغي الحجز؟....... من الذي فعل ذلك؟"............. الموظفة وبهدوء: "انه السيد خوسيه رينال........... لقد الغى الحجز منذ البارحة"
بهتت ملامحها واستغربت كيف توصل الى اكتشافها!.......... سألت ان كانت هناك طائرة ستقلع قريبا و اخبرتها ان هناك طائرة تقلع الثالثة صباحا.... قطبت جبهتها وعادت تسير ببطء وتخاذل ثم توقفت امامها سيارة فيها السائق الخاص لخوسيه...... صعدت ببهوت وبقيت صامته طوال الطريق.
مرت بالصالة لتجد ريتا جالسة مع والدتها تتبادلان اطراف الحديث وعندما رأتاها توقفتا عن الكلام واحتدت نظرتهما............... صعدت السلم وهي تشعر بالفشل يبدو انها لا تستطيع ان تخطو خطوة واحدة بإرادتها.
عندما دخلت الغرفة وجدته جالس على السرير.......... اغلقت الباب و قالت: "تضع من يراقبني يا خوسيه؟...... تضع لي جاسوسا على تحركاتي اليس كذلك؟"............. قال بهدوء شديد: "وإلا فأنا مغفل وغبي.......... قلت مصيرك انا احدده.............. مصيرك بيدي....... ولن تخطين خطوة واحدة خارج هذا القصر حتى تحققين لي رغبتي ".................. شبكت يديها وقالت بضعف: "لماذا لا تتركني.......... لماذا؟" ثم تهاوت على الاريكة و اخفت وجهها..... اعتدل وقال بسخرية: "لهذا الحد تكرهين بقاؤك معي؟............ ليلة البارحة ظننت خلاف ذلك؟"......ثم تغيرت نبرته و اصبحت حادة وغاضبة: "كيف لي ان اترك زوجتي الحسناء ترحل..... تعود الى بلدها هاربة........ عليك ان تفهمي ان من يدخل حياتي الخاصة لا يقدر على الفرار.... إلا بأذني"...... نظرت اليه عبر دموعها و ابعدتخصلات شعرها المتناثرة على جوانب وجهها وكتفيها ولم تجد ما تقوله له .ثم ابتسم وقال بنبرة مغيظة: "انا في مرحلة انتظار.............. الحمل"

الحب الانانى الجزء الاول من سلسلة قلوب منكسرة لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن