الفصل الرابع

1K 37 0
                                    


باغته سؤال والدته، كان سؤالها مباشرا ومفاجئا، تنحنح قائلا: -طبعا بحبها زي أختي، اتربينا مع بعض سنين و....
قاطعته بحدة:
-أنت فاهم قصدي، بلاش تلف وتدور.
كان يرتب أفكاره وكلماته بسرعة، ونظر لها بثبات:
-ماما ليه بتقولي كده؟
-تصرفاتك بقالها كام شهر غريبة، وسيبت البيت، وبتتعامل معاها بحذر كده، ومش بتتكلم معاها زي الأول وهي لاحظت ده، ومستغربة جدا، كلمتني أكتر من مرة وأنا كنت برد عليها إنك كبرت وبقى ليك مشاغل، لا هي مقتنعة بكلامي ولا أنا نفسي مقتنعة.
أخذ نفس عميق ونظر لها بحنان وقال بهدوء:
-(ليلى) كبرت يا ماما، وحسيت أنه مش مناسب أكون معاها في نفس البيت، مش هبقى مرتاح ولا على راحتي، وهي بتتصرف معايا عادي، وده مش مناسب لأني غريب عنها..
نظرت له كان يبدو عليها أنها تقتنع بكلامه، كان كلامه منطقيا لا يقبل النقاش، فأكمل بسرعة حتى يقطع عليها أي تردد:
-وبعدين أنا معجب بواحدة زميلتي في الشغل..
وقفز لذهنه صورة (منار) زميلته، كانت تكبره بعامين، ولكنها مخطوبة بالفعل، كانت الفتاة الوحيدة التي تعمل في نفس الطابق في شركته، لذا كانت الخيار الوحيد أمامه في تلك اللحظة ليهرب من النقاش مؤقتا، انتبه في تلك اللحظة أنه لم يرتبط أو يفكر حتى في الارتباط بأي فتاة مرت في حياته، سواء في الجامعة أو الحياة عامة، فقد كان يبحث بدون أن يدرك عن فتاة بمواصفات (ليلى) برقتها، وبراءتها، وأدبها، ومرحها، ولكنه لم يجد مثلها، أو كذلك ظن..
الآن أدرك أنه لا يبحث عن مثيلتها ولكنه يريدها هي، أدرك ذلك في الشهور القليلة الماضية، وشعر بالمرارة، أي مأزق أصبح فيه..
قاطعت والدته أفكاره:
-هتعرفني عليها امتى؟
-أما أكون جاهز ياماما، ومستعد ماديا ونفسيا، هي متعرفش أي حاجة لحد دلوقتي، ومش هقولها غير أما أكون مستعد.
-والدك هيساعدك ماديا طبعا، من الناحية دي متقلقش.
-لا ياماما، أنا عاوز أعتمد على نفسي، كفاية على بابا كل اللي عمله عشاني، عاوزه يعرف إن ابنه راجل.
نظرت له بفخر وحب، وأمسكت وجهه بين يديها:
-أنت أحلى ابن في الدنيا، ربنا يبارك فيك ويسعدك يا حبيبي.
تنفس الصعداء أخيرا اقتنعت والدته بمبرراته، ونسيت شكوكها.

* * *

انتهت (ليلى) من ارتداء ملابسها، وخرجت إلى الصالة، لتسأل (مجدي):
-بابا هتوصلني عند (نانسي) صاحبتي؟
-(حسام) بقى يوصلك، وهو نازل لصاحبه، وأنا هعدي عليكي أرجعك، وبعدين هي صاحبتك مش هتجيلك مرة؟ (حسام) مبقاش موجود في البيت طول الأسبوع، مفيش داعي تبقى محرجة تيجي عندنا.
-كنت ناوية أقولها تيجي هي المرة الجاية.
في تلك اللحظة خرج (حسام) ووالدته من غرفته، ودلفا إلى الصالة، وبادرهم الأب بسخرية:
-خدتي منه التقرير الأسبوعي؟
غمزت لابنها بسعادة:
-أه طبعا، بس مش هحكيلك.
-ابني حبيبي هيحكيلي، مش محتاج أعمل فيها وكيل نيابة زيك.
ضحكت (ليلى) على مزاحهم، ونظر لها (حسام) كانت ترتدي فستانا طويلا باللون الفيروزي بلون عينيها، وعلى خصرها حزام أبيض عريض، وعقدا أبيض، وشعرها العسلي المموج منسدلا على كتفيها، كانت أجمل من كل مرة.
سألها:
-(ليلى) ، أنتِ خارجة؟
-أه، هروح ل(نانسي)، هو فيه غيرها، بابا قال هتوصلني قبل ماتروح، وهو هيبقى يعدي عليا نروح مع بعض.
-تمام، هوصلك عند نانسي، وأرجع البيت أسيب مفاتيح العربية لبابا.
(هدى):
-ماتركب تاكسي بدل ماترجع تاني وتتأخر، بيت (نانسي) بالعربية نص ساعة.
تبادل (حسام) و( ليلى) النظرات، ووضعت الأخيرة يدها على فمها تداري ضحكتها، حتى لا يلاحظ الوالدين، تذكرت مرة ركبت فيها تاكسي معه، تشاجر مع السائق، كان ينظر لها من مرآته، يومها كاد ( حسام) يحطم وجهه، لولا تدخل المارة..
بالطبع هي لاتريد تكرار ذلك المشهد، لذلك تطوعت هي بالرد على الأم:
-(حسام) مش بيحب سواقة حد، هيفضل يتخانق معاه طول الطريق.
ابتسم (حسام) بجانب شفتيه:
-يلا بينا، عشان منتأخرش.
كان صامتا طوال الطريق، حاولت أن تسأله عن عمله، وكيف يقضي أيامه طوال الأسبوع، ولكن رده كان مقتضبا لأقصى حد.
-(حسام) ، كلامك بقى قليل جدا.
-صدقيني تعبان من الشغل، وماما عملت معايا تحقيق، عشان صدقت إني مرتبط.
ضحكت كالأطفال:
-خلاص كفاية عليك تحقيق النهاردة، هحقق معاك الأسبوع الجاي.
واستدارت تنظر من النافذة إلى الطريق، ظل هو يخطف نظرات إليها دون أن تشعر، كانت مشاعره متضاربة في تلك اللحظة، كان سعيدا لأنها بجواره يشعر بدقات قلبه عالية، وحزينا في ذات الوقت، تمنى لو اقتلع قلبه من صدره، حتى تتوقف معاناته.
أوقف السيارة أمام منزل صديقتها، وقالت وهي تفتح باب السيارة:
-هتوحشني يا (حسام)، أشوفك على خير الجمعة الجاية.
تجمدت الكلمات على شفتيه، واكتفى بإشارة وداع بيديه.

***

كان (حسام) يقضي طوال الأسبوع في العمل، ويذهب لمنزل والديه يوم الجمعة، ويقص كل فرد منهم أحداث الأسبوع كما جرت العادة، وكان (حسام) يقص عليهم محاولاته الفاشلة هو وصديقه في إعداد الطعام، وكم مرة اضطرا فيها لطلب طعام من المطعم.
(هدى):
-يا حبيبي، مش تيجي تعيش معانا تاني أحسن، بدل بهدلتك دي.
(مجدي) بعصبية:
-ماتسيبي ابنك يجرب، بطلي تدلعيه بقى، أهو بقى راجل أهو.
-هو عشان يبقى راجل، لازم يأكل من الشارع؟
-وماله أكل الشارع، هو أكل البيت اللي حلو يعني؟
-ماله طبيخي يا (مجدي)؟ مش عاجبك ولا إيه؟
تمتم (مجدي):
-لا يا حبيبتي، مش بتكلم عليكِ أنتِ طبعا.
-بحسب تقصدني ولا حاجة.
انفجر (حسام) و(ليلى) في الضحك، وقال (حسام) مداعبا والدته:
-مش هقولك على حاجة تاني يا ست الكل، عشان متقلقيش عليا.
-لا يا حبيبي قول، أنا بس صعب عليا إنك تبقى جعان وراجع من الشغل ولسه هتطبخ، هبقى أعملك أكل تسخنه وتاخده معاك يكفيك طول الأسبوع.
قبل يديها، وقال:
-لا ياست الكل، أنا عاوز أتعلم الطبخ، هبقى أضيفه لمميزاتي في السيرة الذاتية.
-بتهزر يا (حسام) كده في كل حاجة.
(مجدي) مازحا:
-دمه عسل زي باباه .
(هدى):
-وليه مش زي مامته؟
وقف (حسام) مقاطعا:
-لا أنا همشي قبل ماتتخانقوا تاني.
وترك والديه يتجادلان كالعادة، و(ليلى) تضحك وتمازحهم.

***

مرت الأيام، ووفى (حسام) بوعده، وحضر معها كتابة تنسيق الكليات، وكان معها يوم عرفت نتيجة التنسيق، وقبولها في كلية الفنون الجميلة بالزمالك، وحضر معها التقديم في الكلية، وكالعادة كانت مشاعره متناقضة في كل مرة يراها، وفي كل مرة يكون حديثه معها مقتضبا، ويختطف نظرات إليها بدون أن تشعر به..
وظل على حاله لا يقوى على البوح بما في نفسه، ولا يقوى على نسيانها.
قرر الإشتراك في إحدى النوادي الرياضية، بعد انقضاء ساعات العمل، حتى يشغل وقت فراغه، فلا يتسنى له وقتا للتفكير فيها.
***

ومر عامان، كانت (ليلى) تتفوق في الكلية، وتكون صداقات، وتهافت الشباب على الحديث معها والتقرب منها، لكنها كانت تتعامل مع الجميع في حدود الزمالة، ولا تسمح لأحدهم بتخطي الحدود..
وظلت هكذا..
حتى ظهر (تامر) في حياتها...

أسميتها ليلى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن