هتف (حسام) بذهول:
-بابا، هو حضرتك هتعمل إيه؟
انفجرت (هدى) في البكاء، وفرت دمعة ساخنة من عيني (مجدي) وقال في أسى:
-(ليلى)، أنا آسف، بس لازم أقولك الحقيقة.
وضع(حسام) وجهه بين يديه، ونقلت (ليلى) بصرها بينهم في رعب، وبدأ (مجدي) يقص عليها كل التفاصيل، التي عرفها من والديها، والتي عرفها من الأخبار بعد ذلك.***
منذ أكثر من (١٩ عاما)..
قبل الفجر بساعة، كانت الطرقات على الباب عالية، فتح (مجدي) الباب وهو يتثاءب، وجد جيرانهم في المبنى المقابل أمامه وعلى وجوههم نظرة رعب.
قال الزوج:
-أستاذ (مجدي)، دي بنتنا، أرجوك مفيش وقت، خليها معاكم.
أخذ (مجدي) الطفلة وهو ينظر بذهول:
-هي المدام ولدت امتى؟
-من أقل من شهر بس ولدت في البيت، ومحدش يعرف أنها كانت حامل، ومعرفناش نسجلها، عارف كلامي مش مفهوم، أرجوك خلي بالك منها، وهتفهم بعدين.
-هترجعوا امتى تاخدوها؟
-مش هنرجع.
اختفى الزوجان في لمح البصر، ووقف (مجدي) دقيقة كاملة لا يفهم ماذا جرى، كان يخيل إليه أنه يحلم.
-مين يا (مجدي)؟
كانت (هدى) قد خرجت من غرفة النوم، كانت تنتظر رجوع زوجها للغرفة، فلما تأخر خرجت تبحث عنه.
-مين الطفل اللي في إيدك ده؟ أنت اتجوزت عليا ولا إيه؟
أغلق الباب ومشى بخطوات ثقيلة، ودخل الغرفة، وضع الطفلة على السرير، وقص عليها ماحدث.
ظل الزوجان ينظران للطفلة وينظران لبعضهما والصمت يسود الموقف، حتى سمعا أذان الفجر، قام (مجدي) يصلي و(هدى) معه، بعد الصلاة، جلس يفكر، وقالت زوجته:
-هنعمل إيه؟ والمجانين دول سابوا بنتهم كده ازاي؟
-مش عارف، بس واضح فيه حاجة كبيرة، أكيد هنفهم بعدين، نقوم ننام دلوقتي، والصبح نشوف هنعمل إيه.
نظرت له بدهشة، وهتفت بحنق:
-هو حد هيجيله نوم؟* * *
في الصباح، استيقظ (حسام) من النوم، لم يكمل سنواته الست بعد ودخل الغرفة عند والديه.
-بابا، ماما، أنا صحيت، ومين النونو ده؟
نظرت إليه والدته وقالت بصوت مرهق، فهي لم تذق النوم طيلة الليل:
-صباح الخير يا حبيبي، دي طفلة هدية ربنا بعتها لينا.
قال (حسام) بسذاجة الأطفال، وهو يصفق بيديه في سعادة:
-الله، أخيرا بقى عندي أخت.
قال الأب وهو بين النوم والاستيقاظ:
-تحب تسميها إيه يا حبيبي؟
فكر الطفل قليلا، وفرك يديه بحماس:
-(ليلى)، هسميها (ليلى).***
بعد أسبوع، قرأ (مجدي) في الجريدة، القبض على عصابة دولية تخصصت في تجارة الأعضاء والمخدرات والسلاح، وبعد مطاردة استمرت لأيام تمكنت أجهزة الأمن من القبض على أفراد العصابة بعدما حاولوا الهرب، ووجد أسماء والد ووالدة (ليلى)، وكانوا قد فروا إلي إحدى المدن الساحلية، تمهيدا لهروبهم عن طريق البحر.
وضع الجريدة جانبا، ونادى على زوجته وقص عليها ما قرأ، شهقت (هدى):
-ياخبر، وبنتهم المسكينة دي هنعمل فيها إيه؟
-مش عارف، مش قادر أفكر.
-نوديها دار أيتام، ونقول....
قاطعها الزوج بغضب:
-لأ، عاوزاني أرمي طفلة مختارتش أهلها للمجهول، وممكن تتبهدل أو تموت من الإهمال.
-أنا اتعلقت بيها في الأسبوع ده يا (مجدي)، لكن هنعمل إيه؟
فرك جبهته يفكر بعمق، وقال فجأة:
-هكتبها باسمي، ونربيها في البيت.
-بتقول إيه؟ ازاي يعني؟ ونربيها كأنها بنتنا؟ ولو أهلها حبوا ياخدوها تاني هنعمل إيه؟
-لو كانوا عاوزينها، مكنوش رموها بالصورة دي، ناس زيهم كان ممكن يقتلوها كمان.
-يا حول الله يارب، وهنقول للناس إيه يا (مجدي)؟ كنت حامل فيها امتى بقى؟
-عادي، أنتِ نسيتي حصلك إجهاض كام مرة؟ قولي كنتِ مخبية حملك عشان كنتِ خايفة، وبعدين أنتِ من ساعة ماولدتي ابنك وأجهضتي كتير وأنتِ واخدة إجازة من الشغل، ومش بتخرجي كتير، حتى قرايبنا اللي بيزورونا ولادهم عندهم امتحانات الأيام دي، سهلة خالص أهي، مترتبة من عند ربنا.
أخذت نفس عميق، وقالت:
-كنت بفكر أقدم السنة الجاية في المدرسة الجديدة، مش مشكلة نأجل الشغل شوية كمان.. اعمل اللي تشوفه يا (مجدي)، أنا بصراحة مش عارفة أفكر.