خامسا:-الزواج

445 22 1
                                    


لا تأمل يا صديقي.....

أتخذ قرارا!

بينما كنت أنتظر لالتقاط أحد الاصدقاء من المطار في بورتلاند، أوريجون، مررت بأحدى تلك التجارب التي تغير الحياة والتي تسمع الناس يتحدثون عنها كثيرا : ذلك النوع من التجارب الذي يتسلل اليك على غير توقع. وقع الحدث على بعد قدمين فحسب من مكاني.
بينما كنت أحاول جاهدا تحديد موقع صديقي بين المسافرين الذين يخرجون من الممر، رأيت رجلا يتجه نحوي حاملا حقيبتين خفيفتين. توقف الرجل الى جواري تماما ليسلم على عائلته.
أشار أولا نحو أصغر ابنيه (ربما كان في السادس من عمره) بينما كان يضع حقيبته.
وبعدها، عانقا بعضهما البعض عناقا طويلا يملؤه الحب.
وعندما تباعدا بما يسمح لان ينظرا لوجه بعضهما البعض. سمعت الاب يقول :"كم هو رائع أن أراك يا بني. لقد أفتقدتك بشده! ".ابتسم ابنه ابتسامه خجل، وحول بصرة جانبا. و رد برقة " وانا ايضا يا ابي! ".
بعدها، نهض الرجل واقفا، وحدق في عيني ابنه الاكبر (ربما في التاسعة او العاشره) ، وبينما كان يحيط وجه ابنه براحتيه، قال " لقد اصبحت شابا يافعا بالفعل. انتي احبك كثيرا يا زاش؟ ".وتعانقا عناقاا رقيقا مفعما بالحب.
وبينما كان هذا يحدث، كانت طفله رضيعه ( عمرها سنة او سنة ونصف تقريبا) تتلوى شاعرة بالاثارة بين ذراعي امها، دون أن ترفع بصرها ولو لثانية واحده عن المشهد الرائع لعوده والدها.
عندئذ التفت اليها الرجل قائلا " مرحبا يا صغيرتي! " وهو يلتقطها برفق من والدتها.
وسرعان ما غمر وجهها بالقبلات وقربها من صدره وهو يهزها من جانب الى الاخر.
وعلى الفور، سكنت الصغيرة والقت رأسها على كتفه بسكون وأطمئنان خالصين.
وبعد لحظات طويلة، أعطى الطفلة الرضيعه لأكبر أبنائه قائلا :"لقد ادخرت الافضل للنهايه ! " ، وتقدم نحو زوجته ليقبلها اطول القبلات التي رأيتها في حياتي واكثرها حبا وعاطفه.
وبعدها، حدق في عينيها عدة لحظات ثم قال في هدوء وتأثر :" كم أحبك ! ".
حدقا في عيني بعضهما البعض وهما يبتسما ابتسامات مشرقه، بينما كانت ايديهما متشابكه .
حينها تذكرت للحظه الازواج الجدد،
ولكنني كنت اعرف اعمار اولادهما انه من غير المحتمل ان يكونا زوجين جديدين. تعجبت من الامر للحظه،
ثم ادركت اني استغرقت كل كياني في مشاهدة هذا العرض الرائع لمشاعر الحب غير المشروط الذي وقع الى جواري مباشرتا.
وفجأة شعرت بعدم الأرتياح، وكأنني كنت اقتحم شيئا مقدسا، ولكن ما ادهشني حقا هو أنني سمعت نفسي أسأل مندفعا بشيء من العصبية :" واو! منذ متى وانتما متزوجان؟ ".
أجاب الرجل دون ان يرفع بصرة عن وجه زوجته الحبيبة : " نحن معا منذ اربعه عشر عاما اجمالا، منها أثنا عشر عاما گ زوجين ".
سألت مرة اخرى :" حسنا اذن، منذ متى وانت غائب؟".
استدار الرجل اخيرا ونظر الي وهو لا يزال يبتسم تلك الابتسامه المتألقة، وأجاب : "منذ يومين كاملين! ".
صعقني رده. يومان فحسب؟؟؟.
لقد أفترضت من حرارة اللقاء انه كان غائبا على الاقل منذ اسابيع كثيرة :ان لم يكن شهورا. اعلم ان تعبيراتي خانتني حينها. فبينما كنت احاول انهاء تطفلي بمظهر من التهذيب والذوق (والعودة الى البحث عن صديقي)،
قلت بغير تفكير او تروي :" أمل ان يحتفظ زوجي بكل هذه العاطفة والمحبة بعد مرور أثني عشر عاما! ".
تلاشت الابتسامه المرتسمه على وجه الرجل فجأة، ونظر في عيني مباشرة.
وبقوة زلزلت كياني، قال لي شيئا حولني الى انسان أخر.
قال لي : " لا تأمل يا صديقي..... أتخذ قرارا ".
وبعدها، استعاد ابتسامته رائعة مرة أخرى، وصافحني قائلا :" باركك الله! ".
وبعد هذا القول، استدار هو واسرته وانطلقوا جميعا معا.
كنت لا ازال اراقب هذا الرجل الفذ وأسرته الرائعه وهم يبتعدون عن ناظري عندما اقترب مني صديقي وهو يسألني :" ما الذي تنظر اليه؟ ".
أجبته بدون تردد، وبيقين شديد :" الى مستقبلي!!! ".

مميز بالاصفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن