-١-

141 19 193
                                    

العاشرةُ صباحًا، واليوم العاشر علَى التولي الذي تُجر فيه إلى مقرِ الشرطة مُرغمة لإنهاء معاملاتٍ لا دورَ لها فيها.

كانت جَالسة تأُرجح قدَميها ومُقلتاها تتشبثُ بكلِ من يُلقي عليها نظرةً خاطِفة، تُمعن التحديقَ بهم لتتناسَى خبرًا مؤلمًا ولعلَّه يكون الشخصَ المنشود فقَد طال انتظارُه.

حالَما أتى أخيرًا أمَرَها بأن تتبِّعه بجفاء دونَ كلمةٍ أُخرى، فامتَثلت لأمرِه وبدأَت سيلًا من الشتائم فلم يُخبرها بوجتُهم خلافَ ما سبقَ من الأيام.

فَتحَ الرَجل بابً ودفَعها لتدخل ليَتراءى لها ثلاثة رجالٍ أحدُهم ثيابه تفضحُ كونَه مُدير القسم، ازدادَ توَترها وشعورٌ بالغثيان تملَّكها، تماسَكت بصعوبةٍ أمامَ برودِهم وانغماسِهم بالأحاديثِ الجانِبية فهي اللحظةُ المصيرية بالنسبةِ لها بينَما يتبادَلون الابتسامات المُقرفة.

لم يدُم حالهُم طويلًا، فبعدَ انتباهِهم لوُجودها نظَر إليها مديرُ القسم بحزنٍ أقرب للشفَقة جَعلَ غثيانها أقربُ لرغبةٍ عارمةٍ في التقيؤ.

«كان حادثًا حيثُ لم يستطع السائقُ التحكمَ بالمركبة بسببِ عطلٍ في الفرامل، نأسَف كذلك لعدمِ مقدرتِنا على مساعدةِ أبويكِ صغيرتي.»

كُرر هذا الهُراء على مَسامعها فوقَ الألف مرة وقَد انتهَت مراسمُ العزاءِ بالفِعل، لكنها لا تَفهمُ ولا تُصدق ولا تَعلم بأيّ شعورٍ عَليها أن تشعُر بِه حتى الآن.

«لكِن لا تقلقي! هذانِ الرجُلان سيساعدانكِ!.» استطرَد المدير بذاتِ النبرةِ المُزيفة حالَما ألفاها صامِتة.

تقدَم أَحدُهما والذي يَبدو بالعمرِ أَصغر ثمَّ عرَّف عن نفسه مبتسمًا.

«اسمي توماس وأعملُ محاميًا، أكونُ إحدى زُملاء والدِك، والذي بِجانِبي السيد رودجر صاحبُ المَيتم الذي ستَنتقلينَ إليه.»

ثَرثر بالكَثير إلا أنَّ حَواسها تخدرَت عِند تلك الجُملة، تعلمُ أن النهاية ستؤول إلى ميتَم لكنها تأبى تقُبل الواقِع.

حين لاحظ توماس أنها لم تعُد تستمع إليه استسلمَ فأكملَ الثلاثةُ أحاديثَهم دونها، حتى اللحظةِ الراهِنة لم يَطرؤ طارئ سَيء لكِن حدسُها يصرخ بأنَّ لا ذرة خيرٍ في كل ما يحصل.

***

«ألا تزال معدتكِ تؤلِمك؟»، سألها رودجر الجالِس بجانِبها.

هل سألها بسببِ إغماضها عَينيها؟

أومَأت نافية؛ فهيَ تريد الوصول بأسرع ما يمكن لتنام وتُنهي كابوسَها فقَد استمَر طويلًا وآن لهُ الانتهاء.

استرقت نظرةً بالكادِ فتحت فيها عينًا إلى الحقيبةِ التي تفصِلُ بينها وبينَ رودجر، تخاف نسيانها لشيء رغمَ طولِ المُدة التي قَضتها في توضِيب الحقيبة، إلا أنّ صَدمتها غلَفت عقلها بالكامِل منذُ أولِ يوم.

رُكام ماضٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن