تجول رحا الأرض تطويها تحت قدميها الصغيرتين، راكضة بين سنابل القمح المتراقصة في حقل الريف الشاسع، تلك التي فاقت سنابلها طول ابنة الثمانية أعوام وخبأت حجمها الصغير بينها حين تعثرت ساقطة، لكنها سرعان ما نهضت ليبدو الطين الرطب والغبار مُلطِّخاً ملابسها ووجهها المشرق المتهلل، وكأن ألم السقطة لا يعني شيئا إذ لهوها ومرحها قد غمراها سعادة طغت على كل شيء!
نفضت بكفيها ما علق في وجهها وضحكتها التي حفرت غمازتان لطيفتان في خديها ترن بعذوبة، كانت تتحدث وكأنها تخاطب شخصاً ما رغم أنها وحيدة، كأنما ترى صديقًا خياليا لا يراه أحد سواها: "لقد أمسكتِّ بي يا إيلي.. دوري سأمسكك"
ونهضت قافزة تلاحق سراباً غير مرئي، لم تفطن لنفسها إلا حين أوصلها لعبها إلى بحيرة خلابة وسط الغابة القريبة، كانت صفحة المياه تبدو خضراء لانعكاس صورة الأشجار الطويلة عليها، مانحاً المكان رونقاً من خضرة عميقة: "لم آتي إلى هنا من قبل.. هيا إيلي سوف نعود، أخبرتني أمي ألا أتوغل كثيراً وحدي.."
كادت تعود أدراجها حين استوقفها منظرٌ ما، عيناها شُدتا لشيء لمحته يلتمع فوق البحيرة، التفتت وإذ بوهجٍ غريب سابح في الهواء يقترب منها، فينعكس في عدستيها السماويتين ليضفي لنظرتهما الفضولية سحراً أخاذاً، يرسله حجرٌ شفاف يطفو أمامها محاطاً بسديم براقٍ يكسر ضوء الشمس لألوان مختلفة.
فتحت عينيها على وسعهما مذهولة بمنظره، وفغرت فاهها بانبهار لم تكتمه وهي تحدث ذلك الفراغ: "انظري إيلي.. هذا مدهش!"
أبدت دهشتها بتلك الكلمات الشحيحة التي لم تكن كافية لتعبر عن شعورها أو عن جمال ما تراه عيناها، ليصدر صوت أشبه بهمهمات ذات صدى غريب عن محدثتها التي لم يكن يرى طيفه الطافي حولها غيرها، والتي دفعتها برقة إلى الحجر تحثها لتأخذه.
جمعت كفيها لتمسك به فخَفُت بريقه، راحت تحدق بداخل قبضتيها الصغيرتين باندهاش رسِّم في تفاصيل وجهها البريء الذي أضيء لسطوع شعاع الحجر الساحر.
.
أنت تقرأ
صدع في ذاكرة الزمن
Fantasyكسابحٍ يطفو في فضاءٍ خاوٍ لا يُعكر سكونه شيء.. لحن يشابه هذا البهوت، ضوء مستمر في الخبوت، لون يشابه الموت. أهو الآتي الذي لا قرار له؟ أم الماضي الذي لا فرار منه؟ أيُّ زمانٍ هذا الذي لا انطواء له ولا انحناء كأنه الفناء؟ مكان لا يُدرى ما هو، حيث الجم...