الفصل السادس والعشرون

22 4 3
                                    

الفصل السادس والعشرون  :
طرق سعيد باب غرفتي بقوة وهددني أنني لو لم أفتح لكسر الباب ودخل واستمر في طرقه ؛ بعد دقائق هدأت ففتحت الباب وتركته يدخل جلست بصمت فاقترب مني وجلس بجانبي وضمني لصدره فعدت أبكي كطفل تاه عن أمه ووجدها بعد حين تنهد سعيد وقال بحزن :
أي عبء يثقل قلبك هشام ... أي حمل ينهك ظهرك بني ... أي ثقل يقيد روحك يا كل ما أملكه في هذه الدنيا ....
تمالكت نفسي وتوقفت عن البكاء وقلت عمي ... أنا
كي ترتاح أصدقني القول .... سأتفهمك .
ثم رفع وجهي ونظر في عيني فقلت باستسلام وانهزام :
مازلت أحبها لا أستطيع نسيانها ...
رهف ؟
لا توجد إمرأة سواها تشغل بالي وتملأ قلبي وتداعب روحي إلاها .
وهي ؟
تنتظر مني إشارة صغيرة كي تترك العالم كله وتبقى معي ...
وأنت !؟
ضائع تائه كمن يجمع الكتب في بيته وينكر إمتلاكه لها ... عمي كلما تجاهلتها وتناسيتها راودتني عن نفسي ... كلما تخيلت أني قادر على نسيانها والابتعاد تبتسم فتذيب جليد قلبي وتشعل نيران الحب داخلي ... آسف لأنني خيبت ظنك بي لكن انا عاجز عن انتزاعها مني .
ابتسم سعيد لي بحنان وقال :
لا عليك أتفهمك بني فضفض لي سترتاح .
كم أحتاج للسفر والهروب بعيدًا.
هذا كلام صحيح الحل الأفضل هو سفرك ولن ينسي الرجل المرأة إلا إمرأة أخرى لعلك تجد من هي خير منها تحبك وتنسيك حبك لها وفقك الله بني وأراح قلبك .
ادعو لي عمي أرجوك .
انا ادعو لك دائما نم الآن وغدا فرج ورحمة .
استلقيت لكي أنام وغطاني سعيد وغادر .
في صباح اليوم التالي ذهبت للمستشفى للاطمأنان على كريم دخلت الغرفة. ، كان رضوان يجلس بحزن فألقيت التحية عليه وسألته هل من أخبار فقال :
لا جديد ودكتور ناجي تأخر بغرفة العمليات ...
هززت رأسي متفهمًا واقتربت من سرير كريم وقلت له :
كريم أنا هشام انهض لن إستطيع السفر دون أن أكلمك وأحتضنك هيا صديقي قم ورد علي ...
ثم دخلت ممرضة توجهت نحو سرير كريم فتنحيت لها كي تعمل وهنا دخلت رهف ألقت التحية بحماس لكنه خفت عندما وجدت كريم على حاله ، رحبت فرح برهف وهنا ابتسمت الممرضة وقالت :
جميل أنت إذن رهف كان هذا الشاب يناديك هذا الفجر .
نهض رضوان وسأل بلهفة :
هل تكلم هل سمعته بنفسك
لا أنا لم أسمعه لكن الممرضة المناوبة ليلة أمس سمعته وأخبرتني بذلك ... أنا انتهيت ودكتور ناجي سيمر ليتفقده بعد قليل.
خرجت الممرضة واقتربت رهف من السرير وهمست :
كريم رهف بجانبك  ... أرجوك استيقظ لأجلي اشتقت أليك لا تتركني وحيدة لم أكن اعرف أنني أحبك بحق .
ثم نهضت وطبعت قبلة صغيرة على جبينه وقبلت يده وراحت تبكي وهي تمسك بيده بقوة كأنها تخشى ان يهرب منها وهنا بدأت عينا كريم ترمش بشدة وهمس بصوت بالكاد يُسمع :
ماء ... ماء ... أريد ماء
ركضنا والتففنا حوله وضغط رضوان على زر جرس المساعدة في جانب السرير دخلت ‏إحدى الممرضات فأخبرها رضوان ان كريم يريد أن يشرب فطلبت أن نتريث قليلًا وهنا وصل ناجي فستغرب هذا الارتباك فأعلمه رضوان أن كريم عطش فابتسم بارتياح واقترب من كريم وسأله بصوت واضح وهو يضع يده على معصمه يتحسس نبضه :
هل انت عطش ؟
قال كريم بوهن :
نعم ... ماء
ثم جلب ناجي قطعة منديل وبللها ومسح على شفتيه وسأله :
هذا أفضل ... هل تسمعني ؟
ماء ...
افتح عيناك أولًا...
فتح كريم عينيه فكرر ناجي تبليل شفتيه وعاود سؤاله:
من أنت ؟
تأوه كريم وانهار الجميع بالبكاء .
من أنت ؟
ماء ...
ابتسم ناجي وقال ممازحا
يالك من جشع ... هيا من انت ؟
وكرر تبليل فمه فقال كريم :
انا كريم
صحيح هل تعرف من هؤلاء ؟
نعم أبي أمي  ... هشام صديقي ...
ثم ابتسم وقال :
رهف خطيبتي .
أحسنت يا بطل آخر سؤال ... هل تذكر ما حصل معك ؟
نعم كنت أقود سيارتي عندما انحرفت لأدخل أحد المنعطفات اصطدمت بالرصيف وفقدت السيطرة عليها .
نهض ناجي وقال :
‏على أي حال ‏حمدا لله على السلامة ‏سأتركك الآن مع أحبتك وأراك لاحقا .
خرج ناجي فلحقت به مع رضوان أغلقت باب الغرفة خلفنا وتبعنا ناجي اللذي قال :
كما توقعت  دماغه من التشخيص الأولي سليم وتخطيط الدماغ اللذي سنجريه سيثبت لنا بالضبط مقدار الضرر الناجم ولكن كل شيء تحت السيطرة .
قال رضوان :
شكرًا لك دكتور ناجي .
هذا واجبي ولا أنتظر شكرا عليه عندما يخرج كريم على قدميه سأكون قد عملت واجبي كامل ... ها هو دكتور قتيبة .
وصل قتيبة مسرعًا وهو يبتسم : :
ها كيف حاله دكتور ؟
ألا يُحتفَظ بخبر في هذه المستشفى !.
الممرضات يثرثرن كالعادة .
لابأس إقرأ تقرير الحالة لهذا اليوم وتابعها واكتب كل التفاصيل .
بكل تأكيد لا تقلق .
سأغادر لدي عمل كثير وسأمر عليه قبل انصرافي عن إذنكم وحمدا لله على سلامته .
غادر ناجي ورجعنا نحن مع قتيبة للغرفة .
عندما دخلنا كانت رهف تنحني على سرير كريم تبلل له شفته كما كان يفعل ناجي فقال قتيبة بمرح وهو يتفقد كل شيء حول كريم من أجهزة وتقارير :
كيف حال البطل ؟ ... دعونا نرى ... مممم ... كل شيء ممتاز .
ثم انحنى وهمس لكريم مبتسمًا :
محظوظ انت لوجود هذا الملاك بجانبك وكذلك لوجود هذا الصديق الوفي لقد كاد يموت خوفًا عليك  .
قال كريم ببطء :
هشام أخي المخلص ... آه كل جسدي يؤلمني ... ماء
فأسرعت رهف لتبلل له فمه فقال قتيبة ممازحا :
يا آنسة هذا المحتال يستغل اهتمامك به أنصحك لا تدلليه كثيرا حتى لا تفسديه .
قالت رهف بحب وهي تنظر لكريم :
هو ليشفى وليعد كما كان وسأرعاه العمر كله  .
قال قتيبة بثقة :
سيشفى وسنقيم لكما حفل زفاف رائع هل ستدعوني أنا والدكتور ناجي لحضور زفافك يا عريس ؟
نعم .
ثم تقدمت بخطا متثاقلة وقلت لكريم :
وأنا هل سأكون مدعو ؟
أنت أخي ستدعو الضيوف .. أنت من يدعو  .
ابتسمت وفي عيني حزن واضح فطلبت الإذن بالمغادرة على أن أمر لزيارته في الغد ثم نظرت لوالدي كريم وسألتهما لو كانا يحتاجان شيئا مني قبل رحيلي فشكراني كثيرا على مشاعري الطيبة ثم تلفت نحو رهف وقلت :
تهاني لك سلامة كريم لتكونا سعيدين معا هكذا أسافر وأنا مرتاح بالإذن .
وأسرعت بالخروج قبل سماع أي رد  .
غادرت المستشفى ومشاعر غريبة تعتريني وتتصارع داخلي بقوة ، شعور بالراحة والسعادة لشفاء كريم وحزن وغيرة تحرقني من اهتمام رهف به هل أنا سيء لهذه الدرجة ؟ انا لا أستحق المديح والثناء من الآخرين أنا مجرد خائن لصديقي الطيب واستغل هشاشة وانبهار حبيبته بي .
وصلت للمتجر وكانت هالة تستعد للمغادرة فسُرَت بلقائي فرحبت بي واستغربت بقاؤها لهذه الساعة وهي أخبرتني كان العمل كثير ولم تشء أن تترك سعيد لوحده فاتصلت بوالدتها كي تبلغها بتأخرها جيد وصولي الآن فسعيد مشغول ابتسمت هالة برقة وقالت :
أشكرك حقًا...
على ماذا تشكرينني ؟!
ساعدتني كثيرًا في دراستي حتى حصلت على شهادتي ثم أقنعت أمي بدخولي مدرسة الفنون ثم حصولي على هذا العمل   مع السيد سعيد شكرًا لك لأنك ظهرت في حياتي ...
وانطلقت مسرعة تركض ابتسمت لبراءتها ولطفها سأكون مرتاحا أثناء غيابي لكونها قريبة منه وتساعده .
يتبع ...

صراع المشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن