"الفصل الأول"

208 15 13
                                    

في إحدى ليالى ديسمبر الباردة كنتُ جالسة في غرفتي، أكتب مذكراتي كعادتى كل يوم، وبينما أنا غارقة في الكتابة، دقَّ جرس الباب فجأة، لم يجُل بخاطري سوى تساؤلي من هذا الذى أتى في مِثل هذه الساعة، وفي هذا الجوء! أفقتُ من تساؤلاتي وشرودى وأسرعتُ؛ لِفتح الباب قبل أن يُوقظ جرسُ الباب أُمى، قُمت بفتح الباب ببطء شديد،
وصُعقت للحظة مما رأيت، كانت ريما!!

قُلت لها بفزعٍ:

-ريما، ماذا بكِ؟ ما هذه الجروح التى تملأ وجهك، ماذا أصابك؟

وجهتْ نظرها لي وأجابتنى بتأتأة وهي بالكاد تحبس دُموعها
=خالد يا فرح، خالد من فعل بي كُل هذا.

لم أعرف بِمَ أُجيب، نيران الغضب التي اشتعلت بي كانت تود أن تخرج بكل كلمات اللوم والعتاب لريما؛ لكونها لم تُصغِ لي حينما حذرتها من الزواج منه، وأنه شخصٌ غير ناضج ولا يُناسبها ولن يستطيع تحمُل المسؤولية، سددت فوهة البركان الذى اشتعل بداخلى؛ لأن هذا الغضب وهذا اللوم لن يفيد، ما حدث حدث ولن نستطيع تغييره، هي الآن بحاجة لي ولمُساعدتي ولن يزيدها توبيخي إلا ألمًا فوق ألمها.
أخذتُها إلى غرفتي كى تغير ثيابها وترتاح قليلًا، ثم بعد تغييرها لثيابها، وبعدما ضمدتُ جروحها، وقد زاحمنا الصمت طيلة هذا الوقت، فكسرته بعناقي لها وقُلت بصوتٍ مكتومٍ:

- أنا معكِ هُنا يا ريما، معكِ؛ لأشاركك ألمك ولنتقاسمه معًا، فلا تبخلي عليّ بهذا الشيء البسيط ولا تكتُمي مشاعرك ولا تداريها عني، بوحي لي بكل شىء، وتذكري دائمًا مهما حدث أنا هُنا، هُنا بجانبك وسأُساندك دائمًا، إنْ كنتِ لا تريدين التحدث الآن، فلن أضغط عليكِ، ولكن اسمحى لى أن أُبقيكِ بين ذراعي.

اندفعت الدموع من عينيها ثم قالت:

=في صباح اليوم استيقظت باكرًا كي أقوم بتحضير الفطور له قبل ذهابه لعمله، قُمت بتزيينه ووضعت له بعض الحلوى أيضًا، وكتبتُ له رسالة أخبرته فيها كم أنى أُحبه، يقولون دائمًا أن عليك أنْ تُخبر شريكك دومًا بأنك تُحبه، تخبره أنك ممتن لوجوده في حياتك، كُلنا نستحق أن نشعر أن وجودنا مهُم وخصيصًا لأحبائنا، توقعتُ أن يسعد بما صنعته، ولكن ما حدث كان على عكس كل توقعاتي، صرخ في وجهى وقال لي: متى ستكُفين عن هذه الأفعال الطفولية، أنا لستُ ابنك؛ لتُعطينى الحلوى عند ذهابى للعمل، ليس لأنكِ عاقر تتصرفين مثل هذه التصرفات، ألقى كلماته في وجهي والحلوى كذلك وغادر، غادر ولم يُفكر بي ولو لوهلة.

ازداد بكاء ريما، وازداد اختناق صوتها، وأنا ما زلت لا أستطيع أن أفعل شيئًا سوى عناقها وأنا بالكاد أحبس دموعي؛ لأنى لأول مرة أراها هكذا

قامت بمسح دموعها وأردفت قائلة:

=هو يعلم أنه ليس ذنبي أنى لا أُنجب، وأنى ليس بوسعى عمل أى شىء، لِمَ رغم علمه بكل هذا يظل ينعتنى بالعاقر حينما يحدث أى خلاف بيننا؟
لماذا لا يُقدِّر أننى أيضًا لدى مشاعر وأحزن؟ بعدما غادر ظللت أبكى؛ لأنى تعبت، تعبت من كل ما يحدث، ثم قررت أنى سأخبره -حينما يعود-عن كل ما يُغضبنى ويُحزنُنى منه،
وحينما عاد أعددتُ له الطعام، وانتظرت أن يُنهيه حتى أُحدِّثه، وبعدما أنهاه،
قُلت له أننى أريده أن يتوقف عن نعتى بالعاقر؛ لأن هذا يُزعجني، وأن يهتم بي مثلما كان يفعل في الماضي، ويتوقف عن معاملتى كالخادمة؛ لأننى زوجته ومن حقي عليه أن يحترمنى ويهتم بي، لا أتذكر بعد ذلك سوى أننى كنت مستلقية على الأرض، وهو لا يفعل شيئًا سوى ضربي، كان يضربني ويصرخ بصوت عالٍ ويقول: أنتِ عاقر لا تستحقين شيئًا، لم تمنحيني ما أردته، لِمَ أمنحك ما تريدينه، ظل يضربني حتى فقدت الوعي،
وبعدما أفقت لم أجده، ولم أفكر حينها سوى في القدوم إليكِ.

وماذا عني؟!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن