إذا كانت اللحظات السعيدة -أحيانًا- لا تأتى فرادى، فأكاد أُجزم لك أن المصائب دائمًا لا تأتى فرادى، بعد الذى فعله مُراد لم أتوقع أن يحدث أسوأ من ذلك، ولكن كالعادة خابت توقعاتي وحدث الأسوأ بكثير، اليوم بُترت، بُترت بعدما فقدت قطعة من روحي، فقدت أمى
بعدما هاتفتني ريما وأخبرتنى، لم يُصدق عقلي ما سمعه، وأخذت أركض وأبكى، أركض دون الشعور بأى شيء يدور حولي، ركبت إحدى السيارات، وبعدما وصلت إلى المنزل، وجدته يعج بالناس، الجميع يبكي، تباطأت خطواتي، اقتربت مني إحدى السيدات وقالت:
-البقاء لله يا فرح، كانت والدتك سيدة جميلة.صرخت بصوت عال وقُلت:
- اصمتي، اصمتي، لا تقولي كانت، لا تقولي أى شىء عن أمي.ركضت إلى غرفة أمى وأنا أُناديها وللمرة الأولى لا تُجيبني، لا تقول: نعم يا صغيرتي.
وصلت إلى باب الغرفة كانت أمى نائمة على السرير، بجانبها خالى يبكي وريما كذلك، اقتربت منهم ونظرت إليهم بعيون مليئة بالدموع وقُلت:
- تمزحون صحيح ؟ صحيح يا ريما؟ قولي شيئًا
أمى أفيقى يا أمى، قولي شيئًا يطمئننى، قولي شيئًا يوقف انكسار قلبي، أفيقي يا حبيبتي.لم تجيبني، ضممتها وأخذت أبكي وأردد:
- أرجوكِ لا تتركيني يا أمي، لم يعد لي أحد سواك، أرجوكِ يا أمى لا ترحلي، لمن سأحكى تفاصيل يومي؟!
من سيعد لي طعامي المفضل؟! من سأقاسمه حزني، وفرحي؟!
ظللت أبكى، حتى جاء خالى ليأخذها مني، قبلتها وودعتها للمرة الأخيرة، ثم جلست على الأرض وأخبرت ريما أنى أود البقاء بمفردى،
ظللت أبكى، أبكى فأنا لا أملك شيئًا سواه، وبينما أنا أبكى وقعت عيناى على جملة في كتاب، كان ملقى جانبي، كانت
"ما بيننا لا يُنسى ولا يُستعاد، ما بيننا يُبكي فقط"
تعالى صوت بكائى وصرخت:
- لا يُستعاد، لا يُستعاد ولن يعود مثل أمى.من أشد المشاعر قسوة أن تتعرض للفقد، أن تفقد أى شىء تحبه، لا أستطيع وصف شعورى الآن بعدما تعرضت للفقد مرتين متتاليتين بل هُنت كذلك، من الممكن أن يصلك شعورى إذا أجزمت لك أنى أستطيع سماع صوتي قلبي وهو ينكسر، تمر علينا الكثير من الليالى الحزينة، ولكن أشد الليالي قسوة، الليلة التى من المفترض أن ننام فيها بعدما فقدنا من نحب، رغم كل التعب في جسدى وورم عيوني إلا أنى لا أستطيع النوم، لا أستطيع فعل أى شيء سوى الجلوس محتضنة ذكرى أمى، ظللت جالسة حتى جاءت ريما وطرقت الباب ثم دخلت وقالت:
-إن قولتي اتركيني بمفردى فلن أتركك، لن أتركك يا فرح، سأظل هنا بجوراك حتى إن لم أستطع أن أهون عنك.اقتربت مني وعانقتنى وأخذنا نبكي، لربما يرحل الحزن مع دموعنا
وفي صباح اليوم التالى استيقظنا على صوت جرس الباب، ذهبت ريما لتفتح الباب وذهبت أنا لأقوم بغسل وجهي، وبعدما انتهيت، سمعت ريما تُنادى علىّ وتقول:
-إنه مُراد يا فرح.عندما سمعت جملتها، أسرعت إليهم، ثم وقفت أمامه وقلت:
- لِمَ أتيت؟
-البقاء لله يا فرح.
-لِمَ أتيت؟!
-لِمَ تصرخين في وجهه هكذا يا فرح؟
-لن تجيب، اخرج من هنا، اغرب عن وجهي يا مُراد.
-أتيت لأطمئن عليكِ يا فرح، أتيت لأطمئن إن كنتِ بخير أم لا؟!
أنت تقرأ
وماذا عني؟!
Romansa"فى بعض الأحيان تضعنا الحياة في مأزق، تمحو جميع الخيارات، وتترك لنا خيارين فقط إما أن نختار أنفسنا أو نختار الموت، أو نختار أن نعيش حياة تشبه حياة الموتى، لا ننال منها إلا العذاب، ولكن الخيار الثاني يكون في صورة أحب الأشخاص إلينا، أو في صورة الهرب ا...