"الفصل الثالث"

66 9 9
                                    

فى هذه اللحظة، وأنا لا أملك شيئًا؛ لأقوله، فقط أنظر لريما في صمت، فقد صُعقت مما سمعت، ظل عقلي حينها يطرح التساؤلات، أيمكن للمرء ألا يستطيع أن يعتزل ما يؤذيه؟ كيف لإنسان عاقل أن يعود لشخص أذاه؟ كيف؟ وسرعان ما جاوبت نفسى، إنه الحب، حينما نُحب نصبح أكثر غباءً، نُصاب بالعمى، أيمكن لي فى يوم من الأيام أن أتقبل أذية شخص لي لمجرد أني أحبه؟ أيمكن؟ اتجهت نحو ريما وأمسكت بيدها وأحكمت قبضتي، وقُلت:

-لماذا يا ريما؟ أعرف أنكِ تحبينه ولكن أحيانًا الحب لا يكفي، الحب لم يُغيره ولن يغيره، ما الذى يضمن لكِ ألا يؤذيكِ مرة أخرى؟

أخذت ريما نفسًا عميقًا ثم قالت:
=لقد قابلته اليوم، أخبرني أن هذه كانت لحظة غضب، وأنه لن يفعل هذا مرة أخرى، وأنه سيفعل ما بوسعه بعد الآن؛ ليسعدنى، وأنه ما زال يُحبنى، ولا يود أن أضيع من يديه، وأنه من الطبيعي أن يحدث خلافات بين الأزواج، ويجب علينا ألا نعطى للأمر أكبر من حجمه، ولا يجب أن نفترق لمجرد خلاف واحد.
-ما الأمر الذى نعطيه أكبر من حجمه يا فتاة، لقد ضربك، ضربك ورحل ولم يُبالِ إذا قد أصابك شيء، لم يُبالِ إذا ما زلتِ على قيد الحياة أم لا، لم يُبالِ.

بدأت دموع ريما في السقوط وقالت:
=ولكنه وعدني بألا يُكرر هذا مرة أخرى، ما زال متمسك بي يا فرح، ما زال يُريدنى.
-الوعود لا تكفى، لا تكفى أبدًا وخصوصًا المُلقاة من هذا الوغد، أعلم أن التخلي عن الأشياء التى نُحبها فى غاية الصعوبة، ولكن لأنها قامت بأذيتنا فهنيئًا لنا بخسارتها.

أفلتت ريما يدي وقالت:
=ولكنني أحبه يا فرح، أحبه ولا أعلم كيف سأعيش بدونه؟

عُدت لأمسك بيدها مرة أخرى ثم قُلت:
-الحياة لن تنتهي، فأنا هنا، هنا بجانبك سأساندك دائمًا، سأبقى بجانبك حتى تصبحي بخير، لكن الآن عليك أن تتخلي عن كل ما يؤذيكِ، أعلم مدى صعوبة مفارقة من نُحب، ولكن فى بعض المواقف علينا أن نختار أنفسنا؛ لأن اختيارنا لها يكون بمثابة نجاة؛ وليس بنجاة عادية.

عانقتني ريما بشدة وأخذت تبكي وتقول:
-أنا لا أعلم ما عليّ فعله، لا أعلم أي شىء، عقلي مشوش جدًا، ولا أستطيع الاختيار، الخيارات صعبة، كيف لي أن أختار بيني وبين روحي؟ كيف؟
=أتمنى أن يقودك عقلك للخيار الصحيح يا عزيزتي، أتمنى أن تصبحي أفضل، وأن تسعدى باختيارك، سأتركك على راحتك، خذي وقتك في التفكير، وحينما تقرري فأنا موجودة؛ لأستمع لكِ.

وفى صباح اليوم التالى، نزلت؛ لتناول الفطور مع أمي قبل ذهابي إلى الجامعة، وجلسنا وتحدثنا قليلًا عن ريما وعن ما يمكننا فعله؛ لنساعدها على التخلي عن المدعو خالد، وبعدما انتهينا ولم نصل إلى حل، ذهبت إلى الجامعة وفي طريقى إليها، وأنا أسير بجوار البحر، لاحظت أحدًا ما كان جالسًا على الرصيف ويبكي، لم أعرف ما عليّ فعله حينذاك، هل أذهب لأسأله ما به؟ أم أُكمل طريقى ولا أتدخل، حينها قررت أن أذهب لأتحدث معه، ليس من الطبيعي أن يجلس ويبكى هكذا ولا يُبالى لكل المارة، لا بُد أنّ شيئًا أصابه، تشجعت وتقدمت نحوه، ثم جلست بجانبه، ثم قُلت:
-أأنت بخير ؟
فرفع رأسه نحوي ونظر لي ثم قال:
=ماذا تُريدين، أأصابك الفضول؟ قُلتِ لماذا هو جالس هكذا ويبكى؟ لأذهب وأعرف قصته المشوقة.
-فضول ماذا؟ أتيت إلى هنا؛ لأنني رأيت شخصًا يبكي، أتيت لهنا لأعرف كيف يمكنني مساعدتك، لا لأعرف قصتك المشوقة! أتيت لهنا كأي شخص لو رآك لأتى لهنا.

وماذا عني؟!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن