الفصل السادس والثلاثون

2.1K 145 101
                                    

دمــاء سالت على القميص ذو اللون السكري، وكأن إناء توابل من البهارات الحمراء سُكب على حفنة من السكر، اتسع بؤبؤ عينيها وهي ترى جسد حبيب التميمي يهتز، فصرخت على أمين بهلع الذي غادر مسرعًا كفأر مذعور من قطة

وعلى إثر صوتها المرتفع دوى صوت المارة ومنهم من صاح بقلق على هذا الشاب ومنهم من ركض على البلطجي وتركوا حبيب يصارع ألم النصل الذي اخترق لحمه، وخزات مؤلمة جدًا كان يعاني بها في صمت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان حبيب مستلقي على السرير الطبي والطبيب يتابع تخيط جرحه بينما اسينات كانت على وشك الانهيار والسقوط، غلبت عليها دموعها وانتصرت حتى سقطت على وجنتيها وارتفع صوت شهقاتها وبكائها معًا، كان حبيب يتابعها ولم يملك سوى مسح عبارتها الملوثة بدمائه الجافة

استمعا الاثنين لصوت الطبيب يطمأنهما:
- الجرح مش سطحي أوي يعني، وخد غرزتين

استطاع حبيب إغلاق زرين من أزرار قميصه المفتوح وهو يشكره:
- متشكر يا دكتور، أقدر أمشي دلوقتي؟

رفض طلبه بتأكيد:
- مش قبل ماتعمل محضر في اللي طعنك!

نهض حبيب وقال بقلة اهتمام:
- طيب

سار في الردهة وهي خلفه فلاحظته أنه سيكمل طريقه خارج الوحدة الصحية، وهمست له:
- مش هتعمل محضر!

- بعرف أجيب حقي لوحدي

جملة قالها حبيب تحوى على كثير من الانتقام والوعيد في نبرة صوته، ظلت واقفة خلفه بعدما تقدم بضع خطوات عنها واستأنفت هي بكائها مجددًا، وعلى مضض أقدم عليها حبيب وهو يقول:
- مش كفاية يا اسينات؟

أمسكت طرف من حجابها القطني ونشفت بها عبارتها قائلة بصوت مهزوز:
- انت مضروب بسكينة في صدرك

صحح لها فورًا:
- مطوة

قبل أن تعاود هي للبكاء، هدأها هو بعقلانية:
- أنا كويس أهو، مجرد جرح سطحي

رفعت اسينات عيناها اللامعة وقالت بتعنيف لنفسها:
- بسببي

هتف بها باستنكار مقاطعًا قوله، ليردف بجدية هذه المرة:
- أنا فداكي

تمتمت بحزن ويأس على حظها الذي يورطها دومًا في مشاكل:
- بس انت مالكش ذنب في اللي حصل، أنا المقصودة

لذلك برر حبيب بثقة:
- وعشان كده أنا باخد حقي بنفسي، يلا نمشي يا اسينات

- طب هتعمل إيه؟

تغاضى عن سؤالها وهمس لها بلين:
- ماهعملش حاجة

توسلته بحرقة ونبرة متلعثمة:
- بالله عليك ماتورط نفسك في مصيبة عشاني

واستأنفت تعقب وتوضح مقصدها:
- وأنا أوعدك هسيب العيادة

- حبيب؟!

زمهرير لهب الصحراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن