الرسالة الأولى

206 24 7
                                    

بدا نسيم هذا المساء رقيقا كالحب، جلست ليلى العامرية عند شرفتها تتأمل الحياة في سمائها سامحة للهواء بأن يبعثر خصلاتها السوداء الطويلة، حتى رأت حمامتها تخترق السحب البيضاء نحوها حاملة إليها أول رسالة من البشر الأرضيين. ربتت على رأس الطائر الجميل بمحبة ثم سحبت الورقة الملونة وانهمكت بشغف تقرأ فحواها:

"كيف أتخلص من شعور الوحدة!؟

منذ خمس سنوات بالضبط فعلت ما لم أجرؤ عليه يوماً و هو الوقوع في الحب. أدري كنت صغيره جدا و لكن متأكدة أن مشاعري كانت حقيقية حينها فأنا أعطي بدون درايه، و لكن شاء القدر ألا نكمل و أن يعلم أهلي بذلك .
دخلت بإكتئاب منذ خمس سنوات و حتي الآن أعاني منه دون علم أحد، فقدت أصدقائي و فقدت ثقة اهلي بعد علمهم بذلك الأمر.
لقد نسيت ذلك الشخص حرفياً  لأنه تخلى عني و أخبرني أنه لم يكن يحبني بل يحب غيري، و لكن بسبب جمال مشاعر الحب و بسبب ما عشته معه أصبحت أريد لتلك المشاعر أن تعود، أن أشعر بها من جديد مع الشخص الصحيح مع نصفي الاخر مع من يأخذ بيدي خارج هذه الدائرة المغلقة، مللت الوحدة و مللت ابتعاد الجميع، ما العمل؟ كيف أكمل مع هذه المشاعر و الأفكار و الاكتئاب بمفردي و أنا لم أتعدى الحادي والعشرين بعد ! "

أخذت ليلى نفسا عميقا بعد أن أثرت فيها تلك الكلمات وأثارت في صدرها شعورا مرا، أعدت أوراقها ذات الريح الطيبة، أقلامها الحمراء، قهوتها وصوت موسيقى مناسبة ثم انهمكت تكتب بصدق:

"
مرحبا يا حبة الفراولة الجميلة! كيف حالك؟

بألم شديد بدأت أكتب لك وقد رق قلبي لحالك حتى انفطر. من المحزن سماع أن فتاة بحلاوتك تقضي غمرة شبابها في عزلة وكآبة وحيدة، غير أن زوال هذا الحال ليس محالا، فتجلدي بعزيمة قوية وقدمي  لنفسك الحب الذي تستحقينه قبل أن تنتظريه من الآخر.

حين شعرت بالحب لأول مرة، كنت تمرين بمرحلة المراهقة، ومن الطبيعي في عمر حساس كهذا أن يتفتح قلبك كوردة ربيعية شهية، وأن تبدئي باكتشاف ملذات الشعور وما ينكمش في قلبك من قدرة على الحب. غير أن الحب في هذا العمر الصغير ليس إلا موجة حنونة تفيض حول أصابعنا فجأة ثم تنسحب إلى الخلف، كلاكما كنتما تجربان قلبيكما وما يختبئ داخل الفؤاد من أسرار، وطبعا فإن هذه المشاعر اللذيذة لابد وأن تترك أثرا في داخلك وأن تترسخ كذكرى عظيمة، غير أن الأيام ستثبت لك دوما أنها تجربة طفولية تعلمت منها درسا ثم انقضت.

لا داعي للندم والشعور بالذنب، توقفي عن لوم نفسك، فالحب شعور ليس لنا القدرة على التحكم فيه حين يطل، ليس خطيئة ولا ذنبا  طالما لم تتعدي يوما حدود الله فلا تقلقي، وأهلك بعد أن مضى كل هذا الوقت لابد أنهم نسوا هذه القصة ومضت، هم ناضجون ويدركون جيدا أنها تجربة طفولية يعيشها كل إنسان منا ليكتشف نفسه الجديدة بعد أن بدأ ينضج ويتغير، ألم يعش أهلك شعور الحب في صباهم؟ لقد فعلوا حتما وإن لم يقولوا لك، لكن حرصهم الشديد وخوفهم عليك من البشر المؤذين هو ما يدفعهم كي يتشددوا معك أحيانا ويحرسوك بعيون لا تنام، وربما يضغطون عليك قصد تخويفك حتى يضمنوا أنهم يحمونك جيدا. لا تعذبي نفسك بشعور عدم الاستحقاق واهتزاز المكانة، كل هذا غير صحيح، مازلت محل ثقة وجوهرة ثمينة يفخرون بها ويحافظون عليها.

رسائل إلى ليلىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن