اقتباس 2

4.6K 160 7
                                    


حدقها وهي تغادر هذا الجمع بأكمله ليجد نفسه قد نهض لا يدرى متى ولا كيف وعلى ما يبدو لقد حدث هذا دون شعوره منذ مدة ولابد أنه أبله أمام كل تلك الأعين، على الاقل، كونه أبله أفضل بكثير من أن يلاحظ أحد حقيقة ذلك الحديث المنطوق بين اعينهما دون كلمات مسموعة!!


رغمًا عن أنفه تبعها ثم نادى بصوتٍ غارق في تلك الحقيقة المُرة بأنه لم يعد له شأنًا بها بعد الآن ولكن هناك هذا الشعور الذي يحتم عليه التيقن من أنها بخير:


- روان انتظري..


التفتت له وهي تكاد أن تصرخ به ولكنها تحاول أن تحافظ على بقايا ماء وجهها بعد كل ما حدث بالفعل فأسرتيهما بأكملهما بالقرب منهما فقضمت شفتاها بغيظ وهي تمنع نفسها بأعجوبة عن ارتفاع صوتها وهتفت به بنبرة غاضبة مكتومة:


- أنت خاصة آخر شخص في العالم أريد التحدث معه الآن!!


حدقها باحتراس وانتقى كلماته ليتبعها من جديد بعد أن توجهت بعيدًا عن أعين الجميع فما يحدث لها بات أكثر مما تتحمله هذه الأيام فتفوه بما جعلها تتجمد بمكانها دون أن تلتفت له:


- أنا الوحيد الذي يفهم جيدًا ما تمرين به، مثل ما حدث بأول زواجنا، لقد افهمك وفهمتك تمامًا مثل ما كنتِ كذلك عندما لم نتحدث لمدة عشرين يوم بالكامل.. انتِ لا تتحملي الاهمال!!


ابتلعت وهي مشتتة بين فهمه لكل ذلك بمجرد نظرات عابرة تبادلتها معه وبين حقيقة ما تحاول أن تخفيه وأخيرًا ذاك الجرح الغائر الذي قام بفتحه من جديد فالتفتت له بملامح مختلطة بين الغضب المستعر الذي جعل عسليتيها كلون اللهيب وبين ذلك القهر الذي بددها بداخلها، وما زال بعد كل تلك السنوات يملك نفس التأثير بتشتيته وكأنها لم تمر بشيء على الاطلاق معه!


- ما الذي تريده وأنت تُذكرني بكل هذا؟ هل يمكنك أن تتركني لكي أعيش حياتي في سلام بعيد عنك؟! ألم تفهم بعد كل ما مر علينا أنه يستحيل العودة مثل ما كنا في يوم من الأيام؟ لقد أخربتك هذا مرارًا وأنت مصمم أن تدعي الغباء! فلتعتبرني صفحة من كتاب سخيف ومزقتها بيديك!


تفاجئ من كلماتها فهو لم يرها منذ شهور ولم يرفض لها أمر قط ولكنه رأى تلك الدموع التي انهمرت من عينيها وكأنها تصب كل غضبها نحوه هو ليستغرب من تلك الكلمات التي غادرت شفتيها فحاول أن يمنعها عن البكاء وعينيه تلتمع بالحسرة لعدم استطاعته ضمها له بين ذراعيه فهي لم تعد له منذ مدة وهو إلى الآن لا يزال منكرًا للأمر بينه وبين نفسه مما جعل قلبه يعتصر وكأن هناك قبضة فلاذية تنعقد حوله فأخبرها بصوت مرتجف، مبحوح بألم من أثر البكاء الذي ابتلعه بحنجرته:


- افعلي بحياتك مثل ما يحلو لكِ، وأعرف واتفهم بمنتهى اليقين أننا لن نعود مثل ما كنا في يوم من الأيام، ولكن لا تنسي أن تكون حياتك مع رجل يُقدرك وليس مجرد رجل يُعاملك كالكماليات في حياته، انتِ لا يمكنكِ أن تكوني غير أولوية وطوال عمرك لن تتقبلي سوى أن تكوني أولوية لكل من حولك!!


التفت وغادرها ولم يستطع أن يحارب تلك الدموع أكثر فسمح لها أخيرًا بالانتصار عليه ولكنه اطمئن أنها لا تراه لا هي ولا غيرها ولم يعد يتلاعب معها لكي يبتز مشاعرها، جيد.. لقد تغير هذا الرجل بداخله بعد صراع طويل بينه وبين عقله الذي لطالما مارس ألاعيب شتى عليها، ولطالما أنهكه من كثرة افكاره المؤلمة!!

كما يحلو لها - الجزء الثالث - كما يحلو لي - النسخة الفصحىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن