الفصل الاول: ذروة

180 15 11
                                    

الفصل الأول:

ذروة

بقلم: شافع أبوعقل

"سيدي":

سأشرح كل شيء..

ولكن علينا أن نعود إلى الوراء قليلاً، إلى تلك الأيام التي تبدو كحلمٍ بعيد..

لنعد إلى طفولتي.

إلى عمرٍ فقدت فيه سذاجتي.

كل شيءٍ بدأ عندهما، والدايّ.

شجارهما المتكرر، مشاكلها المالية، اختلافاتهما الشخصية، أسبابٌ كثيرة، لم أفهمها في صغري.

كنت في الخامسة، وقد أمضى أبي معظم وقته في عمله، وأمي.. لا أذكر حقاً..

على أي حال، كنت سعيدة، فأنا أملك أخاً أكبر، ذلك الذي لم يفارقني أبداً، رغم أنه الأبرع في السخرية مني، والرفع من غيظي.

في يومٍ ما من تلك الأيام، تشاجر أبي وأمي، كالعادة، وارتفع صوتهما كثيراً، رغم أني لا أذكر التفاصيل، ولكن على غير المشاحنات السابقة..

أبي قد ضرب أمي، غضبت أمي، وبكت، واختلط صوتهما وصراخهما بضجيجٍ من نحيبي، وملأ صوتنا الضاحية بأسرها.

لا أعلم لما..

ولكن خرجا الاثنان إلى الشارع، وكان وكأن أمي تريد المغادرة..

وقف أبي يمنعها، وبين جدالهما، وقفنا أنا وأخي نراقب من بعيد ونبكي.

وحدث منحنى، بسرعةٍ كل تلك الأحداث، أتت شاحنةٌ كبيرةٌ أسرع..

وابتسامةٌ مريضةٌ ارتسمت، سخريةٌ لا تنتهي.

هزت الأرض جسد أبي الذي لامس السماء دوماً، واحتضنته حضناً أبدياً.

وبخفة أمي، ورشاقتها، ونظامها الغذائي المعقد، ابتلعها ترابٌ لا يعرف قيمةً لشيء، وأخذت دودة الأرض منها قضمة.

وهكذا مات الاثنان بلمحةٍ، أمام أعيننا الصغيرة.

"فالواقع ليس مكاناً لأحلام اليقظة.."

ومضت تلك الأيام كما مضى عمري في انتظار هدفي أن يحدث..

أخذنا عمي، أخو أبي الوحيد..

ربّانا تحت سقف بيته، وكان لطيفاً، لطيفاً للغاية، وقد أحببناه بدورنا.

لقد كان رائعاً حقاً، رغم حزنه وحياته العسرة كان يحاول بكل ما استطاع من جهدٍ ليكون نور حياتنا الجديدة.

امتلك ابناً واحداً، كان ابنه في الثالثة، وكنا أطفاله الثلاثة.

لم يفرق يوماً بيننا، فحنانه وعطفه الكبير وسعنا جميعاً، لقد أحببته أكثر من أخيه حتى، أعني أبي المتوفى..

حواجزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن