لقد توقعت العديد من ردود الافعال العدائية، بل انها جهزت خدها لصفعة قد تلطم وجهها بأي لحظة الا انها تفاجأت بسكونه الغريب، نهضت لتقف امامه ولا زال جالسا ولكن تلك اللقمة التي كان على وشك ان يبتلعها غصت بمنتصف حلقه ليسعل بشدة لتسرع بإعطائه كأس الماء وهي ترتبت على ظهره ولكنه ازاح يدها بعنف قبل ان بستعد انفاسه ويرفع عيناه نحوها.
لم يكن فاروق رجلا وسيما، لقد كان مقبول الهيئة، حاد الملامح، ضخم الجسد وفي تلك اللحظة وهو يطالعها بعيناه السوداوان وهما محمرّتان من الغضب تراجعت بقلق ولكنه لم يسمح لها بالهرب عندها نهض مهيمنا عليها بطوله الفارع لتبدوا امامه كقطة مشردة ليهمس بهدوء ما قبل العاصفة:
- هات هاتفكِ.كان قلبها يقفز بذعر بين اضلعها لدرجة انها شعرت ببوادر اغماء الا انها قاومت وهي تطالعه بذات البراءة ليزداد همسه حدة وهو يراعي ان لا يصرخ لأنه ان صرخ الآن بوجهها ستنفلت اعصابه وقد يضربها، بالرغم من انه لم يفعلها مسبقا ولكن في تلك اللحظة كان صدره يجيش بغضب قد يحرقها حية.
- قلت هات الهاتف والا...قبل ان يكمل جملته وجدها تقفز بخوف وهي تلتقط الهاتف من الطاولة لتضعه بيده وتتراجع بضع خطوات، اما هو فقد رمى بالهاتف بقوة لتتحطم شاشته ولكنه لم يكتفي بذلك بل دعس عليه بقدمه عدة مرات محطما اياه تماما تحت نظراتها الذاهلة وقبل ان تبدي اي اعتراض وجدته يجذب ساعدها بخشونة جعلتها تشعر بمدى ضآلتها امامه وهو يهمس بفحيح:
- انا سأخرج الآن، اذهبي الي الداخل وعندما أعود سيكون لدينا حديث آخر.افلتها بعنف اكبر لدرجة انها ارتدت بضعة خطوات قبل ان تسقط على الاريكة بذهول و تُجفِل من صوت اغلاق الباب الذي بدى كأول طلقة رصاصٍ في حرب ستستمر طويلا.
حينها فقط اطلقت العنان لدموعها التي تحولت الى شهقاتٍ يتردد صداها في الفراغ حيث لا احد سواها.
ظلت تبكي وهي تطالع هاتفها المهشم وقلبها يكاد يحترق من الالم لا تعلم ما الذي سيحدث، هل هي اخطأت عندما حاولت ان تصنع مستقبلا يخصها؟ ام ان خطأها هو انها لم تخبره بما تفعل..
- ولكنه لم يكن ليقبل..
هكذا اخبرها عقلها ولكنها تشعر بشعور غريب بين الحزن والغضب وبعض الندم.بعد ساعات وعيناها لازالت متورمة من البكاء كانت تجلس في فراشها والقلق ينهش قلبها، تتلاعب الظنون السيئة بعقلها وهي تتخيل ما الذي يشعر به من غضب الآن. ماذا ان قاد سيارته بغير هدى وحدث له مكروه؟!
شهقت وهي تمسك بقلبها الذي يكاد ان يخرج من مكانه وهي عاجزة عن الاطمئنان عليه.
اللعنة على كل شيء فقط ليأتي وحينها ستتقبل منه اي عقاب.ظلت تبكي وتروح جيئة وذهابا الي ان اذن الفجر فتوضأت وصلت وهي تدعوا الله أن يزيل هذه الغيمة السوداء عن حياتها، بعدها بفترة قصيرة وأثناء جلوسها بسجادة الصلاة تتلو بعض الذكر سمعت صوت فتح الباب فقفز قلبها، كادت أن تركض إليه ولكنها تمسكت بأقصى ذرات تحكمها وهي تدعي اللامبالاة مع ان قلبها الملهوف ركض نحوه ما دلف.
أنت تقرأ
رِياح الصِبا
Romanceثلاثة اصدقاء، حكايات غير مكتملة، نساء حزينات، وذكريات مرة، تأتي رياح الصبا لتبعث نسيم الحب في الأرجاء.