- خيوط الأمل تقطّعت، السواد عمّ عالمها، لم تعُد قادِرة على الإتيان بأيّ حركة وقد استسلمت اخيرًا لقدرها، قلبها يشعُر بالذُلّ، وجسدها ينتفِضُ برفض، هذا ليس ما ارادته، ليس بعد هذه السنوات! لم تكُن بحياتها ترغبُ بأن يكون بينها وبينه شيء لا هو ولا غيره، وبالتأكيد بعد هذه اللحظات لن تكون قادرة على الحياة، ستنتحر! سترمي نفسها من النافذة او ستضعُ خِنجرًا على قلبها الى ان تُفارِق الحياة، لم تعُد تريد ايّ شيءٍ من هذه الدُنيا.آخر دمعةٍ سقطت من وجنتيها كانت كماءٍ من النار شقّ طريقه من قلبها لعينيها ليطمسهما الى الأبد.
وبالفعل اختفت الرؤية من امامها، لم تعُد ترى سوى السواد مع انّ عينيها مفتوحتان على مصرعيهما، كانت تصُرخ بلا صوت، تقاوِمُ بلا إرادة، ولكن قلبها بداخلها حيّ، يهتِفُ بكُلّ ما يملك من وجعٍ بإسمه
همام! وجه الخير في حياتها البائسة.
طاقة النور التي اشتعلت فجأةً في ظلام ايامها.
الرجُل الذي احبّته وكرِهتهُ بذات القدر.بكى قلبها طالِبًا إياه:
- هُمام! انقذني من هذا الوحش! كُن الفارس الذي يحمي الأميرة في اللحظةِ الأخيرة، لا تتركني كحكايةٍ عفى عليها الزمن، بحقّ ذكرياتِنا.. بحقّ حُبٍ لا زال ينبِضُ بين اضلُعِنا كنُطفةٍ ضعيفة لم تمُت بعد، ساعدني ارجوك...
لم تفقِد وعيها! كانت تشعُر بكُلّ شيءٍ وهذا ما زاد من آلامها ولكن وبلحظةٍ ما شعرت بأنها تتنفّس من جديد.استنشقت الهواء بشِدّة لدرجة انها اخذت تسعُل بوجع، بينما لا زال الكون اسودًا من حولها ولكن سمعها المُرهف صوّر لها ما يحدُث.
- لقد انتهى كل شيء، لقد تدمرت.. تدمرت الى الأبد.
كان هذا آخر ما استطاعت الهمس به قبل ان تغرق ببئرٍ مُظلم لم تستطع الخروج منه مطلقا..
.بعد اسبوعين من الوجع والبكاء خفّت حدّة جرحها وبدأت بالتعافي ليتم اخراجها من المشفى بعد مناقشات طويلة ووعد بأن تلزم الفراش وها هي قد وصلت اخيرًا للبيت، يحملها همام بحذر ليضعها على سريرها بينما يتبعها بقيّة اخوتها ليطمئنوا عليها.
لم يخفى عليها مظهر القلق الذي يكسوا وجوههم جميعًا، ربما كانت ساخطة بالماضي على حبسهم الدائم لها ولكنها ادركت اليوم انهم يحبونها اكثر من اي شيءٍ بالدُنيا فقد كان اخوتها الاربعة يتبادلون البقاء برفقتها تاركين اعمالهم وكل التزاماتهم لأجلها وهي تعلم تمامًا مدى اهتمام كُلّ منهم بعمله، وهذا ما منحها الكثير من الامتنان لهم جميعا، فليس كل احدٍ بهذه الحياة قد يجد من يحبه بهذه الطريقة، هي محظوظةٌ للغاية بوجودهم.- هيا اتركوها لتستريح، وانتم ايضاً بحاجة للراحة، فالاسبوعين الماضيين كانا في غاية الإرهاق.
قال همام للجميع واقترب من والدته مقبلًا جبينها يحثها على الذهاب هي الأُخرى لتنال القليل من الراحة فصحتها لا تتحمّل كل هذا العناء الّا انها ارادت ان تبقى بجوار سلطان ولكنها اجابها بحنان:
- انا سأبقى بجوارها الى ان تنام، انتِ فقط استريحي.
غادرت على مضض وتبعها الجميع ليعود همام نحو سلطانة التي تنظر نحوه بإنبهارٍ لطالما اشعره بالفخر، فهذه الصغيرة تراه بطلًا دومًا.
أنت تقرأ
رِياح الصِبا
Romanceثلاثة اصدقاء، حكايات غير مكتملة، نساء حزينات، وذكريات مرة، تأتي رياح الصبا لتبعث نسيم الحب في الأرجاء.