الفصل السابع

914 47 204
                                    

بحياتهم لم يعيشوا المًا مُماثِلًا لألم هذه اللحظات، هذا ما اكتشفهُ الإخوةُ الاربعة وهم يقِفون اما غرفة العمليات حيثُ ترقُد ابنتهم الصغيرة، تلك التي شاركوا جميعًا بتربيتها والتي يعلمون انها اكثر رقّةً من تحمُّل اي ألمٍ كيف الحالُ مع جُرح رصاصة!
يحاوِلُ همام التماسُك ولكن جسده يرتعِدُ رُغمًا عنه كمن اصابته حُمى، الخوف هو اكبرُ عدوٍ للرجُل وهو الآنُ في اكثر لحظات حياته رُعبًا.

نادِر مُتسِع العينين بدهشةٍ غريبة وثيابًا مُلطخة بالدماء، لا يستطِيعُ استيعاب ما يحدُث، رأسه يدورُ في دوامةٍ لا نهائية ولا يدري ما يحدُث بالظبط ربما ذلك هو السبب في هدوئه الغريب، بينما الأخوان الآخران يُحاوِلان طمأنة والدتهم التي تنتحِبُ بقلق.
يجتاحُ الجميع صمتًا لا يقشعهُ سوى ادعيتهم الخافِتة بأن يكون كل شيءٍ على ما يُرام وتطيب تلك الصغيرة وإلّا لن يُسامِحوا انفُسهم مُطلقًا.

- همام، لا تقلق الجُرح ليس خطيرًا، هكذا قالت المُمرِضة، ستكون ابنتك بخير.
قال فاروق يهوّن على صديقه الذي نظر إليه وكسرًا عظيمًا يُظلِلُ نظراته وقال بعذاب:
- هي ابنتي!
- جميعنا نعلمُ انّك ابيها، انت من ربيتها يا همام.
ايّده بمواساةٍ ليقول بحسرة:
- ولكنني فشلتُ في حمايتها، انا لم استطِع منع الألم عنها، لقد كانت تبكي من الوجع ولم استطِع لأوّل مرّةٍ في حياتي ان انتزِع آلامها.

لا شيء في الدُنيا اثقلُ من حمل الأمانة وسُلطانة كانت امانته من ابيه، لطالما راودته نحوها كُل مشاعر الابوّة حتي تلك التي لم يعرفها من قبل، حاول طوال حياته ان يكون ابًا لكي لا يُشعِرها بالنقص، لكي لا يُحاسِبه الله عليها او يعاتبه ابيه عندما يلتقيان في الحياةِ الآخرة ولكنه اليوم يشعُر بثِقل الذنبِ يكادُ يقضي عليه.

- يا رب، انا راضٍ بحُكمِك طوال حياتي، لقد تحملتُ صنوفًا من العذاب ولكنني لا احتمِلُ مكروها فيها، يا ألهي لا تُريني وجعًا في فرحتي الوحيدة، يا رب!
توسّل اللهُ بكُلّ اسمٍ له، واغمض عينيه يداري دموع قلقٍ ابت ان تُهين رجولته امام الآخرين بينما لم يجِد فاروق اي كلماتٍ قد تُخفف عن صديقه سوى الدُعاء بأن تنجو سُلطانة من هذا الحادث.

ركضت في ممرات المشفى ودموعها تسبقها إليه، لا تُصدّقُ الى الآن ما حدث، ولا تستطيع التأقلُم مع فكرة انها السبب في كل هذا الألم.
وقفت بعيدًا ما ان رأتهُ هناك، جالِسًا وعلي ملامحه شرودًا تعرِفُ معناه، هذا السكون يدُل على مِقدار ما سببته لضرر بحياته، يا إلهي كيف لها ان تكون بهذه الأنانيّة؟!

كادت ان تهرُب، لا تريدُ ان يراها الآن فوجودها وحده كافِيًا لزيادة اوجاعه ولكنه رآها وانتهى الأمر، فقد رفع وجهه فجأةً ليلمحها تقِفُ هنالك كاميرةٍ تمّ اسرها، حزينةً، باكية، وعلى وجهها جمالًا لا يزول.
تقدّم منها لتتراجع نحو الجدار وكأنها ترغبُ بالهرب منه بعيدًا لكي لا يواجهها بأيّ كلمةٍ قد تُنهي صداقتهما إلّا انه لم يتركها بل وصل إليها ليقترب منها بشدّة، لاوّل مرّةٍ منذُ معرفتها به تشعُر بهذا القُرب الغريب.

رِياح الصِباحيث تعيش القصص. اكتشف الآن