الفصل الثاني

1.1K 62 95
                                    

-آسف، لقد تأخرت.
جاء صوت مرتضى معتذرًا.
حقًّا؟! نظرت اليه بصمت، على شفتيها ذات الإبتسامة المُصطنعة وحدها عينيها لا تستطيع الكذِب، إنها غاضبة، ولها كامل الحق، اما وضاح فقد اعتاد على تلك الأعذار الواهية ولم يعُد يهمه كثيرًا وجود والده، يكفي ان جدّه يحبه للغاية ويدلله، والدته تفعل كل ما بوسعها لتمضى معه وقتًا كل يوم بالرغم من مشاغلها لذا لا يهتم.

- حقًّا؟! ولماذا اتيت الآن اذًا؟! كان يجب ان تُكمل اعمالك التي لا تنتهي مُطلقًا.
خرجت تلك العبارة بغضب من فم خالد النجار والد زوجته بينما طالعه والديه -الذان حضرا هما الآخرين المباراة- طالعاه بعتابٍ دفعه للقول بتأفُف:
- كُنت بالفعل مشغولًا، تعلمون انني لا اُحبُّ العبث في عملي.
إلتوت شفتا كهرمان ببسمةٍ هازئة قبل ان تنهض من الطاولة التي شغلها الجميع في النادي لتناول الغداء عقب نهاية المباراة.

لم تنظر إليه مطلقًا بل اقتربت من ابنها وانحنت نحوه تهمس إليه بكلماتٍ لم يسمعها هو ليومئ الصبيّ مبتسمًا وينهض برفقتها.
- الى اين؟! ألا يمكننا الجلوس لمرّةٍ واحدة كعائلة؟!
تسائل بنبرةٍ بها بعض الحدّة مما جعل عينا ابنه تتسع بحيرةٍ وهو يتسائل بداخله عن سبب غضب ابيه، اليس من المُفترض ان يغضب هو لأنه تجاهل اهم يوم لديه ولم يأتي لمشاهدة المباراة؟!
- لا يمكننا.
همست بها كهرمان بصوتٍ خافِت ونظرتها المتعالية ترمقه بإزدراء قبل ان تلتفت لحماتها وتقول لها:
- سنذهب لمشوارنا الذي حدثتكِ عنه صباح اليوم.
وامسكت بيد ابنها وغادرت تحت نظراته المجنونة.
كيف لها ان تشعل غضبه بهذه البساطة؟! من نظرةٍ فقط تفقده صوابه.

- اجلس هنا!
هتف ابيه بصرامةٍ قلّما يظهرها بينما قال حماه وقد اقترن حاجِباه الكثّان بحنق:
- متي ستُصبِحُ رجُلًا مسؤولًا عن قراراته؟! الي متى سيظلُّ والديك يغطّيان على فشلك الذريع؟!
سكت غير قادِرٍ علي الردّ وقد اوجعته تلك الحقيقة التي ظنّ ان نجاح عمله قد يخفيها.
هل هو فاشلٌ حقًّا؟! نعم، دومًا ما كان كذلك، قد يكون ناجِحًا في عمله ولكن حياته الأسريّة لم يستطِع إدارتها علي الإطلاق، فقد إعتاد ان تكون مشورة والديه اوّل اهتماماته الى درجة انهما الى الآن يعتنيان بأسرته وكانه طفل غير مسؤول.

- أتظُنّ ان مسرحية الزوجين السعيدين تلك تستطيعان تمثيلها علينا؟! انا اكثر من يعرف ابنتي واعلم تمامًا انها تعيسةٌ للغاية بقُربك، أتعلم؟! في بعض الأحيان اشعر بأنها ترغب بالبكاء، ترغب فقط بأن ترتمي بحضني وتخبرني انها تكرهك وتكرهني ايضًا لأنني سبب ما تعانيه من عذاب ولكنها لا تفعل، أتدري لماذا؟! لأنها ليست مثلك، لا تهرب لوالديها عند اوّل عقبة، بل تقفُ في مواجهة مشكلاتها وتبحث عن حلول.

ظلّ مصعوقًا لدقائق، هل حقًّا من الوضح انهما بذلك التباعد وانه الحلقة الأضعف في هذه العلاقة؟!
لم يُرِد ان يرى احدٌ تأثره بهذا الأمر ليكتفي بهمسٍ ساخِر:
- لا يمكنك تقويمي بعد إثني عشر عامًا من زواجي من ابنتك، واظنُّ ان حياتي برفقتها لا تخصُّ ايّ احدٍ ليتدخّل بيننا.
وبهدوءٍ شديد قال بلباقة:
- بعد إذنكم.
وغادر بقلبٍ يغلي بغضب من كل شيء.

رِياح الصِباحيث تعيش القصص. اكتشف الآن