1 - 6

54 7 0
                                    

هذه المرة طرقت الباب بيدي اليمنى أحمل الصينية الصغيرة باليد اليسرى أشعر بتجربتي الأولى بهذا، انتظرت قليلا حتى ردت ب'تفضل' فدخلت بهدوء، هي لم تكن تنظر نحوي كانت تقوم بلف اللحاف حول طفلتها

"اشكرك على الغذاء سيد روبن" قالت بابتسامة صغيرة لم اتوقع اني سأراها بوجهها، حينما رفعت بصرها من ابنتها إلي هي تجمدت كليا وتوقفت يداها بالهواء تنظر إلي بصدمة

تقدمت ووضعت الصينية طاولة قريبة من سريرها، نظرت الى طفلتها النائمة وهذه المرة هي لم تخفها عن بصري

"لم أ..أتوقع حـ...حضورك شخصيا"

هي وقفت بسرعة وانزلت فستانها الخفيف الذي يصل الى ركبتها، اظهر كم انها ضعيفة البنية وكانها جثة تسير على الأرض، وكم أن الألوان المؤلمة تغطي جسدها

ما ظهر فقط وما خفي أعظم

هل كونها ترضع ابنتها يعني انها لا تحصل على قدر كاف من الاكل؟ هل من الطبيعي أن تكون الأمهات الجدد بهذه الحال المرهقة؟

تطلعت لبنيتها من اعلى لأسفل ثم للصينية أعاين حقا ان كان ما يمنحونه اياها كافيا أو أآمر بزيادة الأطباق

"اوه لا ان كاف جدا! انا ارغم نفسي على تناول الطعام حتى استطيع اطعام صغيرتي بالكاد أكمل هذا" قالت فجأة، لم أتفاجأ من قدرتها على قراءة أفكاري فهي كانت ظاهرة بوجهي حتى للرضيع هناك، أنا تركت مشاعري هذه المرة تسبح بحرية عمدا

لكن ما توقفت عنده هو:

"ترغمين؟"

اخفضت بصرها ارضا ونظرت جانبا مجددا الى ابنتها بملامح منكسرة، طبعا، هي تظن انها مختطفة أو بأسوء تقدير اننا سنأخذ ابنتها منها يوما لنعمل بها، لهذا كل ما تفعله هو تناول الطعام مرغمة والنوم، وربما لا تنام حتى

تأملت انا كذلك الصغيرة، راقبت تنفسها الهادئ والهمهمات المرتاحة التي تصدرها، لوهلة كنت سأبتسم، لابد أنها لا تعلم ما يحدث حولها نائمة بسلام أتمنى لو أستطيع أن أحضى به لساعة فقط

تحركت إلانور وحملت رضيعتها الى صدرها تمرر سبابتها على وجنة ابنتها بحنان وهي غارقة بابتسامة صغيرة ممتنة

رفعت بصرها إلي وتقدمت نحوي عندما شعرت بجسدي يتجمد مراقبا الأحداث فقط

"أتريد حملها؟"

انصدمت من الفكرة ولأول مرة شعرت...

بالخوف!؟

وهي لم تكن رحيمة بي لتترك لي دقيقة استوعب بها الأمر فقد سحبت رسغي ترغمني على صنع مكان للطفلة

وضعتها بحضني وارتعشت أطرافي عندما رفعت الطفلة يدها بالهواء للحظة وانخفضت بعد برهة وقد انتهى المطاف بزر قفل سترتي بين أناملها الصغيرة تقبض عليه

كنت خائفا جدا وعندما نظرت إلى إلانور كانت تبتسم تارة إلى طفلتها وتارة نحوي، وحينها فقط أدركت أني كنت ابتسم كذلك

متى ابتسمت اخر مرة بها؟

"انها صغيرة جدا"

همست متفاجئا حقا، ان حتى وجنتها شديدة الطراوة حتى خفت أن تخدشها لمستي او تؤلمها فتصيح باكية، لكنها كانت هادئة مسالمة وجميلة

قلبي كان ينبض بعنف ووجدتني أخفض رأسي وأشتم رائحة البراءة والطفولة بها، ربما دغدغتها خصلاتي عندما شعرت بحركتها لكنها لم تبك بل هزت قدميها قليلا فقط

يا للعجب، لم أتوقع أن أحمل بيدي الداميتان نقاء لا تشوبه شائبة، اصبح العالم فجأة أجمل مما كنت أتخيله وربما أدركت لوهلة أمرا خطيرا

أريد أن أكون جزء من هذا البياض، من هذا النور الذي فجأة أضاء عالمي من حيث لا أدري

"هل اخترت لها اسما؟" سألتها

"ليس بعد" أجابت تنظر إلى تشابك يديها ثم رفعت بصرها إلي "أرحب باقتراحات"

"إيفيت" قلت بتلقائية
ناديت الحياة لحظتها

رفعت بصري من الطفلة إلى والدتها والتي قد اغرورقت عيناها بالدموع ولكنها تمالكت نفسها، تمسح بسبابتها ما اراد التطفل

"أحببته... ايفيت"

تيقنت يومها أن هذه الأم كانت تعلم جيدا معنى حمل الحياة بحضنك، وكمحاولة بائسة منها لـ ألا أخذ ابنتها منها -كما تظنني فاعلا- حاولت استمالت عاطفتي

لم أكن لأفرق بين الأم وابنتها، لم تنجح هي بخطتها

لكنها نجحت باستمالة قلبي بجميع نواحيه الآن

أنا خاسر سعيد
أنا تائه مطمئن

[The Dark Shadow] - Short Story -Where stories live. Discover now