الفصل التاسع

35 3 3
                                    

حملت على عاتقي مسؤولية مساعدة إياس مهما كلفني الأمر، وسواء ساندتني فرح أو سخطت سأكمل ما بدأت به.

مر ما تبقى من الأسبوع على نفس الدائرة التي خضناها، نجوب في الشوارع، إما قبل محاضراتي أو بعدها على أمل أن يلفت شيء انتباهه، لم ترافقني فرح البتة، ففي كل مرة أخرج مع إياس تخلق عذرا لانشغالها. كنت أشعر بها تكاد تنفجر من وجوده، وسخطها علي يزداد. لا أستطيع لومها فأنا تسببت لها بالكثير من الغم باستقباله في شقتنا، سلبت منها راحتها واقتلعت أمنها.

قررت صباح الخميس تقليل ساعات البحث من أجل أن أعود إلى بيت ذويّ لعلي أصل قبل المساء، ففي عطلة نهاية الأسبوع سنحتفل بزفاف ابنة عمي. حدثت فرح عن مخططاتي من أجل التحضر للحفل ثم سألتها:

"هل تملكين فستانا لائقا لأستعيره منك من أجل حفل الزفاف؟"

نظرت إلي بسخط وقالت:

"هل أنفقت كل ما معك من مال من أجله؟"

- "أخفضي صوتك سيسمعك!"

- "أحاول فعلا أن أدخل دماغك الحلزوني هذا وأفهم طريقة تفكيرك، على الأقل خذي ما يدين لك به من أمواله! إنها بين يديك، هذا أقل حق لك مقابل إيوائه!"

حدجتها بنظرة معاتبة فقالت غير مبالية بوقع كلامها:

"لم أقل ما يثير سخطك، على الأقل لم أطلب المال لنفسي، مع أننا نملك كامل الحق في أخذ مقابل منه على نومه وأكله من خيرنا.."

- "كفى! اسكتي يا فرح! لا أصدق أنك تفكرين بدناءة هكذا! إن كنت لا ترغبين في إعارتي فستانا فقولي لا ببساطة"

- "أهكذا فسرت المغزى من كلامي؟"

- "مهما يكن، أغلقي على الموضوع اعتبريني لم أطلب منك شيئا"

احتدم نقاشنا عند هذه النقطة ولم تواصل مهاجمتي بحممها الحارقة، لكن سكوتها لم يكن بسبب رفضي الجدل معها بل بسبب باب غرفتنا الذي سمعنا طرقا عليه من الخارج.

فتحت الباب لأستجيب لإياس الذي وقف محرجا وعلامات الضيق واضحة على محياه التائه، فبادرت بالقول حتى لا أترك له مجالا لسؤالي عم دار بيني وبين فرح في الداخل:

"علينا اللحاق بمحاضراتنا لذا أرجوك ارتح وعندما أفرغ من اختباري أعدك أن أكمل مشوار البحث معك"

ابتعدت عنه متجهة نحو الباب الخارجي بعد أن خطفت معطفي عن مسند الأريكة، وسبقت فرح نحو الخارج، متجنبة أي تواصل من أي نوع مع إياس.

***

بكت السماء معلنة انهزامها من ثقل الغيوم التي تعاتبها باستمرار، كنت ما زلت أسير مع إياس في المنطقة ذاتها التي كنا نفتشها بالأمس، لعل تكرار البحث في منطقة مررنا بها سابقا مرة أخرى يساعده على استحضار ذكرى ما. لم أفاتحه بشيء من شجاري مع فرح، وهو بدوره لم يطرح أسئلة، لكنني لاحظت أنه شارد التفكير. هل يشعر أنه بات عبئا؟ هل جرحه كلام فرح؟ الضيق الذي في قلبه يتسرب من صدره إلى عينيه. فجأة سلك أحد الشوارع الفرعية دون تنبيه فلحقت به. لاحظت أنه يغير مسيره نحو الشارع الرئيسي فأثار ريبتي. ولم أكد أفهم ما يجول في خاطره إلا وقد وجدت أننا نقف أمام محل لبيع وتأجير أثواب الحفلات.

زائر في كبد الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن