الفصل الثامن عشر

28 4 2
                                    


عانقت بجسدي المرتجف الضئيل كنزة إياس العملاقة التي وصلت بطولها إلى فخذي، وقمت بثني البنطال الذي قدمه لي عدة ثنيات حتى يناسب طول ساقيّ. جلست على الأرض مسندة ظهري على طرف سريره مخبئة رأسي تحت المنشفة، بينما كان واقفا على عتبة الباب مستندا عليه.

سألته بصوت خافت لم أتوقع أن يصل مسامعه:

"لماذا قررت أن تمكث هنا؟"

صمت قليلا قبل أن يجيبني ثم قال:

"أنا لم أقرر بعد لكن... ظننت أنني إذا بتّ هنا فربما.. ربما أتذكر شيئا أو أهتدي إلى شيء... في الواقع كنت.. أبحث في غرفة ... آمم صديقي الراحل.. علني أقع على شيء من أثره فأتذكره..."

شعرت بخياله يقترب مني ثم توقف ليسألني:

"ما الذي حل بك أنت؟ هل كل شيء على ما يرام؟ هل تعرف فرح بخروجك؟ أشعر بخطب ما، ما الذي جعلك تخرجين في هذه الأجواء؟ إنها تمطر بغزارة في الخارج، انظري إلى حالك.. أخشى أن تصابي بالبرد ثانية"

- "البرد الآن سيكون أخف همومي!"

فور نطقي بهذه العبارة ابتلعت لساني وصمتّ، بهت إياس قليلا بردي، يا إلهي لا أريده أن يفسر كلامي بأنني متثاقلة من مساعدته، أرجو أن يتفهم أنني لم أعنِ شيئا بخصوصه.

رن هاتفه فخرج من الغرفة لاستقبال المكالمة، كان صوته منخفضا وهو يتحدث من خلال الهاتف لكنه لم يكن منخفضا إلى الحد الذي لا يمكنني فيه سماعه، وحتى الصوت القادم من شاشة التلفاز المضاءة في المعيشة لم يمنعني من سماع مكالمته، فقد كان يحدث أحدا ما بأنني بخير وسيتكفل بالاهتمام بي ريثما يتوقف هطول الأمطار، أدركت وقتها أنه يتحدث إلى فرح.... لا بد أنها الآن غاضبة مني بشدة، لقد دفعتها عني بقوة هل يعقل أنني آذيتها؟ هل تتألم بسببي؟

عاد إلي إياس بعد برهة يحمل معه صينية، أراحها أمامي حيث كنت ما زلت متخشبة مكاني، أتنصت إلى صوت التفاز بصمت، سحب المنشفة عن رأسي وأشار إلى الصحن الموضوع داخلها وطلب مني شرب الحساء الذي أعده لي وهو دافئ.

لم يكن لي رغبة في الأكل الآن، لكنني لم أشأ أن أزيد غمه، كما أنه تكبد عناء تحضيره من أجلي، فسحبت الصينية وأرحتها في حجري وأخذت أتناول الحساء بصمت حزين.

كان إياس جالسا القرفصاء أمامي، مد يده ومسح بها على شعري بحنو، ثم قال:

"أعدك أن كل شيء سيكون بخير.. غدك سيكون أفضل من أمس... أعدك أن أعيد إليك بسمتك.. لن أسمح لأي شيء أن يعكر صفوك منذ الآن فصاعدا.. فقط أمهليني الوقت الكافي.. سأعوضك عن كل شيء... أنا معك وإلى جانبك دوما.. ومهما حصل فلن أتخلى عنك"

طأطأت برأسي إلى الأسفل لأصد دموعي عن خذلاني أمامه، فأنقذني اتصال آخر ورده على هاتفه مجددا فنهض لاستقبال المكالمة.

زائر في كبد الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن