قبلُ بزوغِ الفجرِ في آخرٍ لحظاتِ المساءِ ، يرقدَ جميعُ أهلِ القريةِ بسكونِ مطمئنينَ غيرَ عالمِ أحدٍ بوجعِ جارهِ وغيرُ آبهٍ أحداً إنْ نامَ جارهُ متألما حزيناً أوْ حتى جائعاً
جميع من في تلك القرية كل ما يهمهُ هو نفسهُ فحسبَ
الجهلَ والتخلفَ طغى على كبيرهمْ قبلَ صغيرهمْ ، معتقداتٌ غبيةٌ يورثها الآباءُ للأبناءِعالمهمْ كلَ ما يعرفهُ الكتابةَ وتهجئة القراءةَ ، أما بالنسبةِ لِنسائِهم فلا يوجدُ داعي لتعليمهنَ فقدْ خلقنَ ليتزوجنَ عندَ بلوغهنَ سنَ الثالثةِ عشرَ ومن بعدها يكرسنَ حياتهنَ لخدمة أزواجهنَ وطاعتهمْ وإنجابُ المزيدِ منْ الذكورِ على قريةٍ تقدسَ كلمةَ ذكرٍ وتسودُ وجوههمْ منْ كلمةِ أنثى
فالأنثى ناقصةٌ عقل ودين ولا تجلبُ سوى العارِ لأهلها!
أما بالنسبةِ للذكر فلا يعيبه شيء لمجرد انهُ قد خُلِق ذكرً!
وانْ صنع حسنة بالصُدفة
يقدسُ عملهُ ويدونْ في تاريخِ تلكَ القريةِ الصغيرة..داخلَ حمامٍ صغيرٍ في بيتٍ الفقرُ بادٍ على أصغرِ تفاصيلهِ تقفُ عندَ المغسلةِ بجسدها الهزيلِ و وجهٍ شاحب قد تلبسهُ المرض ونالَ منهُ تماماً
تشعرُ بالغثيانِ الشديدِ وعلى الرغم من أنَ معدتها فارغةً الا انها تودُ تقيؤ كُل مافيها ، كم كان هذا بائساً فلا وجود لأحدٍ يعلمُ بسوء حالها وانْ علمِ أحدِ فلنْ يغيرَ منْ الواقعِ شيئاً
فهي على أتمِ عِلمٍ بأنَ لا أحدَ يهتمُ لحالها سوى شخصينِ..
وشقيقها ليسَ منْ ضمنهما أبداًأخاها الذي انْ استيقظَ على حركتها الآنِ لقامَ بتوبيخها على مرضها في هذا الوقتِ المتأخرِ وافسادها لوقت راحته
شهقاتٌ ضعيفةٌ تخرجُ منْ الفتاة ذاتِ الستةَ عشرَ عام تقفُ عندَ بابِ الحمامِ الخشبيِ تنتظرُ خروجَ أختها المتعبةِ ، أنها على هذهِ الحالةِ منذُ أيامٍ مضتْ وفي ذاتِ الوقتِ تسرعُ بخطواتها نحوَ الحمامِ لتتقيأَ جميعَ ما تناولتهُ مسبقا ، دونُ حول ولا قوةً منْ شقيقتها التي ليسَ بيدها شيءَ لفعلهِ سوى التحسرِ على حالتهمْ الباليةِ تلك
غسلتْ وجهها للمرةِ العاشرةِ بالماءِ الباردِ خارجةً منْ الحمامِ الذي لا قفلَ لهُ حطت عيناها على الواقفةِ أمامها بعيونٍ لاحظتْ احمرارها بالرغمِ منْ خفوتِ الضوءِ في مُحيطهم
لترفعَ يدها وتُريحها على وجنةِ اسيل اليمنى سائلةً إياها بصوتها الدافئ الحنون
" لماذا تبكينَ ؟ "
ابتلعت اسيل ريقها وأنزلتْ عينيها الدامعةِ على الأرضِ الخشبيةِ مجاوبة بهدوءٍ حزين
" أنتِ..لستِ بخير "
ابتسمتْ ليليانْ لتطمئنَ أختها بنفيِ ما أردفتْ بهِ
" أنا بخيرِ تماما أنها فقطْ وعكةً منْ طعامِ العشاءِ "
رفعت أسيل عينيها وعقدت حاجبيها بحزنِ قائلةٍ بنبرةِ صوتٍ ارتفعتْ قليلاً
" بربكَ أختي عنْ أيِ عشاءٍ تتحدثينَ وقد كان مجردُ حساءٍ وقطعةَ خبزٍ يابسةٍ "