"قبل ساعاتٕ قِلة"
جميعُ البشر جشعون
ولكن الإختلاف بين كل فرد وآخر
هو حجم الجشع الذي استطاع بدنه احتوائه..واخفاؤهكشر عن انيابه ذاك الرجل العجوز الذي استمع لكل ما جرى في هذه الساحة
وقرر استغلال هذا الوضع السيء لصالحه مُترقباً مغادرة اهل القرية لينفرد بأمجد
ويخبره بطلبه وهو متأكد تماماً بانه لن يردهيجلسُ على مقعده يتكئُ على عكازه العتيق
المقاعد جميعها خلت من الإنس إذ قد غادروا المكان
أما عن الطاولات فقد مُسح ما عليها من طعام وكأنه لم يكن عليها شيئاً سابقاً
فأغلب اهل القرية قد جاء لأجل الطعام فقط
فالجوع والفقر قد نال من أبدانهم حتى باتوا نحيلين شاحبين يتوسلون اللُقمة
وامجد عرف تماماً من اين يضرب ليجعل الجميع يخضع لهتقدم منه آدم عاكفاً حاجبيه يسأله
"العم خالد؟ألم تُغادر بعد؟"
وضع كفه على كتف العجوز حاثاً اياه على الكلام
فرد عليه قائلاً بحسرة صوته القديم
"لستُ على عجلةٕ من أمري
فلا أنيس لي في المنزل أهرعُ إليه
فكما تعلم آخر ولد لي قد تزوج وهجرني كما باقي إخوته"جلس يثني ركبتيه مبتسماً له بصدق وهو يُطمئنه
"هذهِ سُنةُ الحياةِ ياعم ، ولكن نحن جميعاً أولاداً لك
واياً ما اردت لا تتردد في طلبه فقط انده لنا وستجدنا عندك"كان في قلب آدم مكانة خاصة للعجائز ومماثلة لها للاطفال
لكون العجائز يفهمون كل ما في هذه الحياة
بينما الاطفال لا يفهمون شيئاً منها
فيجعل منه هذا مطمئناً بالافصاح عن مشاعره لكليهما
فالأول سينصحه من خبرته والثاني لن يفهم من كلامه حرفاً"خذني الى عندِ أمجد"
ساعدهُ آدم بالوقوف
قد ظن بإنهُ يريد أن يستدين منه مبلغاً من المال
أو أنه يريدُ أن يشتكي لهُ من أن أحداً قد ضايقه
لم يكُن يتوقع ابداً بأنهُ..يُعينه على تحطيمِ قلبه"اريد الحديث معك بأحد المواضيع يا بُني"
أردف العم خالد بصوته الكهل يتصنع المسكنة للواقفِ أمامه
فأومأ له أمجد مستمعاً وهو يُكتف يديه ويضمها الى صدره
وأما آدم فعقد حاجبيه يتفحص تعابير الرجل التي كان زيفها واضحاً كوضوح شعره الأشيب
"انت تعلم يابُني انني اعيش مُنذ سنين وحدي
وقد اصبحت عجوزاً لا اقوى على جلب الماء لنفسي"رق قلب آدم لمظهره المنكسر ولحديثه الذي ملؤه الأسى
والا عن قليل كان سيذهب للبحث عن كُلِ أولاده
ويهشم وجوههم واحداً تلو الاخر لهجرانهم أبيهم دون رحمةولكن حينما أكمل حديثه
شعر آدم كمن نُغز بسكين لا بإبرة
كمن سُكب عليهِ ماءٌ يغلي
كمن رُدم ردماً بالحجارة!