كيان~
أجلس وسطَ حَديقة مليئة بالزهور الحمراء والاشجار المثمرة ، نسيم بارد يرتطم بجسدي بينما
اراقب تلك الامرأة وهي تقطف العنب من أحد الاغصان و تتناوله ، حين نظرتُ لشعرها الأحمر أدركت على الفور هويتها ، وغرقت في صمتٍ طويل ، لطالما تمنيتُ مقابلة والدتي فما بالي الان لا أجد ما انطق به ؟هَل افتقدتني ؟-
بادرت هي بسؤالي ، ارتبكتُ قليلاً ولم أجبها ،
وفقط شعرتُ بدموعي تنساب على وَجنتاي ، لكن وبشكل غريب كانت دموعي تِلك باردة للغاية ، والجو ايضاً اصبح بارداً بشكلٌ لا يُطاق ، وجسدي بدأ يثقل ، وكأن العديد من الايدي تسحبني من تلك الحديقة ، فور ادراكي لهذا هَرعت لوالدتي احشر نفسي في حضنها ، اتشبث بثوبها خشية الاستيقاظ من هذا الحلم ، بينما هي حاوَطت وجنتاي بكفيها ، كانا دافئين ، و ابتسامتها دافئة ايضاً ، لعلي تمنيت لو أعلق هكذا للأبد ، لكن بدأت صورة والدتي بالتلاشي ، بينما تعالت الضوضاء حولي ، و وجدت الظلام يحتويني ، وحينها ادركت حقيقة استيقاظي لكن لما اشعر بالبرد ؟ ولما شعوري بكفين يحيطان وجنتاي لازال موجوداً ؟
فتحتٌ عيناي بصعوبة ، كانت الرؤية ضبابية للحظات الاولى لكن اتضحت لي الصورة بعد ثوانٍ من التركيز ، اذ كانت جود من تحيطُ وجهي بكفيها بينما تنادي علي مراراً ،
وخلفها ميار التي تأمرها بالابتعاد وفي يدها حُقنة ما ، وجسدي بارد بسبب ملابسي المبللة بالكامل ، لم اركز كثيراً لاني ادركت الألم المريع الذي يجتاح صدري ، لم استطع التقاط انفاسي حتى واجتاحتني نوبة سعال قاسية ، وكأن مجاري التنفس لدي ممتلئة بالأشواك ، شعرت ايضاً بوخر ما حتى لاحظت ميار التي حقنت ذراعي بتلك الحقنة ، و رودين التي ظهرت من مكان و وضعت وعاءاً بلاستيكياً أمام فمي بحيث تجبرني على استنشاق ما داخله ، وبقينا على هذا الوضع لعشرين دقيقة تقريباً ..جود~
أراقبُها بينما تستنشق بيكربونات الصوديوم ،
ميار اعطتها حقنة امينوفيلين لذا يفترض أن تستطيع التنفس بصورة طبيعية بعد عشر دقائق ،
اود البقاء للاطمئنان عليها لكن علي النهوض والمساعدة في اسعاف بقية الضحايا ،
خلعت معطفي و تقدمت منها لأحيطها به ،
فكامل ملابسها مبللة لاننا اسعفناها بالماء حتى لا يعلق الغاز على جلدها
فالعدو باغتنا و استعمل غاز الكلور قبل ان ندرك ،
كنا في مهمة ليلية انا و رودين و ميار ، لذا شاهدنا عبوات الغاز التي اطلقت نحو المدينة وهرعنا لارتداء الاقنعة والرجوع للقاعدة لانقاذ المسعفين النائمين هناك ، و ما ان عدنا ودخلنا غرف السكن حتى ادركنا
الفاجعة ، فبسبب منطقة القاعدة اسفل الارض وكون الغاز ثقيلاً لذا حلت كارثة هنا ،
و نحن الان نعمل على اخراج كامل الضحايا والناجين من القاعدة الى اعلى الارض ،
لذا ألقيتُ نظرة اخيرةً على كيان ، اتركها مع
ميار وأجر جسدي و خيباتي خارجاً
، المشي كان صعباً وخطواتي كانت ثقيلةً بشكلٍ لا يُطاق ، لاني أعلم السيناريو القادم ، الجيش سيدخل المدينة
و تبدأ المجزرة ما إن يتلاشى الغاز من الجو ،
أي بعد يومين او ثلاثة كأقصى حد
فهم يعلمون اننا نستنفذ قوانا للاسعاف
والضحايا كُثر سواء داخل او خارج قاعدتنا
لذا اشعر بالعجز بشكل مُخزي ، فشلت للمرة الثانية في حماية هذا المكان ، رغم كل التعهدات و الوعود التي قطعتها على نفسي ،
ورغم كل هذا العجز الذي يغمرني لكن علي الاستمرار في العمل ، فلا وقت للنحيب و البكاء ،