كيان~الناس تتدافع في الشوارع الصاخبة هلعاً
حيث تتضارب أصوات الأنين أسفل ركام المنازل
مع عويل النساء و صرخات قهر الرجال
و استغاثات الأطفال
الاجتياح العسكري لمثل هذه المدينة الصغيرة
يجعل المشهد و كأنه نهاية العالم
الجنود يعتقلون الشُبان بعشوائية ، حتى بعض الفتيات قد تم تكبيلهن
و حتى إن نجوت من الجنود
من الصعب النجاة من الدبابات
و الرصاص العشوائي
لم أكن أقوى على الحركة ، حتى لمحت ما يحفز عضلاتي للركض ، حيث امرأة عجوز قدمها عالقة اسفل الركام و تستنجد
لأتدخل و أرفع الصخور عنها ،
وبينما تقف أفزعتني بصراخها بعبارة "إهربي"
لم استوعب وجود الجندي خلفي مع بندقيته حتى وجدتها تخنق وتثبت جسد الجندي بيديها النحيلة و تصرخ بي لأتحرك
وهنا دَبت بي قوةُ لم اشهدها من قبل ،
و انطلقت أعدو بأسرع ما املك
دون النظر الى الخلف
حتى حين شعرت برصاصة تخترق كتفي
لم اتوقف ابداً
حتى وصلت لموقع ما يفترض انه مقصورة القيادة لآخر عملية دفاعية سنقوم بها
لم اقترب حتى إذ كان عبارة عن خراب و مئات من جنود العدو ينبشون في بقايا هذا المكان
عدت بخطواتي للخلف
لأفزع عندما شعرت بي اصطدم بشخص ما ،
إلتفت على عجل لألمح شاباً أذكر وجهه ، احد جنود قاعدتنا
وعلى عجل سألته عما حل هنا
ليكتفي بكلمة "مجزرة"
وقبل أن تأكلني الهواجس
أكمل يخبرني انه لمح جود تركض خارج المقصورة ، اي ربما انسحبت لموقع ما قبل الدبابات
لم املك الوقت لشكره حتى لأركض مباشرة
أحاول ألا اتعثر بأحد الصخور المدفونة أسفل هذا الثلج ، لكن حين وصلت لوجهتي بِتُ أحاول تفادي الدهس على الجثث .
و صوت نحيب يتردد في أذني
كان صوتها
رودين .
تحتضن بين يديها جَسد ميّار
اقتربت ادنو منهما
اناظر وجه رودين المبلل بدموعها بينما تحاول إنعاش الفتاة قلبياً
من الوهلة الاولى أدركت أن روحها غادرت جسدها ،
بشرتها الشاحبة و انعدام التنفس و أطرافها المتجمدة
توضح أن لا فائدة من محاولة إنعاشها
وضعت يدي على كتف الباكية أحاول جعلها تدرك الواقع ، بينما أحاول كبت دموعي
لكنها كانت مغيبة تماماً عن الواقع ، لا تعي ما حولها
نهضت أبحث بعيناي بين الجثث ،
أرعبتني فكرة أن أجد جود ايضاً جثة هامدة
لكن لا أثر لها
خارت قواي ، البرد ينهش عظامي
و رودين
لم تتحمل
فقط سمعت رصاصة واحدة ، كان مصدرها بندقية رودين التي هربت روحها ايضاً من كل هذا البؤس
وانا انهرت فقط اناظر ما حولي بصمت بينما اضغط على جُرحي
المكان هنا مخيف ، رائحة الموت تحيطُ كُل زاوية
لم اعد أملك طاقة للبكاء ،
اشعر بروحي هامدة ، أردت لو انكمش على نفسي للأبد ، او اختبئ اسفل الثلج للأبد ، لكن تم قطع افكاري السلبية بقماش دافئ يلفُ جسدي
انهمرت دموعي مباشرة حين وقفت أمامي
بينما تحيط جسدي بسترتها
لم استطع السيطرة على شهقاتي التي تعالت
بينما اشير لميار و رودين
رأيت القهر في وجهها
لم أر نظرة بائسة كهذه قبلاً
إنها المرة الاولى التي ارى فيها ملامح الألم بهذا الشكل في وجه احدهم
لم أكد ألحظ دموعها حتى سحبتني سريعاً خلفها
ننسحب لآخر موقع ،
هنا حيث سيحدد مصير هذا المكان
لم يصل طاقم الإسعاف بعد لمعالجة جرحي حتى و اكتفينا بوضع القماش لايقاف النزيف
اخدتني جود بعدها لشقة في إحدى الأبنية القريبة من هذا الموقع ، تركتني واخدت سلاحهالا ترحلي .. لن ينجو أحد هناك
حاولت ردعها بكلمات هَلعة
لأجدها تسحبني بين ذراعيها في حضن سريعروحي ليست أغلى من أرواح اصدقائي هُناك ،
لن نُسلم أرضنا دون قتال ، سننتصر
او ندفن في تُرابهاو على عجل خرجت ،
وانا بقيت وحدي ، أدندن أغنيتي الحزينة
حتى قطع وحدتي دخول بقية طاقم الاسعاف للمكان ، عالجو كتفي
وبدأت المعركة .. و الأجساد الجريحة تتراكم لدينا
كانت معركة استنزاف
فمصير ذخيرتنا الضئيلة النفاذ ،
اذ لم تدم الاشتباكات لأكثر من ساعة لنجد انذاراً للإخلاء ، فجنود العدو المنتصرين يقتحمون المنطقة للبحث عن اي مقاومين مختبئين او يحاولون الانسحاب لموقع اخر ،
لم أملك القوة على التحرك حتى أتت هي لتسحبني خلفها مجدداً ، نمشي في الطرقات الضيقة
حتى أوصلتني للمنطقة الامنة ، حيث الخونة الذين لم يشاركوا بأي قتال و على العكس ، ساعدو جنود الاحتلال
حيث انتقل ابي و اخي
فهمت ما ترمي جود اليه
لذا تمسكت بيدها أرفض تركها مجدداً ،
لن اعود بدونها
حضنتني ، لم امسك دموعي حين شعرت و كأنه مشهد وداع حقيقي
كان السكان مجتمعين امام المنطقة الامنة ،
بينما نسمع صوت تقدم الجنود نحونا
اقتربت تهمس ليلن تنتهي قصتنا هنا
سنلتقي مجدداً ، في حياة أخرى ،
في حُلم او خيال مضطرب
و سأحبكِ دائماً...
لم يكن هذا آخر لقاء بيننا ، انتهت الاشتباكات بعد عدةِ أسابيع ، تم اعتقال كامل شباب المقاومة
وانا عدت لمنزلي ، بالطبع بعد أن تم تهديدي من قِبل أخي بتسليمي للجيش ،
وبينما كنت أتجهز لموتي الأول ، حيث يسحبني شاب لشراء كفني الأبيض اللامع ،
وسط ساحة المدينة
كانت هناك ايضاً ، يحيطها الجنود من كل صوب كحال باقي شباب المقاومة المعتقلين
يصطفون في الوسط
يتجهزون ايضاً لمغادرة أرواحهم لأجسادهم
حيث بقية الجنود يصوبون الأسلحة نحوهم لتنفيذ حكم الاعدام في حقهم ، ليكونوا عبرة لكل من يرفض الذل والاحتلال مجدداً
أما هي و على عجل قامت بتحيتها العسكرية
و لاقت حتفها بينما تبتسم لي.بعدها باتت كُل الأيام ثقيلة ، وانا صرتُ في انفصال تامٍ عن الواقع ، ما عُدت ادرك إن كان هذا محض كابوس ، او مسرحية ذات طابع مأساوي
أواسي عقلي المنهك بخيالي المريض ،
حيث هناك تتحق الامنيات ، و نتمايل على صخب الحُب دون أن تثقلنا الخيبات او توقفنا برودة يناير ،
وفي شرفتي كل يوم أحيي ذكراها على دفاتري
أشعر بها تنبض في أركان أوراقي ،
و اتسائل دائماً إن كانت روحها تحوم حولي ،
او فنيت و بات اللقاء مجدداً محض وهمٍ لإسكات مواجعي .