-4- عن ابن عاق

150 21 269
                                    

كان من المفترض أن أستغل وقت بزوغ الشمس لأجمع المؤن لكنني نمت لفترة أطول مما تصورت وكأنني قد فقدت وعيي.

تجولت في أنحاء القصر الرئيسي كما يحلو لي فأغلب سكانه قد خرجوا بالفعل وسيعود أغلبهم هذه الظهيرة لأجل الغداء.

توجهت أولاً إلى المطبخ في الطابق السفلي وقمت بإلقاء التحية على البشري الذي كان يصنع طعام الغداء بالفعل. كان متجهِماً كما جرت العادة وبين أسنانه الصفراء سيجارة رفيعة، بدا وكأنه يشوي بدخانها الطعام، يضيف نكهته الخاصة.

"أريد الكثير من هذا."
أشرت لإحدى القدور الكبيرة على النار الزرقاء، كان يغلي بحساء مصنوع من البطاطا واللحم.

"لما لا تجلسين مع أفراد عائلتك على الطاولة وتأكلين مثلهم؟ أمتلك أكثر من بعض الحساء لأقدمه."
نفض رماد سيجارته في صحن زجاجي صغير ونفث مجدداً الدخان قبل أن يُناظرني من الأعلى وحتى الأسفل بعيونه الداكنة ويضيف بلكنته الغريبة متجهماً:
"تبدين بحاجة الكثير من الغذاء اليوم بشكل خاص."

"لما لا تهتم بشؤونك الخاصة يا هذا؟"
لم تكن هذه أول مرة نتحدث فيها، حيث إنني أعرفه منذ طفولتي. عندما كنت أخرج للركض صباحاً وأعود بعد خوض صراع طويل مع شخص أفضل ألا أراه، كان هذا البشري يسكب لي الطعام بصمت، يوماً بعد يوم، بلا كلل أو تذمر، لكنني لا أدري ما اسمه حتى اللحظة ولا أهتم.

"أنتم شأني، مهمتي هي إطعامكم يا حراس التوازن لتقدموا أفضل ما لديكم في أعمالكم، وأنتِ لم تعودي تلك الطفلة التي تلعب بالطين لأتجاهل الطريقة المخزية التي تغذين بها جسدكِ."
هل هو يوبخني؟

قضم السيجارة بين أسنانه وكأنه غاضب ثم حملها بين سبابته والوسطى ليشير نحوي بها مضيفاً:
"أولستِ مستذئبة؟ أين عضلاتكِ؟ ليس لديك سحر مبهرج ليحميكِ أو سرعة تثير العجب."

"يا أنت..."
استوقفته بنبرة غاضبة، بالكاد استطعت إبقاء قبضتي في الأسفل، فإنني لو لكمته قد أقتله.
"أتود الشجار معي؟"
ناظرته في العينين، لكنه لم يهتز. ما الذي يعرفه هذا البشري الهزيل الذي قد وصل عقده الرابع للتو ولكنه على وشك الموت بسبب التدخين؟ لا شيء! هو فقط يستفزني، ولهذا... يجب أن أهدأ وأدع هذا يمر.

"انسى الأمر."
دخلت المخزن الخلفي لأخذ أكبر قدر من ألواح البروتين واللحم المجفف لأملأ حقيبة كتفي القماشية المهترئة بقدر ما تستطيع تحمله.

حاولت تجاهله في طريقي للخروج لكنه استوقفني.
"مهلكِ يا فتاة..."
الطبّاخ كان معطياً إياي ظهره حين تحدث، رفع كفه بسيجارته وأشار لطاولة بعيدة حملت طبقاً كبيراً من الحساء الساخن الذي تصاعدت منه الأبخرة.
"لن تخرجي للعمل ببعض الطعام الجاف فقط في معدتكِ بحضوري."
تحدث دون أن يلتفت لي أما أنا فأمسكت بوعاء الحساء وارتشفته مبتلعة كل ما فيه دفعة واحدة. حرارته الملتهبة لم تزعج حنجرتي كثيراً، تذوقت كل رشفة، كل قطعة خضار حلوة ولحم هشة.

أوريـونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن