أغلقت حواء هاتفها في ملل وضيق بعدما كانت تتصفح مواقع التواصل بعشوائية، وتركته متجهة للتلفاز، لم تجد أحدًا في غرفة المعيشة ويبدو أن كل فرد في عائلتها إما مشغول بعمل أو دراسة أو حتى إتلاف الوقت على الأجهزة الإلكترونية.
لم تهتم كثيرًا، وقامت بتشغيل التلفاز بملل، وهي تقلب في قنواته علّها تجد ما يثير اهتمامها سواء كان فيلمًا أو مسلسلًا أو حتى برنامجًا للأطفال!
لم تمر العديد من الدقائق حتى لفت انتباهها برنامج دعوي يستضيف أحد الشيوخ الفضلاء الذين بذلوا حيواتهم في الدعوة إلى الله تعالى.
شعرت بالفضول لمعرفة ما يتم مناقشته خلال هذه الحلقة، لذا ألقت السمع بإنصات.
سأل المذيع الشيخ: «في عالمٍ يعجُّ بالفتنِ من كل حدبٍ وصوب.. حيث أصبح التعري شعارًا، والتحرر دثارًا، نتذكّرُ الآية الكريمة: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور:30).
نجدُ القرآن الكريم والسنة النبوية فائضين بمفردة غض البصر أو ما يتصل بها من معانٍ، ومع حاجتنا الماسّة لهذا الأمر ارتأينا التطرق له في سلسلتنا.
بعد ترحيبنا بشيخنا الكريم، حدثنا يا شيخنا عن غض البصر، خاصة أن الأجيال الحالية صادفَت واقعًا مريرًا من تعرٍّ في كل مكان، وكذلك ما ظهر من مواقع إباحية وغيرها توفرت لها العديد من المصادر التي يسهل الوصول لها بنقرة إصبع، وما أعظم ضررها على عقولهم وفطرتهم وحياتهم».
أومأ الشيخ موافقًا، وبدأ حديثه بصوت هادئ رزين: «أولًا ندعو الله تعالى أن يوفق مقصدنا، وأن يكون لقاؤنا لهذا اليوم مثمرًا مفيدًا، نبدأ بسم الله تعالى نحمده ونشكره ونستعين به.
بدايةً أودّ أن أشير إلى أن مسألة غض البصر من أخطر المسائل حقيقةً، فكما يُروى في الحديث القدسي: (إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ)، فالسهم المسموم عندما يصيب موضعًا من الجسد ينفث سمه لا في الموضع الذي دخل به فقط، بل ينفثه في جميع الجسد ويصل إلى جميع الأعضاء، ويبدأ يفتكُ بالإنسان حتى يقضي عليه، وكذلك المسلم، يطلق بصره في الحرام لا يدري أن هذه النظرات تسممه وتفتك بحياة قلبه الذي يحيا بذكر الله عز وجل وقربه وطاعته.
فالنظرة هي أصل الحوادث، ومُبتدأ المجون والفسوق، المرء عندما يطلق بصره في الحرام يعلن لنفسه دخول سلسلة طويلة من الذنوب والمعاصي، لا تنتهي حقيقةً بمجرد نظرة واحدة -وكفى بها معصيةً- وإنما تمتد إلى نظرات، وأفكار، وأفعال!
واليوم الشباب إذا قلت لهم غضوا أبصاركم، هذه معصية، وقد تجركم إلى معصية أكبر وهي الزنا! يقولون لك: الزنا؟ هي مجرد نظرة وين رحت فينا يا شيخ! يظنون أن الزاني قد اتخذ قراره بالزنا بعد مشاورات وتحقيقات ومُراجعات، لا يعون أنه يُقدم على ذلك بعد سلسلة طويلة ابتدأت بنظره إلى امرأة ثم فكرة راودته بالتقرب منها ثم التكلم معها ثم كلمة تجر كلمة إلى أن يقعان بالعشق ويسول لهما الشيطان فعلهما! فهي خطوات يجر بعضها بعضًا.
أنت تقرأ
داء الإباحية
Non-Fictionبدايةٌ جديدة، توبة صادقة وعودةٌ لفطرتنا السليمة... الخطوة الأساسية في تلقّي العلاج هي تشخيص العلّة ومعرفة الداء بكل جوانبه. ها نحن نلقي نظرة تشخيصية على داءٍ انتشر وأخذ معه عددًا مهولًا من الضحايا، يفتك بالعقل، يدمّر الجسد ويقتل الروح: داءِ الإباح...
