يهوي بها إلى النار

676 54 27
                                    

كانت حواء كعادتها تتنقل بين أزقة الواتباد بلا هدف معين، يخنقها الملل والفراغ اللذان يدفعانها لاستكشاف وبدء قراءة كتب روائية عشوائية حتى تجد مؤنسًا لها من بينهم، مما جعلها تمر على الرديء من تلك الكتب بعد أن لم تضع معيارًا وهدفًا معينًا لاختيار الكتب المناسبة المفيدة..

وقعت عيناها على غلاف جذاب مصمم بإتقان، لفت انتباهها وحاز على اهتمامها وفضولها، وجدت تحذيرًا من الكاتبة قبل فتح الكتاب عن وجود مشاهد مخلة، وأنها تخلي مسؤوليتها من ذنوب القارئين -وكأن ذلك يخلي مسؤوليتها وذنبها أمام الله-..

أغلقت الهاتف، وظلت تحدق بالسقف بلا حراك يدور ببالها سؤال:
هل تلك الكاتبات يأثمنَ بما يكتبنَهُ؟ وهل يغني عنهن تلك التحذيرات الائي يكتبنها؟

تذكرت فجأة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ.)

ارتعش جسدُ حواء برهبةٍ وهي تفكر: يهوي بها في جهنم، لكلمة! كلمة فقط، كلمة من أحرف وأصوات، يهوي من أجلها في جهنم!

ثم مر على بالها الحديث الآخر: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».

قُبض قلبُ حواء تفكر بعظمة هذا الأمر، وتأملت مع نفسها قائلة:
أعداد القراء هائلة على تلك الروايات، أتساءل فقط.. كم ذنبًا كُتب في ميزان سيئاتهنّ؟

ارتعدت خوفًا وهي تفكّر بكمية الذنوب الهائلة التي تحملها عواتق تلك الكاتبات الضعيفة، كم من فتاةٍ لم تكن تعرفُ شيئًا عن الزنا والشذوذ وباقي المعاصي المنتشرة في روايات الواتباد، ثم بعد أن قرأت إحدى الروايات.. بدأت رحلة شنعاء في الغرق بمستنقع الإباحيات، بسبب ماذا؟ بسبب رواية!

خُربت حياة إنسانة كاملة، طُمست براءتها، ضُيع عُمرها، انتكست فطرتُها، فسد فكرها وعقلها، كل ذلك.. بسبب كلمة!

طيب.. لأجل ماذا يكتُبن هؤلاء الكاتبات؟ لأجل تحقيق شهوةٍ في نفوسهن تمردًا بخيالهن السيئ؟

طيب لماذا ينشرن كتاباتهن السيئة؟ هل يستمتعن برؤية أخواتهن المسلمات تُسحق براءتهنُ ويُمحى دينهنّ بسبب كتاباتهنّ؟

لأجل ماذا؟ لأجل تعليق وتصويتٍ؟ أم لأجل كلمات مدحٍ مزيفةٍ؟ أو هل هو لجذب الانتباه وتحصيل الاهتمام؟

هل يستحق أي من ذلك أن يهوي بسببه الإنسان في جهنم؟!

كيف تشعرُ إحداهنّ بالسعادة وهي ترى مشاهدات رواياتها قد دخلت الألف والألفين، أو المليون والمليونين؟ أنسيّت أن كل مشاهدة لكتابتها ذنبٌ جديدٌ يُضاف لصحيفتها؟ مليون مشاهدة.. مليون ذنب! يا الله يا قدير!
بل وما تزال الذنوب تُضاف لصحيفتها حتى وهي نائمة!

وهناك جانب آخر،  ألا وهو نشر الفاحشة.

أتعلمين أنكِ بمشاهدتك لهذا المقطع الإباحي تكونين قد ساهمتِ في نشر الفاحشة في المجتمع بين إخوانك وأخواتك المسلمين، وفي تحقيق رغبات أعداء الدين وحثهم على الاستمرار في قذارتهم؟ أخبريني، هل كانت تلك المقاطع والروايات وغيرها لتستمر ولتنتشر لولا وجود جمهور لها وأنت منهم؟

تأملي معي بعض آيات كتاب الله -سبحانه وتعالى- : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾  {النور:١٩}

فإذًا، أتحبين أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ أترغبين في حمل أوزارك وأوزار من تساهمين في ضلالهم بمشاهدتك لهذه المقاطع أو حتى القراءة عنها؟ أظن أن الإجابة هي لا وألف لا.

وتذكروا دائمًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾  {العنكبوت:٦٩}

فلا يغب عن بال إحداكنّ أيٌ من هذا عندما تحاول فتح مقطع إباحيّ، أو كتابة أو قراءة رواية أو قصة مصورة تحتوي على مشاهد إباحية، وتذكري مرة أخرى قول الله -تعالى- :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ {النور:١٩}

زاد انتشار هذه الروايات لتصبح سمعة التطبيق ملوثة، معلوم بما يحتويه بما يخدش الحياء والقلب، ويدمر الفكر والعقل..

فإما أن يتم نصح من يكتبون ويصنعون تلك الآفات بكل أدب واحترام حتى يتقبلوا النصح، وذلك انطلاقًا من أمر إلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا لم يتعظوا فيكون علينا الإبلاغ عن هذه القصص..

-وللتنبيه، نحن لا ندعوكم للبحث عن هذه القصص لتنصحوا أصحابها، نحن فقط نرى أن تنصحوا من ستظهر لكم كتاباته كمقترحات لكم مثلًا، أو أشخاص قد تعرفونهم بالفعل، فإذا كنا الوضع لديكم نظيف بالفعل فذلك أمر جيد بالتأكيد، ولا داعي للبحث من الأساس عن تلك الفواحش-.

هل نصحتم من قبل أي شخص، واستمع لنصيحتكم؟

وهل لاحظتم كتابة خادشة وقررتم المضي قدمًا ونصح صاحبها، أم شعرتم بالكسل للنصح والإرشاد؟

إذا كان ما يمنعكم لامبالاتكم أو كسلكم، فتذكروا أننا أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه يجب علينا تغيير ذلك المنكر..

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

دمتم بخيرٍ وعافيةٍ!

داء الإباحيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن