إذا كان الله قدَّرَ عليَّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟

318 13 0
                                    

حوار مع صديقي الملحد.

قال صديقي في شماتة وقد تصور أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة:
– أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدَّرَ علينا أفعالنا، فإذا كان هذا هو حالي، وأن أفعَالي كلها مقدرة عنده فلماذا يحاسبني عليها؟
لا تقل لي كعادتك.. أنا مخيَّر.. فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية ودعني أسألك:
هل خيِّرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر؟
هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة.. لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه؟
وإذا قلت إنك حر، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات؟
ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون؟

أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصور أني توفيت وانتهيت، ولم يبقى أمامه إلا استحضار الكفن.

قلت له في هدوء:
– أنت واقع في عدة مغالطات.. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه.. إنها مقدرة في علمه فقط.. كما تقدر أنت في علمك أن ابنك سوف يزني.. ثم يحدث أن يزني بالفعل فهل أكرهته.. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك.

أما كلامك عن الحرية بأنها فرية، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها.. هو تخليط آخر.
وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصور الحرية بطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين.

أنت تتكلم عن حرية مطلقة.. فتقول.. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلاً أو قصيراً.. هل بإمكاني أن أنقل الشمس مكانها أو أوقفها في مدارها.. أين حريتي؟

ونحن نقول له: أنت تسأل عن حرية مطلقة.. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده.. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية:

«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ»

[القصص: ٦٨]

ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار.
ولن يحاسبك الله على قِصرك ولن يعاتبك على طولك، ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها.

ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف.. وأنت في هذا المجال حر.. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها.
أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة.
أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك.
أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب.
وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام.
وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين.
وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة.
في هذا المجال نحن أحرار.
وفي هذا المجال نحن نُحاسب ونُسأل.

حوار مع صديقي الملحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن