كهيعص

23 4 0
                                    

حوار مع صديقي الملحد.

قلت لصديقي الملحد:
– لا شك أن هذه الحروف المقطعة في أوائل السور قد صدمتك حينما طالعتها لأول مرة.. هذه: حم.. طسم.. الم.. كهيعص.. ق.. ص.. تُرى ماذا قلت لنفسك وأنت تقرؤها؟

اكتفى بأن يمط شفتيه في لا مبالاة ويقول في غمغمة مبتورة:
– يعني.

– يعني ماذا؟

– يعني.. أي كلام يضحك به النبي عليكم.

– حسناً، دعنا نختبر هذا الكلام الذي تدعي أنه كلام فارغ والذي تصورت أن النبي يضحك به علينا.
ودعنا نأخذ سورة صغيرة بسيطة من هذه السور.. سورة «ق» مثلاً.. ونجري تجربة.. فَنَعُد ما فيها من قافات وسنجد أن فيها ٥٧ قافاً، ثم نأخذ السورة التالية وهي سورة الشورى، وهي ضعفها في الطول، وفي فواتحها حرف «ق» أيضاً.. سنجد أن فيها هي الأخرى ٥٧ قافاً.
هل هي مصادفة؟.. لنجمع ٥٧+٥٧ = ١١٤ عدد سور القرآن.. هل تذكر كيف تبدأ سورة ق.. وكيف تختتم.. في بدايتها: «ق والقرآن المجيد…» وفي ختامها: «فذكر بالقرآن من يخاف وعيد».. وكأنما هي إشارات بأن «ق» ترمز للقرآن.. «ومجموع القافات ١١٤ وهي مجموع سور القرآن».

قال صاحبي في لا مبالاة:
– هذه أمور من قبيل المصادفات.

قلت في هدوء:
– سنمضي في التجربة ونضع سور القرآن في العقل الإلكتروني ونسأله أن يقدم لنا إحصائية بمعدلات توارد حرف القاف في جميع السور.

قال وقد توترت أعصابه وتيقظ تماماً:
– وهل فعلوها؟

قلت في هدوء:
– نعم فعلوها.

– وماذا كانت النتيجة؟

– قال لنا العقل الإلكتروني إن أعلى المتوسطات والمعدلات موجودة في سورة ق، وإن هذه السورة قد تفوقت حسابياً على كل المصحف في هذا الحرف.. هل هي مصادفة أخرى.

– غريب!

– سورة الرعد تبدأ بالحروف «المر» قدم لنا العقل الإلكتروني إحصائية بتوارد هذه الحروف في داخل السور كالآتي:
(ا) ترد ٦٢٥ مرة.
(ل) ترد ٤٧٩ مرة.
(م) ترد ٢٦٠ مرة.
(ر) ترد ١٣٧ مرة.
هذا وفي ترتيب تنازلي: ا ثم ل ثم م ثم ر بنفس الترتيب الذي كتبت به «المر» تنازلياً، ثم قام العقل الإلكتروني بإحصاء معدلات توارد هذه الحروف في المصحف كله.. وألقى إلينا بالقنبلة الثانية: أن أعلى المعدلات والمتوسطات لهذه الحروف هي في سورة الرعد.. وأن هذه السورة تفوقت حسابياً في هذه الحروف على جميع المصحف.
نفس الحكاية في «الم» سورة البقرة.
(ا) وردت ٤٥٩٢ مرة.
(ل) وردت ٣٢٠٤ مرة.
(م) وردت ٢١٩٥ مرة.
بنفس الترتيب التنازلي «الم».
ثم يقول لنا العقل الإلكتروني إن هذه الحروف الثلاثة لها تفوق حسابي على باقي الحروف في داخل سورة البقرة.
نفس الحكاية في «الم» سورة آل عمران.
(ا) وردت ٢٥٧٨ مرة.
(ل) وردت ١٨٨٥ مرة.
(م) وردت ١٢٥١ مرة.
بنفس الترتيب التنازلي «الم» وهي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف.
نفس الحكاية «الم» سورة العنكبوت.
(ا) وردت ٧٨٤ مرة.
(ل) وردت ٥٥٤ مرة.
(م) وردت ٣٤٤ مرة.
بنفس الترتيب التنازلي «الم» وهي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف.
نفس الحكاية في «الم» سورة الروم.
(ا) وردت ٥٤٧ مرة.
(ل) وردت ٣٩٦ مرة.
(م) وردت ٣١٨ مرة.
بنفس الترتيب التنازلي «الم» ثم هي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف.
وفي جميع السور التي ابتدأت بالحروف «الم» نجد أن السور المكية تتفوق حسابياً في معدلاتها على باقي السور المكية، والمدنية تتفوق حسابياً في معدلاتها من هذه الحروف على باقي السور المدنية، وبالمثل في «المص» سورة الأعراف.
يقول لنا العقل الإلكتروني إن معدلات هذه الحروف هي أعلى ما تكون في سورة الأعراف، وأنها تتفوق حسابياً على كل السور المكية في المصحف.
وفي سورة «طه» نجد أن الحرف ط والحرف هـ يتواردان فيها بمعدلات تتفوق على كل السور المكية.. وكذلك في «كهيعص» سورةمريم، ترتفع معدلات هذه الحروف على كل السور المكية في المصحف.
كما نجد أن جميع السور التي افتتحت بالحروف «حم» إذا ضم بعضها إلى بعض فإن معدلات توارد الحرف ح والحرف م تتفوق على كل السور المكية في المصحف.
وبالمثل السورتان اللتان افتتحتا بحرف «ص» وهما سورة «ص» والأعراف «المص» ويُلاحظ أنهما نزلتا متتابعتين في الوحي.. إذا ضُمتا معاً تفوقتا حسابياً في هذه الحروف على باقي المصحف.
وكذلك السور التي افتتحت بالحروف «الر» وهي: إبراهيم، ويونس، وهود، ويوسف، والحجر، وأربع منها جاءت متتابعة في تواريخ الوحي.. إذا ضُم بعضها إلى بعض.. أعطانا العقل الإلكتروني أعلى معدلات في نسبة توارد حروفها «الر» من كل السور المكية في المصحف.
أما في سورة «يس» فإننا نلاحظ أن الدلالة موجودة ولكنها انعكست.. لأن ترتيب الحروف انعكس، فالياء في أول يس «بعكس الترتيب الأبجدي».
ولهذا نرى أن توارد الحرف «ي» والحرف «س» في السورة، هو أقل من توارده في جميع المصحف مدنياً ومكياً.
فالدلالة الإحصائية هنا موجودة ولكنها انعكست.

كان صاحبي قد سكت تماماً.
قلت وأنا أطمئنه:
– أنا لا أقول هذا الكلام من عند نفسي، وإنما هي دراسة قام بها عالم مصري في أمريكا، هو الدكتور رشاد خليفة.. وهذا الكتاب الذي بين يديك يقدم لك هذه الدراسة مُفصلة.

Miracle of the Quran
Islamic Productions international In St. Louis mo

وقدمت إليه كتاباً إنجليزياً مطبوعاً في أمريكا للمؤلف.

أخذ صاحبي يُقلب الكتاب في صمت.
قلت:
– لم تعد المسألة مصادفة وإنما نحن أمام قوانين مُحكمة، وحروف محسوبة، كل حرفٍ وُضع بميزان ورُحتُ أتلو عليه من سورة الشورى:

«ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ»

[الشورى: ١٧]

وأي ميزان؟ نحن هنا أمام ميزان يدق حتى يزن الشعرة والحرف.. أظن أن فكرة النبي الذي يؤلف القرآن، ويقول لنفسه سلفاً، سوف أؤلف سورة الرعد من حروف «المر» وأورد بها أعلى معدلات من هذه الحروف على باقي الكتاب، وهو لم يؤلف بعد الكتاب، مثل هذا الظن لم يعد جائزاً.. وأين هذا الذي يُحصي له هذه المعدلات وهي مهمة لا يستطيع أن يقوم بها إلا عقل إلكتروني؟ ولو تكفل هو بها فإنه سيقضي بضع سنين ليحصي الحروف في سورة واحدة، يجمع ويطرح بعلوم عصره، وهو لا يعرف حتى علوم عصره، وهل سيؤلف أو يشتغل عداداً للحروف؟
نحن هنا أمام استحالة.
فإذا عرفنا أن القرآن نزل مفرقاً ومقطعاً على ٢٣ سنة فإن سوف نعرف أن وضع معدلات إحصائية مسبقة بحروفه هي استحالة أخرى..
وأمر لا يمكن أن يعرفه إلا العليم الذي يعلم كل شيء قبل حدوثه، والذي يحصي بأسرع وأدق من كل العقول الإلكترونية.. اللّٰه الذي أحاط بكل شيء علماً.. وما هذه الحروف المقطعة في فواتح السور إلا رموز عِلمه، بثها في تضاعيف كتابه، لنكتشفها نحن على مدى الزمان.

«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ»

[فصلت: ٥٣]

ولا أقول إن هذه كل أسرار الحروف.. بل هي مجرد بداية لا أحد يدري إلى أي آفاق سوف توصلنا.

وهذه الحروف بهذه الدلالة الجديدة، تنفي نفياً باتاً شبهة التأليف.
ثم هي تضعنا أمام موازين دقيقة ودلالات عميقة لكل حروفه، فلا يجرأ أحدنا أن يقول إنه أمام أي كلام.. ألا ترى يا صاحبي أنك أمام كلام لا يمكن أن يكون أي كلام.

ولم يجب صاحبي.. وإنما ظل يُقلب الكتاب الإنجليزي ويتصفحه ثم يعود فيُقلبه بدون أن ينطق بحرف.

بقي أن أضيف شيئاً.. للأسف غريباً ومحزناً.. فالرجل الذي بحث في هذه الأسرار (رشاد خليفة) فقد عقله في النهاية واختل تفكيره وتصور أنه نبي ملهم.. ومات في أمريكا مقتولاً.. وأُغلق ملف هذه الأسرار إلى الأبد.

حوار مع صديقي الملحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن